حازم عياد
في الوقت الذي باعد الاتفاق النووي الايراني بين امريكا وحلفائها العرب
حازم عياد
في الوقت الذي باعد الاتفاق النووي الايراني بين امريكا وحلفائها العرب
يفاقم هذه الصورة المتشكلة على وقع المتغيرات الاقليمية المتسارعة وتعدد اطراف الصراع سواء من القوى الدولية او الاقليمية والكيانات المحلية بما فيها الكيانات دون الدولة كداعش وقوى الثورة السورية ، فالحالة الديناميكية وسرعة اتساع مساحة الاشتباك من الافق المحلي الى الاقليمي الى الدولي زادت من ضعف وهشاشة التحالفات وتعدد التناقضات والتباينات بين الدول المنخرطة في هذا الصراع، اذ امتد مباشرة بعد التدخل الروسي لتتشابك القضايا الدولية والاقليمية سواء المتعلقة بالأزمة الاوكرانية او الصراع المتجدد على خلفية تمدد حلف الاطلسي بين الولايات المتحدة الامريكية وروسيا ، او تلك المتعلقة بالأزمات الاقليمية وعلى راسها الانخراط الايراني في الصراعات ت الإقليمية والتصارع السعودي الايراني في المنطقة بل وبلغ حد غير مسبوق اذ اصبح الصراع التركي اليوناني وازمة قبرص على جدول اعمال القوى المتصارعة لتضاف الى اليها ازمات جديدة على راسها ازمة البلقان وسعي روسيا لمد نفوذها باتجاه يوغسلافيا السابقة مقابل سعي امريكي لتوسيع حلف الناتو ليشمل الجبل الاسود وفتح الباب لإمكانية ان يتسع ليشمل مقدونيا والبوسنة والهرسك ، فروسيا تغرق في مستنقع اخذ بالاتساع وهي بذلك تزداد تصلبا وضعفا في ذات الوقت فمواردها محدودة في حين ان قدرتها على التراجع الى الخلف باتت مسالة صعبة للغاية في حين تجد القوى الاقليمية نفسها اقل قدرة على المناورة خصوصا تركيا التي تحولت تلقائيا الى راس حربة في استراتيجية الناتو لمواجهة سياسات بوتين خصوصا بعد التدخل الروسي في المنطقة العربية.
وبتعدد الفاعلين واتساع مساحة الصراع الاقليمي ليشمل القارة الاوروبية فان المتغيرات السريعة كانت السمة البارزة التي اثرت على قوة التحالفات وديمومتها، زوكان على راس هذه التحولات :
اولا : ازمة المهاجرين الى القارة الاوروبية التي نقلت الازمة السورية وتداعياتها الخطرة الى القارة وتولد عنها ازمات داخل دول الاتحاد الاوربي بشكل هدد بتقويض سياسات الاتحاد بالاندماج والانفتاح الاقتصادي وهدد مستقبله ومثل اختبار قويا للقيم الاوروبية الداعية الى احترام حقوق الانسان
ثانيا :التدخل الروسي في سوريا والذي مثل اختراقا مهما في الساحة الاقليمية كان له تداعيات على التحالفات المتشكلة في الاقليم وعلى راسها التحالف الايراني السوري والتحالف السعودي الخليجي :
ثالثا : اسقاط الطائرة الروسية في اجواء سيناء الامر الذي اعاد ملف الارهاب الى الواجهة باعتباره العدو والمبرر للتدخل الروسي في المنطقة ليعطي الشرعية للتدخل الروسي.
رابعا : تفجيرات باريس : اذ تداعت ازمة اللاجئين وتفاعلت بقوة اكبر عقب تفجيرات باريس كما دفعت فرنسا الى البحث عن حلفاء لمواجهة التحدي الذي مثلته داعش لأمن فرنسا وامن القارة الاوروبية ما اعطى هامش جديد للمناورة لروسيا في اعقاب التدخل في سوريا وهو ما جعل متغير الارهاب الدولي يحتل مساحة بارزة في التوظيف السياسي سواء في التصارع داخل سوريا او اوربا وافريقيا .
