الاثار الاقتصادية المترتبة على الأزمة بين السعودية وايران.... أ. عبد الحافظ الصاوي

عبدالحافظ الصاوي

خبير اقتصادي

اسطنبول

ربيع الآخر 1437

يناير 2016

م المحتويات رقم الصفحة
مقدمة 3
1 الامكانيات الاقتصادية لإيران والسعودية 4
2 المظاهر الاقتصادية للأزمة بين السعودية وإيران 6
3 الآثار الاقتصادية للأزمة السعودية الإيرانية 7
4 أثر انهيار أسعار النفط على مستقبل الأزمة 11
5 خاتمة 14

مقدمة

منذ سنوات يعتبر الصراع بين السعودية وإيران صراعًا مدفونًا، في إطار ما يمكن تسميته بالحرب الباردة، ولكنه مر بمرحلة من العلن والظهور، منذ مارس 2015، بعد أن شن تحالف خليجي بقيادة السعودية حربًا مسلحة على الحوثيين باليمن باعتبارهم مهددين لأمن الخليج.

إلا أن تنفيذ حكم الإعدام في حق مجموعة من الموقفين بالسعودية مطلع يناير 2016 -وكان من بينهم الرمز الشيعي السعودي الجنسية باقر النمر- جدد الخلافات بين السعودية وإيران، ومهد لتصعيد الخلاف بين الدولتين، ومنذرًا بأن يشمل الصراع دول خليجية أخرى في مواجهة إيران، حيث انضمت مملكة البحرين إلى السعودية يوم 4 يناير 2016 في سحب بعثتها الدبلوماسية من طهران، كما خفضت الإمارات تمثيلها الدبلوماسي مع إيران، وسحبت الكويت سفيرها من طهران، وكذلك فعلت قطر.

وبلا شك أن ما يدور في الساحة العالمية لانهيار أسعار النفط، يضم بين جنباته وبوضوح صورة الصراع السعودي الإيراني، فكلا الدولتين تساهمان في استمرار مسلسل انهيار أسعار النفط، مع أنهما متضررتان من ذلك، ولكن كل منهما حريص على إنهاك الآخر، باعتبار أن النفط يشكل موردًا رئيسًا لموازنتيهما. فالنفط يمثل نحو 70% من الإيرادات العامة للدولة في إيران، ونحو 75% في السعودية.

الصراع بين السعودية وإيران، قد يأخذ زخمًا أكبر مما هو عليه الآن، وبخاصة في إطار سيناريو التصعيد الاقتصادي، وذلك في ظل استبعاد الصراع المسلح المباشر، وإن كان كلا الطرفين حريص على استنزاف الآخر في الصراع غير المباشر في اليمن وسورية والعراق، وغيرها من المناطق، التي تختلف فيها صور الصراع السعودي الإيراني.

وتتناول هذه الورقة الأبعاد الاقتصادية للأزمة بين السعودية وإيران، سواء كانت تلك الأبعاد تتعلق بجوانب مباشرة تخص الدولتين، أو تتعلق بجوانب أخرى في الإطار الإقليمي والدولي.

وتسعى هذه الورقة لقراءة واقع الأزمة وتوصيفه في إطاره الاقتصادي، كما تناقش طبيعة العلاقات الاقتصادية والتجارية، بين السعودية ودول الخليج من جهة وإيران من جهة أخرى، ثم تتناول الأبعاد الاقتصادية للأزمة سواء في محيطها السعودي الإيراني، أو في إطارها الإقليمي، وبخاصة ما يمس الدول العربية التي تعاني من صراعات، تتشابك معها كل من إيران ودول الخليج.

ثم خاتمة، تبلور الرؤية حول مسار الأزمة، وما يمكن أن تدفعه شعوب المنطقة من ثمن لهذا الصراع، والذي بدت الأزمة السعودية الإيرانية، كأبرز ملامحه.

