قراءة في كتاب روح الشعوب

-----------------

الحضارة ليست من صنع عظماء رجالها  ولكنها من صنع المستوي الأدني لعناصرها البشرية

---------------------

الرجل الشرقي لايرى في الحياة إلا سلسلة من الحوادث العارضة التي يستطيع بواسطة الحظ  أو الحيلة أو الدسيسة أن يجعلها تدور لمصلحته

------------------------------------

البلاد التي تستطيع أن تبقى قوية من الدرجة الأولى هي ذات المساحات الشاسعة والمكتظة بالسكان والمنظمة تنظيماً جيداً والتي تسيطر على ما تملك من أراض مترامية الأطراف

--------------------------

تؤثر العوامل الجغرافية والمناخية تأثيراً بالغاً في طبائع الشعوب وعاداتها وسلوكها

-------------------------------------------------

الأخذ بتقنية الصناعة الآلية هو الذي جعل من الغرب ما هو عليه الآن  وذلك بتزويده بالسلاح الحاسم لقوته وسلطانه وهذا مالا يمتلكه الشرق لا بالأمس ولا اليوم

----------------------------

الرجل الشرقي يهتم بالمشاريع النظرية أكثر من اهتمامه بالمشاريع العملية  تجذبه المهارة الشخصية أكثر من الطريقة والقاعدة

-----------------------------------

المخاطر التي قد تهدد مستقبل الحضارة الغربية لاتأتيها من الخارج بل من الداخل  وسبب زوالها سيكون في اختلال المبادئ التي توجهها

-------------------------------------

بيانات الكتاب :

اسم الكتاب : روح الشعوب .

المؤلف : أندريه سيغفريد

المترجم : عاطف المولى .

الناشر : المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات/ سلسلة ترجمان.

الطبعة الأولي : ديسمبر 2015

عدد صفحات الكتاب : 224 من القطع الكبير.

عرض وتقديم : محمود المنير

-----------------------------------------

نبذة عن المؤلف :

أندريه سيغفريد (1875-1959) عالم وكاتب وصحافي فرنسي .عين مدرساً في مدرسة العلوم السياسية في باريس ، ثم في معهد فرنسا "كولييج دو فرانس " ، ثم عضواً في أكاديمية العلوم الأخلاقية والسياسية .وفي عام 1933م تسلم كرسي الجغرافيا الاقتصادية والسياسية في الكوليج دو فرانس .وانتخب عضواً في الأكاديمية الفرنسية عام 1944، وهو أول رئيس للمؤسسة القومية الفرنسية للعلوم السياسية (1945) .

هذا الكتاب

«روح الشعوب»عبارة عن محاضرات كان قد ألقاها أندريه في عدد من المناسبات المتفرقة، ثم قام بجمعها تحت عنوان «روح الشعوب»، وهو متأثر في اختيار العنوان بصديقه وزميله المؤرخ الفرنسي غوستاف لوبون فهذا العمل يندرج في اطار الموجة التي خلفتها كتابات لوبون. حيث قدّم سيغفريد لهذه المحاضرات بفصل أول تحدث فيه عما كانت عليه الشعوب الغربية في الميادين السياسية والاجتماعية والاقتصادية في فترة (1914-1945)، ثم الحديث عن خمسة شعوب يرى أنها تمثل أرقى ما في البشرية من حضارة وهي: اللاتين، الانغلوسكسون، الألمان، الروس، الأميركيون. وهو باختياره هذا حصر الحضارة في شعوب القارة الأوروبية وامتدادها الأميركي الشمالي.

السؤال الإشكالي

يسلّط المفكر الفرنسي أندريه سيغفريد في كتابه هذا الضوء على ما يسميه «روح الشعوب»، ويعني بذلك مزاجها النفسي، طارحًا سؤاله الإشكالي: هل تغيّرت هذه الشعوب إثر الحربين العالميتين؟ وجوابه في هذا الكتاب أن روح الشعوب الغربية لم تتغير وبقيت على ما كانت عليه في الماضي على الرغم من الويلات والكوارث التي عاشتها في النصف الأول من القرن العشرين.

الهدف من الكتاب

 إنّ الهدف الذي أراده المؤلف من كتابه هذا هو تبيان اختلاف أمزجة الشعوب الغربية ونفسياتها، ودراسة خلفيات تكوين تلك الأمزجة والنفسيات وتحليل مكوناتها وأسباب اختلافها، مع حرصه على إبراز مساهمتها التاريخية الحاسمة في تقدم الحضارة البشرية على اختلاف استعداداتها وإمكانياتها.