خامسا : اسقاط الطائرة الروسية في الاجواء التركية بشكل ادى الى تفعيل دور حلف الناتو وتوسع دائرة الاشتباك لتشمل دول القارة الاوربية
سادسا : اندلاع الانتفاضة الفلسطينية : ازدادت وطأت التطورات الديناميكية في المنطقة مع اندلاع الانتفاضة الفلسطينية فالتطور المتواصل للانتفاضة الفلسطينية التي ستفرض حقائق على الارض لها طابع جغرافي وديمغرافي وثقافي لا يقل حساسية عما يحدث في الاقليم.الامر الذي وضع الولايات المتحدة امام تحديات جديدة لا تقل خطورة عن تعقيدات المشهد الذي تواجهه روسيا في اوروبا والقوقاز ،تحولات مهمة في موازين القوة وتحدٍ كبير في مساحة صغيرة نسبيا ستواجه الادارة الجديدة بعيد الانتخابات الرئاسية الامريكية المقبلة لتحسم خياراتها تجاه المنطقة، امر
المتغربات الديناميكية امتازت بمجموعة من السمات جعل امكانية استقرار التحالفات وتطورها مسالة غاية في التعقيد والتشابك وارز هذه السمات:
1- السرعة امتازت المتغيرات بسرعة تطورها وتطور تفاعلاتها في فترة زمينه ضيقة لم تتجاوز الاشهر الاربعة .
2- سرعة التمدد اذ اتسعت دائرة الاشتباك لتشمل اسيا الوسطى ووسط اوروبا وافريقيا في ان واحد
3- تعدد الفاعلين سواء من القوى الدولية او الاقليمية او الكيانات السياسية دون الدولة
4- التذبذب اذ ترافق مع هذه المتغيرات سرعة تبدل التحالفات من تشكيل واعادة تشكيل توسيعا او انسحابا
ونجم عن هذه المتغيرات بسماتها الاستثنائية حالة من الرخاوة الجيوسياسية والسيولة في المنطقة بشكل جعل التحالفات متداخلة غير مستقرة وتجاذبها المتغيرات والقوى الدولية وعلى راسها الوليات المتحدة الامريكية وروسيا
اولا: الرخاوة الجيوسياسية :
حالة جيبولتيكية رخوة وغير متماسكة تشكلت نتيجة قوة وسرعة هذه المتغيرات وتذبذبها الحاد وزادها هشاشة التدخل الروسي، ففي الوقت الذي تزحف فيه الطائرات الروسية باتجاه الرقة وتقترب من مناطق النفوذ الكردية والاراضي العراقية والتركية حتى القبرصية، فإن عقدة العلاقة التركية الكردية تقف عائقا امام واشنطن لتطوير سياساتها تجاه تركيا، وفي الوقت الذي مثلت فيه هجمات باريس فرصة لإحداث اختراق في التحالف التقليدي الامريكي الاوروبي، فإن روسيا على وشك احداث اختراق في الساحة الاوروبية في ظل العجز الامريكي والتراشق الداخلي حول استراتيجية الرئيس الامريكي باراك اوباما، والمترافق مع الهستيريا والارتباك الاوروبي في اعقاب هجمات باريس.
مثلت هذه المتغيرات تحديا وفرصة لكل للقوى الاقليمية والدولية المنخرطة في الصراع وادى تنازع الارادات السياسية الى اعادة تشكيل التحالفات على وقع هذه المتغيرات الا ان السمة البارزة لها كانت عدم الاستقرار وسرعة التغير فمن الناحية الزمنية برزت هذه المتغيرات في ظرف زمني لا يتجاوز الاربعة اشهر ، الامر الذي سعت الولايات المتحدة الى احتوائه و توظيفه من خلال تفعيل حلف الناتو لمواجهة التهديدات الروسية لتركيا عقب اسقاط الطائرة الروسية الحربية من قبل الطائرات التركية ، فالاعتماد على التحالفات الفرعية باتت مراهنة خطرة الا ان تفعيل الناتو ومحاولة توسيعة يمثل معضلة جديدة تدفع روسيا نحو مزيد من ردود الفعل رغم القيود المتعلقة بالإمكانات والموارد التي تعاني منها ، فصناعة روسيا لقرارها السياسي لا يعتمد بالمطلق على الموارد وانما على رؤية القيادة الروسية التي تتركز بشخص الرئيس فلاديمير بوتين، الذي يرفض الى الان القبول بمعادلة التورط الروسي في سوريا من خلال توسيع دائرة الاشتباك ليعود الى قواعد الحرب الباردة القائمة على المعادلة الصفرية .
