قراءة في أبرز إصدارات المراكز البحثية الاسرائيلية خلال العالم 2018

 

بقلم عماد أبو عوّاد

معلومات مهمّة:

  • 55% من اليهود يعتبرون أنّ الوضع جيد في دولتهم.

  • 39% يرون أنّ المركب اليهودي بات أقوى من الدمقراطي في الدولة.

  • نسبة الثقة في الحكومة، الأحزاب والكنيست الإسرائيلي متدنية جدّاً.

  • علاقة "إسرائيل" بيهود الولايات المتحدة في تراجع مستمر، وقد ينعكس ذلك على أمن الدولة العبرية.

  • نصف يهود الولايات المتحدة عارضوا نقل سفارة الولايات المتحدة للقدس.

  • التحدي الأمني على الجبهة الشمالية والجنوبية، لا يزال في تصاعد مستمر.

  • قانون القومية الإسرائيلي، قد يسبب مآزق كبيرة للدولة العبرية مستقبلاً.

مقدمة

تتناول هذه القراءة أبرز القضايا الأكثر نقاشاً في مراكز البحث الإسرائيلية خلال العام 2018. حيث ستشمل على قراءة في مقياس الديمقراطية الإسرائيلي، الصادر عن المركز الإسرائيلي للدمقراطية، حيث يتناول الاستطلاع الذي يصدر على شكل كتاب، يُقدم لرئيس دولة الاحتلال، رأي الجمهور الإسرائيلي في مؤسسات حكمه، وطبيعة حياته في الدولة.

على الجانب الآخر، ستتناول القراءة قضية علاقة "إسرائيل" بيهود العالم، وتحديداً يهود الولايات المتحدة مساحة من النقاش والخوف، حيث إنّ التوتر ما بينهما وصل إلى حدود الاتهامات المتبادلة، والشعور بتراجع الترابط بينهما، وقد صدر عن معهد دراسات الأمن القومي كتاب بخصوص هذه القضية، وحمل الكتاب اسم " يهود الولايات المتحدة والأمن القومي الإسرائيلي".

فيما كان للواقع الأمني واحتمالات التصعيد سواءً على الجبهة الشمالية أو الجنوبية حيّزٌ واسعٌ من التغطية في المراكز البحثية، وهذا ما ستسلط القراءة عليه الضوء وفق ما ورد في مركزي هرتسليا، ومركز بيجن سادات للدراسات.

كما تتناول القراءة قانون القومية، الذي لاقى شرخاً كبيراً في المجتمع الصهيوني حياله، وحول إمكانية انقلابه لمنصة فصل عنصري في الداخل الإسرائيلي.

أولاًالقضايا الاستطلاعية.

صدر عن "المركز الإسرائيلي للدمقراطية"1. كتاب، "قياس الدمقراطية الإسرائيلي"، وهو من أهم الإصدارات السنوية على مستوى الدولة، وقد تناول قضايا متنوعة[CITATION هير \l 11265 ].

1- كيف تقيّم الوضع العام للدولة.

أجاب 18% من اليهود أنّ الوضع العام لدولتهم جيد جيداً، فيما 37% اعتبروا أنّ الوضع جيد، فيما 29% اعتبروا أنّ الوضع متوسط، مقابل 7% سيء، و7% سيء جدا، و2% لم يستطيعوا تقييم الوضع.

اللافت للنظر أنّ نسبة من يرون الوضع فوق الجيد، تجاوز 55%، وهي نسبة مرتفعة جداً، والأعلى منذ 15 عاماً، حيث كانت النسبة في العام 2003، فقط 18%، عام 2011 وصلت ل23%، عام 2016 بحدود 40%، واليوم 55%.

بتحليل النتائج وُجد أنّ غالبية اليمين الإسرائيلي، والذين يُشكلون الغالبية في الدولة، قيمت الوضع على أنّه جيد، فيما أحزاب المركز "الوسط" واليسار كانت غالبيتهم ترى الوضع العام متوسطا.

ويُمكن فهم هذه النتائج في ثلاثة محاور مهمّة، الأول الواقع الأمني، الثاني الاقتصادي، والثالث التغييرات الداخلية في توجه الجمهور الإسرائيلي.

