قراءة فى كتاب مراجعات الاسلاميين دراسة فى تحولات النسق السياسي والمعرفي.... محمود المنير

قراءة فى كتاب

مراجعات الاسلاميين

دراسة فى تحولات النسق السياسي والمعرفي

*****************************

بيانات الكتاب :

اسم الكتاب : مراجعات الاسلاميين (دراسة فى تحولات النسق السياسي والمعرفي).

المؤلف : بلال التليدي.

عدد صفحات الكتاب :414 من القطع المتوسط.

الناشر : مركز نماء للبحوث والدراسات.

سنة الطبع : الطبعة الأولى 2013.

***********************

عرض وتقديم : محمود المنير

*************************

نبذة عن المؤلف :

بلال التليدي كاتب وباحث مغربي ، متخصص في شؤوون الحركات الإسلامية ، حاصل على دبلوم الدراسات المعمقة في الفكر الإسلامي من جامعة محمد الخامس بالمغرب ، وعضو اللجنة العلمية بالمعهد العالمي للفكر الاسلامي، كاتب وصحفي بجريدة التجديد المغربية ،له الكثير من الاسهامات البحثية، منها : ذاكرة الحركة الاسلامية المغربية ، الاسلاميون والربيع العربي ، الاسلاميون ومراكز البحث الأمريكية ،حوار مع النخبة العلمانية في المغرب .

لماذا هذا الكتاب ؟

لأن مراجعات الإسلاميين تتعرض لكثير من سوء الفهم أو سوء التوظيف فهى أكثر تعقيدا مما يظن البعض ، وأكثر تعددا مما يظن آخرون ..لذا تأتي هذه الدراسة لتدخل مراجعات الاسلاميين وتحولاتهم الفكرية والسياسية إلى مشرحة التحليل ، ولتتعاطى مع أبعاد ظاهرة المراجعات في توترها وديناميتها وأنماط علاقاتها التفاعلية ، وتجتهد في بحث جميع العلميات والسيرورات التي تمر منها هذه التحولات ، مع تقديم نموذج تفسيري يجمع أجزائها ، ويقدم الاجابات عن البياضات التي تركتها الدراسات السابقة.

وهذا الكتاب يحاول الكشف عن أعطاب تلك الدراسات من خلال الخطاطات الفكرية والمدونات الأساسية لأصحاب تلك المراجعات في الحركات الإسلامية ، محاولاً الكشف عن طبيعتها، ويقدم الكتاب مسحا عاما للمرجعات الإسلامية في سياقاتها المختلفة من الخط الجهادي إلى الخط السلمي ، ومن العمل الثوري إلى النضال الدستوري ، ويمثل الكتاب الحلقة الثانية من سلسلة دراسات تتعلق بفهم ودراسة طبيعة الحالة الإسلامية والتعريف بها وبأفكارها ونماذجها المختلفة وخطابها الدعوي والفكري والسياسي.

وأخيراً يحاول هذا الكتاب أن يكشف عن خط سير الأفكار ونسقها السياسى والمعرفي ، ويحدد من أين بدأت ؟ وإلى أين انتهت ، وما المنعطفات والتحولات التي تعرضت لها ، بهدف فهم الحالة الاسلامية المعاصرة .

طبيعة مراجعات الإسلاميين :

الناظر إلى طبيعة المراجعات التي تقوم بها الحركات الاسلامية وما يميزها ، وفقا لما رصده المؤلف يجد أنها تجمع بين البعد السياسي والبعد المعرفي ، أي : بين مراجعة الموقف السياسي من السلطة القائمة ، أو من مكونات الطيف السياسي والمدني أو من المجتمع بشكل عام ، وبين عملية التأصيل المستمدة من الأفهام المقدمة للنص الشرعي ، أو من التعاطي مع التراث الإسلامي الأصولي والفقهي منه على الخصوص.

فمراجعة الموقف السياسي لاتنفك عن عملية التأصيل ، إذ يتلازمان تلازم الحكم الشرعي مع آليات استباطه ، مما يجعل المراجعة في الأخير مراجعتين : مراجعة في الفكر ( المواقف الفكرية والسياسية) ومراجعة في أدوات إنتاجه ( البناء الأصولي للموقف).

دواعي المراجعات

يشير المؤلف إلى أن تفسير هذه المراجعات الجرئية التي قامت بها الجماعات الجهادية والتي حدثت من داخل السجن ، إنما يوعز وبدرجة أساسية إلى التقييم الذى حصل ، والحوارات التي انطلقت بين قيادات هذه الجماعات على مستوى مجموعة من المفاهيم التي كانت مؤسسة للعمل الجهادي ولذلك ، فلاعجب أن نجد من داخل هذه المراجعات تأصيلا كثيفا لشرعية مراجعة الأقوال والمذاهب الفقهية، وأن التراجع عن قول إلى قول إذا ظهر ما يبرره هو أمر محمود شرعاً ، بل إنه المطلوب شرعاً .وهو جواب استباقي لكل عملية انتقاد تحاول أن تصور المراجعات ، بما هي اختيار فكري مبني على تأصيل شرعي وواقعي يراعي المصلحة الشرعية ومصلحة الدعوة ، على أساس كونها عملية تراجع سياسي ، مصدرها جبن أو خضوع لاكراه ، أو حتى تسوية سياسية على حساب الدعوة .

