التقدير الاستراتيجي (102): القمة الإفريقية-الإسرائيلية ومستقبل العلاقات المتبادلة

تقدير استراتيجي (102) – آب/ أغسطس 2017.

ملخص:

على الرغم من أن الكيان الإسرائيلي منذ تأسيسه كان مدركاً لأهمية القارة الإفريقية، سياسياً واقتصادياً وأمنياً واستراتيجياً، إلا أن الظروف السياسية آنذاك لم تسمح له بتحقيق اختراق واسع في العلاقات مع دول القارة، باستثناء نظام الفصل العنصري في جنوب إفريقيا. وعلى ما يبدو بأن الظروف السياسية والأمنية التي تمر بها المنطقة العربية وما تعانيه من ضعف وتفكك، وما تتعرض له القضية الفلسطينية من تهميش، جعلت الساحة الإفريقية ملائمة لتفعيل الديبلوماسية الإسرائيلية في إفريقية، لذا أتت التحركات الإسرائيلية خلال سنة 2016 في الشرق الإفريقي، والمؤتمر المنوي عقده خلال الفترة 23-27 /2017/10 في توجو، التي تقع غرب القارة، لتتويج الاختراق الصهيوني للقارة الإفريقية.

هناك العديد من العوامل المتداخلة التي قد تسهم في تحقيق السيناريوهات المحتملة لهذه القمة والتي هي: نجاح كامل للقمة وتكريس الاختراق الإسرائيلي، أو فشل القمة وعدم عقدها بتاتاً، أو تحقيق نجاح جزئي للقمة وهو السيناريو المرجح.

مقدمة:

تعمل دولة الاحتلال الإسرائيلي بشكل حثيث لإنجاح مشاركتها في مؤتمر ”قمة إفريقيا – إسرائيل“ الذي دعت إليها جمهورية توجو، والمنوي عقده خلال الفترة 23–27 تشرين الأول/ أكتوبر من هذه السنة. وبالرغم من الأصوات المعارضة من القارة الإفريقية لمشاركة ”إسرائيل“ في المؤتمر، وخصوصاً الدول العربية والإسلامية منها، إلا أن شعوراً بالارتياح النسبي لدى ”إسرائيل“ يدفعها بالسير قدماً نحو المشاركة. ولعل الترحاب الذي شهده نتنياهو من بعض قيادات القارة في أثناء جولته في سنة 2016، هو ما يعطي هذا الشعور بالارتياح ولو نسبياً.

وفي المقابل فإن الأطراف المعارضة لمشاركة ”إسرائيل“ لم ترفع رايات الاستسلام، بل ما زالت تسعى بقوة نحو إفشال المؤتمر أو على الأقل إضعاف مستوى نجاحه.

أولاً: القمة الإفريقية الإسرائيلية وتناقضات الموقف حولها:

تعدّ دولة توجو من أكثر الدولة في القارة الإفريقية قرباً من دولة الاحتلال الإسرائيلي. وعلى ما يبدو فإن الرئيس التوجولي فور غناسينغي لم يَحِد عن الخط الذي سار عليه والده سابقاً؛ حيث استقبل الرئيس السابق لجمهورية توجو غناسينغي إياديما رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق إسحاق شامير سنة 1987، ومن الملفت للنظر بأن هذه الزيارة سبقها زيارة سرية قام بها بناد أفيتال مدير شعبة إفريقيا بوزارة الخارجية الإسرائيلية عقب محاولة الانقلاب الفاشلة ضدّ إياديما في كانون الأول/ ديسمبر 1986، وهو ما يوحي بدور أمني لـ ”إسرائيل“ في توجو .

وفي السياق نفسه قام الرئيس فور غناسينغي خلال الشهر الحالي (آب/ أغسطس 2017) بزيارة إلى تل أبيب هي الرابعة له، حيث استُقِبل من قبل رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو. وفي ردّ للرئيس فور في أثناء زيارة سابقة له إلى ”إسرائيل“ حول ما إذا كانت توجو تخشى الانتقام من دول شمال إفريقيا أو الدول العربية، قال إن توجو بلد صغير ولا تحصل على مليارات الدولارات من السعودية وقطر، وإن السكان المسلمين في البلاد صغيرون وغير نشطين، وبالتالي فإن الخطر السياسي منخفض.