وبتناول هذه المتغيرات الثلاث، "الأمني، الاقتصادي والتغييرات الداخلية في توجهات الجمهور"، رغم وجود تصعيد أمني ما بين الفينة والأخرى، ووجود عمليات في الضفة، فإن غالبية هذه العمليات بقيت على أطراف الدولة، بمعنى لم تمس غالبية الشريحة الإسرائيلية، فيما الوضع الاقتصادي بشكل عام للإسرائيليين جيد، وحقق الاقتصاد الإسرائيلي بالمقارنة مع غيره قفزات كبيرة. وفي ظل حكم اليمين وازدياد حالة التجاذب الكبيرة داخل المجتمع الإسرائيلي، فإنّ التصويت حيال وضع الدولة، سيكون تصويتاً حزبياً، بمعنى أنّ غالبية اليمين ستقيم الوضع جيداً، من منطلقات فكرية تتعلق بطبيعة الحكم والعكس صحيح في هذا الإطار.

2- هل "إسرائيلدمقراطية أم يهودية.

أحد أبرز القضايا التي تناولتها غالبية مراكز الأبحاث الإسرائيلية في العام 2018، هل "إسرائيل" دولة يهودية أم دمقراطية، أم يهودية دمقراطية، وقد كانت الإجابات على هذا التساؤل على النحو التالي، حيث اعتبر 39% من اليهود أنّ المركب اليهودي بات أقوى من الدمقراطي في الدولة العبرية، مقابل 24% أشاروا إلى عكس ذلك، و30% قالوا أنّ المركبين متساويان في الدولة، ولا يطغى أحدهما على الآخر[ CITATION هير \l 11265 ].

هذه المعطيات جاءت بعد سلسلة من التوترات على خلفية إقرار الكنيست لقانون القومية، الذي منح المركب اليهودي قوّة أكبر من المركب الدمقراطي، وهناك من اعتبر أنّ زيادة قوّة اليهودية على حساب الدمقراطية، سيُدخل الدولة العبرية في أزمات ذات علاقة بهوية الدولة، وانعكاس ذلك على علاقتها بدول العالم الدمقراطية، وزيادة صورتها كدولة فصل عنصري في العالم، في ظل تعاملها على أنّ حق تقرير المصير في الدولة هو فقط لليهود، وتحويل أصحاب الأرض إلى أقلية في أرضهم.

3- ما مدى ثقتك بمؤسسات الحكم؟

من الأسئلة الأبرز التي توجه للجمهور الإسرائيلي، هي مدى ثقته في المؤسسات الحاكمة، وقد كانت النتائج للعام 2018 على النحو التالي[ CITATION هير \l 11265 ].

المؤسسة نسبة الثقة
الجيش 89%
رئيس الدولة 68%
مؤسسات الحكم المحلي 60%
المحكمة العليا 55%
الشرطة 52%
المستشار القضائي للحكومة 47%
الحكومة 34%
الإعلام 33%
الكنيست 30%
الأحزاب 16%



 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

نسب ثقة الجمهور الإسرائيلي بمؤسساته تقريبا ثابتة خلال الأعوام الأخيرة، وفي الوقت الذي تراجعت فيه الثقة في الجيش قليلاً، كون الجمهور الإسرائيلي رغم النقد الكبير لجيشه، ما زال يتخوف من سقوط قيمة الحصن الأخير الذي اعتاد هذا الجمهور منحه قدسية.

فيما تدني نسب ثقة الجمهور بالحكومة، الكنيست والأحزاب، وهي ثلاثة مكونات مرتبطة ببعضها، فإنّه ينبع من حجم الفساد الكبير الذي بات يُسيطر عيلها، فما التحقيق مع رئيس الوزراء الإسرائيلي واقترابه من لائحة اتهام، إلى جانب التحقيق مع الكثير من الوزراء وأعضاء الكنيست، إلّا مؤشر قوي لحجم الفساد وتقديم المصلحة الشخصية، الأمر الذي جعل الثقة فيها هي الأدنى في الدولة[ CITATION عنب18 \l 11265 ].

4- هل قيادة الدولة فاسدة؟

في ظل انتشار التحقيق مع رئيس وزراء الاحتلال، والتحقيق مع مجموعة من الوزراء والسياسيين، تم طرح التساؤل، إلى أي مدى قيادة الدولة فاسدة، ووفق الاستطلاع 29% أشاروا أنّ قيادتهم فاسدة جداً، و19% فاسدة، و32% ذهبوا باتجاه أنّ الفساد متوسط، فيما 13% أشاروا أنّ قيادة الدولة غير فاسدة، و6% غير فاسدة بالمطلق، و2% لم يُعطوا موقفاً.

النسب أعلاه تُشير إلى أنّ أكثر من نصف الجمهور الإسرائيلي، يعتبر أنّ قيادته فاسدة، وربما هذا ينبع من تورط الكثير من القيادات بقضايا فساد، لكنّ الغريب أنّ هذا الجمهور يعود لينتخب نفس القيادات، في إشارة واضحة إلى عُمق أزمة القيادة في "إسرائيل" وعدم قدرة الدولة على تفريخ قيادات جديدة، ولربما المؤسسة العسكرية، هي أكبر تلك المؤسسات التي عقُمت عن تخريج قيادات ذات ثقل كبير، كما اعتادت سابقاً.

