الأمن القومي العربي2015 .. الواقع و آفاق المستقبل.... محمود المنير

عشرات القمم الدولية، وأضعافها على مستوى العلاقات الثنائية أو متعددة الأطراف بين الدول العربية بحثت ملف الأمن القومي العربي ، وما يواجهه من تحديات وتهديدات ، والتي تزداد عاماً بعد عام، حتى وصلت ذروتها كما لم تصل من قبل ، وحري بالذكر قبل أن نتطرق لتهديدات الأمن القومي العربي في 2015 أن نذكر بمفهوم الأمن القومي العربي بمعناه الشامل الذي خلصت إليه مجموعة عمل من الخبراء والمتخصصين تنفيذا لقرار اجتماع الجامعة العربية على مستوى القمة الرقم 336 بشأن الأمن القومي العربي المنعقد في القاهرة 18 - 19 يوليو 2007 إلى اقتراح التحديد التالي لمفهوم الأمن القومي العربي بمعناه الشامل:

حيث انصرف مفهوم الأمن القومي العربي إلى قدرة الدول العربية مجتمعة كليا أو جزئيا على الدفاع عن نفسها وحقوقها وصيانة استقلالها وسيادتها وسلامة أراضيها وتقوية ودعم هذه القدرات بتنمية الإمكانات العربية في مختلف المجالات السياسية والاقتصادية والأمنية والاجتماعية والثقافية والتقنية استنادا للخصائص الجيوسياسية والسياسية والحضارية التي تتمتع بها أخذا بالاعتبار الاحتياجات الأمنية الوطنية لِكُلّ دولة والإمكانات المتاحة والمتغيرات الداخلية والإقليمية والدولية التي تؤثر على الأمن القومي العربي الذي يعتبر الركن الأساسي في الأمن الإقليمي وفي استقرار المنطقة كما إن مفهوم الأمن القومي العربي يعتبر وسيلة للحفاظ على الانتماء القومي وتعزيز الهوية العربية ويمثل عنصرا أساسيا في الربط بين الدول العربية وصيانة مصالحها الوطنية والقومية وتحقيق نمائها.

متطلبات الأمن القومي العربي

يتبين من التعريف السابق أنه ينطوي على خلط لمفاهيم أمنية متعددة ومتشعبة لا يمكن معها إعطاء صفة محددة للأمن القومي العربي كما تقتضي الضرورة . ولكن من التعريف السابق يمكن أن نضع أيدينا على متطلبات الأمن القومي العربي التي يجب أن تجد الأنظمة العربية لتحقيقها من خلال ضبط سياساتها الداخلية والخارجية وعلاقاتها الثنائية ومتعددة الأطراف وهي :

1.      أن يكون متكاملا و قائما على الوحدة والتعاون .

2.     أن يكون واقعيا ومنطقيا وقابلا للتطبيق .

3.     أن يمتلك القدرة على الردع وبسط السيادة .

4.     أن يمتلك الموارد  والأدوات اللازمة لتحقيقه.

5.     أن يحمل في داخله قيم الحضارة الاسلامية والانسانية .

وبالنظر إلى المعايير والمتطلبات السابقة مقارنة بالتعريف الذي سبقها يتبين مدى التفاوت والهوة الكبيرة بين التعريف والمتطلبات التي ينبغي أن يكون عليها المفهوم .

الأمن العربي بين المفقود والمأمول !!

بمناقشة المتطلبات السابقة نجد أن الواقعية مثلاً وهي من أهم الخصائص اللازمة للأمن القومي التي ستسهم لو وجدت في بناء أمن قومي عربي . هل الوضع الحالي للأمة العربية بما يشهد من حالة تشرذم وتفكك وسيولة يجعل من الأمن القومي العربي أمراً واقعيا؟ وهل حجم التهديدات الموجهة إليه تجعل من مقاومتها أمرا ممكنا؟ تستدعى الاجابة على هذا السؤال مناقشة أهم المتطلبات اللازمة لصيغة نظرية الأمن القومي العربي وهي :

1.     مدى توفر وامتلاك الإرادة السياسية.

