مجموعة التفكير الإستراتيجي بالتعاون مع ملتقى العدالة والديمقراطية
الأزمة الخليجية الرابعة (حصار قطر) الأطراف الفاعلة .. (تقدير موقف)
الأحد 2/7/2017
المقدمـــــة:
في مشهد أقرب للصدمة ومع بداية صيف ساخن، وفي الخامس من يونيو 2017 في الذكرى الـ50 لاحتلال أجزاء من أراضي ثلاث دول عربية فيما أشتهر بنكسة 67 على يد "إسرائيل"، أعلنت كل من السعودية والإمارات والبحرين، ومصر وتبعها دول غير ذات صلة مباشرة بالأزمة مثل المالديف وموريتانيا ثم اليمن بعد ذلك، قطع علاقاتها الدبلوماسية مع قطر، وإغلاق جميع المنافذ البرية والبحرية والجوية كافة منها وإليها، ومنع دخول أو عبور القطريين إلى بلادهم "لأسباب أمنية".
"وروجت الدول المقاطعة لقرارها بأنه جاء نتيجة للانتهاكات الجسيمة التي تمارسها السلطات في الدوحة سرًا وعلنًا طوال السنوات الماضية، بهدف شق الصف الخليجي، واحتضان جماعات إرهابية وطائفية متعددة تستهدف ضرب الاستقرار في المنطقة ومنها (جماعة الإخوان المسلمين) و(حماس) و(داعش) و(القاعدة)".
الأسباب والإدعاءات ذاتها ساقتها الإمارات والبحرين وتبعهما مصر وحكومة عبد ربه منصور هادي اليمنية، وحتى الحكومة الليبية المؤقتة لبرلمان طبرق، وزادت على ذلك الإمارات بمنع دخول القطريين إليها، وأمهلت المقيمين والزائرين القطريين 14 يوماً لمغادرة البلاد لأسباب أمنية.
كما أعلنت قيادة التحالف العربي الذي تقوده السعودية في اليمن إنهاء مشاركة قطر في هذا التحالف "بسبب ممارساتها التي تعزز الإرهاب"، على حد تعبيرها. وقالت قيادة التحالف في بيان نشرته وكالة الأنباء السعودية إنها "قررت إنهاء مشاركة دولة قطر في التحالف بسبب ممارساتها التي تعزز الإرهاب ودعمها تنظيماته في اليمن ومنها القاعدة وداعش وتعاملها مع المليشيات الانقلابية في اليمن".
وتصاعدت الأزمة ولم تقف قطر مكتوفة الأيدى بل تحركت دبلوماسياً على كافة المستويات الاقليمية والدولية لتفنيد اتهامات دول الحصار والرد على المطالب التي مررت إليها عبر الوسيط الكويتي ثم دخلت تركيا على خط الأزمة بتفعيل اتفاقية تعاون أمني مشترك عبر إرسال قوات إلى قطر استباقا إلى أى تدخل عسكرى محتمل من دول الحصار، وتعددت أطراف الأزمة تباعاً لتدخل أمريكا وبريطانيا وروسيا و ألمانيا وأخيراً فرنسا ومن قبلها الاتحاد الأوروبي.
ومن أجل الوقوف على طبيعة ما يحدث والخروج بتقدير موقف للحالة أقامت مجموعة التفكير الاستراتيجى بالتعاون مع ملتقى العداله والديمقراطية في إسطنبول ورشة عمل وذلك يوم الأحد 2 / 7 /2017 للخروج بتقديراً موقف استراتيجي للأزمة التى مازلت تتجاذبها أطرافها دون الوصول إلى قرار أو مبادرة حاسمة تنهي وقائعها المفتعلة حسب الكثير من المراقبين.
طبيعة العلاقات الخليجية في مجلس التعاون الخليجي:
- أدى الاختلاف في الرؤى للأحداث في فترات متقدمة من تأسيس مجلس التعاون الخليجي إلى خلاف في السياسات والمواقف وحتى التحالفات.