ثانيا : اثر التدخل الروسي على المحاور والتحالفات :
للتدخل الروسي تداعيات مباشرة على التحالفات الداخلية في سوريا والوقاع الميداني كما ان له تداعيات على التحالفات الاقليمية والدولية وهو ما سنناقشه في المحاور التالية :
أ_ التدخل الروسي والواقع الميداني في سوريا :
تقدم القوات التابعة للنظام السوري في مطار كويرس شرق حلب على حساب تنظيم الدولة مفاجأة لا تقل اهمية عن تقدم تنظيم الدولة في ريف حمص قبل ذلك بأسابيع، في حين لم تحرز قوات النظام أي تقدم او نجاح يذكر في ادلب وريف اللاذقية وسهل الغاب وريف حماة ودرعا، علما بأنها الجبهات الاسخن في الصراع الدائر في سوريا، أمر يعطي دلالات سياسية لتقدم النظام لرسم خارطة سياسية جديدة مرتبطة بمؤتمر فيينا اكثر منها دلالات ميدانية فاعلة ومؤثرة.
يعزز هذه القراءة محاولة انتاج تشكيلات جديدة تحت عناوين مكافحة الارهاب كالجيش السوري الجديد، وقوات سوريا الديمقراطية بائتلاف يتكون من قوى كردية على رأسها وحدات حماية الشعب الكردي وحزب الاتحاد الديمقراطي وغيرها من مكونات بدعم امريكي، يقابلها جهود روسية لإيجاد تحالفات جديدة وتشكيلات عسكرية عبر وعود بدعم الاكراد وفصائل من الجيش الحر، التشكيلات تواجه معارضة تركية في مقابل مباركة امريكية وحماسة روسية.
حالة الانكباب الروسي لإعادة بناء المشهد الميداني امتدت الى تسرب انباء عن محاولات لدمج قوات الدفاع الوطني السورية مع وحدات الجيش السوري، بشكل يضعف تأثير ايران ميدانيا، امر يقابل بدوره بممانعة ايرانية بحسب بعض المراقبين.
تمتد هذه التحركات والتفاعلات الى سنجار في العراق، اذ تعطلت العمليات العسكرية التي كان من المفترض ان تنطلق بالتعاون مع قوات البشمركة، بسبب تواجد قوات لحزب العمال الكردستاني ورفض تركيا لاي دور للحزب في المعركة المقبلة، توجه دعمه رئيس حكومة كردستان نيجيرفان البارزاني اثناء زيارته تركيا بعيد الانتخابات البرلمانية.
الخارطة الميدانية تسير بالتوازي مع محاولات رسم معالم المشهد السياسي قبيل مؤتمر فيينا، ويترافق مع ممانعة اقليمية، وشكوك متبادلة بين القوى الدولية وعلى رأسها امريكا وروسيا حول تركيبة القوى الميدانية والسياسية، تبرز هذه المعضلة من خلال اعلان داوود اوغول عن وجود توافق لإنشاء منطقة عازلة في سوريا، في مقابل نفي امريكي، ما يعني ان التجاذبات الاقليمية ما زالت في ذروتها وان المشهد لم يحسم بعد في ميدان السياسة او الحرب.
تجاذبات ترسم معالمها الولايات المتحدة الامريكية وروسيا وتجد انعكاسا لها في سلوك القوى الاقليمية والمحلية المتصارعة، ولعل ابرزها تقدم النظام السوري في مطار كويرس بحثا عن دور سياسي شمال سوريا وفي محاولة للاقتراب من التحالفات الاخذة في التشكل شرق البلاد.
المعارك في سوريا تدور الان على خلفية الترتيبات السياسية لا على ضرورات الوقائع الميدانية والتهديدات المباشرة، التي كان اخرها استهداف معقل النظام في اللاذقية ودمشق بالصواريخ، امر سيكون له تداعيات امنية وعسكرية قد تزيد من ضعف النظام السوري وانتشار قواته على مساحة اوسع من قدراته الفعلية.