5- إلى أي مدى تعتقد أنّ هناك تضامنا داخليا في الدولة.

في ظل تزايد الفجوات الداخلية في المجتمع الصهيوني، تم طرح التساؤل، هل تعتقد أنّ هناك تكافلا وتضامنا داخليا، وقد توزعت الإجابات على النحو التالي، 25% اعتبروا أنّ هذه الظاهرة منخفضة في "إسرائيل"، فيما 31% رأوا أنّها متوسطة، و34% رأوها مرتفعة فيما لم يعبر البقية عن رأيهم في هذه الظاهرة.

ظاهرة تراجع التكافل العام في الدولة، باتت من القضايا المقلقة خلال العقدين الأخيرين، حيث تُشير المعطيات الإسرائيلية، إلى أنّ الفردية وحب الذات وتقديمها على المصلحة العامة، باتت هي السمة الغالبة في الدولة العبرية، الأمر الذي جعل حالة التهميش التي تُعاني منها بعض الشرائح في الدولة، حالة ثابتة توحي إلى حجم تراجع الشعور بالوحدة الداخلية الإسرائيلية[ CITATION ران17 \l 11265 ].

ثانياًالعلاقة مع يهود الولايات المتحدة.

من بين أبرز القضايا التي لاقت تركيزاً كبيراً خلال العام المنصرم، كانت قضية علاقة "إسرائيل" بيهود الولايات المتحدة، على خلفية تراجع الحكومة الإسرائيلية عن منح الإصلاحيين، الذين ينتمي غالبية يهود أمريكا لهم، مكاناً للصلاة عند حائط البراق، وعدم اعتراف الحكومة بتيارهم الديني كتيار رسمي في الدولة، الأمر الذي اعتبره البعض، الورقة التي باتت تكشف عن توتر كبير في علاقة الدولة بالطائفة التي تُشكل أكثر من 40% من يهود العالم.

وقد قدّم معهد دراسات الأمن القومي2، كتاباً تناول هذه القضية تحت عنوان، "يهود الولايات المتحدة ومساهمتهم في الأمن القومي الإسرائيلي"[ CITATION اور181 \l 11265 ]، وقد أكدّ الكتاب على أهمية الدعم الكبير ليهود الولايات المتحدة لضمان الأمن الإسرائيلي، مشيراً أنّ العلاقة بين "إسرائيل" ويهود الولايات المتحدة أسهمت في تطور كلا الطرفين.

مؤخراً وفق كاتبي الكتاب، تشهد الأجيال الحالية بين الطرفين، ظاهرة تباعد وتنافر، وتراجع شعور الارتباط والتضامن بينهما، وهذا بدوره سينعكس على الدولة وأمنها، وعلى صورتها الخارجية، وعلى استمرارية التعاون بين الجانبين، في ظل أنّ الجالية اليهودية الأمريكية هي أكبر الداعمين للدولة العبرية.

ورغم المساعي الكبيرة التي يقوم بها رئيس الدولة العبرية رؤوبن ريبلين منذ منتصف العام 2017، لرأب الصدع بين الطرفين، فقد جاءت النتائج لتُشير إلى أنّ التباعد مستمر، ففي الوقت الذي عبر فيه 80% من يهود "إسرائيل" عن رضاهم عن نقل السفارة الأمريكية للقدس، فقد عبر 50% من يهود الولايات المتحدة رفضهم ذلك[ CITATION الق182 \l 11265 ]، وفي الوقت الذي يدعم فيه 80% من يعود الولايات المتحدة الزواج المدني، فإنّ 55% من يهود "إسرائيل" يعارضون ذلك[ CITATION الق182 \l 11265 ]، وهذا يُشير إلى اختلاف مركزية الدين ما بين الطرفين، الأمر الذي بات يُشير إلى تعمق الفجوة في النظرة لسلوك الدولة ما بين التيارين، هذا بالإضافة إلى قضايا أخرى باتت توجد فجوة كبيرة بين الطرفين وتوجهاتهما وعلاقاتهما.

وقد أكدّ كاتبو الكتاب أنّ "إسرائيل" حققت قفزات اقتصادية كبيرة، وهي دولة تكنولوجية متقدمة، لكنّ ذلك لن يكون كافياً دون وجود مظلة من العلاقات الدولية، وتحديداً مع الولايات المتحدة، التي ستتأثر بطبيعة الحال بالتوجه للجالية اليهودية الموجودة فيها، والتي تزيد عن 5 مليون مواطن، وبالتالي قد ينعكس مزاجها سلباً على الحُكم في الولايات المتحدة التي تُعتبر الداعم الأكبر للدولة العبرية.

