كتب / محمود المنير
المتابع لمشهد الحراك في السودان يلمس بوضوح القلق البالغ من التدخل الخليجي في السودان لذا لم يتوقف الحراك بعزل الرئيس واعتقال بعض رموز نظامه، فهناك تباينات بين المحتجين والمجلس العسكري بشأن مدة المرحلة الانتقالية،وهناك قضايا أخرى قد لا تقل أهمية تستوقف المتابع للشأن السوداني، منها زيارات وفود من الإمارات والسعودية والهدف من الدعم المالي الذى الذى قدمته البلدين وجاوز الثلاثة مليارات دولار ، كل هذا يجعلنا نرصد التدخل الخليجي وتأثيره في الحراك السوداني حيث لايمكن فهم ذلك إلا بفهم خلفيات العلاقات الخليجية السودانية في عهد الرئيس المخلوع عمر حسن البشير لمعرفة تداعياته المحتملة .
السودان وفخ الاستقطاب
يعاني الاقتصاد السوداني منذ سنوات طويلة من أزمات اقتصادية طاحنة بفعل العقوبات الأمريكية الاقتصادية عليه من جانب ،والفساد المستشري في كل مفاصل الدولة من جانب آخر مما جعل منه فريسة سهلة للتجاذبات والاصطفافات والانحيازات بين دول الخليج العربي ، خاصة السعودية والإمارات وقطر، حيث لجأت هذه الدول إلى استثمار ظروف السودان في لعبة التوازنات والتحالفات التي تشهدها المنطقة وممارسة أساليب الضغط على الحكومة السودانية للخروج بنتائج تلائم الموقف العسكري تجاه الحرب في اليمن والسياسي تجاه حصار قطر.
فلم تلبث الحكومة السودانية في عهد الرئيس المخلوع عمر البشير إعلان موقفها بشأن سحب قواتها من اليمن حتى انهالت عليها العروض الاقتصادية المفاجئة من الرياض وأبو ظبي، بعد أيام قليلة من الحديث عن تقييم تجربة المشاركة في التحالف العسكري الذي تقوده السعودية في اليمن، لتصبح الخرطوم في بؤرة الاهتمام الخليجي الكبير من جديد لأسباب تثير تساؤلات عما تخفيه الدولتان وراء الأيدي التي تمدها للسودان بعد سنوات من القطيعة.
تقارب مفاجئ!!
مثل التقارب الخليجي المفاجئ للخرطوم في مايو الماضي 2018 أحد أكثر نقاط الضعف التي تؤرق الجانب السوداني، فعلى نحو مفاجئ، تداولت الأوساط السودانية أخبارًا عن زيارة غير معلنة لوفد سوداني رفيع إلى السعودية يرأسه وزير النفط والغاز عبد الرحمن عثمان ووزير الدولة بالمالية الدكتور عبد الرحمن ضرار ومحافظ بنك السودان المركزي حازم عبد القادر، وذكرت وسائل إعلام محلية أن الزيارة جاءت بناءً على دعوة من الجانب السعودي لبحث التعاون النفطي بين البلدين.
وعقب عودة الوزير السوداني من الرياض، أعلنت الحكومة السودانية أنها توصلت مع السعودية إلى مسودة اتفاق للحصول على المواد البترولية بإجراءات سهلة الدفع لخمس سنوات مقبلة، بحسب تصريحات مصدر في القصر الرئاسي السوداني لوكالة الأنباء السودانية.
وقال الوزيرعبد الرحمن عثمان في تصريحات صحفية عقب اجتماع ترأسه الرئيس السوداني عمر البشير، يوم الإثنين 6/ مايو 2018، لبحث موقف إمداد النفط بالبلاد إن الاتفاق النفطي مع السعودية يقضي بتزويدها بنحو 1.8 مليون طن من النفط سنويًا، في وقت يعيش فيه السودان أزمة وقود حادة تضرب البلاد منذ أشهر؛ ما يفسر الضغوط الممارسة على الجانب السوداني للرضوخ للشروط السعودية.(1)
محاولة إنقاذ البشير
أما الإمارات، وخلافًا للعادة منذ زمن طويل، فُقد أعلن، فى مايو / آيار 2018 ، وصول وفد إماراتي رفيع إلى السودان، تضاربت بشأن أسبابه الأنباء، إذ أرجع مصدران مطلعان لوكالة "سبوتنيك"، أسباب الزيارة المفاجئة إلى إجراء مباحثات مع وزارتي الخارجية والدفاع السودانية، ولم يوضح المصدر طبيعة المباحثات.(2) ووفقا لمراقبين فإنالمساعي السعودية والإماراتية لنجدة البشير لم تكن إلا وسيلة واضحة للضغط على النظام في الخرطوم .