ومن المتوقع أن يشارك في المؤتمر حسب التقديرات الإسرائيلية والدولة المضيفة للقمة ما بين 20–30 دولة إفريقية، ومنها كينيا، وتنزانيا، ورواندا، وأوغندا، وساحل العاج، وغينيا الاستوائية، وغانا، وزامبيا، وهي دول تسعى ديبلوماسياً إلى نجاح المؤتمر بين ”إسرائيل“ والقارة الإفريقية.

في المقابل، فقد أبدت المغرب معارضتها إلى جانب السودان وجنوب إفريقيا لعقد هذه القمة، إلا أن هناك بعض المؤشرات التي توحي بأن ”إسرائيل“ تسعى إلى تخطي هذه العراقيل، وذلك من خلال خطوات قامت بها ”إسرائيل“ وأخرى ما تزال تقوم بها ومنها: مشاركة نتنياهو في القمة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا إيكواس في حزيران/ يونيو 2017، وقد ألقى فيها خطاباً والتقى بعدد من القادة الأفارقة. مع الأخذ بعين الاعتبار بأن هناك بعض الدول التي ما يزال قرارها متأرجحاً، وأخرى قد تخضع لبعض الضغوط أو تجري تفاهمات مع جهات معارضة للقمة.

ثانياً: الخلفية التاريخية للعلاقات الإسرائيلية الإفريقية:

نشطت الديبلوماسية الإسرائيلية منذ نشأتها في استخدام نظرية شدّ الأطراف؛ والتي عمدت إلى إقامة علاقات بالدول المحيطة بالعالم العربي، ومن بينها الدول الإفريقية، وهو ما حاولت ”إسرائيل“ القيام به في خمسينيات القرن الماضي، حيث عاشت هذه العلاقة منذ قيام دولة الاحتلال سنة 1948 فترة مزدهرة وصولاً إلى حرب الخامس من حزيران/ يونيو 1967، وفي هذه المرحلة بدأت العلاقات الإسرائيلية تتضعضع مع العديد من الدول الإفريقية، ومنها أوغندا، وغينيا، والكونغو، وتشاد.

أتت الحرب العربية الإسرائيلية سنة 1973 لتشكل نقطة تحول جديدة في العلاقات الإفريقية الإسرائيلية، حيث استخدمت الديبلوماسية العربية نفوذها في الحدّ من الطموح الإسرائيلي في القارة الإفريقية، فقطعت معظم الدول الإفريقية علاقاتها مع الكيان الإسرائيلي باستثناء جنوب إفريقيا، التي كانت ما تزال تحت حكم نظام الفصل العنصري.

ومن جهة أخرى لم تيأس ”إسرائيل“ من محاولات إعادة ترميم علاقاتها بالدول الإفريقية، ولعل من أبرز ما نجحت فيه هو استثمارها لتوقيع اتفاقية كامب ديفيد للسلام مع مصر، مما فتح لها العديد من الأبواب الموصدة أمامها في القارة الإفريقية، التي لطالما انحازت للعالم العربي في صراعه مع الاحتلال الإسرائيلي، فوقّعت اتفاقية تعاون عسكري مع زائير (الكونغو الديمقراطية حالياً) سنة 1981، والتي مهّد لاستئناف العلاقات الديبلوماسية وتطوير تعاونهما عسكرياً وأمنياً. وبعد ذلك توالت الدول التي أعادت علاقاتها مع الكيان الإسرائيلي ففي ثمانينيات القرن العشرين، استُؤنفت العلاقات الديبلوماسية بين ”إسرائيل“ وزائير في أيار/ مايو 1982، وليبيريا في آب/ أغسطس 1983، وساحل العاج في شباط/ فبراير 1980، والكاميرون في آب/ أغسطس 1980، وتوجو في حزيران/ يونيو 1987، قبل أن تستعيد العلاقات الرسمية، في تسعينيات القرن العشرين، مع نحو أربعين بلداً من إفريقيا.

