الكارثة قبل الأخيرة (نظرة في العمق).....أ. د. عبد العزيز الحاج مصطفى

 

   اليوم و قبل قليل: كان الخبر الرئيس يحكي قصف مدينة حيان بالقنابل العنقودية  و الفوسفورية المحرمة دوليا؛ حسب اتفاقيات الأمم المتحدة!! و يوم أمس كان قصف مدينة حريتان، و الذي قبل كان قصف عندان. و هو قصف لم يتوقف، و يشمل الحزام الجغرافي لما حول حلب من جهاتها الأربع. و بالمحرم دوليا، و على مرأى و مسمع من الأمم المتحدة، و الدول الراعية للسلام، أو المعنية بالقضية السورية حسب زعمها!!!

      و يتزامن هذا القصف مع اقتحام داريا، و إخراج سكانها منها، و ذلك من خلال تمثيلية هزلية حكت سيطرة النظام على هذه المدينة الباسلة، التي تلقت بصدرها آلاف البراميل المتفجرة، و التي لا يعلم إلا الله كم قضى من أبنائها تحت أنقاضها و ذلك خلال ثلاث سنوات و نيف من الحصار الذي فرضته عليها قوات النظام، و الميليشيات الشيعية التابعة لها .

      و المعروف أن هذا الخروج سبقه خروج من القصير، و يبرود، و حمص، و الزبداني، و من مواقع كثيرة أخرى. و في جميعها التواطؤ فيها  كان قائما بين الأمم المتحدة و الجهات الراعية للسلام، و بعضهم من أصدقاء سورية كما- يزعمون- و من جهات دولية أخرى دفعتها مصالحها إلى ذلك  التصرف بعيدا عن إملاءات الضمير ، و مايتبعها من مواقف عاقلة لدن تلك الجهات التي أسال لعابها الخيرات الوفيرة التي ستجنيها بسبب من مواقفها المنحازة.

     و المواقف الروسية من الثورة السورية بعامة، شاهد و دليل على ذلك.

      وقيل ماقيل عن(داريا) أو عن المناطق التي سبقتها في الخروج،يبقى المسلسل واحدا. و هو في أبسط مسائله يعني الحقائق الثلاث التالية:

      الحقيقة الأولى:تدمير التجمعات السكانية السنية ذات الصفة الاستراتيجية من منظور طائفي صرف، يضطلع به الصفويون الجدد الذين تمثلهم الآن دولة الولي الفقيه في إيران. و الدعومة صهيونيا و غربيا على الساحتين العربية و الإسلامية.

      الحقيقة الثانيةتهيئة الأرضية المناسبة للكانتونات الطائفية ذات الغالبية الشيعية. و ذلك بترحيل السنة و بتوطين الشيعة. و على وفق نظرية تجزئة المجزأ، التي قد تكون توضع موضع التطبيق الآن.

      الحقيقة الثالثةتغيير البنية الديموغرافية السورية على وفق نظرية محدثة من الاستبدال السكاني يكون السني هو المستبدل منها، وذلك بآخر يستقدم من بلدان أخرى،شيعي المذهب،مرتزق الصفة،  و موال و تابع للسيد النظام.

     وهذه الحقائق الثلاث- و هي ليست في حاجة إلى دليل، كونها محل التطبيق الفعلي، ميدانيا و دبلوماسيا- تعني فيما تعنيه أيضا الجريمة المستمرة، التي اتسم بها النظام و القوات المتجحفلة معه منذ 2011 و حتى الآن. و التي تتصف بصفات ثلاث:

    أولا- بالقتل:  و كتابنا الموسوم ب ( النظام السوري و الجريمة المستمرة) الذي صدرت طبعته الأولى في 1436 هـ -2015م يروي  قصة مسلسل القتل الذي عليه النظام و مايتبع ذلك من أدوات للقتل، لم  يسبقه إليها من قبل حتى أكثر أمم الأرض همجية و عدوانا، و منهم الصهيانية اليهود.

    ثانيا- بالتدمير:و تدمير البنى التحتية الذي اتصف به النظام بخاصة، و قد شمل المشافي، و المدارس، و الأسواق و دور العبادة، فضلا عن شبكات المياه و الكهرباء كان من مقاصده جعل الحياة فيها مستحيلة، و إدخال أهلها في حصار خانق. يكون من نتائجه: الخروج غير الآمن شأن الذي حدث في داريا، و قبلها في يبرود و بابا عمرو و القصير. أو الإبادة الجماعية، و هو الذي قد تكون تنتظره بعض البلدات المحاصرة، بعد أن  دمرت على رؤوس أصحابها،و لم  يعد لأبنائها  قدرة  على الدفاع عنها  في وجه التغول الطائفي المجنون، الذي تتعرض له منذ بدايات الثورة السورية  في سنة 2011م.