الضغط السعوديالاماراتي
التحرك السعودي الإماراتي غير المعتاد جاء ردًا على الحكومة السودانية التي أعلنت إعادة النظر في موقفها من استمرار المشاركة في حرب اليمن، وذلك بعد أن تصاعدت دعوات من بعض الأحزاب وبرلمانيين السودانيين، مطالبةً بسحب القوات من اليمن، في ظل تطاول أمد الحرب وكلفتها الإنسانية الباهظة وخسائرها الفادحة على الصعد كافة بلا طائل.
وكان وزير الدولة بوزارة الدفاع السودانية علي سالم، صرح أن وزارته تجري دراسة لمراجعة وتقييم مشاركة القوات السودانية مع التحالف العربي في حرب اليمن الذي تدعمه الإمارات وتشارك فيه، كما نقلت صحيفة أخبار اليوم السودانية عن مصادر وصفتها بالمطلعة بروز اتجاه قوي لدى قيادة الدولة لسحب القوات المسلحة السودانية من التحالف العربي.
وأتي تلويح الجانب السوداني بالانسحاب هذه المرة بعد تصاعد الغضب السوداني على خلفية التجاهل الخليجي للسودان، منذ فبراير/شباط الماضي2019، عندما دخلت البلاد في أزمة اقتصادية أدت إلى ارتفاع الأسعار وانهيار العملة السودانية أمام الدولار، حيث تجاوز حاجز الـ40 جنيهًا مقابل الدولار، لأول مرة في تاريخه.
وعلت بعد ذلك أصوات ناقدة لقلة الدعم المالي الخليجي للخرطوم، وأشعل بعض البرلمانيين والصحفيين والكتاب المقربين من الحكومة الشرارة الأولى، حين وجهوا انتقادات للسعودية بدعوى تقاعسها عن دعم الخرطوم التي تعاني من أزمة خانقة في المواد البترولية، أصابت البلاد بالشلل منذ مارس/آذار الماضي2019 .
وأشعل بعض الصحفيين والكتاب المقربين من الحكومة الشراراة الأولى من خلال توجيه انتقادات للسعودية بدعوى "تجاهل" دعم الخرطوم، وتبع ذلك البرلمان السوداني، وطالب بعض نوابه بسحب الجيش من اليمن، مما دفع الحكومة إلى الإدلاء بتصريحات عن سحب القوات السودانية من اليمن.
ورأى بعض المراقبين أن الأمر الذي سرع من وتيرة الحراك الإماراتي السعودي نحو الخرطوم، استمرار حرب اليمن لأكثر من ثلاث سنوات وغياب القوات السودانية سيكون نكسة كبرى للتحالف العربي، وربما يخسر التحالف بسببها حتى الجنوب اليمني إذا انسحبت القوات السودانية.
التقارب مع قطر مصدر قلق !!
بدا واضحا أن السعودية والإمارات لاتريدان أن يسحب الجيش السوداني قواته الموجودة في أرض اليمن خاصة في هذا التوقيت، ورأي مراقبون أن هذا الموقف يقف وراءه عدد من الدوافع التي تجعل قادة السعودية والإمارات ينتبهون إلى السودان أكثر، خاصة في ضوء علاقات سودانية جيدة مع دول إقليمية مثل (تركيا وقطر وإيران) قد تسهم في تحسين وضعها الاقتصادي دون الحاجة إلى أموال الخليج.
وبالنظر إلى العلاقات السودانية بالدول الثلاثة، نجد أنها أحسن حالاً مقارنة بعلاقات الرياض وأبو ظبي بالدوحة وأنقرة وطهران، إذ شهدت علاقات السودان مع كل من قطر وتركيا في الفترة الأخيرة تطورًا في الجانب الاقتصادي، فقد وصلت قيمة استثمارات البلدين في الآونة الأخيرة في السودان إلى مليارات الدولارات ولا تزال الأرقام في تصاعد.