ومن الجدير بالذكر، فإن الكيان الإسرائيلي استخدم خلال حقبة الثمانينيات أراضي السودان في زمن الرئيس جعفر النميري لنقل الآلاف من يهود الفلاشا، وذلك بمساعدة وضغط أمريكي. أما منطقة البحيرات العظمى فقد لعبت ”إسرائيل“ دوراً بارزاً في الحرب الأهلية بين قبيلتي التوتسي والهوتو، فزودت الجيش البورندي والرواندي بالسلاح. وفي السياق نفسه، دعمت ”إسرائيل“ الحركة الانفصالية في جنوب السودان الذي انفصل لاحقاً عن السودان. كذلك ساندت ”إسرائيل“ أثيوبيا في صراعها مع الصومال. وقبيل إعلان استقلال أريتريا سنة 1993، قامت ”إسرائيل“ بافتتاح سفارة لها في العاصمة أسمرا. ولحقتها بعد ذلك أوغندا التي استأنفت علاقتها سنة 1994، وتنزانيا سنة 1995، بعد انقطاع دام أكثر من عشرين عاماً.

ثالثاً: البعد السياسي والديبلوماسي في العلاقة الإسرائيلية الإفريقية:

تسعى الديبلوماسية الإسرائيلية خلال السنوات القليلة القادمة إلى العودة إلى القارة الإفريقية، وتحقيق أعلى درجات النفوذ، حيث قام رئيس الوزراء الإسرائيلي في تموز/ يوليو 2016 بجولة التقى خلالها برؤساء كل من أوغندا، وكينيا، وجنوب السودان، وزامبيا، ورواندا، ورئيس الوزراء الإثيوبي، ووزير الخارجية التانزاني، وهي كلها باستثناء زامبيا تقع على حوض النيل، الذي يُعدّ شريان الحياة لمصر، وهو ما يعدّ أحد المؤشرات لما تسعى إليه ”إسرائيل“ من محاصرة لمصر.

حددت الديبلوماسية الإسرائيلية على لسان نتنياهو غاياتها السياسية، إذ صرح بأنه يسعى من خلال تطوير علاقاتها مع دول القارة إلى حشد التأييد الديبلوماسي الإفريقي في المحافل والمؤسسات الدولية، وقد لمست ”إسرائيل“ بعض النجاحات في هذا الصدد، حيث صوتت نيجيريا وبعض الدول الإفريقية الأخرى لصالح المرشح الإسرائيلي لرئاسة اللجنة القانونية في الأمم المتحدة خلال شهر حزيران/ يونيو 2016، كما امتنعت نيجيريا خلال سنة 2014 عن التصويت على مشروع القرار العربي بمجلس الأمن، الداعي لإنهاء الاحتلال الإسرائيلي في مدة لا تزيد على ثلاث سنوات، وهو ما أسهم في إفشال تبني الأمم المتحدة لهذا القرار.

وفي هذا السياق، ومما يدلّ على أن الاعتبارات الديبلوماسية تقع على رأس أولويات نتنياهو، فقد نقل أنه طالب السفراء الأفارقة في تل أبيب صراحة بالتصويت بشكل جماعي لصالح ”إسرائيل“ في المحافل الدولية. وكان ذلك في أثناء مشاركتهم في حفل نُظّم، خلال سنة 2016، في الكنيست بمناسبة تدشين ”لوبي إفريقيا“ في البرلمان حيث قال ”أعي أنّ ممثلي دولكم سيصوّتون في المحافل الدولية بما يتماشى مع مصالح إفريقيا، وأنا أرى أن مصالح إسرائيل ومصالح إفريقيا تقريباً متطابقة، ما يعني أن التصويت لصالح إسرائيل هو بالضرورة تصويت لصالح إفريقيا“ .

