الاقتصاد الخليجي .. بدائل محدودة لأزمات متكررة... محمود المنير

كتب : محمود المنير

فى ظل استمرار انخفاض أسعار النفط العالمية تعيش ميزانيات دول الخليج أزمة مالية شديدة بالرغم من ارتفاع سعر البرميل إلى نحو 50 دولار لكنه مازال دون المأمول ولايتناسب مع ميزاينات معظم دول الخليح حتى بعد التعديل ، "وما يلفت النظر بعد بقاء الأزمة العالمية مستعرة منذ اندلاعها عام 2008 هو تزايد حديث منظمات وخبراء دوليين بأن أزمة انهيار أسعار النفط تخضع لعوامل متشابكة لا تقتصر على زيادة الإنتاج من خارج أوبك، تحديدا من النفط الصخري في الولايات المتحدة، أو لأسباب سياسية، أو حتى الضغط على روسيا وإيران". (1) وفي ظل هذه الأزمة المتكررة تبدو التدابير التي اعتمدتها حكومات دول الخليج لمواجهة الأزمة محددوة  و تكاد تنحصر في فرض المزيد من الضرائب وفرض القيمة المضافة مع خفض التكاليف وتقليص الميزانيات من خلال تسريح آلاف الموظفين والعاملين لديها لاسيما الوافدين .

تسريح تعسفي للموظفين

مع دخول الربع الأخير من عام 2015، ضربت حمى تسريح الموظفين عددا من الشركات الكبرى السعودية ، التي لجأت إلى تسريح عدد كبير من موظفيها، وقد شملت مقصلة الوظائف هذه المرة العديد من الموظفين السعوديين، الذين لم يجدوا مفراً سوى اللجوء إلى وزارة العمل التي تمكنت بدورها من إرجاع عدد لا بأس به منهم، وتحذير الشركات من ممارسة الفصل التعسفي تجاه أبناء الوطن، وإبقائها على العامل الأجنبي في ذات الوقت.( 2)

ومن بين الشركات التي خفضت الوظائف لديها شركة أبو ظبي الوطنية للطاقة حيث استغنت عن 25% من موظفيها منذ 2014 وقالت الشركة في هذا الشهر أنها خفضت نحو ثلث الوظائف في قطاع النفط والغاز و55% من العاملين في مقرها الرئيسي بعد الخسائر التي تكبدتها في الربع الأول من العام الحالي2016.

مع ذلك فإن إلغاء الوظائف يسهم في تباطؤ الاقتصاد، إذ توقع صندوق النقد الدولي أن ينخفض معدل نمو الناتج المحلي في أبو ظبي إلى 1.7% العام الجاري من 4.4% في نفس الفترة العام 2015.(3)

وتشير الدراسات الاقتصادية إلى أن التحدي الاقتصادي الرئيسي الذي تواجهه دول المنطقة يتمثّل في استحداث فرص العمل، فالمنطقة تحتاج إلى تحقيق نمو اقتصادي بنسبة 6-7% لإبقاء معدلات البطالة كما هي الآن. وبحلول عام 2020، سوف يتحتّم على المنطقة استحداث نحو 130 مليون وظيفة جديدة، وقد يؤدي الفشل في بلوغ ذلك إلى تفاقم المخاطر المرتبطة بالتطرف والفقر. وقد اتفق المتحدثون على أنه لا بد لدول المنطقة أن تستثمر في مشاريع البنى التحتية، إذ من شأنها أن توفر عدداً كبيراً من الوظائف.( 4)

عجز الميزانيات و تباطؤ النمو

بحسب  تصريح وكيل وزارة المالية الإماراتية، يونس حاجي الخوري،" فإن الدول العربية المصدرة للنفط تعتبر واحدة من الكتل الإقليمية الأكثر تضرراً من انخفاض أسعاره نظراً الى أن هذا القطاع هو المصدر الرئيس للدخل والذي يسيطر على نحو 80 في المئة من إجمالي الإيرادات الحكومية ونحو 49 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي. ..كما يؤثر انخفاض أسعار النفط في أرصدة المالية العامة والحساب الخارجي ويؤدي إلى تباطؤ النمو".

فقد وصل العجز في الموازنة السعودية لعام 2016 على سبيل المثال الى نحو 100 مليار دولار مما اضطر المملكة الى رفع أسعار الوقود بنسبة فاقت 50% بالنسبة لبعض مشتقاته وتقليص الدعم الحكومي لمجموعة من المنتجات والسلع، بينها الماء والكهرباء.