ومن المرحج أن تزايد ظهور قطر في الساحة السودانية، لفت انتباه الدولتين إلى إمكانية أن تتطور علاقات الدوحة والخرطوم أكثر مما هي عليه الآن وهو مايشكل لهما مصدر قلق .
السودان وقطر والأزمة الخليجية
أغضب وقوف السودان الحيادي على مسافات متساوية بين أطراف الأزمة الخليجية دول الحصار التي تقاطع قطر ، ما دفعها للتحرك بشكل متسارع إلى توثيق العلاقات مع السودان ، فقد وقعت الحكومتان السودانية والقطرية، في 26 من مارس/آذار الماضي2019، اتفاقية تأهيل ميناء "سواكن" المطل على البحر الأحمر (شرق)، بقيمة 4 مليارات دولار، وفتح خطوط ملاحية جديدة من ميناء حمد (جنوب شرق الدوحة)، إلى ميناء سواكن شرقي السودان، ومن المتوقع الانتهاء منها في عام 2020. (3)
الموقف الخليجي من الاحتجاجات
بالرغم من أن السودان لم يقطع علاقاته مع قطر وقرر أن يحافظ على علاقات دبلوماسية بين أطراف الأزمة الخليجية، وهو الأمر الذي لم يُرض السعودية والإمارات، إلا أنه بالنسبة للسعودية والإمارات فإن بقاء النظام الحاكم من مصلحتها خصوصًا بعد أن أرسل السودان ما يزيد عن 14 ألف جندي للمشاركة في حرب اليمن، وأغلب هؤلاء الجنود ينتمون إلى قوات الدعم السريع التي تتبع بصورة مباشرة لرئيس الجمهورية عمر البشير. وبالتالي، لذا فالسعودية كانت ترى أن ضمان بقاء عمر البشير يعني ضمان إرسال الجنود السودانيين للمشاركة في حرب اليمن، خصوصًا بعد ظهور ضباط داخل الدعم السريع يرفضون المشاركة في حرب اليمن بعد أيام من الحراك المتصاعد . في المقابل، فإن السعودية والامارات لا تعتبران أن الولاء الذي يقدمه عمر البشير كاف لهما بالشكل المطلوب لذا وقفتا تراقبان المشهد الاحتجاجي المتصاعد عن كثب وههما يتنفسان الصعداء ويحاولان أن يمسكا بأى طرف للاحداث المعقدة في السودان .
وبالنسبة لقطر، فإنها لم تفرط في نظام وقف معها في الأزمة الخليجية، ولذلك فبعد ثلاثة أيام فقط من بداية الاحتجاجات، اتصل أمير قطر، الشيخ تميم بن حمد، بالبشير وأكد استعداد قطر لتقديم العون اللازم لتجاوز الأزمة.(4)
حميدتي رجل التحالف السعودي الاماراتي
هناك آراء تقول أنه مع تطور الاحتجاجات تسارعت وتيرة الأحداث حيث تم الاطاحة بالبشير وأصبح قائد قوات الدعم السريع محمد حمدان حميدتي (43) عامًا الرجل الأقوى في المعادلة السياسية والأمنيةوهو شخص ليس عسكريا بالأساس.
وتشير بعض تقارير المعلومات أن حميدتي من الأسماء البارزة في حرب قوات التحالف الذى تقوده السعودية للحرب في اليمن ، حيث ظلت قواته تقاتل هناك في جبهات متعددة، لكنه منذ بداية الاحتجاجات السودانية في 19 كانون الأول/ديسمبر 2018 قرر التأهب واستنفار قواته بالقرب من العاصمة الخرطوم، مع رسائل ناقدة لأداء حكومة البشير، وإبداء التعاطف مع مطالب المحتجين.