رابعاً: البعد الأمني والعسكري في العلاقة الإسرائيلية الإفريقية:

سعت ”إسرائيل“ إلى مدّ نفوذها الأمني في القارة الإفريقية بما يتوافق مع استراتيجيتها في توسعة دائرة الحماية إلى خارج حدود دائرة صراعها الجغرافية، حيث قامت ”إسرائيل“ بتأسيس قواعد عسكرية بحرية، ومراكز للمراقبة في أريتريا وأبرزها في أرخبيل دهلك. وحسب تقرير لوكالة الاستخبارات المدنية الأمريكية (ستراتفور) فإن ”الوحدات البحرية الإسرائيلية تتمركز في جزيرة دهلك وميناء مصوع في البحر الأحمر، وهي مواقع تتسم بقدرة استراتيجية متميزة على رصد التحركات البحرية في مدخل البحر الأحمر“، مضيفة أن لـ”إسرائيل” أيضاً قاعدة تنصّت على قمة أعلى جبل في أريتريا ”أمبا سواره“، الذي يرتفع عن سطح البحر نحو ثلاثة آلاف متر، وقد وصل عدد القواعد العسكرية الإسرائيلية في أريتريا إلى ستة قواعد. وتأتي أهمية التواجد الإسرائيلي في هذه المناطق من القارة الإفريقية لما يحققه من قدرات لمنع وصول السلاح إلى حركات المقاومة الفلسطينية، وكذلك لمراقبة الدول المعادية لها بما فيها إيران .

وعلى المستوى العسكري، سجلت السنوات الطويلة من العلاقات الظاهرة والخفية بين ”إسرائيل“ والعديد من الدول الإفريقية تعاوناً عسكرياً متصاعداً، يتلمس المراقب لهذا التعاون دور ”إسرائيل“ في تثبيت بعض الأنظمة القمعية في القارة، ولو على حساب حياة المدنيين، وفي إشارة إلى أسباب إطالة أمد الحرب الأهلية في جنوب السودان، فقد ذكر تقرير بعثة مجلس الأمن الدولي إلى جنوب السودان في آب/ أغسطس 2015، بأن البعثة قد وجدت أسلحة إسرائيلية الصنع . أضف إلى ذلك السنوات الطويلة من التعاون بين الدولة ذات الصراعات الداخلية والخارجية و”إسرائيل“، حيث تمكنت شركة يافنيه الإسرائيلية —المتخصصة في صناعة الطائرات دون طيار— في سنة 2006 من إبرام صفقة مع نيجيريا، وقد تضمنت الصفقة تزويد نيجيريا بـ 15 طائرة حربية، وتدريب طيارين نيجيريين، وقد ألمح البعض بأن هذه الصفقة هدفت إلى حماية منطقة غرب إفريقيا حيث تتوسع فيها أنشطة الشركات النفطية الأجنبية .

خامساً: القوى الفاعلة في إفريقيا:

استُخدِمت القارة الإفريقية خلال سنوات الحرب الباردة كمنطقة تنافس أمريكي روسي، إذ سعت الولايات المتحدة الأمريكية إلى محاصرة الشيوعية من خلال تعزيز تواجدها في إفريقيا. وما زال النفوذ الأمريكي في القارة متصاعداً إلى جانب النفوذ الفرنسي الذي كان متواجداً كقوة استعمارية في القارة. ويتمثل هذا النفوذ بوجود عسكري في المناطق الإفريقية التي تعدّ دول مصدرة لما يسمى بالإرهاب كمالي التي تنشط فيها فرنسا، هذا بالإضافة إلى المصالح الغربية المشتركة كحماية مصادر الطاقة في القارة.

