طباعة

العالم وجائحة كورونا / السيناريو المتوقع للعالم العربي الي نهاية ديسمبر 2020/

مقدمة

لم يشهد العالم مثيلاً للتطورات الراهنة منذ تاريخ بعيد في ظل الانتشار العالمي السريع لجائحة فيروس «كورونا» المستجد (covid - 19) والوباء المترتب على انتشاره عالمياً، وبرغم ما تتخذه الحكومات والدول من إجراءات لمنع انتشار الوباء في الجانب الصحي، وكذلك الحد من تبعاته المختلفة وخاصة على الاقتصاد العالمي بكل قطاعاته، فإن الأمر ما زال خطيراً وقاب قوسين أو أدنى من الخروج عن السيطرة.

إن الانتشارالمتدرج والسريع للفيروس من المحلية للعالمية سيعمق التأثيرالذي ربما يطال معظم المجالات في بنيتهاالمادية والوظيفية وتأثيرها في رؤية العالم والتصورات الخاصة بالحياة والوجود والمصيرالإنساني.

يمر العالم والمجتمعات البشرية المختلفة بلحظات تاريخية فارقة وهي تواجه جائحة «كورونا»؛ مما يجعلها موضوعاً قابلاً للبحث والتحليل، وتقود هذه الأزمة إلى إعادة النظر في الكثير من المفاهيم، ولا سيما المرتبطة بدور الدولة والمجتمع والأداء الاقتصادي وأساليب أداء العمل والإنتاج وإعادة صياغة مفهوم العولمة ليناسب ما بعد مرحلة جائحة كورونا التي ستترك العالم بشكل وهيئة وطبيعة مختلفة عما كان عليها من قبل، وسوف تحدد تلك الأزمة مفاهيم جديدة للعالم قبل أن تتركه وترحل.

وفي ظل الوتيرة المتسارعة لتفاقم الأزمة عالمياً، وغياب ملامح الجهوزية لمواجهة الأزمة بشكل آني وفعَّال؛ فيصعب حالياً التنبؤ بالاتجاهات المستقبلية عالمياً التي تعتمد بشكل كبير على سرعة وقدرة الحكومات والدول لمواجهة انتشار الفيروس وتبعاته على الأصعدة المختلفة.

حيث قامت مجموعة التفكير الإستراتيجي ومقرها إسطنبول في تركيا بدورها بدعوة مجموعة من المفكرين والخبراء لورشة عمل امتدت إلى ما يقارب الشهرين، وما انبثق عنها من فرق عمل للعمل على تحليل وتوصيف الجائحة ومسار انتشارها وتأثيراتها المختلفة على عدد من الملفات؛ مثل الملف الاقتصادي، والجيوسياسي، والجيوستراتيجي، والمنطقة العربية والإقليم، والقوى المجتمعية الحية.. وغيرها.

وعملت المجموعة على تحليل الظاهرة والوقوف على السيناريوهات المتوقعة لانتشار الجائحة، حيث اقترحت فرق العمل ثلاثة سيناريوهات مختلفة، معتمدة على مدة انتشار واستمرار الوباء، إن احتمالية السيطرة على الفيروس في فترة وجيزة لا تتخطى ستة أشهر قد لا تؤثر بشكل كبير على كثير من الملفات والقضايا في المدى البعيد أو القصير، في حين أن امتداد فترة السيطرة على الفيروس لما يقارب 12 شهراً ربما يؤدي إلى تغييرات كبيرة في المنطقة والعالم والنظام الدولي، أما إذا امتد الأمر إلى ما بعد ذلك؛ فإن العالم مقبل على مرحلة خطيرة ربما يخرج فيها عن السيطرة ونرى نظاماً عالمياً جديداً.

وقد تبنت مجموعة التفكير الإستراتيجي السيناريو المتوسط (السيطرة على الجائحة خلال عام من انتشارها) وتأثيرات ذلك على العديد من الملفات المحلية والإقليمية والدولية، مرتكزة على مخرجات الحوار بين المفكرين والخبراء المشاركين بورشة العمل، وكذلك عدد من الأوراق البحثية المرفقة، بالإضافة إلى استطلاع للرأي (focusgroup).

وفي خلاصة، فإن العالم العربي والمنطقة والإقليم سيشهد عديداً من المتغيرات، ربما تتزايد الضغوط المالية والاقتصادية والاجتماعية داخل المنطقة، ومع ذلك؛ فإن قوى التغيير السياسي والاجتماعي أمام فرصة لتوحيد جهودها من أجل بناء وحدة وطنية داخل كل قُطر ولتدعيم العمل المشترك العابر للأقطار، وهذا دور الأحزاب السياسية والمجتمع المدني والقوى الشبابية التي يفترض أن تعيد بناء التصورات والمضامين وطرق العمل، لتشكل قوة ضغط على السلطات العمومية في مسار الموازنة بين الوطني والعابر للأوطان، والمدخل هو خلق الثروة وتبادل المنافع وتحقيق السيادة، كما أن المنطقة ستكون في مفترق طرق بين استعادة الرضا في المنظومة الجديدة بموقع يشابه الموقع السابق، أو انتهاج سياسات جريئة قوامها الإنتاج وتثمين الموارد الذاتية والتكامل متعدد الأوجه والصيغ أمام وإعادة بناء منظومة العمل المشترك وفقاً لمقاربة عقلانية تستفيد من ارتباك الأطراف الدولية المؤثرة ومن تقييم تجارب العقود السابقة.

كما أن ثمة تداعيات اقتصادية واجتماعية لجائحة «كورونا» على مختلف مناطق العالم، ولكن وطأة التداعيات على المنطقة العربية قد تكون كبيرة بسبب حالة التبعية التي تعيشها الاقتصاديات العربية للخارج، منذ بداية العولمة الاقتصادية الرأسمالية، التي انطلقت في عام 1990م.

كما أن عمق الأثر للفيروس قد يختصر الزمان والمكان وكثيراً من المحطات بشكل سيعقد عملية التكيف مع متغيراته ومعطياته اليومية؛ مهدداً بإضعاف وتفكك المؤسسات الدولية بشقها الاقتصادي والسياسي وتوزيع القوى والتحالفات الدولية فيها.

وإذ تثمن مجموعة التفكير الإستراتيجي جهود الكثير من المؤسسات التي تبحث كيفية مواجهة هذه الجائحة، فإنه يسعدها أن تقدم اجتهادها في هذا التقرير لتستفيد منه جميع المستويات الرسمية والأهلية والقطاع الخاص وقوى المجتمع.

كما تتقدم المجموعة بكل الشكر والتقدير لجميع الزملاء المشاركين في ورشة الحوار، وفرق العمل، ومعدي الأوراق البحثية والمنسقين الفنيين لورشات العمل على مشاركتهم وجهدهم، آملين أن تزول هذه الجائحة، وأن يكون هناك مستقبل أفضل وجديد للعالم والبشرية.

أ. محمد سالم الراشد

رئيس مجموعة التفكير الإستراتيجي

هذا المقال يعبر عن رأي كاتبه ولا يعبر بالضرورة عن رأي مجموعة التفكير الاستراتيجي

قيم الموضوع
(0 أصوات)

البنود ذات الصلة (بواسطة علامة)