- ازدادت هذه الخلافات بعد ثورات الربيع العربي وانقسمت الدول الخليجية إلى:
أ. موقف معارض لنتائجها والعمل على مواجهتها بشراسه وإنهاء آثارها (كالسعودية والإمارات والبحرين).
ب. موقف مؤيد لنتائجها وداعم نسبياً لها كقطر.
ج. موقف محايد أو مساير للكتلة الأكبر في مجلس التعاون (كعمان والكويت).
- الموقف الإقليمي اشتبك مع مواقف الدول الخليجية وسياساتها، فبعضاً منها أيد سياسات دول الخليج في موقفها من الثورات كإيران مثلاً حيث أيدت الموقف الخليجي تجاة (مصر وليبيا وتونس) ومعارضاً (كما في البحرين واليمن)، وبعضها مؤيداً ومتفقاً معها في (سوريا واليمن) ومختلفاً معها في (ليبيا ومصر وتونس) كتركيا .
أما إسرائيل فقد كانت الكاسب الأكبر مع توافق سياسات بعض دول الخليج في مواجهة نتائج الثورات (كمصر وسوريا والبحرين).
الموقف من الاستقرار الداخلي لدول الخليج:
- يعتبر الاستقرار الداخلي لدول الخليج هو الأولوية لهذه الدول، وقد سبب طبيعة الافتراق أو الانسجام، وكذلك الطموح الشخصي والنفسي أحياناً بين بعض رموز السلطات في بعض هذه الدول إما تبايناً أو توافقاً انعكس في بعض المواقف وانسحب على مجمل السياسات العامة تجاه العلاقات الخاصة وكذلك التعامل مع الملفات الخارجية.
- وقد أدى انحياز أطراف من السلطة في هذه الدول لدعم طموح أطراف تتنافس على السلطة في بعض دول الخليج إلى اتخاذ إجراءات متبادلة لإيقاف تدخل كل طرف في معادلة استفزاز السلطة داخلياً، وقد ازدادت حدة التوتر في السنوات الأخيرة لتتحول إلى معارك إعلامية وتحركات سياسية واتخاذ إجراءات التموضع للسلطة داخلياً وكذلك اتخاذ إجراءات على المستوى الإقليمي الخليجي بين دول الخليج للحد من هذه التدخلات انفجرت في آخرها في ازمة حصار قطر.
- كما أدى تعارض سياسات هذه الدول في الملفات الساخنة في المنطقة العربية بشكل عام إلى انعكاس ذلك فيما يتعلق بالموقف من استقرار السلطة داخلياً في كل بلد خليجي.
- ونتيجة لذلك فقد تغيرت أولويات وتحالفات بعض الدول الخليجية على ضوء تلك الخلافات فهناك تحالف بين الرياض وأبوظبي وتعتبر المنامة تابع لهذين الحليفين، وانفردت الدوحة بموقف خاص في حين أن الكويت ومسقط لم تتدخلا في معادلة استقرار السلطة في تلك الدول ونأتا بنفسهما عن هذا الخلاف.
- وبالرغم من الاختلاف في تبني المذهب العقدي أو الفقهي ما بين الوهابية والصوفية والأباضية أو الحنابلة والمالكية في دول الخليج فإن تلك الاختلافات التي استمدت منها بعض دول الخليج شرعيتها الدينية تاريخياً، وعلى الرغم من هذا الخلاف المستمر فإن ذلك لم يؤثر على طبيعة التحالفات السياسية لاستقرار السلطة في السعودية والإمارات وقطر.
لذلك: فإن أزمة حصار قطر تمثل سعياً واضحاً للسيطرة على قرارها والضغط عليها للانسجام مع السياسات للتحالف الأكبر في دول الخليج.
الأزمة دولياً
الولايات المتحدة:
- أدت سياسات ترامب وأجندته الخاصة بدول الخليج إلى السعي لتصعيد ازمة قطر و الاستفادة منها في إبقاء الأزمة معلقة والاستفادة منها قدر الإمكان.