بـ _المحاور السياسية والتدخل الروسي
لم تحسم مسالة التحالفات والمحاور الاقليمية في الازمة السورية بل بقيت سائلة وغير مستقرة الا ان هناك محوران ااسيان تحمل معالم التحالف فيما يتعلق بالازم السورية
- المحور السعودي القطري التركي
- المحور الايراني السوري العراقي
يقابل هذه المحاور تقاطعات تعبر عن مصالح متعارضة في ومتشابكة تجتمع في هدف وتفترق في الاخر
- المحور السعودي الامارتي الخليجي في اليمن
- المحور الايراني الحوثي السوري
- المحور الكردي التركي العربي- الامريكي
- المحور الكردي السوري الايراني -الروسي
- المحور الإماراتي المصري في ليبيا
- المحور القطري التركي في ليبيا
- المحور التركي القطري في مصر وسوريا
- المحور السعودي الإماراتي في مصر
هذه السمة الابرز في سيولة المحاور تناقضاتها العربية فالتصارع العربي العربي في ذروته ما يجعل من الصراعات اكثر تداخلا واكثر سيولة احتمالات انتقال الدول من محور الى اخر بسهولة ويسر بشكل فتح الباب لروسيا وامريكيا لمحاولة اعادة الاستقطاب الثقوى وتشكيل مزيد من المحاور .
الا ان التركيز سينصب على فهم المحاور الاساسية وذلك من خلال معالجتها في ضوء التدخل الروسي :
1- محور طهران موسكو :
خرجت الخلافات الى العلن بين موسكو وطهران لتتنقل المسألة من مرحلة التحليل والشائعات والتسريبات الى مرحلة الحقائق والمعلومات، فمصير الاسد والموقف الروسي من حزب الله برزت كنقاط خلاف اساسية بين البلدين في محاضرة القائد العام للحرس الثوري اللواء محمد جعفري في جامعة طهران، اشارات اللواء جعفري الى عدم تمسك موسكو بالأسد لم تكن امرا جديدا، الا ان الجديد هو الموقف من حزب الله، اذ تخطت موسكو عتبة مصير الاسد الى مستقبل سلاح حزب الله، ما يعطي الانطباع بان موسكو ترغب بإضافة ورقة جديدة تساوم عليها في صراعها الاقليمي والدولي.
ورقة الاسد لم تعد كافية من وجهة نظر موسكو، خصوصا وان الاسد يواجه صعوبات في الاحتفاظ بموقعه كزعيم سياسي وعسكري، اذ فقد بريقه كورقة قوية للمساومة نتيجة عجز قواته عن تحقيق اي انجاز عسكري بعد التدخل الروسي، يقابله حاجة موسكو الملحة الى شخصية جديدة تستطيع من خلالها ممارسة المزيد من المناورات السياسية، ليبرز اسم اللواء علي مملوك كمرشح محتمل في المرحلة المقبلة، امر سيحد من نفوذ طهران في سوريا ويجعلها مرهونة اكثر للسياسة والمصالح الروسية.
الاخطر من ذلك تحويل حزب الله الى ورقة بيد روسيا، ووضع سلاحه على طاولة المفاوضات تزيد الامور تعقيدا، فطهران التي دفعت الغالي والنفيس مع حليفها حزب الله للحفاظ على نظام الاسد وابقائه لاعبا سياسيا وامنيا لتحسين موقعها الاقليمي وقدراتها التفاوضية، تحولت الى جانب حليفها فاعلين سياسيين وعسكريين اقليمين الى مجرد جنود وقرابين في المعركة في اعقاب التدخل الروسي، مع احتمالات كبيرة لتدهور مكانة طهران وحزب الله الى ما هو اسوأ من ذلك، بتحولها مع حليفها الى ورقة بيد روسيا يتم استثمارها للتفاوض مع الولايات المتحدة والقوى الاقليمية المنافسة لطهران، كابوس بحد ذاته سيهدد العلاقة الايرانية الروسية خصوصا اذا نجحت روسيا باستبدال الاسد باللواء علي مملوك.
موسكو سارعت بعد تصريحات جعفري الى انكار اي تغير في سياستها تجاه الاسد، وهي رسالة طمأنة لطهران وفي ذات الوقت محاولة لنزع فتيل ازمة من الممكن ان تهز جهودها في سوريا، التصريحات والتصريحات المضادة تشير الى ان التدخل الروسي دخل مرحلة جديدة بعد مرور اكثر من شهر عليه، ما يعني ان الاطراف الاقليمية والدولية تعيد النظر في اوراقها وتحالفاتها، ومن المؤكد أن فوز حزب العدالة والتنمية في تركيا سيزيد الامور تعقيدا والتحالفات هشاشة.