أولًا: الامكانيات الاقتصادية لإيران والسعودية

لا نتناول هنا مسحًا كاملًا ودقيقًا للامكانيات الاقتصادية لكل من السعودية وإيران، ولكننا نستعرض أبرز المؤشرات الاقتصادية، التي يمكن من خلالها الوقوف على الوضع الاقتصادي للدولتين، واعتبر الباحث قاعدة بيانات البنك الدولي مصدرًا للبيانات، لضرورة وأهمية وحدة رصد المؤشرات، وفيما يلي نستعرض هذه المؤشرات.

بيان 2011 2012 2013 2014
عدد السكان (مليون نسمة)
السعودية 19.4 19.8 20.2 20.7 *
إيران 75.1 76.1 77.1 78.1
معدل البطالة
السعودية 12.3 12 11.7 11.8 *
إيران 13.3 13.1 12.9 12.8
الناتج المحلي الإجمالي (مليار دولار)
السعودية 669 733 744 746
إيران 592 587 511 425
معدل نمو الناتج
السعودية
  1. 10
    3.5
إيران
  1. - 6.6
  2. - 1.9
    4.3
نصيب الفرد من الدخل القومي بالدولار
السعودية 20450 23690 25140  
إيران 6730 7010 7120  
معدل التضخم
السعودية 5.8 2.9 3.5 2.7
إيران 20.6 27.4 39.3 17.2

 المصدر: تم إعداد الجدول بواسطة الباحث من خلال قاعدة بيانات البنك الدولي، باستثناء البيانات التي وضعت في نهايتها علامة * فمصدرها مصلحة الاحصاءات العامة والمعلومات السعودية.

ومن خلال البيانات المذكورة عاليه يمكننا الوقوف على الاستنتاجات الآتية:

-       ثمة فارق كبير بين عدد سكان البلدين، فالأرقام توضح أن عدد سكان السعودية يمثل 26.5% من عدد سكان إيران في عام 2014، وبلا شك أن لهذا الأمر اعتباراته الاقتصادية، والتي من أبرزها اعتماد السعودية على اليد العاملة الخارجية، والتي تقدر بنحو 10 مليون عامل داخل المجتمع السعودي، ويتسبب هذا الأمر في خروج جزء لا يستهان به من العوائد الاقتصادية السعودية للخارج  في شكل تحويلات، مقابل أجور اليد العاملة الوافدة بالسعودية.

بينما إيران لم تشهد هذه الظاهرة، على الرغم من كونها دولة نفطية مثل السعودية، منذ بدايات القرن العشرين، ولكن قد يكون هناك عامل آخر لعدم استقدام إيران للعمالة الوافدة، وهو وضعها الأمن والسياسي الذي جعلها في مواجهة دائمة مع أمريكا، وكذلك مع جارتها العراق، لمدة طويلة. 

وستظل الفجوة السكانية بين البلدين مستمرة، نظرة للفارق الكبيرة بين عدد السكان في البلدين، ومن جهة أخرى للزيادة السكانية المتحققة في البلدين أيضًا، ففي حين تصل الزيادة السنوية في السعودية بنحو من 400 – 500 ألف نسمة، تصل الزيادة السنوية في إيران لنحو مليون نسمة، أي ضعف الزيادة في عدد السكان في السعودية.

وانعكس مؤشر السكان وزيادته في نصيب الفرد من الدخل القومي في البلدين، ففي عام 2014، بلغ متوسط نصيب الفرد من الدخل القومي في السعودية 25140 دولار، بينما في إيران بلغ 7120 دولار، أي أن نصيب الفرد من الدخل القومي بإيران يبلغ نسبة 28.3% من نصيب الفرد من الدخل القومي بالسعودية.

-       فيما يتعلق بالناتج المحلي الإجمالي للدولتين، نجد أن السعودية تحظى بفارق واضح عن إيران وصل في عام 2014 نحو 321 مليار دولار، ولكن مرجع هذه الزيادة يعود إلى كون السعودية تصنف على أنها أكبر منتج للنفط في العالم، وتمثل العوائد النفطية عاملًا مهمًا ورئيسًا في الناتج المحلي للسعودية، ونفس الشئ بالنسبة لإيران، ولكن الفارق في حصة الإنتاج اليومي للبلدين، ومن الأهمية بمكان، أن نشير إلى أن عام 2014 عكس دور العقوبات الاقتصادية المفروضة على إيران في تحجيم حصتها الإنتاجية من النفط، وبالتالي تأثير ذلك سلبيًا على قيمة ناتجها المحلي الإجمالي.