بمجرد تعيينه نائبًا لرئيس المجلس العسكري بعث المجلس العسكرى برسالة للتحالف السعودي الإماراتي، رغم أن الأوضاع لا زالت غير مستقرة، حيث أعلن بقاء القوات السودانية المشاركة في التحالف الذي تقوده السعودية في اليمن، قائلًا "إننا متمسكون بالتزاماتنا تجاه التحالف وستبقى قواتنا حتى يحقق التحالف أهدافه".(5)
تنسيق سعودي إماراتي لمحاولة كسب ود المجلس العسكري
سرعان ما أعلنت المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة ومصر دعمها للمجلس العسكري الذي أطاح بالبشير ، فيما اجتمع مجلس الوزراء السعودي، وشدد على حرص الملك سلمان على دعمه لإجراءات المجلس العسكري الانتقالي. بدورها أرسلت الإمارات وفدًا برئاسة وزير النفط، والفريق طه عثمان مدير المكتب السابق للرئيس البشير، الذي تربطه صلة قوية بالسلطات السعودية، حيث منحته المملكة جنسيتها وتم تعيينه مستشارًا لولي العهد محمد بن سلمان، لكن المثير في الأمر أنه لم تنشر أي صور للوفد الإماراتي مع رئيس المجلس الانتقالي عبد الفتاح برهان، ولا حتى مع نائبه حميدتي، ما أثار عديد الأسئلة حول دوافع الزيارة واللقاءات السرية.
دعم سعودي إماراتي للبرهان
ذكرت وكالة أنباء الإمارات (وام)، السبت13/ ابريل 2019، أن الإمارات رحبت بتعيين الفريق أول ركن عبد الفتاح البرهان عبد الرحمن رئيسا جديدا للمجلس العسكري في السودان. (6) وقالت الوكالة أيضا: "وجّه صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان رئيس الدولة بالتواصل مع المجلس العسكري الانتقالي في السودان؛ لبحث مجالات المساعدة للشعب السوداني الشقيق".أتي البيان الإماراتي بعد بيان سعودي أعلن فيه دعم المملكة للخطوات التي اتخذها المجلس العسكري الجديد في السودان، كما أعلن تقديم مساعدات إنسانية للشعب السوداني.(7)
ثم نشرت وكالة الأنباء السعودية "واس" والاماراتية "وام" بياناً قالتا فيه إن البلدين سيقومان بـ"تقديم حزمة مشتركة من المساعدات لجمهورية السودان، يصل إجمالي مبالغها إلى ثلاثة مليارات دولار، منها 500 مليون دولار مقدمة من البلدين كوديعة في البنك المركزي". (8)
لقاءات سرية
إذا كان ما سبق ذكره قد ظهر جزء منه للعلن، فإن هناك مسارًا آخر لتحركات الرياض وأبو ظبي وقطر في الخفاء، وتجلت مظاهره في اللقاء الذي جمع العاهل السعودي سلمان بن عبد العزيز، وولي عهد أبو ظبي محمد بن زايد آل نهيان، وبحضور ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، وذلك بالتزامن مع زيارة الوفد السعودي الإماراتي المشترك للسودان.
جاء اللقاء الذي ناقش "مستجدات الأحداث في المنطقة"، بحسب وكالة الأنباء السعودية، وسط ترجيحات بأن يكون الملف السوداني في صدارة المباحثات إلى جانب الموضوع الليبي، بعد أن أعرب الحليفان الخليجيان عن دعمهما المجلس العسكري في السودان.
وبعد أسابيع من الصمت حيال التطورات السياسية السودانية، أعربت السعودية والإمارات عن أول موقف لهما بشأن الإطاحة بالبشير، حيث أكدتا دعمها للمجلس العسكري وطالبتا بالمحافظة على "الاستقرار"، وزادتا على ذلك بالإعلان عن إرسال شحنات من المواد البترولية والدقيق والأدوية دعمًا للسودان.
وهنا السؤال عن سر ترحيب قادة السودان الجدد بهذا الدعم السخي، وسينطوي الجواب على أكثر من احتمال، فالمسيطرون على مقاليد السلطة الآن هم عبد الفتاح البرهان المنسق السابق للقوات السودانية المقاتلة إلى جانب قوات التحالف الإماراتي السعودي في اليمن، وهو على صلات وثيقة بكبار القادة العسكريين في الخليج بحكم مسؤوليته عن تنسيق الدور العسكري للسودان بالحرب.