2.     تحديد ماهية المصالح القومية العربية.

3.     الوقوف على طبيعة التهديدات الحقيقية التي تواجهها الدول العربية.

4.     القرار فيما إذا كان هنالك عدو حقيقي وآخر وهمي ثالث محتمل.

5.     صياغة التحالفات الممكنة التي تحقق الأمن القومي العربي.

6.     تحديد المتطلبات ومقارنتها بما يمكن تطبيقه وتحقيقه.

7.     وضع الخريطة الشاملة لنظرية الأمن القومي العربي.

العوامل المؤثرة في صياغة نظرية الأمن القومي العربي :

لاشك أن هناك الكثير من العوامل الايجابية والسلبية التي يجب أن تؤخذ بعين الاعتبار عند صياغة خريطة شاملة لنظرية الأمن القومي العربي ومنها :

1.     اتّساع رقعة الدول العربية وكثرتها (22) دولة.

2.     دول الجوار الجغرافي وتعدد مصالحها وتقاطعها في بعض الأحيان.

3.     مراعاة البعد الدولي  والاقليمي الحاكم بالوجود الفعلي على الأرض العربية.

4.     تفاوت الوضع السياسي الداخلي للدول العربية .

5.     تفاوت الوضع الاقتصادي للدول العربية المعنية بنظرية الأمن القومي العربي.

6.     اختلاف أنماط التحالفات البينية العربية ومدى تأثيرها سلبا أو إيجابا .

7.     اختلاف أنماط التحالفات الإقليمية والدولية ومدى تعارض هذه التحالفات

8.     أثر الاتفاقات التي أبرمتها بعض الدول العربية ،مثل اتفاقية كامب ديفيد بين مصر وإسرائيل ومعاهدة السلام الأردنية - الإسرائيلية .

9.     الاختراق العميق الذي تعرض له الأمن القومي العربي بفعل الاختراقات الصهيونية والأمريكية والإيرانية والروسية وأثره السلبي على صدقية الالتزام القومي العربي ، وليس أدل على ذلك من الموقف العربي السلبي من الحصار (الصهيو- أمريكي) لشعبنا في غزة ، والموقف السلبي من التدخل الروسي والايراني في سوريا .

10.               مراعاة البعد الطائفي وامتداداته، والحواضن السنية والتيارات الحركية والسياسية وتأثيراتها على الأمن القومي العربي.

التهديدات التي يواجهها الأمن القومي العربي :

من خلال استقراء الواقع والحالة التي يعيشها الأمن القومي العربي في 2015 تتمثل أبرز التهديدات التي يواجهها فيما يلي : 

1.     الإرهاب وأدواته ووسائله وأبرزه تنظيم الدولة الاسلامية ( داعش).

2.     التهديد النووي الإيراني بالدرجة الأولى تهديداً أمنياً خطيراً لدول مجلس التعاون الخليجي.

3.     الاختراق الايراني كما في العراق واليمن ولبنان وسوريا .

4.     الحضور الأمني الأمريكي في الخليج العربي.

5.     التهديد الإسرائيلي الاحتلالي في فلسطين.

6.     التهديد البيني بالتحالفات المتعارضة بين بعض الدول العربية.

7.     الاحتراب الداخلي بين مكونات بعض الدول العربية كما في العراق واليمن وسوريا .

8.     التدخل الروسي العسكري في سوريا.

9.     تهديد السلم الأهلي بسبب الاحتراب الداخلي كما في مصر وليبيا بسب الثورات والثورات المضادة .

10.               الجاليات الأجنبية (الأسيوية على وجه التحديد) عنصر تهديد لأمن دول مجلس التعاون الخليجي بالنظر إلى نسبتها العالية إلى عدد السكان ولتباين أصولها وثقافاتها ومرجعيتها.

11.               الرعب النووي بين الهند وباكستان اللتان تمثلان الجوار المباشر لدول المجلس ومن جهة الجنوب الشرقي.