-       وثمة مؤشر مهم يظهر ضعف الأداء التنموي بالبلدين، وهو معدل البطالة، ففي السعودية تراوح معدل البطالة خلال الفترة 2011 – 2014 ما بين 11.7% و 12.3%، بينما في إيران بلغ أيضًا ما بين 12.8% و13.3%. وقد تختلف أسباب البطالة في البلدين، ولكن المحصلة واحدة، أننا أمام اقتصاديات نامية، عجزت عن الوصول لمعدلات التشغيل الكامل، التي تصل فيها معدلات البطالة نسبة بحدود 4%.

ثانيًا: المظاهر الاقتصادية للأزمة بين السعودية وإيران

اتخذت السعودية فور وقوع اعتداءات من قبل  إيرانين على سفارتها في طهران، مجموعة من الإجراءات الاقتصادية التي تؤدي إلى تعميق القطيعة الاقتصادية بين البلدين، مثل منع الرحلات الجوية بين البلدين، باستثناء تلك المتعلقة بالحج، وكذلك وقف التبادل التجاري بينهما، ومنع السعوديين من السفر لإيران[2].

أي أن الفائض التجاري يمثل 79 مليون دولار لصالح إيران، كما أن طبيعة السلع المتبادلة من السهل على الطرفين استبدالها من مصادر أخرى، فالسعودية تستورد من إيران ( حديد، واسمنت، وفستق، وزعفران، وزبيب) بينما تستورد إيران من السعودية ( ورق مقوى، وأغطية علب من المعادن، ومنسوجات، واصباغ ودهانات سطحية، ودهون وزيوت مهدرجة".

ومن هنا يمكن استنتاج أن ما اتخذ من قبل السعودية وغيرها من الدول الخليجية من إجراءات يمكن إدارجها في إطار العقوبات الاقتصادية غير المجدية، فكلا طرفي الأزمة، لا يملك ايًا من السلع الاستراتجية التي يمكنها تغير معادلة الصراع، وإخضاع طرف لطرف، سعيًا وراء مصالحه، أو مخافة التعرض لأزمات اقتصادية، فلا وجود للسلع ذات القيمة المضافة العالية، ولا تميز تكنولوجي أو معرفي.

كما أن تجارة الخدمات بين الطرفين، لا تعدو أن تتجاوز حركة المعتمرين الإيرانيين للسعودية، وقد يكون منع السعوديين من زيارة إيران، فيه جزء من الـتأثر السلبي على مستقبل السياحة الإيرانية، ولكنه تأثير غير ملموس، لأن إيران لا تعتمد حتى الآن على عائدات النشاط السياحي، على الرغم من مخططاتها المستقبلية في ظل الدخول في مرحلة رفع العقوبات، والتي يقدر لها أن تتم خلال النصف الأول من عام 2016.

ويعد تصريح بعض رجال الأعمال السعوديين بوقف دراستهم حول الاستثمار في إيران رسالة ذات دلالة سلبية على واقع الاستثمار الأجنبي في إيران، حيث تعول إيران على الاستثمار الاجنبي المباشر كثيرًا خلال المرحلة المقبلة، لمجالات متعددة، وبخاصة في قطاع النفط، وكذلك مجال الخدمات المالية، وبخاصة بعد قضاء فترة طويلة، مر فيها الجهاز المصرفي الإيراني، وبقية المؤسسات المالية بعزلة عن الواقع الاقتصادي والمالي العالمي. 

ثالثًا: الآثار الاقتصادية للأزمة السعودية الإيرانية

أشرنا إلى أن الآثار المباشرة للأزمة بين السعودية وإيران محدودة، من خلال التبادل التجاري والخدمي، إلا أن الـتأثير الاقتصادي قد يكون بشكل غير مباشر، من خلال الممارسات الاقتصادية للطرفين في بلدان المنطقة، وبخاصة تلك التي تشهد حالة من النزاع أو الصراع الداخلي. إن التكلفة التي سيدفعها الطرفان لإدارة الصراع داخل البلدان العربية، ستكون عالية، لإطالة أمده، وبسبب عدم قدرة أحد الأطراف على حسم الصراع.

