طباعة

الأمن الإسرائيلي وفشل صناعة الفلسطيني الجديد

 -

الأمن "الإسرائيلي" وفشل صناعة الفلسطيني الجديد

د. إياد أبو زنيط

باحث في مؤسسة يبوس للاستشارات والدراسات، رام الله.

أستاذ العلوم السياسية والفكر الصهيوني في الجامعات الفلسطينية

يُعَدُ الأمن كمفهوم ظاهرة اجتماعية ويعكس حالةً ذهنيةً ونفسيةً وعقليةً للفرد والشعب والجماعة والدولةِ بشكل عام ويُشكل مطلباً ضرورياً وملحاً لقيامها.[2]

هذا كان دافعا لتركيز "إسرائيل" على إقامة مراكز أبحاثٍ عدة تعنى بالشأن الأمني ومؤتمراتٍ سنوية ودورية تُناقش أهم الأخطار المحدقة بها لوضع الخطط والاستراتيجيات اللازمة للمواجهة وكيفية التصدي لها، انطلاقاً من رؤيتها بأنّ الأمن لا بُد أن يُبنى على القوة والتفوق لتتمكن الدولة من البقاء.

عملت إسرائيلُ جاهدةًومؤسستها الأمنية تحديداً على التأثير في فكر الإنسان العربي عموماً والفلسطيني خصوصاً من ناحية تقبله لها، واقتناعهِ بضرورة السلام معها، واعتبارها دولة واقع، مستخدمةً القوة لسنواتٍ عدة، فكانت تلك القوة مؤسسةً لقيامها، ورافعة لبنائها، ومن أجل ذلك شنت "إسرائيلُ" حروباً عدة استهدفتالفلسطينيين والعرب، حتى ظهرت أجيالٌ عدة تؤمن بضرورة السلام مع "إسرائيل"، وحتمية التعامل معها وعدم القدرة على التصدي لها. بحيث رمت من وراء ذلك إلى خلق حالة "تدجين" وإعادة صياغة تفكيرٍتراكمية، تتقاطع بشكل متكامل مع حالة تغييب بُعد الانتماء والهوية الوطنية للقضية الفلسطينية، التي يمكن أن ترتسم معالمها مع مشروع الفلسطيني الجديد.[4]

استمرت الانتفاضة قرابة خمس سنوات، وتوقفت بعد مؤتمر شرم الشيخ، وبدأت معالم مرحلةٍ جديدة في صياغة الإنسان الفلسطيني الجديد تلوح في الأفق، فقد نتج عن هذا المؤتمر اتفاقٌ كان أحد بنوده الهامَة بالإضافة إلى وقف إطلاق النار بين الجانبين، تعيين منسقٍ أمريكي يتولى مراقبة الوضع بين الجانبين، ومساعدة الفلسطينيين في إصلاح أجهزتهم الأمنية.[6]

نتيجة لذلك، عملت "إسرائيلُ" على استمرار سياستها، وأكد نتنياهو بعد تقارير دايتون في العام 2009م، أكثر من مرة على ضرورة التوصل لسلامٍ اقتصادي مع الفلسطينيين، وهي نفس الخطة التي طرحها وسوّق لها وزير الخارجية الأمريكي جون كيري، وروجت لها "إسرائيل" واعتبرتها الأكثر إلحاحاً وأهميةً، وهي الأشد تأثيراً في تغيير الفكر الفلسطيني.[8]

أيقنت "إسرائيل" أنَّ العنصر البشري الفلسطيني قد تغير بطريقة مغايرة للطريقة التي أرادتها. وفي الجهة المقابلة دخلت أجيالٍ جديدة بدأت الأمور تختلف عن رؤيتها التي تقوم عليها "إسرائيل"، فالعقيدة العسكرية تتغير، مصحوبة بتغير تفكير الجندي "الإسرائيلي"، فكل من اختزن في ذاكرته مشاهد قوة الجنود وقدراتهم في حروب إسرائيل السابقة، لم يكن ليصدق أن يرى الأحوال تتبدل، فيرخي الجندي "الإسرائيلي" ساقيه في الحرب فاراً من المعركة، في مواجهة تنظيماتٍ غير متكافئة بالقوة والعدد مع جيش يمتلك أحدث الأسلحة والوسائل.

وفي حروب "إسرائيلِ" الجديدة أثبت العديد من المشاهد أن كل من خُدع بقوة "إسرائيل" وصورتها، مدى انهزامه وتسليمه لأمر كان بمقدورهِ التأثيرُ فيه بتغير نفسه.

في المحصلة، فَشِلَ رهانُ "إسرائيل" على تدجين الفلسطيني الجديد على الأرض، وإعادة صياغته ضمن منطق تفكيرها، وما يتفق مع رؤيتها، ويُلائِم مصلحتها، ولعلَّ هذا الحال لا ينطبق على الفلسطيني وحده، وإنما على كُلِّ شعوب الأرض الواقعة تحت سطوة الاحتلال وسرقة الأرض، وهي النقطة التي يبدو أنَّ "إسرائيل" ما زالت عاجزةً عن استيعابها، بينما تترجمها الأجيال الفلسطينية فعلا على الأرض.


[2] منيب شبيب، "نظرية الأمن الإسرائيلية في ظل التسوية السلمية في الشرق الأوسط وأثرها على عملية التحول السياسي للشعب الفلسطيني"، رسالة ماجستير غير منشورة، نابلس: جامعة النجاح الوطنية، كلية الاقتصاد والعلوم السياسية 2003م، ص 11.

[4]جميل هلال، "انتفاضة الأقصى: الأهداف المباشرة ومقومات الاستمرار"، بيروت: مؤسسة الدراسات الفلسطينية، مجلة الدراسات الفلسطينية، المجلد 11، العدد 44، خريف 2000م، ص 44-47.

[6] كيث دايتون، "صناعة الفلسطيني الجديد"، معهد واشنطن لدراسة الشرق الأوسط، 7/5/2009م، انظر الرابط:

http://www.washingtoninstitute.org/ar/

[8] عبد الرحمن فرحانة، "تقدير استراتيجي86: مستقبل انتفاضة القدس وانعكاساتها على الجانب الإسرائيلي"، بيروت: مركز الزيتونة للدراسات والاستشارات، تقدير منشور بتاريخ 16/4/2016م، لمزيد من المعلومات، أُنظر الرابط التالي:

http://www.alzaytouna.net/2016/01/18/ -

هذا المقال يعبر عن رأي كاتبه ولا يعبر بالضرورة عن رأي مجموعة التفكير الاستراتيجي

قيم الموضوع
(2 أصوات)