الأبحاث الإسرائيلية وعند تحليلها لظاهرة تراجع العلاقات والفجوة بين يهود الولايات المتحدة وإسرائيل الآخذة في الاتساع، فإنّها تنسب ذلك إلى التغييرات الكبيرة في ظل ظاهرة العولمة منذ مطلع تسعينيات القرن الماضي، حيث أسهمت بازدياد اتجاه الشباب اليهودي في الولايات المتحدة نحو الليبرالية، والزواج المختلط مع غير اليهود، الأمر الذي حولهم إلى يهود يرون بالولايات المتحدة وطناً قومياً لهم، ول"إسرائيل" كدولة تستحق الدعم على أسس دمقراطية، وليس يهودية، كما يريدها التيار الصهيوني الديني في "إسرائيل"، الذي بات يحول الدولة إلى دولة يهودية، أي دولة القوم اليهودي، وقدم فيها القيم اليهودية على الدمقراطية، الأمر الذي بات يجعل من هذا التيار وصيا على الدولة، التي من المفترض أنّها تُمثل اليهود كافة، بغض النظر عن توجههم الديني.

هذا التباعد وفق الكتاب، سينعكس سلباً في اتجاهات مختلفة على الدولة العبرية والطائفة اليهودية، ليس فقط في الولايات المتحدة، ولكن أينما وُجدت، حيث سيؤثر ذلك على أمن "إسرائيل"، وعلى صورتها كدولة قومية للشعب اليهودي، وربما ينعكس على تراجع دعم الحزب الدمقراطي الأمريكي للدولة العبرية، من منطلق أنّ غالبية اليهود ينتمون أو يؤيدون الدمقراطيين، وبالتالي أن تتحول الساحة السياسية في أمريكا مع مرور الوقت، لمؤيد ومناهض للدولة العبرية [ CITATION اور181 \l 11265 ].

ونوّه الكتاب أنّ على "إسرائيل" الحفاظ على ارتباط يهود الولايات المتحدة بها، ومساعدة الطائفة هناك، للوقوف بوجه المعاداة المتزايدة لها ولليهود بشكل عام في العالم، لأنّ ذلك سينعكس في الوقوف بوجه ظاهرة اللاشرعية التي تحيط ب"إسرائيل"، وباتت تأخذ منحنى متصاعدا. وعلى الدولة أن تعمل وبشكل فعّال، لتغيير النظرة السلبية التي باتت تنتشر بين أوساط مواطني الدولة العبرية ضد يهود الخارج، وأن تتعاون مع الوكالات اليهودية العالمية، لزيادة مركزية الدولة العبرية بين أوساط يهود العالم.

وفي الوقت الذي طالب يهود الولايات المتحدة بالاعتراف بتيارهم الإصلاحي كتيار ديني رسمي في "إسرائيل" رفضت الحكومة ذلك، وذهبت القيادات الدينية في الدولة العبرية، كما أشار الراب شلومو ابينار إلى اعتبار غالبية اليهود هناك ليسوا يهوداً كونهم متزوجين من غير يهوديات، وأشارت القائمة بأعمال وزير الخارجية تسيبي حتوبولي أنّ يهود الولايات المتحدة يعيشون براحة ولا يحاربون من أجل "إسرائيل"[ CITATION ايت172 \l 11265 ]، الأمر الذي بات يؤكد على عمق الخلافات التي تُشير الدراسات إلى ضرورة جسرها قبل فوات الأوان.

ثالثاًالتحديات الأمنية.

التحديات الأمنية وتحديداً من الجبهتين الشمالية والجنوبية، إلى جانب ساحة الضفة الغربية، أخذت حيزاً واسعاً من النقاش في أهم المراكز البحثية الإسرائيلية، فقد تناول مركز هرتسلياللدراسات الاستراتيجية3. التحدي على الجبهة الشمالية، في ظل الوجود الإيراني واستمرار الاستهداف الإسرائيلي للأهداف الإيرانية في الأراضي السورية، إلى جانب احتمالية الاحتكاك مع حزب الله في ظل ما أعلنت عنه "إسرائيل" من عملية لتدمير الأنفاق على الجبهة الشمالية.