 وفيما يلي نستعرض الآثار الاقتصادية للصراع الإيراني من جهة، والسعودية وبعض الدول الخليجية من جهة أخرى.

  1. زيادة دور المال السياسي

سوف يلعب الطرفان على توظيف المال السياسي في دول المنطقة، والذي تجلت أسرع صوره في رد الفعل البحريني في سحب البعثة الدبلوماسية من طهران تأييدًا للموقف السعودي، وكذلك الحال في السودان الذي استدعى سفيره من إيران، وكذلك جيبوتي قطعت علاقاتها الدبلوماسية مع إيران.

والمعلوم أن كلًا من البحرين والسودان يحظى بدعم مالي سعودي، سواء فيما يتعلق بالدعم المباشر في البحرين، أو الدعم والاستثمارات المباشرة في السودان، وكذلك تمتع السودان بجالية كبيرة في السعودية، من خلال حركة العمالة السودانية الوافدة للسعودية.

وفي ظل الأزمة المالية التي تحياها مصر من المتوقع أن يسعى الطرفان لاستمالة القاهرة، وذلك عبر الصفقات التجارية والاقتصادية، وبخاصة أن كلا الطرفين لديه ما يقدمه لمصر، فإيران لديها السياحة الإيرانية التي تتعطش لمزارات أهل البيت في مصر، وبما يضمن نحو 2 مليون سائح سنويًا للقاهرة من طهران، في توقيت تمر فيه السياحة بمصر بأزمة حادة.

وكذلك تستطيع إيران أن تقدم لمصر بعض الاستثمارات المباشرة، وبخاصة أن هذا الأمر مغلق على الجانب الإيراني منذ مطلع ثمانينيات القرن الماضي. أما السعودية فقد قدمت لمصر دعمًا واضحًا على مدار العامين ونصف الماضيين، ولديها وعد لمصر بضخ نحو 8 مليارات دولار خلال السنوات القادمة، في شكل استثمارات وتسهيلات ائتمانية في إمدادات النفط، وقد جاء الرد المصري على الدعم السعودي من خلال موافقة مجلس الدفاع الوطني في 14 يناير 2016، على "تمديد مشاركة العناصر اللازمة من القوات المسلحة المصرية في مهمة قتالية خارج الحدود للدفاع عن الأمن القومي المصري والعربي في منطقة الخليج العربي والبحر الأحمر وباب المندب وذلك لمدة عام إضافي أو لحين انتهاء مهمتها القتالية أيهما أقرب.تنامي المصالح التركية

ويتوقع أن تتنامي المصالح التركية نتيجة لاستمرار الأزمة السعودية الإيرانية، حيث تسعى كل من إيران والسعودية لكسب تركيا في صفها، وبخاصة أن لتركيا مصالحها المتحققة مع الطرفين، مثل الحصول على النفط والغاز الطبيعي، حيث تعتبر تركيا مستورد صاف للنفط، ولديها اتفاقيات بهذا الخصوص مع إيران إبان وقوع إيران تحت طائلة العقوبات. كما تمثل تركيا واجهة للسياحة من كلا الطرفين، فالسياحة الإيرانية لتركيا مستمرة منذ سنوات، ويتدفق نحو 2 مليون سائح إيراني سنويًا لتركيا.

وسوف يجد السائح الخليجي في تركيا متنفسًا سياحيًا ملائمًا بعد ضرب كافة المقاصد السياحية العربية في مصر وتونس ولبنان، ومن جهة أخرى فإن الاستثمارات العربية ستجد في تركيا ملاذًا آمنًا، وبخاصة في مجالات العقار والسياحة، سريعة العائد، والتي تتناسب مع العقلية والنفسية التجارية الخليجي. 

وعلى الرغم من تبني السياسة الخارجية لتركيا لدعوات الوفاق بين السعودية وإيران، إلا أن تركيا قد تجد في الأزمة، ما تجنيه من ثمار اقتصادية تعويضًا لخسائرها في علاقاتها بدول الخليج، خلال الفترة الماضية، بسبب موقفها المؤيد لثورات الربيع العربي، ومعارضة إطفاء جذوتها.

