التغییر الدیمغرافي في سوریة وسوریة المفیدة.... د. حسين قطريب

التغییر الدیمغرافي ھو التغییر النوعي الاثني أو الدیني أو المذھبي للسكان في منطقة ما، ویتم تنفیذه خلال مدة طویلة من الزمن أو خلال مدة قصیرة، تبع ا للأسالیب والأدوات المستخدمة في تنفیذ خطتھ، التي منھا ما یندرج ضمن أدوات القوة الناعمة، كالأسلوب الدعوي التبشیري، والثقافي العلمي، وتقدیم التسھیلات، ومنح الامتیازات والجنسیات، وأسلوب الترغیب المادي والترھیب المعنوي، بالإضافة إلى أسالیب التضییق المختلفة، وتلك أدوات وأسالیب ھادئة تستخدم في تنفیذ الخطط الاستراتیجیة على المدى الزمني البعید.

ومن أسالیب التغییر الدیمغرافي ما یندرج ضمن القوة العسكریة الصلبة وأدواتھا في أثناء الحروب والنزاعات، من خلال استخدام القوة العسكریة والأسلحة بشكل مفرط ووحشي ضد المدنیین، كعملیات التطھیر العرقي، والتھجیر القسري، واستراتیجیات الحصار والتجویع، وعقد الاتفاقات القھریة، التي تقضي برحیل السكان من مساكنھم، ثم الإحلال لفئة بشریة محلھم، كما یحدث الآن في سوریة.

وللذین لا یأبھون بخطورة ما یجري في سوریة من العمل على تنفیذ خطة استراتیجیة لتغییر دیمغرافیتھا، أذكر بنتائج عملیات تغییر دیمغرافیة عدة جرت خلال التاریخ، ومازالت ماثلة في الذاكرة، وطالت شعوبا بأكملھا، كالذي حدث لسكان الأندلس "اسبانیا الحالیة"، التي تحول شعبھا المسلم إلى شعب مسیحي بالكامل، وإیران التي تحولت من دولة سنیة إلى دولة شیعیة، وھا ھي فلسطین تتحول من أكثریة عربیة إلى أكثریة یھودیة خلال عقود من الزمن.

النتائج والتوصيات للدراسة:

1)   بدأت فكرة نشر التشيع في سورية بعد وصول حافظ أسد للحكم في عام 1970م، كفكرة سياسية تستهدف الطائفة العلوية لإخراجها من عزلتها الدينية والاجتماعية وضمها إلى صفوف الشيعة، وتعزيز شرعية رئيس النظام بأنه مسلم، ثم تحولت الفكرة بعد نجاح ثورة الخميني في إيران عام 1979م إلى خطة استراتيجية طائفية لكل من النظامين، نظام ولاية الفقيه في إيران، ونظام حافظ أسد الطائفي النصيري في سورية، تستهدف أهل السنة في سورية والمنطقة.

2)   بالرغم من كثافة الهيئات والمؤسسات الدينية الشيعية التي استخدمت في نشر التشيع في سورية، والجهود التي بُذلت، والامكانات المادية والبشرية التي وفرتها إيران، والتسهيلات التي قدمها النظام في عهد الأب حافظ والابن بشار، ما بين 1970-2011م، بدت استجابة أهل السنة للتشيع ضعيفة جدا، حيث بلغ معدل التشيع للسنة في عهد حافظ أسد /232/ شخصاً في السنة، وارتفع هذه المعدل في عهد بشار إلى /1005/ أشخاص في السنة، وفي كلا العهدين لم يعكس العمل الدعوي الشيعي في سورية نتيجة عملية.

3)   الأمر المؤثر حقيقة في العمل الدعوي الشيعي في سورية كان في الانتشار النقطي الواسع للتشيع على امتداد الجغرافية السورية وفي مجتمعها، من حيث عدد نقاط التواجد وليس من حيث عدد المتشيعين، إذ سجل هذا التشيع نقاط وجود في جميع المحافظات السورية، على شكل أنماط معمارية ومزارات ومرجعيات شيعية، وبلغ أكثر من /134/ نقطة، بعد أن كان محدوداً في عدد من النقاط.