وبالعودة لعنوان الكتاب، فيبدو أن المؤلف يستخدم المعنى الذي يحمله المصطلح الألماني VOLKSGEIST حيث يتحدث عن روح الشعوب والمقصود «الطابع القومي الخاص بكل شعب» أو «الروح الجماعية التي تمتلكها كل أمة أو شعب. »

محتوى الكتاب

يتضمن الكتاب الذي صدر عام 1950 وتم ترجمته عن طريق وحدة ترجمان في المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، 2015، سبعة فصول هي (الوجه الجديد للعالم، الواقعية اللاتينية، «البراعة» عند الشعب الفرنسي، «العناد» عند الشعب الإنجليزي، «الانضباط النظامي» عند الشعب الألماني، الصوفية الروسية، الديناميكية الأميركية، الحضارة الغربية «تعريفها ومستقبلها»، إضافة إلى خاتمة وقائمة من الملاحق، ويتكون من 224 صفحة من القطع الكبير.

الكتاب في جملته على الرغم من انحياز وتعصب المؤلف لفرنسيته بوجه عام، هو من المراجع المهمة للدارسين والمثقفين ولمن يريد فهم سيكولوجية الشعوب من خلال تأثير العوامل التاريخية والجغرافية والبيئية التي يخضعون لها، ناهيك بالأصول العرقية لكل شعب.

أثر الحروب العالمية

يرى الكاتب أن الشعوب الغربية عرفت في خلال ثلاثين سنة حربين عالميتين، ليست ككل الحروب، وقد غيرتا وجه العالم وتوازناته، ويُضيف قائلاً: «نحن ندرك جيداً أن ما حصل لم يكن مجرد تطور عادي لا أكثر ولا أقل، بل إن ما وقع كان في الأحرى «ثورة » بكل ما تحمله هذه الكلمة من معنى، لم يبق شيء في مكانه، وقيمة الأشياء لم تعد كما كانت عليه، وقد انقلبت العلاقات الإنسانية رأساً على عقب، لا بل إن الفكرة التي يحملها الناس عن العالم وقوانينه قد أصابها كثير من الاضطرابات والانقلابات المفاجئة. وفي سيكولوجية الشعوب أصل للدوام مستمر لا يزول، فنحن، مثلاً، نشبه أجدادنا في كثير من خصالنا، كما نجد ذلك عند بقية الشعوب، ومع ذلك فقد حصل، بلا شك، نوع من التكيفات والاختلاطات بين الشعوب.

من هنا تأني معالجة الكتاب عن ما يُشكل الأساس الصلب للشعوب الغربية وإلى أي حد هم الآن مهيأون للتكيف مع الظروف الثورية التي يعيشون في خضمها؟.

ويرى أندريه سيغفريد  أن البلاد الوحيدة التي تستطيع أن تبقى قوى من الدرجة الأولى هي تلك البلاد ذات المساحات الشاسعة والمكتظة بالسكان والمنظمة تنظيماً جيداً والتي تسيطر على ما تملك من أراض مترامية الأطراف؛ ويبدو أنه لا بد من بلاد مساحتها في الأقل من 8 الى 10 ملايين كيلومتر مربع وسكانها في الأقل 100 مليون نسمة لتكون دولة كبرى؛ ولهذا فإن الولايات المتحدة وروسيا قارتان حقيقتان تتبادلان دور قيادة العالم بدلاً من الطرف الأسيوي الصغير (أوروبا)، الذي كان يوجه العالم منذ أربعة قرون بفضل تناسقه وتنوعه المدهشين على الرغم من قلة كثافة سكانه.

صُنع الحضارة

يرى أندريه سيغفريد أن الحضارة لا تُقاس بعدد قممها ، وإنما تُقدر بمتوسط ارتفاعها ، وهي ليست من صنع عظماء رجالها ، ولكنها من صنع المستوي الأدني لعناصرها البشرية ، وخصوصاً من صنع إمكانات أقل عنصر من عناصرها.