  1. معضلة الإمارات

تذهب التقديرات إلى أن حجم التبادل التجاري بين إيران ودول الخليج يصل إلى نحو 22 مليار دولار سنويًا، منها حوالي 80% تخص تعاملات إيران مع دولة الإمارات فقط، وتعود محدودية تعاملات إيران التجارية والاقتصادية مع دول الخليج، لاعتبارات سياسية منذ نجاح ثورة إيران الإسلامية في 1979، ولاعتبارات اقتصادية كذلك، ومن أبرزها أن الطرفين ينتجان سلع تصديرية متنافسة، وهي النفط وبعض الصناعات البتروكيماوية المرتبطة بإنتاج النفط.  

والحديث عن تراجع حجم المعاملات التجارية والاقتصادية بين إيران ودول الخليج تقف أمامه مجموعة من التحديات، أهمها موقف دولة الإمارات، حيث تحظى بحجم تبادل تجاري يصل إلى 17 مليار دولار سنويًا مع إيران، ومن الصعوبة تعويضها عن هذا الرقم من قبل دول الخليج، وسيكون من السهل على إيران وجود بديل لدولة الإمارات كشريك تجاري، في ظل اتجاه أمريكا والاتحاد الأوروبي لرفع العقوبات الاقتصادية عن إيران خلال النصف الأول من عام 2016. ولذلك لم يأخذ رد الفعل الإماراتي تجاه إيران أكثر من تخفيض التمثيل الدبلوماسي، وليس قطع العلاقات مع إيران.

كما أن الاتفاقيات التي وقعت خلال عام 2015 من طرف الكويت وسلطنة عمان، بخصوص استيراد الغاز الطبيعي من إيران ولمدة طويلة تصل لنحو 10 – 15 سنة، ستحتاج إلى مراجعة، وبخاصة أن الدولتين تحتاجان للغاز، ويشفع لهما القرب الجغرافي من إيران، وسهولة النقل. لقد استدعت الكويت سفيرها من إيران، وسلمت مذكرة تعترض فيها على الاعتداء على سفارة السعودية للسفير الإيراني بالكويت، ولكن هذا التصرف لم يدفع الكويت للحديث عن تأجيل أو إلغاء الاتفاقيات الاقتصادية والتجارية التي وقعتها مع إيران في عام 2014، ويرجع ذلك إما لتحقيق مصالح اقتصادية تخص الكويت مع إيران، أو تحت ضغط الوجود الشيعي في الكويت.  

  1. زيادة الإنفاق على التسليح

في عالم السياسة كل شئ وارد، وإن كانت احتمالات الموجهة المسلحة المباشرة بين إيران والسعودية مستبعدة في الوقت الراهن، حيث استبعد المسئولون السعوديون والإيرانيون سيناريو الحرب المباشرة، واعتبروا أن وقوعها شئ مدمر. إلا أن كلا الطرفين، سوف يسعى لزيادة معدلات الإنفاق على التسليح، فالسعودية التي تصنف على أنها رابع أكبر دولة تنفق على التسليح على مستوى العالم، خصصت في موازنة 2016 نحو 57 مليار دولار، وبما يعادل 25% من إجمالي الإنفاق المقدر بـ 840 ألف ريال. بينما إيران لا يتوفر عنها بيانات كافية تتعلق بحجم إنفاقها على التسليح، إلا أنها تنتج كميات لا بأس بها من السلاح، وتستورد كذلك من الخارج.

وفي ظل هذه الأجواء، التي تنذر بتصاعد الصراع الإيراني السعودي، يتوقع أن يشهد الإنفاق على التسليح زيادة ملحوظة خلال الفترة القادمة، ولن يكون هذا الإنفاق قاصرًا على السعودية من الجانب الخليجي، ولكن سيكون كذلك لباقي الدول الخليجية.

وزيادة انفاق الطرفان على التسلح وارد بشكل غير مباشر من خلال تمويلهما للقوى السياسية المتنازعة في الدول العربية، التي تسعى فيها كل من إيران ودول الخليج، للسيطرة وحسم النزاع لصالح الطرف المؤيد لها.

