جاءت هذه الورقة امتدادا لجهود المركز السابقة في إلقاء الضوء على مشكلات التعليم في إرتريا وهي مشكلات قديمة متجددة ولإن كانت في فترة الاستعمار المتعاقب على إرتريا مبررة إلى حد ما فإنها غير مقبولة في ظل الدولة الوطنية خاصة بعد مرور ربع قرن على نيل إرتريا لاستقلالها.
مرور ربع قرن من الزمان كانت كافية لمعالجة مشكلات التعليم في إرتريا بل كان يمكن أن يكون للدولة مبادرات في تطوير التعليم وتحسين مستوى العملية التعليمية بكل جوانبها . ولكن الشيء المحزن أن الدولة بدلا من ذلك تنفق ملايين الدولارات في إقامة المهرجانات والحفلات الاستعراضية بشكل سنوي طيلة الفترة منذ الاستقلال وفي هذا العام . وكان الأجدى أن تصرف تلك المبالغ الطائلة في حل مشكلات التعليم في كل مراحله في البلاد والتي أصبحت تتفاقم عام بعد عام .
الشهادة الثانوية الارترية ظلت خلال السنوات الماضية في تراجع مستمر خاصة بعد ربطها بالخدمة العسكرية، حيث قررت الدولة نقل جميع الطلاب الجالسين لامتحان الشهادة الوطنية الارترية (الفصل الثاني عشر) من جميع أنحاء البلاد إلى معسكر ساوا للتدريب العسكري؛ مما انعكس سلبا على مستوى التحصيل العلمي للطلاب وبالتالي تتدني نسبة النجاح كل عام ، فأعلى نسبة للنجاح العام في الشهادة الوطنية خلال العشر سنوات الماضية لم تتجاوز الـ 30% ، ومن أسباب التدني لمستوى التعليم في إرتريا ضعف التمويل لقطاع التعليم حتى لأبسط مقومات العملية التعليمية من تهيئة الفصول الدراسية وتوفير احتياجات الاجلاس ، وتوفير الأعداد الكافية والمدربة من المعلمين ، إضافة إلى اعتماد اللغة الأم كلغة للتدريس في عموم البلاد الأمر الذي انعكس سلبا على التعليم .
لكل تلك العوامل وغيرها أصبح الاقبال على التعليم متدني بصورة مريعة ، ففي الوقت الذي كانت نسبة الاقبال على التعليم في تزايد في مطلع التسعينيات عقب الاستقلال مباشرة أصبح في الوقت الراهن التناقص في أعداد الطلاب في الاقبال على التعليم هي السمة الأساسية وبنسب كبيرة تنذر بمستقبل قاتم للبلاد .
ومن أسباب تدهور التعليم الثانوي في إرتريا أيضا عدم عدالة توزيع أو انتشار المدارس الثانوية في أقاليم البلاد الستة بطريقة عادلة سواء من حيث العدد أو من حيث التهيئة وتوفير الاحتياجات بما يتناسب وكثافة السكان في كل إقليم .
فبينما ينعم الإقليمين الأوسط والجنوبي بأكبر نسبة من المدارس الثانوية سواء كانت تابعة للمؤسسات الدينية والأهلية أو الحكومية نجد أن بقية الأقاليم تعاني من قلة المدارس الثانوية وحتى الموجود منها ليس بالمستوى المطلوب من حيث استيفائها للمعايير التربوية المتعلقة بالبيئة المدرسية من حيث مواد البناء ففي أغلبها مبنية بالمواد الأولية وأغلب طلابها يفترشون الحصير (البروش) كما هو الحال في كثير من المدارس النائية في أقاليم جنوب وشمال البحر الأحمر والقاش بركا وبنسبة أقل في إقليم عنسبا .
من أسباب تدني التعليم الثانوي قلة أعداد المعلمين المؤهلين حيث أن كثير من المعلمين هربوا إلى خارج البلاد بسبب التعسف الذي يمارس ضدهم أو ضد الطلاب خاصة الطالبات بإرغامهن على التوجه نحو معسكر التدريب العسكري في ساوا أو إكمال التعليم الثانوي في الداخليات البعيدة عن بيئتهن والذي ترفضه كثير من الأسر المحافظة ، هذا النقص في المعلمين دفع الحكومة الارترية إلى الاستعانة بطلاب الخدمة الوطنية لإكمال النقص في معلمي المرحلة الثانوية الأمر الذي انعكس سلبا وبصورة واضحة على مستوى التعليم الثانوي عامة والشهادة الوطنية (الثانوية) على وجه التحديد كل ذلك الإخفاق يحدث والدولة في أعلى مستوياتها تعلم بذلك تمام العلم لكنها لا تحرك ساكنا لمعالجة المشكل وهو أمر ينذر بخطورة الوضع التربوي ومستقبل البلاد التي ورثت إشكالات في شتى جوانب الحياة عموما والتعليم على وجه التحديد.
تميزت الدراسة بدقة التوثيق والاحالة من أجل المصداقية والخروج عن الحديث المعمم كما اعتمدت على الإحصاءات من أجل توضيح حجم المشكلة وتحديد مكمن الإخفاق كما تابعت بشكل موثق سياسة الدولة في التغيير الديمغرافي للسكان الذي انتهجته الدولة مما سبب الهروب واللجوء من البلد وبأعداد كبيرة كان تأثيرها واضحا في الضمور الذي شل النمو في مجال التعليم وتراجع نسبة نمو أهم فئة في المجتمع الإرتري وهي فئة الشباب.
للاطلاع علي الورقة كاملة الرجاء تنزيلها من الموقع ادناه