وقد تناول مركز هرتسيليا للدراسات هذه القضية في يوم دراسي بحضور نخبة من الأمنيين الإسرائيليين، تحت عنوان "خيال نصر الله، دفعه لرفع العلم على المطلة"[ CITATION مرك184 \l 11265 ]، حيث أكد اللواء السابق ورئيس المركز، عاموس جلعاد أنّ لبنان هي دولة حزب الله، وهو المسير الحقيقي للدولة بفعل القوّة التي يمتلكها، وقد توقع اللواء السابق كذلك كوبي مروم، أنّ جزءا من الجيش اللبناني سيجد نفسه مضطراً للمشاركة في الحرب المقبلة إلى جانب حزب الله، ضد "إسرائيل".

وفي الوقت الذي أشار المتحدثون فيه إلى أنّ "إسرائيل" تهدف لإدراج حزب الله ضمن المنظمات الإرهابية، وفرض عقوبات عالمية عليه، فقد أكدوا أنّ هذا الأمر يصطدم بحقيقتين، الأولى أنّ روسيا ستهبُ لمنع ذلك والوقوف بجانب أصدقائها، فيما الولايات المتحدة هي الأخرى لن تذهب بهذا الاتجاه، لأنّها تدرك أنّ عقوبات على حزب الله، تعني انهيار الدولة اللبنانية.

وفي الوقت الذي تُسيطر إيران على سوريا، وتزيد من وجودها على الأراضي السورية وفق ما ورد في اليوم الدراسي، فإنّ إيران كذلك من خلال حزب الله، استطاعت أن تُسيطر على لبنان، فعملياً الجيش اللبناني، والبرلمان اللبناني والحكومة كذلك، تتحرك بتأثير كبير لحزب الله، الذي يخضع للإرادة الإيرانية.

وقد لخص المجتمعون الحالة على الجبهة الشمالية بأنّها معقدة، حيث إنّ الدولة الروسية لن تعمل إلّا لمصلحتها، وبالتالي هي لن تكون في وارد خسارة أيٍّ من الأطراف، سواء إيران، سوريا، حزب الله وكذلك "إسرائيل"، لذلك ستبقى هي العنصر الكابح لاندلاع حرب شاملة، لكنّها في نفس الوقت لن تُبقي على حرية العمل الإسرائيلي في الساحة السورية على حالها، وقد بدت ملامح هذا التوجه الروسي ما بعد إسقاط الطائرة الروسية.

ويُمكن هنا ملاحظة أنّ "إسرائيل"، التي زار رئيس وزرائها ورئيس دولتها، موسكو لسبع مرات خلال الثلاث سنوات الأخيرة، عملت على توطيد علاقاتها بموسكو، دافعةً الأخيرة لتفهم الحاجات الأمنية الإسرائيلية، وهذا ما أعطى تل أبيب فرصة استمرار استهداف الأراضي السورية والوجود الإيراني، فيما روسيا اجتهدت لمنع الوصول إلى مواجهة، لأنّ ذلك قد يقود إلى سيناريو خطير، كتدخل أمريكي، وربما عودة الفوضى لسوريا، بعد أن نجحت موسكو وحليفتها إيران، بالحفاظ على نظام الأسد وتهدئة الأوضاع على الأرض، لذلك فإنّ سيناريو الحرب يبدو بعيداً عن المزاج الروسي، وهو ما يمنح "إسرائيل" فرصة استمرار استهداف سوريا، لكنّ "إسرائيل" تدرك أنّ النهاية ستقود لمواجهة ولو ضيقة على الحدود الشمالية، في حال استمرارها على نفس النهج، فلا أحد يضمن استمرار قدرة روسيا على ضبط نفسها أو حتى حلفائها.

على الجبهة الجنوبية تناول مركز بيجن – سادات للدراسات4، تصاعد الأحداث على الحدود مع غزة في ظل مسيرات العودة، فقد كتب اللواء جرشون هكوهين، وهو من أبرز الباحثين في المركز، عن أنّ ما حدث في غزة، من مسيرات عودة واشتباكات على طول الحدود ما بين الفلسطينيين وقوّات الجيش الإسرائيلي، يُعتبر تحولا استراتيجيا[ CITATION جرش185 \l 11265 ]، موضحاً أنّ ذلك يجب أن يكون تنبيها حقيقيا ل"إسرائيل".

حيث أشار هكوهين إلى أنّ التحدي الاستراتيجي في غزة، يجب ألّا يتكرر في الضفة الغربية، حيث اعتبر أنّ الانسحاب من غزة، كان الخطأ الاستراتيجي الذي مكّن القطاع من بلوغ هذه القوة وتعظيمها، الأمر الذي لا ينبغي أن يحصل في الضفة، بمعنى ألّا يكون هناك تفكير للانسحاب من الضفة الغربية، وقد تناسى هكوهين أنّ انسحاب "إسرائيل" من غزة، لم يكن إلّا بعد سلسلة من الفشل المتلاحق، وعدم القدرة على تحمل الأحداث الأمنية التي واجهتها المستوطنات هناك.