ومما سيزيد من التداعيات السلبية لزيادة الإنفاق على التسليح من قبل الطرفين، أنه يأتي في ظل ظروف اقتصادية غير مواتية لطرفي الصراع، بسبب تراجع الإيرادات النفطية، في ضوء استمرار أزمة انهيار أسعار النفط بالسوق العالمية.

  1. مخاوف حول برامج الاصلاح الاقتصادي

كانت السعودية وغيرها من دول الخليج قد أعلنوا عن تبني مجموعة من برامج الإصلاح الاقتصادي، والتي من أهم سماتها خفض مخصصات الدعم، وتقليل العمالة بالحكومة والقطاع العام، وكذلك خصخصة بعض المرافق العامة.

ولكن في ضوء تصاعد الصراع الخليجي مع إيران، يتوقع أن تؤجل دول الخليج الدخول بعمق في هذه البرامج، من أجل الحفاظ على وحدة الداخل، فتنفيذ هذه الإجراءات الخاصة بتخفيض الدعم وباقي الإجراءات التي تحمل المواطن بأعباء اقتصادية واجتماعية، سيثير حفيظة المواطنين، ويزيد من حالة عدم الرضا على الحكومات الخليجية.

ولذلك يتوقع أن تؤجل بعض هذه الإجراءات لأجل غير مسمى، أو لحين تسمح الأجواء بتقليص الخلافات ودوائر الصراع مع إيران بشكل واضح. وحتى يتحقق هذا الأمر فإن اقتصاديات الخليج سوف تتكبد المزيد من السحب من احتياطياتها النقدية، وكذلك تسييل بعض استثماراتها الخارجية، وهو ما سيجعل من الوضع الاقتصادي لدول الخليج أمرًا في غاية الصعوبة خلال المرحلة المقبلة.

وفي المقابل سيكون الأمر مكلفًا اقتصاديًا لإيران لأن تعميق صراعها مع دول الخليج، يذكرها بحربها مع العراق، والتي كبدتها استنزاف ثروتها على مدار عقد من الزمن، وفي نفس الوقت فإن تعميق هذا الصراع يضيع الفرصة على إيران من الوفاء بمتطلبات مواطنيها التي طال انتظارها من جراء معاداة أمريكا والغرب على مدار ما يزيد من ثلاثة عقود.

 كما سيؤثر سلبًا على مناخ الاستثمار، والذي تؤمل فيه إيران بشكل كبير خلال المرحلة المقبلة، لاستقدام الاستثمارات الأجنبية المباشرة. لقد بنت إيران موازنتها للعام المالي الحالي على أساس سعر 75 دولار للبرميل، وهو ما يمثل ثلاثة أضعاف سعر النفط في الأسواق حاليًا، مما يعني أن إيران ستكون معنية بتغطية عجز الموازنة، مما يجعلها تتريس في تصعيد صراعها الاقتصادي أو العسكري مع السعودية أو دول الخليج، وإن كان ذلك لن يمنعها من ممارسة دورها في إدار الصراع بدول المنطقة.

   

رابعًا: أثر انهيار أسعار النفط على مستقبل الأزمة

تعد كل من السعودية وإيران من الدول المؤسسة لمنظمة الدول المصدر للنفط "الأوبك"، وتتمتع الدولتان بحصة مميزة في الإنتاج النفطي، واحتفاظهما باحتياطيات نفطية، تجعل منهما من كبرى الدول المنتجة للنفط خلال الفترة المقبلة.

مقدرات النفط والغاز بكل من السعودية وإيران

خلال الفترة 2009 - 2013

البيان 2009 2010 2011 2012 2013
احتياطيات النفط بالمليار برميل
السعودية 264.5 264.5 265.4 265.9 265.9
إيران 137.6 151.1 154.5 157.3 157.3
احتياطيات الغاز الطبيعي بالمليار متر مكعب
السعودية 7920 8016 8150 8234 8234
إيران 29610 33090 33090 33780 33780
إنتاج النفط بالميلون برميل يوميًا
السعودية 8.1 8.1 9.3 9.7 9.6
إيران 3.5 3.5 3.5 3.7 3.3
إنتاج الغاز الطبيعي بالمليار متر مكعب في السنة
السعودية 78.5 87.7 92.3 99.3  
إيران 175.7 187.3 188.7 202.4  

المصدر: تم إعداد الجدول بواسطة الباحث من خلال الملاحق الاحصائية بالتقرير الاقتصادي العربي الموحد لعام 2014.