زيارة بوتين لطهران واللقاءات التي عقدها على هامش قمة الدول المصدرة للنفط مثلت جزءا من المحاولات الروسية لتدارك الحالة الجيوبولتيكية الرخوة والمتدهورة، اذ كان من المتوقع ان تؤدي زيارته لمعالجة الشكوك والمخاوف الايرانية المتصاعدة بعيد التدخل الروسي في سوريا، والذي حولها الى اللاعب الرئيس في الملف السوري على حساب طهران، فالقادة العسكريون الايرانيون لم يخفوا انزعاجهم من اطلاق الصواريخ المجنحة من بحر قزوين منتهكا سيادتهم باتجاه سوريا، ولم يخفوا قلقهم من محاولة روسيا اعادة تشكيل جيش النظام السوري بما ينسجم وتوجهاتهم ومصالحهم المستقبلية.
الشكوك الايرانية لا تنفي حاجة طهران لروسيا لتعزيز قدراتها الدفاعية بالحصول على منظومة اس 300 او اصناف من التكنولوجيا العسكرية، فضلا عن توسيع التجارة التي بلغت العام الماضي مليارا ونصف المليار مع طموحات بأن تبلغ 37 مليارا خلال السنوات القادمة، وعروض روسية سخية بتوسيع مفاعل بوشهر وتطويره لتعزز بذلك من مكانتها الاقتصادية ونفوذها وقرض بقيمة خمسة مليارات دولار تقدمه موسكو لطهران، ويعزز مكانة روسيا بالنسبة لايران نفوذ موسكو في وسط اسيا التي تستورد منه ايران احتياجاتها من الغاز لتعادل بذلك صادراتها الى تركيا، فتفوقها على الاتراك لا ينفي اعتمادها على دول كـتركمانستان واذربيجان للحصول على الغاز.
في مقابل حاجة طهران لموسكو فإن حاجة موسكو لطهران لا تقل اهمية لتعزيز نفوذها في اسيا الوسطى بما فيها افغانستان، ومحاصرة النفوذ التركي الى جانب توسيع نفوذها في العالم العربي والعراق، فالبرلمان العراقي ممثل بلجنة الدفاع اكد في وثيقة نشرها مؤخرا الدعوة للاستعانة بموسكو لمحاربة تنظيم الدولة، فموسكو باتت تبحث عن كل الثغرات الممكنة لتعزيز نفوذها في المنطقة، فالصراع في سوريا والارتكاز على الاسد وداعش بات الثغرة الاوسع التي استخدمها الروس للتدخل في سوريا ولعروض التعاون السخية مع باريس بعد الهجمات الارهابية العنيفة التي تعرضت لها، الا انها في ذات الوقت تمثل فرصة مثالية للوصول الى حلول توافقية في ظل حالة انعدام اليقين والرخاوة في الواقع الجيوبوليتيكي الناشئ عن تفكك العراق وسوريا بشكل اساسي، ما يبقي ايران في حالة قلق وانعدام ثقة بالحليف الروسي المأزوم بفعل التدخل العسكري الاستعراضي.
2- المحور الامريكي العربي التركي :
الولايات المتحدة بدورها تفقد نفوذها وهيمنتها التي احتفظت بها طوال السبعين عاما الماضية ما يزيد من حالة اللايقين في المنطقة وتعقد المشهد الجيوبوليتيكي، فعلى الرغم من تدخل لندن الطارئ لمحاولة استدراك المشهد المتدهور بعرض قواعدها العسكرية في قبرص على باريس لقصف تنظيم الدولة، الا ان فوبيا الاسلام واليمين الاوروبي والهستيريا التي تعاني منها القارة الاوروبية اصبحت العنوان الذي يوجه السياسة الاوروبية المهتاجة والمرتبكة، ورغم اعلان باريس عن عدم وجود تعاون مع موسكو، الا ان موسكو ما زالت تعزز قدراتها العسكرية في شرق المتوسط بشكل لافت وصل الى حد اعلانهاعن نوايا لإنشاء قواعد عسكرية وبحرية في قبرص اليونانية بحجة حمايتها من داعش، وعلى الرغم من دعم واشنطن لجهود انقرة لتأسيس منطقة عازلة بين جرابلس واعزاز الا ان النتيجة النهائية ان امريكا تقف متفرجة على حلفائها وتتحرك باستحياء للرد على الاستعراض الروسي شرق المتوسط، فعينها لا زالت على الصين لا على المنطقة العربية ومستنقعها الكبير.