ووفقا لتقارير إعلامية فإن نائبه محمد حمدان دقلو فهو قائد قوات الدعم السريع الذي تشكل قواته عصب المعارك السودانية في اليمن أيضًا، وأشرف على القوات التي حاربت في صفوف التحالف السعودي الإماراتي، وكشف لأول مرة عن موقفه تجاه استمرار مشاركة قوات سودانية بالحرب اليمنية التي يشنها التحالف السعودي الإماراتي ضد الحوثيين.
ويرى بعض المراقبين أن لرجال السودان الجدد – بعض أعضاء المجلس العسكرى الحالي- صلات بأبو ظبي والرياض، ومن المحتمل أن يلعبوا خفية على حبال التناقضات الإقليمية ويدخلوا لعبة المحاور المنهكة، فلا يستعدون أحدًا ولا يوالون، في حين يُخشى أن تستعيد السعودية والإمارات دور العابث بمسار الثورات، مدخلها إليه المجلس العسكري واقتصاد مرهق بتوالي الأزمات.
وفي حين يتواصل الدعم الخارجي للمجلس العسكري السوداني، ترددت أنباء على محاولات قطرية للتواصل مع المجلس العسكرى الانتقالي في السودان ، لكن الناطق الرسمي للمجلس العسكري الانتقالي السوداني الفريق الركن شمس الدين كباشي نفى ما تردد حول زيارة وفد قطري للبلاد، بعد أنباء تناقلتها وسائل إعلام حول رفض السودان استقبال وفد قطري برئاسة وزير الخارجية محمد بن عبد الرحمن آل ثاني.
رفض الوصاية الإماراتية
زيارة الفريق طه السرية ( الحاصل على الجنسية السعودية ) برفقة وزير النفط الإماراتي، والتزام الدعم السريع بمواصلة القتال في اليمن، مقرونًا بلقاءات حميدتي مع السفراء الأوربيين، وسيطرة قوات الدعم السريع للخرطوم بأسلحة ومعدات ثقيلة، وإغلاق شوارع الإذاعة والتلفزيون القومي تحسبًا لأي بيان أو انقلاب مناوئ ربما، بجانب وضع متاريس عسكرية ، والحفاظ على رافعة ثورية عبر اعتصام شباب الثورة قبالة مقر قيادة الجيش، بدا في رأي بعض المراقبين كما لو أنه إشارة لانقلاب مدعوم من السعودية والامارات، استغل اضطراب الأوضاع وتمكن من إزاحة البشير وكافة الحرس القديم، قبل أن ينقض على الثورة.
غير أن الدعم الإماراتي السعودي أثار مخاوف وشكوك تجمع المهنيين السودانيين والقوى المتحالفة معه، وأعلن تحالف قوى الحرية والتغيير في السودان، أن "المجلس الانتقالي العسكري ليس مخولًا بالتفاوض لتشكيل الحكومة وإدارة المرحلة المقبلة"، مشددًا على رفض "أي تدخل أجنبي لتحديد مسار الانتفاضة السودانية"، كما رفض شباب الثورة في ميدان الاعتصام لافتات مكتوب عليها" لا للتدخل الإماراتي السعودي بوساطة مصرية، لا للدعم السعودي الإماراتي". (9)
التدخل لرسم مسار المرحلة الانتقالية
لم تكتف السعودية والامارات إلى جانب مصر بذلك بل اتخذت خطوة استباقية لمحاولة رسم مسار المرحلة الانتقالية في السودان بعد خلع البشير حيث وصل وفد إماراتي سعودي رفيع المستوى إلى الخرطوم في زيارة استغرقت يومين، حيث التقى البرهان الذي بدوره أشاد بالعلاقات "المتميزة" بين بلاده والدولتين الخليجيتين . لكن التشكيلة المبهمة للوفد وعدم بث صور للقاءات أثارت استغراب الكثيرين، وما كان مثارا للاستغراب أكثر أن الوفد الإماراتي السعودي قابل المسؤولين في السودان بصورة مشتركة، وهو أمر فسره الكاتب الصحفي السوداني عبد الملك النعيم بأنه يعني أن "الأجندة التي جاء بها الوفدان هي أجندة مشتركة للدولتين". ثم استقبلت مصر مشاروات للاتحاد الافريقى لبحث مسألة تسليم السلطة في السودان إلى حكومة مدنية حيث إن الاتحاد الافريقى قد أمهل المجلس العسكرى في السودان خمسة عشر ليوم لتسليم السلطة لحكومة مدنية ، تم تمديدها بعد هذه المشاورات إلى ثلاثة أشهر .(10)
هذه الخطوات والتدخل الخليجي رفضه المعتصمون أمام مقر قيادة الجيش بالخرطوم عبر ترديد هتافات ورفع شعارات ولافتات ضد السعودية والإمارات، وضد ما اعتبروه "رفض" الدولتين ثورات الربيع العربي.(11)
التداعيات المحتملة :
الارهاصات الأولية تؤشر أن السودان يمر في مسار صعب نحو الديمقراطية وتحقيق أهداف الثورة ، لأسباب عدة منها :
- تسود حالة من التململ السياسي والشعبي في السودان، من محاولة السعودية والإمارات ومصر التدخل في السودان ومحاولة بسط نفوذها وتحويل مسار الثورة، خصوصًا بعد أن كانت الرياض وأبو ظبي من أوائل الدول المرحبة بقرارات المجلس العسكري الانتقالي في السودان، وتقديم مساعدات للخرطوم.