واستهلكت المملكة السعودية نحو 100 مليار دولار من احتياطاتها المالية خلال العام الماضي بسبب تدهور عائات النفط.

فقد وصل العجز في الموازنة السعودية لعام 2016 على سبيل المثال الى نحو 100 مليار دولار مما اضطر المملكة الى رفع أسعار الوقود بنسبة فاقت 50% بالنسبة لبعض مشتقاته وتقليص الدعم الحكومي لمجموعة من المنتجات والسلع، بينها الماء والكهرباء.

واستهلكت المملكة السعودية نحو 100 مليار دولار من احتياطاتها المالية خلال العام الماضي بسبب تدهور عائات النفط.(5)

سياسة التقشف هل تجدي؟

من الواضح أن اقتصاديات دول الخليج  تشهد حالياً عقوداً جديدة غير معلنة بين الحكومات والشعوب، تتمثل في انتهاء عصر الخدمات المجانية والمدعومة، واعتماد السلطات الخليجية على اقتصاد السوق وبمصطلح آخر التوجه نحو التقشف فبحسب تقرير لشركة مورغان مكينلي للتوظيف، أكد أن سوق وظائف النفط والغاز في الإمارات في سبيلها لتسجيل أسوأ عام في العام الجاري فيما يزيد على عشر سنوات. ففي خطوة اتخذتها شركات حكومية أغلبها في مجال الطاقة والبناء والتطوير العقاري في إمارة أبو ظبي سبقتها خطوات مماثلة في الأشهر الماضية من عدة شركات، استغنوا عن آلاف العاملين لتخفيف الضغط على اقتصادياتها الناجم عن استمرار هبوط أسعار النفط دون السعر المعادل للميزانية.

وتشير التقارير الاقتصادية منذ منتصف 2015 إلى أن دول مجلس التعاون الخليجي على رأسها السعودية والإمارات وقطر، تقلص الإنفاق على مشاريع البنية التحتية وتخفض الدعم على مواد الطاقة لتقليص عجز الميزانية.

وتوقع محللون لـ«الشرق الأوسط» أن يؤثر انخفاض أسعار النفط على الدول الخليجية بدرجات متفاوتة وفقا لاعتماد الحكومات على النفط في تمويل الميزانيات، وإن كانت معظم البلدان ستشهد تأثرا فوريا في معدلات الإنفاق العام، مع احتمال لجوء بعض الدول إلى تسييل أصول مملوكة لها لتمويل العجز المنتظر.

ويظهر تحليل «الشرق الأوسط» لميزانيات دول مجلس التعاون الخليجي حلول الكويت بالمرتبة الأولى خليجيا من حيث الاعتماد على النفط الذي شكل نحو 64 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي العام المالي المنصرم، فيما احتلت دولة قطر المرتبة الثانية في تلك القائمة حيث بلغت نسبة القطاع النفطي من الناتج المحلى نحو 54 في المائة. وجاءت عمان في المرتبة الثالثة بين تلك الدول حيث هيمن القطاع النفطي على 49 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي. وحلت المملكة العربية السعودية في المرتبة الرابعة بين تلك القائمة بنسبة 47 في المائة، فيما جاءت الإمارات في المرتبة الخامسة من حيث إسهام القطاع النفطي بنسبة بلغت 33 في المائة، وحلت البحرين المركز الأخير في القائمة بنسبة 28 في المائة.(6)

وبالرغم من أن الحكومات الخليجية تملك احتياطيات مالية ضخمة في صناديقها السيادية إلا أنها آثرت الاقتراض من الأسواق المحلية والأجنبية على السحب من الاحتياطيات بسبب عدم ظهور أي علامات لتحسن سعر النفط في المدى القريب، وهذا سيعرض الصناديق للاستنزاف في حال السحب بشكل متواصل منها.

فيما أكد الأستاذ بقسم الحكومة بكلية لندن للاقتصاد والعلوم السياسية د.ستيفان هيرتوغ إن إجراءات التقشف لا تكفي لحماية التوازن المالي طويل المدى في الدول الخليجية ، مضيفًا أنها تحتاج بجانبها لإصلاحات شاملة في سوق العمل.