التحولات الفكرية والسياسية

بحث المؤلف مراجعات الاسلاميين ، الجهاديين منهم ، وغير الجهاديين ، سواء منهم من اختار المشاركة السياسية ، أو من فضل تبني الخيار السياسي السلمي من خارج العملية السياسية . وقسم الدراسة غلى ثلاثة فصول ، خصص الاول لتحديد المفاهيم ، بما يمكن من حصر مجال الدراسة وتدقيق مفرداتها ، حيث تناول في الفصل الأول مفهوم المراجعات بما يستع لاستيعاب أشكال كثيرة من التحولات التي عرفتها الحركات الاسلامية ، جهادية كانت أم غير جهادية ، وخصص المبحث الثاني منه لرصد ثلاث حلات مراجعات قدر أنها تمثل التوجهات الثلاثة المستوعبة لكافة التحولات التي عرفتها الحركات الاسلامية بمختلف أطيافها،وقدم توصيفا دقيقا لمفاصل هذه المراجعات وخطواتها العامة .

الأنساق المعرفية الثلاثة

وتناول المؤلف في الفصل الثاني ، الانساق المعرفية الثلاثة التي تنظم خطاطات الاسلاميين  السياسية ، وقدم تفسيراً عميقا للمناهج الأصولية لاكتشاف الخطوط العامة لنظرية المعرفة السياسية التي تجمع تفاصيل هذه الحالات الثلاثة ،المندرجة تحت مسمى الظاهرية السياسية ، مع بسط الدوافع المنهجية والمفهومية التي بررت اختيار الظاهرية كمفهوم مؤطر ، وتبرير العلاقة بينها وبين الظاهرية كما ارتسمت في التراث المعرفي الاسلامي .

تفسير ظاهرة المراجعات

في الفصل الثالث قدم المؤلف نموذج تفسيري لمراجعات الاسلاميين معللا ظاهرة تحولات الاسلاميين وانعطافهم نحو المراجعات لعدة مداخل هي :

- مدخل الاندماج في العملية السياسية : فدخول الاسلاميين في العملية السياسية واندماجهم فيها هو الذي يدفعهم بشكل متدرج إلى اجراء تحولات عميقة  في الرهانات والحطاب ونظريات العمل ،وتعتبر هذه العملية السايسية تقوم على قواعد اللعب ، وهي التي تضطر الاسلاميين الي تكييف معتقداتهم وصياغنها في شكل سياسات عمومية ومحاولة التدافع السياسي لتمريرها وفق الاليات الديمقراطية .

- مدخل الخطاب الفكري للتنظيم : فالحركات الاسلامية التي تبنت في الأصل أسساً فكرية رافضة للعنف لم تجد أي عائق يمنعها نحو التحول في فكرها وسلوكها السياسي بخلاف الحركات التي تبنت العنف ، فإنها لم تستطع أن تطور أطروحتها السياسية حتى لواضطرت لاعتبارات تكتيكية – مرتبطة بتعذر توافر الشروط – بإيقاف العنف .

- مدخل الديمقراطية الداخلية : فالتنظيمات الاسلامية التي تتمتع بديمقراطية داخلية تسمح بالتداول الواسع للأفكار وتقيد صناعة القرار بآلية الشورى ، تستطيع أن تراجع مواقفها وتحدث تحولات في خطابها وسلوكها السياسي من غير خشية على وحدة التنظيم ، ذلك أن هذه الديمقراطية الداخلية تمثل حصانة حقيقية للتنظيم وأداة لتصريف الخلافات داخل القيادة وبين الأجيال داخل التنظيم الواحد.

- مدخل الشرعية القانونية : فالحركات الاسلامية المعترف بها قانونياً ، عرفت تحولات في خطابها الفكري والسياسي في حين ظلت الحركات الاسلامية المحظورة خارج هذه الدينامية وعطب هذا المدخل ، أن حركات اسلامية كثيرة نالت الاعتراف القانوني مثل ( الإخوان المسلمين في الأردن ) ولم تعرف معشار ما عرفته بعض التنظيمات المحظورة مثل ( حركة النهضة التونسية ).