ورأى هكوهين أنّ حربيْ عام 1967 وكذلك 1973، مثلتا تحولا استراتيجيا، ولكن أيضاً أحداث غزة في العام 2018، تعتبر كذلك، فقد بنى الجيش الإسرائيلي ما بعد اتفاق السلام مع مصر، أواخر سبعينيات القرن الماضي، استراتيجيته على الحسم في الجبهة الشمالية، لتأتي غزة وتضع "إسرائيل" في مأزق، حيث تعي قيادة حماس عدم رغبة "إسرائيل" في الحرب، وبل وعدم قدرتها على ذلك، في ظل تحدي الجبهة الشمالية [ CITATION جرش185 \l 11265 ]، الأمر الذي أدخل القوّة الإسرائيلية، في أزمة عدم القدرة على التواجد في جبهتين والتعامل معهما.

وفي ظل الإقرار بصعوبة التعاطي مع ملف غزة عسكرياً، كونه سيكلف الكثير وربما يحمل الكثير من المفاجآت، فإنّ التأكيد على أنّ الترتيبات مع القطاع مرحلة مهمّة مرحلياً، دفع الكثيرون لأن تكون تلك الترتيبات، ذات ثمن كبير فلسطينياً، فقد اقترح الدكتور يحيال شيبي الباحث في مركز بيجن-سادات أيضاً، أن يشمل الاتفاق مع غزة حلّاً لمشكلة اللاجئين الفلسطينيين.

فتحت عنوان "على الاتفاق أن يشمل حلّاً لمشكلة اللاجئين"[ CITATION يحي18 \l 11265 ]، كتب شيبي أنّ حل مشكلة اللاجئين يضمن القضاء على أحد أركان القضية الفلسطينية، حيث يجب أن يكون ذلك من خلال بناء مدن جديدة في سيناء بالتعاون مع مصر، وبدعم من دول الخليج وإشراف أمريكي، الأمر الذي سيضمن تراجع مركزية القضية، وربطها فقط في قطاع غزة.

حتى معارضو الاتفاق مع حماس، أو الترتيبات التي ما زالت في بدايتها ومن غير المعلوم إن استمرت، يريدون قطف ثمرة كبيرة، ففي الوقت الذي يستمر فيه الانقسام الفلسطيني، فإنّ مؤشرات المراكز البحثية تدفع باتجاه، أن تستغل "إسرائيل" هذه الحالة، بفصل تام بين الضفة وغزة، بحيث تكون غزة شبه دويلة، تُعاني من إشكاليات كبيرة على مستوى الوضع الداخلي وتأمين الحياة الكريمة، بحث لا تصل لمرحلة الموت أو الحياة، فيما يتم الاستفراد بالضفة، وتحويلها لكانتونات، والتمهيد لضم جزئها الأكبر للدولة العبرية[ CITATION جير18 \l 11265 ].

رابعاًالحرب على هوية الدولة.

بعد إقرار قانون القومية الإسرائيلي، الذي ينص على أنّ اليهود هم أصحاب حق تقرير المصير في "إسرائيل"[ CITATION مرك185 \l 1037 ]، وأنّ الدولة العبرية هي دولة اليهود فقط، وأسهم بتهميش العرب والدروز في الدولة العبرية، تعالت أصوات كثيرةٌ في الدولة العبرية معتبرةً أنّ القانون سيحول الدولة إلى دولة فصل عنصري، إلى جانب أنّه منافٍ للقيم الدمقراطية الليبرالية التي نشأت عليها "إسرائيل".

حيث أكدّ مركز الديمقراطية الإسرائيلي، في استعراض مفصلٍ للقانون، تحت عنوان، "كل ما أردتم أن تعرفوه عن قانون القومية"[ CITATION مرك185 \l 11265 ]، بأنّ القانون لا يضمن المساواة بين المكونات المختلفة في الدولة العبرية، إلى جانب أنّ الفصل في الأماكن السكنية هو نوع من العنصرية، التي ستتفاقم في الدولة العبرية، وهي منافية للقيم العالمية.

