التدخل الروسي ومعالم التحالفات الاقليمية والدولية

عاطف الجولاني

شكّل التدخل الروسي العسكري في سوريا متغيرا سياسيا مهما وتحوّلا مؤثرا

في البيئة السياسية الإقليمية ولم تقتصر تداعياته وانعكاساته على الوضع السوري. وتتناول هذه الورقة ثلاثة محاور:

  1. تداعيات التدخل الروسي على البيئة السياسية الإقليمية.
  2. السيناريوهات المتوقعة لتأثير التدخل الروسي في الوضع الإقليمي خلال الفترة القادمة.
  3. مقترحات التعامل مع المتغير الجديد.

أولا: تداعيات التدخل الروسي على البيئة السياسية الإقليمية:

  1. تزايد حضور روسيا في المعادلة السياسية للمنطقة، وبروزها كلاعب مهم وفاعل مؤثر في عدد من الملفات السياسية الإقليمية، في مقدمتها الملف السوري.
  2. زيادة حضور وتأثير العامل الدولي في صراعات الإقليم، ودخول المنطقة مرحلة جديدة من الاستقطاب الدولي وما يشبه أجواء الحرب الباردة. والانتقال من صيغة محاور إقليمية تتحالف مع أطراف دولية، إلى صيغة محاور إقليمية تقودها أطراف دولية.

حيث تتبلور ملامح محور تقوده روسيا ويضم إيران وسوريا والعراق، مدعوما بحركات كحزب الله في لبنان والحوثيين في اليمن، وهو ما يدفع باتجاه تعزيز التعاون بين الولايات المتحدة وكل من تركيا والسعودية وقطر.

ومن شأن تزايد بروز العامل الدولي أن يفاقم تعقيدات الملف السوري وأن يزيد من صعوبة التوصل إلى حل سياسي، حيث غدا مستقبل الصراع في سوريا متعلقا بمصالح الأطراف الإقليمية والدولية وبتناقضاتها، فيما يتراجع وزن العامل المحلي المتعلق بالنظام والمعارضة السورية.

  1. توتّر العلاقات الروسية التركية بفعل تعارض المواقف وتضارب المصالح إزاء الملف السوري، وقد شكل إسقاط تركيا للطائرة الروسية وما تلا ذلك من تصعيد سياسي واقتصادي وأمني، ذروة التأزيم في العلاقة بين البلدين.
  2. توتر العلاقات الروسية مع السعودية وقطر مقابل تقارب في العلاقات الروسية مع مصر والإمارات والأردن.
  3. بروز مؤشرات لتنافس روسي إيراني في سوريا، وكذلك بروز بعض التباينات في الموقف من مستقبل بشار الأسد في العملية السياسية حال التوصل إلى حل سياسي. 

ثانيا: السيناريوهات المحتملة لمستقبل التدخل الروسي في سوريا:

1-      تعزيز روسيا لنفوذها السياسي ووجودها العسكري في سوريا والمنطقة، وتحقيق نقطة مهمة لصالحها في التنافس والاستقطاب الدولي مع الولايات المتحدة، والتأثير في ميزان القوى الميداني في سوريا لصالح النظام.

2-      تورّط روسيا في الصراع السوري، وتوجّه الولايات المتحدة والسعودية وتركيا لاستنزافها في المستنقع السوري. ومن شأن ذلك أن يبقي الصراع في سوريا مفتوحا ويطيل أمده، وأن يؤدي إلى مزيد من التصعيد العسكري.

3-      الوصول إلى تفاهم وحل سياسي للأزمة السورية ينهي الصراع العسكري ويحفظ مصالح الغرب وروسيا في سوريا والمنطقة.

ويلاحظ أن روسيا ستخرج مستفيدة حال تحقق أي من السيناريوهين الأول أو الثالث، فمن شأن تعزيز الوجود العسكري وتقوية فرص النظام السوري في البقاء أن يزيد من حضور روسيا وتأثيرها في شؤون المنطقة، وهو ما يتحقق كذلك حال نجاحها بالتوصل إلى حل سياسي يحافظ على مصالحها السياسية والاقتصادية والعسكرية في المنطقة.