4)   بعد انطلاقة الثورة السورية المباركة في 15/3/2011م، واستخدام النظام وحلفاؤه الشيعة القوة بوحشية غاشمة من أجل القضاء على الثورة بعد ستة أشهر من انطلاقتها، تبدلت أساليب وأدوات التغيير الديمغرافي في سورية، وانتقلت من أدوات القوى الناعمة إلى أدوات القوة العسكرية الصلبة، التي تمثلت بالقصف العشوائي، وتدمير البنية العمرانية والتحتية، واستهداف المدنيين، وارتكاب المجازر، وإشاعة الرعب والخوف مع استراتيجية الحصار والتجويع، وإبرام الاتفاقات القهرية للتهجير القسري، فتحول نصف الشعب السوري بين نازح ولاجئ وقتيل، وتشير التقديرات إلى حوالي 6,5 مليون نازح في الداخل، وحوالي 5,2 مليون لاجئ في الخارج، وحوالي مليون شهيد ومعتقل.

5)   حقق النظام وحلفاؤه خطوات متقدمة من تنفيذ خطتهم الاستراتيجية في التغيير الديمغرافي في سورية، ولكنهم اتجهوا مؤخراً نحو ما أسماه رأس النظام بشار الأسد بسورية المفيدة، كهدف مرحلي تكتيكي، وبدأوا بالتركيز على تفريغ مدينة حمص وما حولها، ودمشق وما حولها، وريف دمشق، وترجموا ذلك باستراتيجية الحصار وعقد الهدن المنفردة على مستوى الأحياء والبلدات، بدليل أنهم أفرغوا أحياء حمص من سكانها السنة قسرا، وحرقوا سجلات الملكية فيها، ومنعوا سكانها من العودة إليها بعد اتفاقية خروج الثوار منها في عام 2014م، وأفرغوا منطقة القصير وما حولها من سكانها قسرا، وأحلوا مكانهم عوائل شيعية لبنانية وعراقية، وما شهدته أحياء العاصمة وريفها من هدن واتفاقات عديدة، كان أبرزها تهجير سكان داريا ومعضمية الشام برعاية أممية، وإصرار إيران على مبادلة سكان الزبداني ومضايا وسرغايا في ريف دمشق بسكان الفوعة وكفرية الشيعيتين في ادلب.

6)   انخفضت نسبة السكان السنة في المحافظات السورية الست الداخلة ضمن ما سمي بسورية المفيدة من نسبة 69% في نهاية عام 2011م إلى نسبة 51%، في عام 2016م، وانخفضت نسبتهم في محافظة دمشق من 90% إلى 81%، وفي محافظة ريف دمشق من 87% إلى 54%، وفي محافظة حمص من 64% إلى 19%.

7)   ارتفعت نسبة الشيعة في المحافظات السورية الست الداخلة ضمن ما سمي بسورية المفيدة من نسبة أقل من 1% في نهاية عام 2011م إلى 13% في عام 2016م، وارتفعت نسبتهم إلى 11% في محافظة دمشق وإلى 25% في محافظة ريف دمشق وإلى 26% في محافظة حمص.

8)   ارتفعت نسبة العلويين في المحافظات السورية الست الداخلة ضمن ما سمي بسورية المفيدة من نسبة 21% إلى 24%، وفي محافظة حمص من نسبة 25% إلى 43%، وذلك نتيجة لانخفاض نسبة أهل السنة في المحافظة بشكل كبير جداً.

9)   حرص الباحث على عدم المبالغة في تقديرات حجم النزوح واللجوء، والحقيقة هي أكثر من ذلك حسب المعطيات، والمعلومات الدقيقة تحتاج إلى دراسات ميدانية وإلى فريق عمل وامكانات كبيرة، ولكن الدراسة أعطت فكرة واضحة أن النظام وحلفاؤه وصلوا في هدفهم للتغيير الديمغرافي في سورية إلى مراحل متقدمة.

10)          يجب العمل على توثيق الحقائق السكانية كما كانت عليه في بداية عام 2011م.

11)          يجب العمل على إثارة القضية في المحافل الدولية، وإقامة دعوى قضائية على النظام وحلفائه، فالتغيير الديمغرافي قسرياً، يعد جريمة حرب في القانون الدولي.

12)          كل ما تم تشييده على الطراز الديني الشيعي بعد عام 1979م لا شرعية عمرانية له، ويعد نوعاً من أنواع السطو على العقارات والأملاك السورية الخاصة والعامة.

 

هذا المقال يعبر عن رأي كاتبه ولا يعبر بالضرورة عن رأي مجموعة التفكير الاستراتيجي

قيم الموضوع
(0 أصوات)
Go to top