من جهة أخرى تسعى دول أخرى إلى مدّ نفوذها إلى القارة الإفريقية منها المنافس الصيني، إذ تعمل على إنشاء قاعدة عسكرية في جيبوتي، التي تعدّ مركزاً للقوات العسكرية الأجنبية. بالإضافة إلى نشاطها الاقتصادي المتنامي في القارة الإفريقية. وهنا تجدر الإشارة إلى أن الدول الغربية المتعاونة مع الاحتلال استخباراتياً وخصوصاً أمريكا وفرنسا قد لا تمانعان من الدفع في تجاه إنجاح القمة الإفريقية، وهو ما قد يتعارض مع المنافس التقليدي للغرب أي الصين.

من جهة أخرى، نرى بأن النفوذ المغربي خلال السنوات القليلة الماضية بدأ يستعيد حضوره في القارة، وقد وقفت المغرب أمام التمدد الإسرائيلي، إذ رفضت في القمة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا (إيكواس) المشاركة بسبب حضور نتنياهو. وكذلك الأمر بالنسبة لتركيا التي تعمل بشكل ناعم لإثبات حضورها في القارة اقتصادياً وأمنياً، فقد بلغ عدد السفارات التركية في إفريقيا أربعين سفارة، إضافة إلى أربع قنصليات عامّة، ولم يكن لتركيا حتى سنة 2002 إلا سبع سفارات فقط في كلّ إفريقيا، بالإضافة إلى الوجود الديبلوماسي فقد دشنت تركيا سنة 2016 قاعدة عسكرية في الصومال على خليج عدن الاستراتيجيّ (مدخل باب المندب والبحر الأحمر)؛ لتكون أول قاعدة عسكرية تركية في القارة السمراء.

ومن الجدير بالذكر بأن مصر لعبت دوراً مهماً في منع تغلغل النفوذ الإسرائيلي إلى القارة على مدى سنوات طويلة بالإضافة إلى دور دول المغرب العربي، كما عملت ليبيا دوراً مهماً في ذلك، إلا أن الواقع الحالي في ظلّ غياب الراعي العربي والإسلامي لدول القارة الإفريقية، التي تنتظر مزيداً من الدعم في سبيل إخراجها من حالة الفقر وانعدام الأمن، قد تجد في ”إسرائيل“ ضالتها طالما لم تجد ذلك عند الدول العربية والإسلامية.

سادساً: العوامل الدافعة في تحقيق التقارب الأفريقي الإسرائيلي:

يوجد في المنطقة العربية والساحة الدولية مجموعة من العوامل التي قد تشكل قوة دافعة لتحقيق التقارب الإفريقي الإسرائيلي ومنها:

• استمرار حالة السيولة في المنطقة وحالة الاحتراب بين ثورات الشعوب العربية والثورات المضادة، في اليمن وليبيا وسورية.

• الأزمة الخليجية، وما تلقيه من عبء واصطفاف في الساحة العربية، وغياب وحدة الموقف حول العديد من القضايا العربية.

• غياب الدول العربية عن قضايا القارة الإفريقية، وخصوصاً مصر وما لها من وزن كدولة إفريقية لطالما كانت قادرة على توجيه دفة القرار الإفريقي في كثير من القضايا.

• غياب الاستراتيجية العربية الموحدة تجاه القارة الإفريقية.

• غياب الإطار الفلسطيني المرجعي الجامع، والذي تمثل سابقاً بمنظمة التحرير الفلسطينية.

• التقارب العربي الإسرائيلي، سواء من خلال اتفاقيات التسوية السلمية الموقعة أم من خلال التفاهمات غير المعلنة، والتي تستغلها ”إسرائيل“ في تطوير علاقاتها مع الدول المساندة للقضية الفلسطينية.

• تقارب المصالح الإفريقية الإسرائيلية في العديد من القضايا، وخصوصاً الأمنية منها والعسكرية، وحتى التنموية التي تستطيع ”إسرائيل“ الإسهام فيها بشكل أو بآخر.

• النفوذ الغربي، وخصوصاً الأمريكي في القارة الأفريقية، التي تدفع أحياناً باستخدام طرف ثالث هو ”إسرائيل“ في تثبيت أو إزاحة بعض الأنظمة بشكل غير مباشر.