وأضاف التقرير أنّ القانون يُدخل "إسرائيل" بعلاقة متشابكة مع يهود العالم، فقد أكد القانون أنّ "إسرائيل" ستسعى لرعاية العلاقة مع الجاليات اليهودية في العالم، وهنا تساءل كاتبو التقرير، وماذا عن اليهود الذين ينتمون لطوائف غير معترف بها ويعيشون في "إسرائيل"؟

وهذا ما دفع الكثير من السياسيين، وتحديداً من المعارضة الإسرائيلية إلى اعتبار القانون بأنّه كمن يُطلق النار على رأسه، حيث انصبت مخاوفهم في اتجاه فقدان "إسرائيل" العلاقة الودية مع الدروز وانتماءهم الكبير للدولة، واعتبرت الطائفة القانون، بأنّه خيانة كبيرة لهم[ CITATION مرز18 \l 11265 ]، بعد ما قدموه للدولة العبرية من تضحيات كبيرة.

أبرز مخاوف المراكز البحثية مما ورد في القانون، يكمن في إمكانية استغلاله على الساحة الدولية، على أنّه قانون فصل عنصري، وعلى أنّه العلامة الفارقة للعنصرية التي تمارسها "إسرائيل" ضد سكانها، الأمر الذي قد يقود في المستقبل لعقوبات دولية، أو لقرارات تلزم "إسرائيل" بالتراجع عن القانون، هذا إلى جانب أنّ القانون يُسهل من ملاحقة "إسرائيل" أمام المنصات القضائية.

من جانب آخر، فإنّ القانون سيولد نقاط احتكاك داخلية، ليس بين اليهود والعرب بحسب، فهذا الموضوع بالأصل قائم، والعرب عملياً لا ينالون حقوقا متساوية باليهود، ولكنّه سيؤثر على العلاقة الداخلية لليهود، فهو من الجانب الأول أقرّ بتفوق التيار الأرثودوكسي اليهودي، حيث اعتبر القانون أنّ "إسرائيل" ستعمل على رعاية العلاقة مع يهود الخارج، وليس اليهود غير الأرثوذكسيين في الداخل، بمعنى لا تغيير على سيطرة التيار الأرثودوكسي على الموضوع الديني، وبذلك همش التيارات الأخرى، الإصلاحي والتقدمي، إلى جانب أنّ سماحه بوجود فصل في البناء، قد يسمح بوجود قرى ومدن في المستقبل، تخص طائفة يهودية بعينها.


المراجع:

اساف اوريون، و شاخر عيلم. (كانون اول, 2018). يهودي ارتسوت هبريت فهبتخون هلؤومي شل يسرائيل يهود الولايات المتحدة والأمن القومي لاسرائيل ). تم الاسترداد من معهد دراسات الأمن القومي: http://www.inss.org.il/he/publication/the-american-jewish-community-and-israels-national-security/

القناة السابعة. (10 حزيران, 2018). سيكرجدال هباعر بين يهودي ارتسوت هبريت فيسرائيل استطلاعازدادات الفجوة بين يهود الولايات المتحدة واسرائيل ). تم الاسترداد من القناة السابعة: https://www.inn.co.il/News/News.aspx/375167

ايتامار ايخانار. (23 تشرين ثاني, 2017). حتبولي نيجد يهودي ارتسوت هبريت حتبلي ضد يهود الولايات المتحدة ). تم الاسترداد من يديعوت احرونوت: https://www.ynet.co.il/articles/0,7340,L-5046939,00.html

تمار هيرمان، ايله هيلر، و اوري عنابي. (كانون اول, 2018). مداد هدموقراطيا هيسرائيلي قياس الدمقراطية الإسرائيلي ). تم الاسترداد من المركز الإسرائيلي للدمقراطية: https://www.idi.org.il/media/11555/democracy-index.pdf

جرشون هكوهين. (25 كانون أول, 2018). تفنيت استراتيجيت بشنات 2018 ( تحول استراتيجي في العام 2018 ). تم الاسترداد من مركز بيجن-سادات للدراسات: https://besacenter.org/he/perspective-papers-he/%D7%AA%D7%A4%D7%A0%D7%99%D7%95%D7%AA-%D7%90%D7%A1%D7%98%D7%A8%D7%98%D7%92%D7%99%D7%95%D7%AA-2018/

مرزوق الحلبي. (1 آب, 2018). حوك هلئوم فهبجيدا بدورزيم قانون القومية وخيانة الدروز ). تم الاسترداد من منتدى الفكر الاقليمي: https://www.regthink.org/articles/%D7%97%D7%95%D7%A7-%D7%94%D7%9C%D7%90%D7%95%D7%9D-%D7%95%D7%94%D7%91%D7%92%D7%99%D7%93%D7%94-%D7%91%D7%93%D7%A8%D7%95%D7%96%D7%99%D7%9D