12.               التهديد الناجم عن الهجرة وتزايد عدد اللاجئين من أثر الأزمة السورية.

13.               الفتنة الطائفية في عدد من الدول العربية التي توجد بها إثنيات عرقية وطائفية.

14.               الحروب الوشيكة بسبب التنازع على المياه كما في حوض النيل.

15.                الخلافات على الحدود كما في الخلاف الجزائري - المغربي حول الصحراء فضلاً عن استباحة المياه الإقليمية ومنطقتها الاقتصادية للمغرب وموريتانيا وعدم قدرتهما على حماية هذه المناطق على بما تيسر لها.

و هناك العديد من التهديدات الأخرى التي تحتاج لدراسات موسعة وتقسيمات على حسب نوعها وخطرها وطبيعتها .

والسؤال الذي يطرح نفسه بقوة الآن ، هل يصلح النظام الأمني العربي الحالي للدفاع عن الأمن القومي العربي؟

لعل استعراض التهديدات المشار إليها تبين قصور النظام الأمني العربي فاتفاقية الدفاع المشترك وما تمخض عنها لم تعامل بالجدية المطلوبة كما لم تضع الدول العربية نظرية أمنها القومي القابلة للتطبيق .

وهو ما تسبب في حالة السيولة والاختراق والاحتراب وانتهاك السيادة والتدخل الأجنبي العسكري الذى نشهده وهو ما ينذر بشرق أوسط جديد يُعاد فيه رسم الخرائط من جديد و تقسيم المقسم وتفتيت المفتت !!

صياغة نظرية الأمن القومي العربي

وهذا يتطلب إعادة صياغة النظام العربي الاقليمي المهترئ ونظريته الأمنية القومية ، وهناك العديد من الأسباب  والعناصر الدافعة لذلك ومنها :

1.     وحدة الهوية الحضارية العربية والقيم والمثل والدين والتراث المشترك .

2.     الموقع الاستراتيجي للأمة العربية في قلب العالم.

3.     الثروات العربية الهائلة المنهوبة والمستنزفة.

4.     طبيعة و حجم الأطماع الكبيرة الموجهة للدول العربية.

5.     عدم ثبات التحالف مع القوى الأجنبية التي تدفعها وتحركها المصالح.

6.     الخطر الايراني بشقيه النووي والتوسعي في المنطقة.

7.     التهديد الدائم الذي تمثله (إسرائيل) والذي لن ينتهي حتّى بعد توقيع ما يسمّى باتفاقيات التسوية.

8.     حالة احتراب الداخلي بين بعض مكونات الدول العربية .

9.     ضعف معظم الأنظمة العربية وتبعيتها للدول الكبرى في تحالفات متعارضة.

10.   تغول بعض الأنظمة العربية على شعوبها بعد موجات الثورات العربية منذ 2011. وحتى الآن.

الآليات والوسائل المقترحة :

لعل من أسهل الأمور صياغة الحلول النظرية كالتي صاغتها وخلصت إليها عشرات القمم والمؤتمرات العربية ولكنها ظلت حبيسة الادراج في انتظار الإرادة السياسة التي تمتلك الرغبة والقدرة على تحقيقها ومن هذه الوسائل والحلول ما يلى :

1-    تفعيل دور مجلس الدفاع العربي المشترك وهو المجلس الذي تأسس، بموجب المادة (6) من اتفاقية الدفاع العربي المشترك لعام (1950).

2-    إعادة النظر في خريطة التحالفات الاقليمية بعد توقيع الاتفاق النووي الايراني مع دول 5+1.

3-    اتخاذ قرار عربي موحد بشأن الأزمة السورية بما يضمن وحدتها ويوقف التدخل الروسي الايراني في سوريا.

4-    احتواء الحواضن السنية والتيارات السياسية في المنطقة واتخاذها كدرع واقية منعا لحالة الاحتراب الداخلي وحماية للنسيج والسلم الاجتماعي الداخلي في الدول العربية بدلا من سياسة الاقصاء والتهميش.