• اللوبي اليهودي الصهيوني النشط، والمكون من رجال الأعمال الإسرائيليين، ومن أبناء البلدان الإفريقية من اليهود.

سابعاً: العوامل المانعة من تحقيق التقارب الإفريقي الإسرائيلي:

في المقابل، هناك الكثير من العوامل التي قد تتشكل كقوة مانعة من حدوث هذا التقارب بين الدول الإفريقية و”إسرائيل“ ومنها:

• الإرث النضالي التاريخي لدول وشعوب القارة الإفريقية في وجه الاستعمار الغربي.

• صورة الكيان الإسرائيلي، الذي لطالما ساند وتعاون مع نظام الفصل العنصري في جنوب إفريقيا.

• الممارسات الإسرائيلية كدول فصل عنصري واضطهاد للآخرين، بما في ذلك العنصرية تجاه اليهود من أصول إفريقية، وتجاه اللاجئين الأفارقة.

• التواجد التركي والإيراني النشط في السنوات الأخيرة في القارة الإفريقية.

• رغبة وتحرك بعض الدول العربية خلال السنوات السابقة نحو تطوير العلاقة مع القارة، ومنها قطر والمغرب، هذا بالإضافة إلى تواجد الجزائر وما لها من وزن في القارة الإفريقية.

• وجود العديد من الدول الإفريقية سواء العربية أم غير العربية، التي ما تزال تساند القضية الفلسطينية والتوجهات العربية ولها وزنها في القارة، مثل جنوب إفريقيا وغيرها.

• تقاطع مصالح عدد من الدول الإفريقية مع دول عربية.

• التواجد الإسلامي في القارة الإفريقية، وما يمكن أن يلعبه من دور في تحقيق المساندة للقضايا العربية في القارة الإفريقية.

ثامناً: السيناريوهات المستقبلية المحتملة:

ظهر خلال الأسابيع القليلة الماضية حراك فلسطيني وعربي وإسلامي للدفع نحو إفشال عقد المؤتمر الإفريقي الإسرائيلي في توجو خلال الفترة 23–27 تشرين الأول/ أكتوبر القادم، في المقابل ما تزال الجهود الإسرائيلية من جهة وجمهورية توجو من جهة أخرى تعمل على الحشد لإنجاح هذه القمة. أمام هذه التحركات سنحاول أن نرسم السيناريوهات المحتملة لهذه القمة والتي هي:

السيناريو الأول: فشل المؤتمر بشكل كامل:
أي بمعنى آخر تفشل توجو و”إسرائيل“ في الحشد الإفريقي للمشاركة في المؤتمر، وبالتالي لا يتم عقده بتاتاً، إلا أن بعض المؤشرات والتحركات التي قامت بها ”إسرائيل“ ومنها: الزيارات التي قام بها أفيجدور ليبرمان سنة 2009 وسنة 2014، بصفته وزيراً للخارجية الإسرائيلية، بالإضافة إلى الجولة التي قام بها نتنياهو خلال سنة 2016 في شرق إفريقيا، ومشاركته في القمة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا، ومشاركة دول من غرب إفريقيا في مؤتمر زراعي عُقِد في ”إسرائيل“ في كانون الأول/ ديسمبر 2016. كل ذلك يجعل من سيناريو الفشل الكامل أمراً مستبعداً في الوقت الراهن، ما لم يقع تغيُّر استراتيجي غير متوقع يغير في مسارات الأحداث.

السيناريو الثاني: نجاح كامل للمؤتمر:
وبالتالي تكريس الاختراق الإسرائيلي للقارة الإفريقية، بمعنى حضور واسع للدول الإفريقية، وتوسيع دائرة اللقاءات بين القيادات الإسرائيلية والإفريقية على المستويات السياسية والاقتصادية والأمنية والشبابية. إلا أن ذلك يتعارض مع مواقف دول فاعلة في القارة من بينها جنوب إفريقيا، والمغرب والجزائر، كما أن دولاً من خارج القارة مثل تركيا وإيران قد تتعاونان في سبيل الوقوف أمام المد الإسرائيلي في القارة الإفريقية. وقد كان لبعض هذه الدول وغيرها من الدول العربية دوراً في الوقوف أمام رغبة ”إسرائيل“ بالدخول كعضو مراقب في الاتحاد الإفريقي ونجحت في عدم تحقيق هذه الرغبة حتى الآن.