أما السيناريو الثاني فمن شأنه أن يضفي أعباء سياسية وعسكرية واقتصادية ثقيلة على روسيا ويعرّضها لاحتمالات تكرار سيناريو تورط الاتحاد السوفييتي في المستنقع الأفغاني

ثالثا: خيارات التعامل مع التدخل الروسي في سوريا وتداعياته في المنطقة:

1-     الخيار الأول:

الدفع باتجاه إقامة تحالف تركي سعودي قطري للدفاع عن مصالح الأمة ومواجهة تحديات التدخل الروسي العسكري في المنطقة وأخطار التحالف الروسي الإيراني السوري العراقي.

-          إيجابيات الخيار:

  • إقامة تحالف سياسي قوي ومؤثر لحماية مصالح الأمة ومواجهة الأخطار التي تتهددها وزيادة فرص إنهاء الفوضى في المنطقة.
  • محاصرة التمدد الروسي والإيراني في المنطقة.
  • زيادة فرص حسم عدد من الملفات الملتهبة في المنطقة.
  • الحيلولة دون مواجهة أطراف التحالف للتهديدات بصورة منفردة.
  • تعزيز القدرة على التحرك المشترك وزيادة حجم التأثير وفاعلية التحرك.
  • المساعدة على بلورة رؤية مشتركة للتعامل مع قضايا الإقليم، وليس التعامل مع كل ملف على حدة.

-          سلبياته:

  • تكريس سياسة المحاور في المنطقة، والتي من شأنها زيادة حالة الانقسام في الموقف العربي والإسلامي.
  • تقليل فرص التفاهم مع روسيا وإيران إزاء الملفات الخلافية.

-          متطلباته:

  • بلورة تصوّر لطبيعة التحالف وتقسيم المهام والأدوار بين أطرافه.
  • الدفع باتجاه استنزاف روسيا في المستنقع السوري، وهو ما يتطلب التنسيق مع الولايات المتحدة بهذا الصدد، وتزويد المعارضة السورية بأسلحة نوعية.
  • التنسيق مع القوى الشعبية المؤثرة في الإقليم والتي من شأنها أن تضفي مزيدا من القوة على التحالف.

-          المعوقات:

  • مدى قناعة الأطراف المقترحة لتشكيل التحالف بجدواه.
  • الموقف المتردد لإدارة أوباما في مواجهة تمدد النفوذ الروسي واعتمادها الدبلوماسية الناعمة.
  • الاتفاق النووي بين إيران والأطراف الغربية الذي تعوّل عليه تلك الأطراف في احتواء إيران والتأثير في سلوكها.
  • معارضة بعض الأطراف العربية لهذا الخيار بخاصة الإمارات العربية ومصر.

2-     الخيار الثاني:

تعزيز التنسيق والتعاون السياسي بين تركيا والسعودية وقطر بخصوص مواجهة التحديات التي يفرضها التدخل الروسي في سوريا، وهو ما من شأنه أن يفتح المجال لاحقا لبحث صيغ التحالف في سياق عملية تطور طبيعي متدرج.

إيجابيات الخيار:

  • يبدو واقعيا وممكنا أكثر حال عدم توفّر الشروط الكافية لقيام التحالف.
  • يحافظ على هامش استقلال أكبر للدول ولا يلزمها بمواقف الآخرين وأزماتهم.

-          سلبياته:

  • صيغة ضعيفة مقارنة بالتحالف الذي يشكل صيغة أقوى وأرقى من مجرد عملية التنسيق على كل ملف بصورة مستقلة.

3-     الخيار الثالث:

فتح قنوات التواصل ومحاولة التفاهم مع روسيا وإيران كلا على حدة بخصوص الصراع في سوريا.

-          إيجابيات الخيار:

  • تجنّب زيادة حدّة التوتر في المنطقة.
  • توفير فرصة للحل السياسي في سوريا تحول إطالة أمد الأزمة.
  • توفير فرصة للعب على تباينات المواقف والمصالح بين روسيا وإيران، ومحاولة تفكيك التحالف المصلحي بين الطرفين.

-          سلبياته:

  • تقديم مكافأة لروسيا على تدخلها في سوريا تغريها بالتشدد في مواقفها.
  • تقديم خدمة مهمة للنظام السوري من شأنها تعزيز موقفه السياسي.

-          متطلباته:

  • استعداد روسيا وإيران للوصول إلى تفاهمات سياسية معقولة بخصوص مستقبل الوضع في سوريا.

هذا المقال يعبر عن رأي كاتبه ولا يعبر بالضرورة عن رأي مجموعة التفكير الاستراتيجي

قيم الموضوع
(0 أصوات)
Go to top