مركز الديمقراطية الإسرائيلي. (16 تموز, 2018). كول ما شرتسيتم لداعت عل حوك هلؤوم كل ما اردتم معرفته عن قانون القومية ). تم الاسترداد من مركز الدمقراطية الإسرائيلي: https://www.idi.org.il/articles/24220

مركز هرتسيليا للدراسات. (كانون اول, 2018). هفنتازيا شل نسرالله، هتنوفف هديجل هتسهوب شل حزب الله عل متوله خيال نصر الله، لافلاف العلم الاصفر لحزب الله فوق المطلة ). تم الاسترداد من مركز هرتسيليا للدراسات: https://www.idc.ac.il/he/whatsup/Documents/66476819_2230_231218082546_10.pdf

يحيال شيبي. (28 تشرين ثاني, 2018). عل ههسدرا عم عزل لكلول بترون لبعيات هبليتيم على الاتفاق مع غزة ان يشمل حل لمشكلة اللاجئين ). تم الاسترداد من مركز بيجن سادات للدراسات: https://besacenter.org/he/perspective-papers-he/%D7%A2%D7%96%D7%94-%D7%94%D7%A1%D7%93%D7%A8%D7%94-%D7%A4%D7%9C%D7%99%D7%98%D7%99%D7%9D/

1 معهد مستقل غير حزبي وغير حكومي، تأسس في العام 1991، ويقدم أبحاثا في مجالات الأحزاب، الدمقراطية، الأمن والمجتمع، ومن أبرز إصداراته السنوية، قياس الدمقراطية في إسرائيل، ويتبع للمعهد 5 مراكز بحثية مستقلة، ويرأسه يوحنن فلسنر.

2 يُعتبر أبرز المراكز البحثية في "إسرائيل"، ويهتم المركز تحديداً بالقضايا الأمنية والسياسية، تأسس في العام 2006، ويستقطب أبرز الباحثين محلياً وعالمياً، ويُعتبر من المراكز الأبرز ليس على الساحة المحلية فحسب، بل أيضاً على الساحة العالمية، حيث تم تصنيفه في العام 2008، كواحد من أبرز عشرة مراكز عالمياً.

يتبع المعهد لجامعة تل أبيب، لكن يحفظ لنفسه استقلالية مالية وإدارية، ويهتم المركز بالقضايا ذات الصلة بالأمن القومي الإسرائيلي، ويقدم خدماته عبر العديد من الدراسات، المقالات والتقديرات الاستراتيجية، ومؤتمر سنوي، يلخص فيه الأوضاع الأمنية الاستراتيجية لإسرائيل، ويشارك في المؤتمر كبار رجالات الدولة، كرئيسها ورئيس وزرائها، والعديد من الشخصيات السياسية العالمية، كما يقدم المركز سنوياً لرئيس الدولة تقديراً استراتيجياً للقضايا الأمنية التي تمس "إسرائيل"، ويرأس المركز اللواء السابق عاموس يدلين.

3 تأسس في العام 2000 في مدينة هرتسليا، ويقوم المعهد بعقد مؤتمر سنوي مشهور، يطلق عليه اسم مؤتمر هرتسليا السنوي، ويحضره العديد من النخب السياسية والأمنية المحلية والعالمية، ويتناول قضايا متعددة تتعلق بالأمن والسلام، وتقديم قراءات ورؤى استراتيجية للقضايا المختلفة، ويركز المركز على بلورة سياسة إسرائيلية جديدة في العديد من القضايا، الأمنية، السياسية وكذلك الاقتصادية، وله علاقات عمل جيدة مع العديد من الباحثين، رجال الدولة، ورجال المجتمع في مناطق متعددة في العالم، ويقدم المعهد دراساته على شكل كتب، وكتيبات لتلخيص مجمل النتائج التي يخرج بها المؤتمر. ويرأس المركز اللواء في الاحتياط، عاموس جلعاد.

4 مركز سمي بهذا الاسم نسبة لرئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق مناحم بيجن، ورئيس مصر الراحل أنور السادات، تيمناً بما حققاه من سلام بين البلدين في العام 1978. المركز لا يتبع لأي جهة سياسية، هدفه تقديم عملية السلام في الشرق الأوسط، من خلال أبحاث في قضايا الأمن القومي في الشرق الأوسط، يعمل المركز إلى جانب قسم العلوم السياسية في جامعة بار ايلان، حيث يقدم إلى جانبها خدمات تعليمية، ويرأس المركز البروفيسور، أفرايم كارش.

هذا المقال يعبر عن رأي كاتبه ولا يعبر بالضرورة عن رأي مجموعة التفكير الاستراتيجي

قيم الموضوع
(0 أصوات)

البنود ذات الصلة (بواسطة علامة)

Go to top