      ثالثا- الارتهان بمخطط مسبقسبق أن رسمت إحداثياته الدوائر الصهيونية داخل فلسطين و خارجها. وقد جهدت هذه الدوائر على وضع هذا المخطط موضع التنفيذ و على رسم السياسات التي يمكن من خلالها تنفيذه. و هذا  هو الذي حدث في أعقاب الربيع العربي، الذي تأذن النظم الفاسدة بالثورات المضادة، فوجدت الصهيونية و أحلافها في تلك الثورات مركبا سهلا لها، فاصطفت إلى جانب الحكام الخونة، و كان بشار الأسد أحدهم، و قد كان مطاوعا و ملتزما بأبجدية ذلك المخطط الذي كفل له عدم السقوط بما وفّره له من حماية دولية، و من أحلاف يقفون إلى جانبه و يصطفون معه. و ما وجود الحلف السوري الروسي الإيراني إلا دليل على ذلك الاصطفاف الذي لم يعد خافيا على أحد و قد أصبح قتل السوري عند أولئك مشروعا قائما، و كذلك سياسة التدمير الممنهج الذي تتعرض له سورية يوميا و دون توقف و هذا كله يضعنا أمام مستجد حديث يتمثل بالتنفيذ المباشر لذلك المخطط الذي  أعد مسبقا من قبل الدوائر الصهيونية و الصليبية، و الذي نجزم أن نتائجه المباشرة ستكون كمايلي:

      أولا-الكوارث الميدانية للقرى و البلدات و الأحياء، و التجمعات السكانية المحاصرة.شأن الذي حصل في داريا أمس و الذي ستتبعه و بالتأكيد مناطق أخرى ليست أقل شأنا من داريا. و ماحدث في حلب بعد قطع خط الكاستيلو و إطباق الحصار على المدينة الباسلة من إرغام المدنيين على الخروج من المدينة المحاصرة و الطلب من المدنيين إخلاء حلب و ماحولها من السنة بخاصة، و من ثم توطين الميلشيات الرافضة فيها، و في ذلك تغيير للبنى الديمغرافية، التي استعصت على التغيير خلال السنوات الخمس الماضية.

     ثانياتجزئة البلاد السورية، و تحويلها إلى كانتونات عرقية و مذهبية.شأن الذي يحدث في الشمال السوري اليوم و ماتقوم به قوات سورية الديمقراطية في شرقي الفرات و في غربيه و على طول الحدود السورية الشمالية يقيم الدليل على تلك التجزئة.

     وفي تقديرنا أنهم يعدون لسورية مشروع التجزئة ليصبح فيها عدد من الدويلات ذات الصفة العرقية و المذهبية و التي أقل ماتوصف به أنها متنازعة فيما بينها و عاجزة عن الدفاع عن نفسها. و لذلك فهي واقعة سلفا في أسر الدوائر الصهيونية و الصليبية التي أوصلت السوريين إلى ذلك المستوى من الشرذمة و التقسيم.

ثالثا-  إيقاع السوريين في أسر المصالح الأجنبية و السياسات العدوة، التي تتربص بهم شرا. ممايزيد في معاناتهم. و هذه المسألة و إن كانت مستقبلية إلا أنها تعد بمثابة خاتمة المطاف لتلك الحرب الدامية التي شهدتها المنطقة، و التي يراد لها أن تكون السيادة المطلقة فيها للدولة الصهيونية في فلسطين و هو الذي كان دعا إليه هرتزل في آواخر القرن التاسع عشر.

      و النتائج الثلاث هذه قد تكون حتمية مالم يحدث مايلي:

أولاعودة الروح إلى المقاومة السورية وذلك بتوحدها، ولم شعثها بعد تفرقها، و بوضع الخطط الكفيلة، التي تمكنها من مواجهة أعدائها. و بالتصميم على القتال حتى قطرة الدم الأخيرة من المقاتلين الأبطال.

ثانياالانتباه الواعي من قبل أشقاء الشعب السوري الحقيقين، الذين يعدون حقيقة داخلين في خانة الخطر، فالباديء بالعراق سيثني بسورية، و سينقّل مخططاته إلى مصر و السعودية، و قد يعديها إلى دول أبعد لم تكن تظن ولو واحدا بالمليون أن الذي حدث سيطالها يوما ما. فالمشاريع الكبيرة يجب أن ينظر إليها بعقول كبيرة. و الذي يحدث اليوم في اليمن ليس أكثر من متطاير الشرر أو صلته مخططاتهم إلى جبل صبر وإلى نهم، و إلى النهدين و نقم، و يبقى القادم أعظم و لابشرى للمرضى النفسانيين الذين يظنون أن  في قتل السنة فاتحة خير لهم.

      وإن لم يحدث ذلك فالكوارث مستمرة و لن تنتهي. و كذا مسلسل التصفية و التهجير. وقيل ما قيل عن داريا، فإنها الكارثة قبل الأخيرة، و ليست الأخيرة حتما، و هذا ما نحذر منه و بصورة متكررة و بدون تأخير.

 

هذا المقال يعبر عن رأي كاتبه ولا يعبر بالضرورة عن رأي مجموعة التفكير الاستراتيجي

قيم الموضوع
(0 أصوات)
Go to top