- الموقف الخليجي لم يرحب به الحراك الشعبي ، واعتبره كثيرون استفزازًا لمشاعر السودانيين، وهم في قمة زهوهم الوطني في عزل عمر البشير، أكثر من ذلك، فإن خيارات الحراك الشعبي لا يبدو منها الترحيب بسياسة المحاور التي ربما تمارسها وتفرضها دول منذ انطلاق موجات الربيع العربي، تدرج في إطار ما بات يُعرف بـ"الثورات المضادة". ومن الواضح حتى الآن أن الشارع السوداني أكثر وعيًا بما يدبر لإفشال ثورته، وما عاد المنتفضون يجدون حرجًا في مطالبة دول بعينها برفع اليد عن مسار التغيير، فتجارب ربيع الثورات الأولى ماثلة في مخيالهم وفعلهم السياسي، وهم يفاوضون المجلس العسكري.
- جملة الحوافز التى قدمتها كلا من السعودية والامارات ستكون وسيلة ضغط على المجلس العسكرى لضبط مسار المرحلة الانتقالية بما يخدم أهداف الداعمين على حساب أهداف الثوار وهو ما قد يدخل السودان في نفق مظلم وسيناريوهات أشبه بالسيناريو المصري في 30 يونيو في أفضل الأحوال ، ويحاول المجلس العسكري أن يحدث نوعا من التوازن بين إدارة الازمة الاقتصادية الخانقة التى يمر بها السودان وبين تلبية مطالب الثوار .
- إطالة أمد المرحلة الانتقالية الذي أسفرت عنه مشاروات الاتحاد الافريقي برعاية السيسي بامهال المجلس العسكرى بتسليم السلطة خلال ثلاثة أشهر من شأنه أن يعقد المشهد في الثورة السودانية ويعطى فرص لاختراق الحراك السوداني وخلق حالة من الاستقطاب بين مكونات الحراك جريا على نهج الثورة المصرية وهو سيناريو مطروح بقوة قد ينتهى بإفراز جديد لحكم عسكرى بوجوه جديدة .
- لن يتوقف الدعم والضغط الخليجي لارباك المشهد السوداني وإفشال الحراك لأن نجاح الثورة السودانية من شأنه أن يشكل معادلات جديدة في المنطقة .
- سيقى الرهان معقودا على ثبات مكونات الحراك في مواجهة مماطلات المجلس العسكرى والضغوط الخارجية ، وتوحيد الرؤية لادارة المرحلة والتوافق على أجندة واحدة للمرحلة الانتقالية و ثمة عوامل يتناصح المعتصمون لأخذها في الحسبان، أولها استمرار الحراك الشعبي ووعيه بتجارب ومآلات الربيع العربي الواحدة تلو الأخرى، وفوق هذا وذاك، فإن السلطة المدنية التي قد ترى النور قريبًا لا يتوقع الشارع قبول انخراطها في تحالفات ومحاور تُعرض على السودان مهما كانت الإغراءات. والأكثر أهمية هو وعي الحراك السوداني بالأخذ بالاعتبار عدم إقصاء أى طرف في هذه المرحلة الانتقالية .