تنويع مصادر الدخل

فيما وضع عدد من المراقبين والاقتصاديين جوانب أخرى لحل أزمة الخليج الاقتصادية تتمثل في ضرورة اتجاه دول الخليج في الاعتماد على مصادر دخل أخرى غير نفطية، وتقليل الاعتماد على النفط الخام مؤكدين أن السياسات الإصلاحية وحدها لن تحل الأزمة.(7)

ولعل من أهم المقومات التي يجب أن يرتكز عليها الاقتصاد الخليجي في المرحلة المقبلة هو تفعيل قرارات التكامل الاقتصادي الخليجي، والمضي قدماً في تنفيذ قرارات المجلس الأعلى لقادة دول الخليج التي صدرت في القمم الخليجية السابقة ومنها السوق الخليجية المشتركة، العملة الخليجية الموحدة، الاتحاد الجمركي، تبسيط إجراءات نقل البضائع والسلع، واستكمال المشروعات الخدمية المشتركة كمشروع السكة الحديد الخليجية وغيرها.

الاستدانة لتغطية العجز

ومع تصاعد وتيرة الأزمة واستمرار هبوط أسعار النفط اضطرت دول مجلس التعاون الخليجي للاعلان عن طرح سندات سيادية في الأسواق المحلية والعالمية لجمع سيولة لتغطية العجز المالي الحاصل في الميزانية.

فمن جانبها أعلنت أبو ظبي أنها أغلقت عملية طرح سندات سيادية  بنجاح بتكلفة تقدر بـ 5 مليار دولار لمدة 10 سنوات موزعة على شريحتين لكل منها 2.5 مليار دولار الأولى تستحق في 2021 والثانية تستحق في 2026.

وكانت السعودية قد أعلنت في وقت سابق أنها ستقترض 10 مليارات دولار من السوق العالمية وأن الإصدار هو لقرض أجله 5 سنوات، وتعد هذه المرة الأولى منذ ربع قرن التي تقترض فيها السعودية من الخارج.

أما قطر فقد حصلت على قرض مصرفي بقيمة 5.5 مليار دولار جرى استكماله في يناير/ كانون الثاني الماضي على شريحتين أحدهما لـ 5 سنوات والأخرى لـ 10 سنوات.

أما في عُمان فقد اقترضت مليار دولار لسد العجز في إطار سعيها لمواجهة الضغوط على ماليتها العامة التي تضررت كثيرًا بسبب انخفاض أسعار النفط، وكذلك الحال في الكويت والبحرين.

تساؤلات وانعكاسات مخيفة ؟!!

لاشك أن تراجع أسعار النفط لن تكون له تداعيات على دول الخليج فقط، بل ستتجاوز ذلك إلى ملايين العمالة الأجنبية الوافدة التي تعمل فيها فالتحويلات المالية التى كانت تحولها هذه العمالة الى بلادها و تعتبر مصدراً رئيسياً من مصادر دخل الدول المصدرة لهذه العمالة، مثل مصر والسودان وباكستان وبغلاديش. ستتقلص بل وقد تتوقف. وهنا تلح الأسئلة التى تحمل الكثير من المخاوف فى الاجابة عليها فى ظل تهاوي أسعار النفط العالمية .

- هل انتهت بحبوحة الفوائض المالية في دول الخليج؟

- ما التحديات التي تواجه دول الخليج إذا استمر هبوط أسعار النفط؟

- ما انعكاس ذلك على اقتصاد دول الخليج والدول المصدرة للعمالة للخليج ؟

- هل هناك بدائل لمواجهة الأزمة  على المدى القريب وماهي ؟

- هل سنشهد اضطربات سياسية واجتماعية في هذه الدول إذا ما استمرت الأزمة  ؟

-------------------

المصادر :

(1)               الاقتصاد الخليجي عام 2016 ،د. حسن العالي ، http://goo.gl/Pehk72

(2)               ما مصير العمالة الوافدة في السعودية بعد الإعلان عن ميزانية عام 2016؟ هافينغتون بوست عربي  ،  http://goo.gl/ymhtof

(3)               دول الخليج العربي تقاوم التقشف،نون بوست ، http://goo.gl/oYpVxp

(4)               ICAEW: الخليج بحاجة لإصلاحات هيكلية حفاظاً على ازدهاره ، العربية نت ، http://goo.gl/dDI7Lp

(5)               ما مدى قدرة دول الخليج على تحمل تدهور أسعار النفط؟ بي بي سي العربية http://goo.gl/Sz0XCU

(6)               انخفاض أسعار النفط قد يدفع دول الخليج لاتباع سياسة التقشف ،الشرق الأوسط ، http://goo.gl/MZlMnO

(7)               هل تكفي سياسات التقشف لحل أزمة الخليج الاقتصادية ؟ إيوان 24، https://goo.gl/KRgWSB

 

هذا المقال يعبر عن رأي كاتبه ولا يعبر بالضرورة عن رأي مجموعة التفكير الاستراتيجي

قيم الموضوع
(0 أصوات)
Go to top