البراعة عند الشعب الفرنسي

تحدث المؤلف عن (البراعة) عند الشعب الفرنسي والتي يرى أن الفرنسيين استمدوها من امتزاج أعراق عدة انصهرت في تلك الأرض مشكِّلةً الشعب الفرنسي، وقد أثرى هذا التنوع العرقي المجتمع الفرنسي، ويرى أن الفرنسيين مدينون للاتينيين بصفاء الذهن وموهبة التعبير وللكلتيين بالروح الفنية وبالفردية التي تندفع أحيانا فتصل حد الفوضى، وللجرمانيين بالعبقرية التنظيمية البناءة..

ويرى أندريه أنه إذا كان هذا الانصهار العرقي أورث فرنسا قيم الحرية والمساواة وخصائص أخرى ممتازة فإنه منعها من الولاء للأرض حيث يتميز الفرنسيون بأنهم لا يشعرون بذلك الانتماء الذي تشعر به باقي الشعوب لأراضيها، كما يتميز الفرنسي ـ حسب سيغفريد ـ بتوازن عقلي وتركيز على المنطق، ويضرب مثالا على ذلك بأن أحد الإنجليز نبهه إلى ذلك عندما سمع أما فرنسية تقول لابنها البالغ من العمر ثلاث سنوات:(كن منطقيا ـ sois raisonnable) بينما تقول الأم الإنجليزية له:(كن ولدا صالحا ـ be a good boy).

العناد عند الشعب الانكليزي

ثم يتحدث الكاتب عن الشعب الإنجليزي مبينا أن أبرز صفة في شخصيته العامة هي (العناد)، ويحلل سيغفريد العوامل البيئية والمناخية التي أثرت في الطبيعة النفسية لهذا الشعب، إن انجلترا عبارة عن صخرة تقع في جزيرة يعيش عليها عدد هائل من البشر، ثم إن المناخ الجليدي القاسي يفرض على الإنسان المقاومة لأن مقابلها هو الموت بلا رحمة تحت قسوة الطبيعة.

 إن المصير البريطاني من وجهة نظر سغفريد تحدده عوامل منها العزلة الناتجة عن الطبيعة الجزيرية والفتوة الإثنية لهذا الشعب .و القوة الأخلاقية المعنوية التي طبعتها البروتستانتية في شخصية الإنجليزي أعطته عنادا وفردية شديدين، فهو فرد بذاته، والدين والسلوك في نظره مسألتان شخصيتان خصوصيتان لا تستدعيان بالضرورة وساطة إكليروس، إنه يشعر أن عليه أن يتصالح مع ذاته وضميره وهذه إحدى نقاط قوة الإنسان الإنجليزي.

ويرى أنه لكي نفهم شعباً ما على حقيقيته كالشعب الانجليزي مثلاً فيجب أن نبدأن بتحديد موقعه على الخريطة ونعرف تعداد سكانه ولكي نتبين العوامل والظروف التي كونت الشعب الانكليزي ، يجدرأن نميز في هذا المقام : الوراثة والبيئة واللحظة ، فانكلترا على سبيل المثال جزيرة ، ولكنها قريبة جداً من أوروبا ، وهذا  القرب هو الذي حدد تكوينها العرقي من سلالات بشرية تتابعت عليها ، وهناك وجه آخر لهذا التكوين وهو الفتوة الاثنية لهذا الشعب .وفيما يتعلق بالمناج نجد أنه ثابت غير متقلب وتهب على هذه البلاد رياح غربية تسودها ثلاثة أرباع العام ، وتسقط عليها الأمطار دائماً وتتخللها فترات صحو قد تحيلها النسمات النقية للمحيط الأطلسي إلى فترات رائعة وفي مثل هذا المناخ الذي لايعد مؤلماً وإن كان لايخلو من قسوة أحياناً ، لابد كي نستمر في الحياة ، من بذل جهد متواصل .فالاستيقاظ صباحاً يتطلب من انجلترا طاقة ، مثل عملية انطلاق صعبة وهذا يفسر استيقاظ الانكليز عادة متأخرين . كما يوضح لنا سر تناولهم إفطاراًمغذياً مكوناً من " البوريدج" ( مصنوع من الشوفان الذي يوقظ الخيول) ومن لحم الخنزير والبض ...إلخ

وهكذا تؤثر العوامل الجغرافية والمناخية والبيئية تأثيراً بالغاً في طبائع الشعوب وعاداتها وسلوكها ولابد من دراستها لكى نفهم روح هذه الشعوب .