- ظهور الانقسام في إدارة ترامب (سواء كان حقيقيا أم مصطنعا) جعل دول الحصار وقطر في مأزق وضبابية الحل وتعليق الأزمة وتصاعدها واستمراراً في الخسائر الاقتصادية والسياسية وتعميق جذور الخلاف لاستنزاف جميع الأطراف.
أوربياً:
- يعتقد الأوربيون أن أزمة الخليج الرابعة (حصار قطر) مفتعلة ولا تخدم الحرب على الإرهاب، وأن المستفيد الأكبر هو ترامب، فضلا عن الأطراف الإقليمية والدولية التي ستقف مع قطر خصوصاً حول ما تم تسريبه من اكتشافات لحقول الغاز الضخمة في قطر وسعياً لعدم استئثار الولايات المتحدة بهذه الفرصة ومحاولة تلك الدول الاستفادة من الوضع الإستراتيجي الأضعف لقطر لاستثمار الأزمة.
- لذا، فالموقف الأوربي يدعو إلى التهدئة وإلى الحل السياسي ويعارض بشكل عام مطالب المحاصِرين.
- وهذا ما يمثله الموقف البريطاني والألماني بشكل واضح، و الموقف الفرنسي بشكل أقل وضوحا.
الموقف الإسرائيلي:
- كعادة إسرائيل فإنها تعيش أفضل وضع أمني وجيواستراتيجي بعد نجاح فاعلية الثورات المضادة وتحطيم وتدمير سوريا والعراق.
- فهي أيدت دول الحصار لأن الأزمة في النهاية تصب لمصلحتها ضد القضية الفلسطينية وقطاع غزة ومواجهة حماس.
- وهي فاعل في تأجيج الأزمة.
الموقف التركي:
- تمثل الموقف التركي في دعم وإسناد قطر لوجستياً ومعنوياً وعسكرياً.
- وفي نفس الوقت لم تهاجم السعودية.
- وعرضت إقامة قاعدة تركية لحماية المنطقة لم توافق عليها السعودية.
- ودعا أردوغان الملك سلمان لرعاية حل سياسي.
- ودعمت وساطة الكويت وفتح علاقات إستراتيجية معها.
الموقف الإيراني:
- أيدت الموقف القطري.
- وعرضت دعمها اللوجستي والغذائي والملاحي.
- ودعت إلى حل الأزمة بالحوار السياسي.
السيناريوهات المتوقعة
السيناريو الأول: تعديل وتغيير سلوك قطر بالحل العسكري
وضع قرار قطر السياسي وقدراتها تحت سيطرة سلطة دول مجلس التعاون الخليجي وذلك باحتياح عسكري.
مع التأكيد بأن مشروع الاجتياح العسكري لازال مطروحا ولكنة ليس مرجحاً في الوقت الراهن، حيث كان الاعتقاد بأن قطر ستخضع مبكراً للضغوط المفروضة عليها من الدول المحاصرة.
وقد تم نقل قوات مصرية إلى البحرين تماشياً مع هذا السيناريو، وربما تخطط دول الحصار لإجراءات أخرى تكتيكية عسكرياً لنجاح هذا السيناريو.
وهذا السيناريو مؤجل حالياً لعدم توفر فرص نجاحه.
وقد أسهمت تركيا بشكل كبير في تأجيل سيناريو عملية الاجتياح العسكري عندما بادرت بتفعيل الاتفاقية العسكرية بينها وبين قطر حيث أسرعت بارسال العديد من القوات والعتاد العسكري إلى القاعدة العسكرية التركية المتواجدة بقطر في رسالة سياسية بالأساس أن تركيا لن تتخلى عن دعم قطر في مواجهة أية تهديدات عسكرية.
السيناريو الثاني: استمرار الأزمة بسبب تصاعد مواقف الطرفين:
ستستمر دول الحصار في إطالة الحصار بالإجراءات الاقتصادية والسياسية الأكثر تشدداً والدفع في اتجاة التصعيد السياسي والحصار الاقتصادي والضغط على الكويت للانضمام إلى دول المقاطعة لإخضاع قطرواجبارها للموافقة على جميع الشروط المطروحة عليها.