- مدخل السقف الزجاجي : ذلك أن شكل النظام السياسي يعتبر محدداً رئيسا في تفسير مراجعات الاسلاميين وتحولات الفكرية والسياسية . وتباعا لذلك ، يتم ترشيح حزب العدالة والتنمية والإخوان المسلمين فى الأردن كحركات معتدلة ، ويتم تصنيف حركة الإخوان المسلمين المصرية كحركة متطرفة عصية على المراجعات .

- مدخل  الحرية والليبرالية الاقتصادية : حيث يرى أن تحولات الحركات الاسلامية في اتجاه الاعتدال مرتبط بمؤشرات الانفتاح الاقتصادي والقدرة على الاستجابة لمتطلبات الاندماج في الأسواق العالمية ، وتعويض الفئات الاجتماعية التي لم تستفد من هذا الانفتاح الاقتصادي.

- مدخل التثاقف : وتقوم المقاربة التي تتبناه على الفرص التي تتاح للحركات الإسلامية  وقياداتها لافادة من التجارب الأخرى ، وأنه بقدر الاحتكاك بهذه التجارب ، يحصل قدر من التأثر بإجاباتها وأشكال تعاطيها مع القضايا ، مثال إفادة التجربة التونسية من التجربة السودانية وكيف اعتبرتها تجربة ملهمة .

خلاصات الدراسة :

سجل المؤلف في ختام دراسته لمراجعات الاسلاميين جملة من الخلاصات التي يمكن أن تحدد بعض الاستشرافات المرتبطة بمآل ظاهرة المراجعات منها :

1.     أن المراجعات لم تكن أمراً لصيقاً بالحركات الجهادية فقطـ ، ولا حتى بالحركات الاسلامية التي تجاوزت النسق القطبي أو المودودي ، وإنما ارتبطت بتحولات النسق السياسي والمعرفي الذي تعرفهالحركات الاسلامية .

2.     أن قضية المراجعات ليست مرتبطة فقط بالاسلاميين ، وإنما ظاهرة تعرفها كل التيارات السياسية  في الوطن العربي ، فالحركات اليسارية  خاضت نفس المخاض الذى عرفته الحركات الاسلامية ، وفارقت تجربة العنف وتخلت عن الخيار الثوري والانقلابي وانتجت العديد من المقولات التي أسستها بناءاً على أرضيتها النظرية والايدلوجية لتبرر بها الانتقال مما كانت تنعته في السابق بالخيار " الاصلاحي" إلى ما صارت تسميه اليوم بالخيار "الديمقراطي" .

3.     أثبتت الدراسة في مستوياتها الثلاثة أنها لاتتجاوز الموقف السياسي .ففي حالة الجماعات الجهادية تدور كل محاور المراجعات على إبطال المسوغات الشرعية والواقعية للخيار الجهادي وفي نفس الوقت تصحيح القناعات بهذا الشأن .وفي حالة باقي المكونات الاسلامية ، تطال المراجعات قضية الموقف من السلطة على النحو الذى يظهر مرونتها واعتدالها وواقعيتها وقبولها الاندماج في اللعبة السياسية وتبنيها للديمقراطية والتدوال على السلطة. وفي المستوى الثالث للمراجعات ، تركزت التحولات على فكرة الانتقال من العمل السياسي المؤطر بمنطق الدعوة الى العمل السياسي الى العمل السياسي المؤطر بمنطق السايسات العمومية ، كما تركزت على فكرة التخفيف من المدخل القيمي والهوياتي لصالح مدخل الدمقرطة والحكامة. ففي جميع هذه المستويات الثلاثة ، تتسم توجهات المراجعات بكونها تركز على البعد السياسي أكثر من تركيزها على شئ آخر.

 

4.     أن النسق المعرفي المقاصدي ، الذى أثبت قدرته على مواكبة تحولات الاسلاميين وتسويغها ، وأثبت أيضا قدرته على مواجهة التحديات التي تواجهها الحركات الاسلامية ليس فقط على المستوى المنهجي والفقهي ، وإنما على المستوى السياسي. وأثبتت الدراسة قدرة هذا النسق المعرفي على تدبير التوترات الداخلية فحيثما حضرت المقاصد، استمر التنظيم وتطورت أطروحته السياسية والفكرية وتعززت آلته التنظيمية ، واستطاع الفاعل الاسلامي أن يمر من مرحلة التفاعلات من غير خسائر ، بل واستطاع أن يشغل " التغذية الراجعة " بفعالية أكبر. مفاد هذه الخلاصة ، أن كل الاعطاب والاختلالات الوظيفية التي كان الاسلاميون يواجهونها في نسق التفاعلات الملموس ، وجدت حلولها مع النسق المعرفي المقاصدي.

تحميل المرفقات :

هذا المقال يعبر عن رأي كاتبه ولا يعبر بالضرورة عن رأي مجموعة التفكير الاستراتيجي

قيم الموضوع
(0 أصوات)
Go to top