5-    اتخاذ موقف إيجابي لكسر الحصار على قطاع غزة المحاصر ، وإعادة إعماره بعد سلسلة الحروب التي واجهها وسياسة التجويع والحصار الذي ضربت عليه منذ سنوات وإجبار المجتمع الدولي على تحمل مسؤوليته تجاه سياسات الكيان الصهيوني المحتل .

6-    الاستفادة من تقلبات التوازن الدولي وإيقاعه المتسارع في إفراز قوى دولية ذات نفوذ اقتصادي  وسياسي واستغلال ذلك لخدمة المصلحة العربية وأمام الدول العربية خيارات عديدة لتحديد مسارها واختيار حلفائها ، خاصة دول جنوب شرق آسيا والصين ، للانفكاك تدريجياً من الطوق والعزلة والتخلف الذي فرضه النظام العالمي الحالي.

7-    تفعيل دور الجامعة العربية والأخذ بالمبادرة لإيجاد آليات تطوير ميثاق الجامعة العربية حتى يتسنى لها القيام بأعمالها على المستوى الدولي والإقليمي لتصبح قادرة على اتخاذ القرارات وتنفيذها .

8-    ضرورة صد المؤامرات السياسية الغربية ووسائل إعلامها في محاولة تشويه الإسلام وربطه بالإرهاب، باعتباره الدرع الذي يحمي الهوية والعروبة ودينها.

9-    ضرورة إشاعة الديمقراطية والمشاركة السياسية في الأنظمة العربية وإعادة صياغة الخطاب السياسي، وضرورة التصويت على القرارات المصيرية تعتزم السلطات تنفيذها لكي يقول الشعب العربي رأيه فيها.

10-  ضرورة دعم وتطوير وسائل الإعلام العربية ، حتى تكون قادرة على مواجهة الدعايات الغربية التي تستهدف الأمة العربية حضارياً وثقافياً وفكرياً وإعلامياً ودينياً.

11-  التعامل الجدي مع حالة فراغ القوة التي بدأ المجال الإقليمي للعرب يشهده مع بدء تقهقر مشروع السيطرة الأمريكي على المنطقة.

--------------------------------

المصادر :

1-    الشرق أوسطية وتحديات الأمن القومي العربية ، أحمد كخزوم أحمد الرازقي ، http://goo.gl/ues1qY

2-    تهديدات الأمن القومي العربي ، د. عبد الوهاب القصاب ، المؤتمر القومي العربي التاسع عشر 2008.

3-    تنامي الدور الايراني وتأثيره على الأمن القومي العربي ، http://goo.gl/KZkbT0

4-    الأمن القومي العربي في ظل التحولات العالمية الراهنة ، محمد بوبوش ، مجلة دراسات شرق أوسطية ، عدد 53 خريف 2010 السنة الرابعة عشر.

5-    نحو إعادة صياغة مفهوم الأمن القومي العربي ومرتكزاته ، منذر سليمان ، http://goo.gl/WUyOQW

6-    تقرير لجنة بالبرلمان العربي الإنتقالي حول الأمن القومي العربي ، http://goo.gl/ORYyQ8

7-    التجزئة السياسية العربية والأمن القومي العربي ، البحثية ، محمد ولد دده ، http://goo.gl/CjgRXx

8-    ندوة حول الأمن القومي العربي لبحث تفعيل الآليات لمجابهة المخاطر التي تهدد المنطقة ، http://goo.gl/x2UscO

9-    الاختراقات الإسرائيلية للأمن القومي العربي ، محمد قاياتى ، شبكة الأخبار العربية ، http://goo.gl/2hrFnH

 

10-                    إيران والأمن القومي العربي: خصوصيّات البيئة الإقليميّة ، الجمعية الأهلية لمناهضة الصهيونية و نصرة فلسطين ، http://goo.gl/l56ufg

هذا المقال يعبر عن رأي كاتبه ولا يعبر بالضرورة عن رأي مجموعة التفكير الاستراتيجي

قيم الموضوع
(0 أصوات)
Go to top