-       من خلال استقراء بيانات الجدول عاليه، نجد أن هناك حالة من التميز لكل من السعودية وإيران فيما يتعلق بالنفط والغاز الطبيعي، ففي الوقت الذي تمتلك فيه السعودية احتياطيات متميزة من النفط، تصل حسب بيانات عام 2013 نحو 265.9 مليار برميل، بينما إيران لا تزيد احتياطياتها من النفط عن 157.3 مليار برميل، نجد أن إيران تمتلك احتياطيًا من الغاز الطبيعي في عام 2013 بلغ 33.7 تريليون متر مكعب، بينما السعودية لا تمتلك من هذا الاحتياطي سوى 8.2 تريليون متر مكعب.

-       وتنطبق الملاحظة السابقة بين البلدين فيما يتعلق بإنتاج النفط والغاز الطبيعي، وذلك بناء على قاعدة الاحتياطيات المتاحة لكل منهما من الموردين الطبيعيين، فإذا كانت السعودية تحقق حصة إنتاج يومي من النفط تصل إلى ما يزيد عن ضعفي حصة إيران -الإنتاج اليومي للسعودية يقدر بـ 9.6 مليون برميل- فإن حصة الإنتاج السنوي لإيران من الغاز الطبيعي تصل لنفس معدلات تميز السعودية في إنتاج النفط، حيث تشير الأرقام إلى أن إنتاج إيران من الغاز الطبيعي بلغ 202.4 مليار متر مكعب في عام 2012، اي ما يعادل ضعفي إنتاج السعودية في نفس العام، إذ بلغ الإنتاج السعودي 99.3 مليار متر مكعب.

-       ولكن ينبغي الإشارة هنا إلى أن الغاز الطبيعي في الوقت الحاضر، يمتلك ميزة بيئية إذ تقل معدلات التلوث البيئي لاستهلاكه بمعدلاك كبيرة عن تلك الناتجة عن استهلاك النفط، ولذلك يتوقع أن تدفع هذه الميزة بوضع مميز لإيران في سوق الطاقة العالمي، وبخاصة مع الدول الغربية.

-       وما نود ذكره هنا أن الأزمة التي ألمت بأسعار النفط في السوق العالمية، منذ يوليو 2014، ألقت بظلالها على المقدرات الاقتصادية لكل من السعودية وإيران، وبقية الدول النفطية، وبعد أن وصلت أسعار النفط في يناير 2016 إلى متوسط سعري دون الـ 30 دولار للبرميل، يتوقع أن يكون لهذا الأمر أثر شديد السلبية على الأداء الاقتصادي لكل من السعودية وإيران، وكذلك بقية دول الخليج التي تتضامن مع الموقف السعودي.

-       وعلى الرغم من أن انهيار اسعار النفط يمثل أكبر أزمة لكل من السعودية وإيران، إلا أنهما يمارسان أكبر عملية هدر لثروتهما من خلال سياسة الإغراق، التي تمارس من خلال الإصرار على استمرار الأسقف المرتفعة للإنتاج، فالسعودية رغم انخفاض الأسعار بشكل يدفع لتوقعات بوصول سعر برميل النفط لـ 20 دولار، إلا أنها رفعت حصتها الإنتاجية لتصل إلى تجاوز 10 مليون برميل يوميًا خلال سبتمبر وحتى نوفمبر 2015، وعلى نفس المنوال أعلنت إيران بأنها سوف ترفع حصتها الإنتاجية بنحو 500 ألف برميل يوميًا بعد رفع العقوبات الاقتصادية، لتعوض حصتها التي فقدتها خلال فترة فرض العقوبات.