ولا شك أن الموقف التركي كان أحد الأسباب المهمة في ترجيح سيناريو استمرار الأزمة في اتجاة التصعيد السياسي والحصار الاقتصادي بعد تضاؤل احتمالات التدخل العسكري، فمجرد إعلان الرئيس أردوغان وتركيا إرسال قوات عسكرية تركية إلى قطر أسهم بشكل كبير في مواقف العديد من الدول في المجتمع الدولي والإقليمي، هذا بالإضافة إلى الموقف الألماني والإيراني الرافض لتلك الإجراءات من البداية.
ولا شك أن السير في اتجاة سيناريو التصعيد السياسي والاقتصادي ربما سيوفر لقطر فرصة أفضل لاكتساب مؤيدين و داعمين لموقفها، و للدفاع عن صورتها و إظهار الأطراف المقاطعه بمظهر سلبي، ومن الممكن الدفع بوجود مراقبيين دوليين (ألمان وفرنسيين) بالتعاون مع تركيا للحفاظ على استقرار الحدود بين أطراف الأزمة الخليجية.
السيناريو الثالث: تفويت الفرصة بمكاسب قليلة:
وفقا لهذا السيناريو ستقوم قطر بإطالة أمد الأزمة وتدويلها وإدخال أطراف جديدة في المعادلة وإظهار الموافقة على عدد من المطالب غير المؤثرة و غير المتعارضه مع قرارها السيادي، والتنفيذ على فترات بعيدة مما يعطي مكاسب شكلية لدول الحصار، وستضطر قطر في هذة الحالة إلى تغيير عدد من إستراتيجياتها المستقبلية تجاة العديد من قضايا المنطقة وعلى رأسها تغيير استراتيجية وأداء قناة الجزيرة الإعلاميةو لو بشكل جزئي.
ويعزز ذلك السيناريو رغبة العديد من الدول الكبري عدم دخول المنطقة في صراع، وذلك من أجل الحفاظ على مصالحهم المشتركة في المنطقة خاصة في ظل وجود ما يقارب من 35 الف جندي أجنبي بمنطقة الخليج موزعة على عدد من القواعد العسكرية الأجنبية المتواجدة في المنطقة، وحجم التواجد الإيراني أيضا في المنطقة، هذا بالإضافة إلى حجم التجارة الكبير المتبادل بين كلاً من أوروبا ودول الخليج وحجم الاسثمارات الأجنبية المرتفع في عدد من دول الخليج العربي، وكذلك تأمين مصادر الطاقة والنفط والحفاظ على خطوط الملاحة البحرية بالمنطقة.
تقديــر الموقــف
إنه، ومن مصلحة جميع الأطراف في المنطقة فإن الموقف يقتضي الدفع باتجاه الحل السياسي للأزمة بأقل خسائر ممكنة لجميع الأطراف الخليجية، وتفويت الفرصة لعوامل الاجتياح العسكري، أو لعدم استمرار الأزمة لاستنزاف دول المنطقة إقتصادياً، وللمحافظة على وحدة بقاء مجلس التعاون الخليجي كمنظومة عربية قوية موحدة تجاه الأخطار المحدقة في المنطقة مع عدم تدويل الأزمة، واستثمار وساطة أمير دولة الكويت لوضع اتفاقيات جديدة بين دول منظومة الخليج العربي تؤكد حق السيادة لدولها وحرية اتخاذ قرارتها، وعدم التدخل في الشئون الداخلية لجميع الأطراف والمحافظة على وحدة وحقوق شعوب المنطقة، مع وضع إستراتيجيات موحدة تجاه التحديات والأخطار، ووضع أساسيات للخطاب الإعلامي الخليجي لمصلحة الدول الخليجية وشعوبها، والاستفادة من توفر فرصة للتعاون الإستراتيجي مع تركيا، وفرصة فتح الحوار حول إصلاح الوضع السياسي في مصر بما يخدم مصالح الأمن الخليجي والأمن العربي مع تحديد سياسة تعريف الإرهاب وحق المقاومة؛ ليتم التوافق عليها بين الدول الخليجية والعربية. |