خصائص الشعوب

ختم أندريه سيغفريد كتابه بفصل سماه (الحضارة الغربية، تعريفها ومستقبلها)، وتعتبر الفصول الأهم في الكتاب هي تلك التي أخلصها لدراسة خصائص تلك الشعوب وبيان مالها من ميزات نفسية وأخلاقية وكذا دورها وإنجازها للحضارة الغربية، ولا يخفى على القارئ انبهار الكاتب بالشعوب الأوروبية وبالقارة الأوروبية وتعصبه لها إلى درجة أن يجعل القرب من جغرافيتها والتمثل لأخلاقها وأمزجتها معيار التميز والتقدم.

ومن الخلاصات التى ساقها سيغفريد في هذا السياق في ختام كتابه ما يلي :

1.     أن مصادر الحضارة الغربية جد قديمة ومتنوعة في آن ، وهي ترتكز على أقنوم من ثلاثة مفاهيم : المعرفة ، والانسان ، والتقنية في شكلها الحديث للثورة الصناعية .

2.     الديمقراطية الغربية هي ابنة " المدينة" التي لاتنفصل عن الليبرالية ، وبالتالي فهي ترتكز على تصور لقاعدة مقبولة طوعاً وليست مفروضة وتتعارض مع هوى الحاكم المستبد.

3.     إن الأخذ بتقنية الصناعة الآلية ، هو الذي جعل من الغرب ما هو عليه الآن ، وذلك بتزويده بالسلاح الأهم والحاسم لقوته وسلطانه. على أن " الآلية" كما يمارسها الغرب لم تكن ممكنه بغير العلم والمنطق على الطريقة الإغريقية، وهذا مالا يمتلكه الشرق ، لا بالأمس ولا اليوم .

4.     تطالب جميع القارات والبلاد والأعراق اليوم بتعميم الآلة .ولكن استعمال الآلة شيئ سهل ، أما اختراعها وتجديدها فهو شيئ آخر ؛ وهنا يتبدى الأساس الصلب ، على الرغم من كل شيئ، الذي يقوم عليه التفوق الغربي وهو تقدم تقني .

5.     يرى أندريه سيغفريد  أن الشرق يبدأ مع الإسلام الذي استرد كل ما قامت به أثينا وروما من غزوات وفتوحات في آسيا .وباختصار ، فإنه لم يكن ممكناً لحياة الصحراء والمساحات البرية الشاسعة أن تتغرب : إنها تنتمي للشرق ، ولهذا رجعت إليه.

6.     آسيا تقلد على أحسن الوجوه ، ولكنها لاتجدد في ما تستورده من مفاهيم وتصورات؛ وانطواؤها على خبراتها التي تفصلها عن المصدر الأصلي الأوروبي أو الأميركي للمخترعات يجلعها سريعاً عاجزة أو متخلفة عن الركب.

7.     الرجل الشرقي يهتم بالمشاريع النظرية أكثر من اهتمامه بالمشاريع العملية ، تجذبه المهارة الشخصية أكثر من الطريقة والقاعدة ، كما أنه لايرى في الحياة إلا سلسلة من الحوادث العارضة التي يستطيع بواسطة الحظ  أو الحيلة او الدسيسة أن يجعلها تدور لمصلحته .

8.     إذا ما قٌدر أن تختفى الحرية السياسية في أوروبا ، فإن حيويتها ستصاب بالضعف ، والاقتصاد الموجه الذي يمتد إلى ميدان الفكر يقضي على نبع لا يعوض ، فكل نظام توتاليتاري سيكون قاضياً على مستقبل أوروبا. فبقدر ما يحافظ على الحرية ، يظل تفوقه لايبارى ولايجارى.

9.     يرى أندريه سيغفريد  أن المخاطر التي قد تهدد مستقبل الحضارة الغربية لاتأتيها من الخارج ، بل من الداخل . وأن سبب زوالها سيكون في اختلال المبادئ التي توجهها. وأن دعامة الغرب تتركز في ثلاثة مفاهيم : المعرفة والفرد والتقنية ويجب أن يكون هناك نوع من التوازن بين المفاهيم لايتخلخل.

10.  يرى أندريه سيغفريد أن الولايات المتحدة هي الآن الضامنة الكبرى للحضارة الغربية لأنهم يمثلون التقاليد الديمقراطية والمسيحية التي  تعبر عن احترام الفردية والحرية والمبادأة.

هذا المقال يعبر عن رأي كاتبه ولا يعبر بالضرورة عن رأي مجموعة التفكير الاستراتيجي

قيم الموضوع
(0 أصوات)
Go to top