السيناريو الثالث: نجاح جزئي للمؤتمر:
وهو السيناريو المرجح وفق المؤشرات المتوفرة في الوقت الحاضر، ما يعني انعقاد المؤتمر بمشاركة معقولة من الدول التي باتت مرتبطة عملياً بعلاقات مباشرة مع ”إسرائيل“، مع عجز الكيان الإسرائيلي من تحقيق الأهداف الاستراتيجية للمؤتمر، والتي منها حشد الأصوات الإفريقية لصالحه في المحافل الدولية، أو الدفع نحو تواجد دائم في المنظومة الإفريقية (عضو مراقب في الاتحاد الإفريقي). إذ ما تزال القوى الفاعلة في القارة قادرة على التعطيل في هذا الاتجاه. وقد كانت الخطوة التي قامت بها السنغال في مجلس الأمن أواخر السنة الماضية، وقيامها بإعادة تقديم مشروع قرار يدين الاستيطان الإسرائيلي بعد أن كانت مصر قد سحبته، مثالاً على قدرة العمل الديبلوماسي سواء من دول عربية أم إسلامية، وبالفعل فقد أقر القرار الذي حصل على 14 من أصل 15 صوتاً بعد امتناع الولايات المتحدة الأمريكية عن التصويت.

تاسعاً: التوصيات:

• تشكيل إطار برلماني عربي إسلامي يعمل على الحشد الديبلوماسي ضمن الأطر الرسمية العربية والإسلامية والدفع نحو اتخاذ إجراءات مباشرة.

• مطالبة مصر بلعب دورها الإقليمي في القارة الإفريقية، والدفع نحو منع عقد المؤتمر لما فيه من خطر على مستقبل مصر بعد تعاظم نفوذ ”إسرائيل“ في دول حوض النيل.

• الترتيب لمؤتمر فلسطيني إفريقي يحشد الدول الإفريقية لصالح القضية الفلسطينية ويكشف المطامع الإسرائيلية في القارة.

• التوجه نحو الدول القادرة على إفشال المؤتمر، مثل جنوب إفريقيا، ومصر، وتركيا، وقطر، والسعودية، والمغرب، والجزائر، وغيرها من الدول للتواصل مع الدول التي من المحتمل أن تشارك لثنيها عن ذلك.

• دعم تحركات المؤسسات المناهضة للعنصرية في الدول الإفريقية للكشف عن حقيقة وطبيعة الاحتلال من خلال برامج توعوية للنخب الإفريقية وللشعب.

• ترتيب حملة إعلامية في إفريقية مناهضة للمؤتمر.

• وفي حال عقد المؤتمر، يتم الدفع باتجاه قيام مظاهرات مباشرة أمام مكان انعقاد المؤتمر.

* يتقدم مركز الزيتونة للأستاذ وائل سعد بخالص الشكر على الإسهام في إعداد المسودة التي اعتمد عليها هذا التقدير.


 

لتحميل التقدير، اضغط على الرابط التالي:

>> التقدير الاستراتيجي (102): القمة الإفريقية – الإسرائيلية ومستقبل العلاقات المتبادلة Word (12 صفحة، 99 KB)

>> التقدير الاستراتيجي (102): القمة الإفريقية – الإسرائيلية ومستقبل العلاقات المتبادلة  (12 صفحة، 579 KB)

مركز الزيتونة للدراسات والاستشارات، 31/8/2017

هذا المقال يعبر عن رأي كاتبه ولا يعبر بالضرورة عن رأي مجموعة التفكير الاستراتيجي

قيم الموضوع
(0 أصوات)
Go to top