والصراع السعودي الإيراني في أوبك، واستخدام ورقة النفط، قديم وملحوظ، حيث كانت إيران دومًا تحاول اللعب باستخدام النفط كورقة ضغط في صراعها مع أمريكا والغرب، إبان ارتفاع الأسعار، وكانت دومًا ما تنادي بعدم هبوط سعر النفط عن 100 دولار للبرميل، ولكن السعودية كانت دومًا ما تعارض هذه السياسة، وكانت تتعهد بتعويض حصة السوق في حالة تراجع العرض بالسوق عن الوضع الذي يؤدي إلى مزيد من ارتفاع الأسعار، وهو ما كانت تراه إيران دومًا ضد مصالحها السياسية والاقتصادية.

ولكن هل ستسمح المرحلة المقبلة للسعودية بممارسة نفس الدور؟، في ظل تضرر العديد من الأعضاء بمنظمة الأوبك، ووصف بعضهم بأن السياسة السعودية اضرت بمصالح الأعضاء. ونفس السؤال يضع إيران أمام تحديات جديدة بعد توفيق أوضاعها مع أمريكا والغرب، وسعيها لرفع العقوبات الاقتصادية، هل ستعارض سياسة أمريكا والغرب تجاه استمرار انخفاض أسعار النفط؟

  ويمكن القول بأن أزمة انهيار أسعار النفط ستفرض واقعًا جديدًا، وبخاصة في ظل هبوط الأسعار لمحيط بضع وعشرين دولار للبرميل، على مسار الأزمة بين السعودية وإيران، بما يجعل كل منهما يعيد حساباته لتصاعد ذلك الصراع سواء كان في شكله المسلح أو شكله الاقتصادي، الذي أخذ صور قطع العلاقات الاقتصادية والتجارية، أو حتى ذلك الصراع الخفي المتمثل في إدارة ملفات الصراع داخل دول المنطقة، مثل سورية واليمن والعراق ولبنان.

خاتمة

على ما يبدو أن منطقة الشرق الأوسط على موعد متجدد لإهدار ثرواتها، فبدلًا من أن توظف الموارد المالية للدول ذات الملاءات المرتفعة، في النهوض باقتصاديات الدول الفقيرة بالمنطقة، أصبحت هذه الدول مصدرًا لإهدار مواردها، ثم بث حالة من عدم الاستقرار السياسي والأمني في بقية الدول، فمنذ حرب الخليج الأولى، والمنطقة تتحسر على تلك الأموال المهدرة، والموارد البشرية التي تذهب سدى في حروب مسلحة، وكذلك استمرار باقي الموارد الاقتصادية بلا استثمار أو مساهمة في انتزاع شعوب المنطقة من البطالة والفقر الذي بدأت تتسع رقعته في العديد من الدول، حتى في أكبر دولة منتجة للنفط وهي السعودية، حيث تقدر نسبة الفقر بالسعودية بـ30%

[2] مصلحة الاحصاءات العامة والمعلومات، التبادل التجاري بين المملكة وشركائها الرئيسيين 2014، ص 42. http://www.cdsi.gov.sa/socandpub/manpower/doc_download/1854---------2014

[4]اعتمد الباحث على تقدير نسبة الفقر بالسعودية، على البيانات الواردة في الكتاب الاحصائي السنوي، لوزارة الشئون الاجتماعية السعودية، لعام 1433/1434 هجرية الموافق 2012، والمنشور في ديسمبر 2015، ص 34، حيث بين التقرير أن عدد الحالات التي تحصل على معاشات الضمان الاجتماعي 800420 حالة، وأن عدد من يحصلون على مساعدات 773232 حالة، وبالتالي يكون اجمالي المستحقين للرعاية الاجتماعية 1573652 حالة، وبفرض أن كل حالة تشمل بحدود 4 أفراد فقط، نصل لتقدير عدد الفقراء في السعودية بحوالي 6 مليون فرد، أي ما يعادل 30% من عدد السكان البالغ عددهم في نفس العام، 19.8 مليون نسمة.

هذا المقال يعبر عن رأي كاتبه ولا يعبر بالضرورة عن رأي مجموعة التفكير الاستراتيجي

قيم الموضوع
(0 أصوات)
Go to top