الامر الذي دفع امريكا الى محاولة استعادة ثقة الحلفاء من خلال تفعيل حلف الناتو واحتواء تداعيات اسقاط الطائرة الروسية من قبل الطائرات الحربية التركية لتدخل المنطقة في مزيد من العسكرة ومحاولات الاحتواء للتدخل الروسي في سوريا واحتواء ردود فعل حلفائها م ن العرب والاتراك المستائين من بظئ التحرك الامريكي وعدم فعاليته .
ففي ظل هذه التحولات المهمة فإن اللامبالاة الامريكية كفيلة بأن تدفع نحو المسارعة لتشكيل تحالفات وتكتلات جديدة لمواجهة الخلل الواضح في موازين القوة، فالانتظار والترقب يعني خسارة صافية لكل من تركيا والسعودية، فالمقاومة والممانعة الخجولة التي تبديها واشنطن للنفوذ الروسي في المنطقة العربية واوروبا لم تعد مقنعة للحلفاء العرب والاتراك، فالثقة الامريكية المفرطة بقدراتها العسكرية وتفوقها الاقتصادي لم تعد كافية لوقف تدهور مكانتها في المنطقة او التمرد على ارادتها، فأمريكا الغائبة الحاضرة عن الاقليم لم تمنع تركيا من مواجهة اختراقات الطيران الروسي لأجوائها غير مرة كان اخرها اسقاط طائرة السوخوي 24، او الاعلانات الاستفزازية عن انشاء قواعد روسية في قبرص اليونانية، فأمريكا الغائبة الحاضرة لا تساعد على رسم معالم سياسة قادرة على التكيف مع المتغيرات الخطيرة والحالة الجيوبوليتيكية السائبة التي صنعتها موسكو مؤخرا محولة الاقليم الى مستنقع كبير يهدد بغرق الجميع، وهو ما تسعى امريكا لتجنبه رغم مقدراتها الهائلة، فهل تدرك روسيا بمقدراتها المتواضعة بانها الخاسر الاكبر في لعبة الجيوبوليتيك الجديدة، خصوصا وان الولايات المتحدة الامريكية تسعى الى توظيف التدخل الروسي بما يخدم استراتيجيتها الكبرى في احتواء روسيا واضعافها اقتصاديا وسياسيا.
ثالثا : اسقاط الطائرة الروسية والية صنع القرار
اجتمع الرئيس فلاديمير بوتين بأعضاء مجلس الامن القومي الروسي الجمعة، خطوة متأخرة سبقها ردود انفعالية من الرئيس الروسي بقوله ان «إسقاط الطائرة الروسية طعنة في الظهر»، ليقطع الطريق امام وزير خارجيته لافروف الذي سارع بعد إطلاق بوتين لتصريحاته الى الإعلان عن إلغاء زيارته لأنقرة، فصناعة القرار الروسي خضعت للمزاج الفردي للرئيس بوتين، دون تقديم أي حسابات سياسية واقتصادية مسبقة لخطوات التصعيد وتداعياتها.
اجتماع بوتين مع مجلس الأمن القومي لم يساعد كثيرا في رسم معالم الرد الروسي على اسقاط الطائرة، والتي أخذت طابعا استعراضيا وتصعيديا مس حتى الجوانب الاقتصادية، فروسيا تسير في حقل ألغام على الصعيد الاقليمي والعالمي، واقتصادها في تراجع مستمر وشعورها بالعزلة يتفاقم يوما بعد يوم، فحجم الاستجابة الدولية لردود فعلها لم يرتق الى مستوى طموح موسكو؛ خصوصا بعد لقاء بوتين بالرئيس الفرنسي اولاند، اذ لم تفض المحادثات الى تشكيل تحالف جديد على المستوى الدولي او الاقليمي يخرج روسيا من عزلتها، كما لم يفض التصعيد الى عقد صفقات جديدة مع الولايات المتحدة بخصوص اوكرانيا وبولندا، ولعل ذلك سبب دفع بوتين اخيرا لإشراك القادة السياسيين والعسكرين لتدارس الازمة وتحمل المسؤولية، فردود الفعل الانفعالية الروسية لم تفض الى شيء.
الاهم من ذلك ان موسكو رغم الضجيج الاعلامي لم تنجح بإعادة إنتاج أزمة الصواريخ الكوبية، والتي أفضت الى سحب روسيا لصواريخها البالستية من كوبا مقابل سحب امريكا لصواريخها النووية المنصوبة على الاراضي التركية عام 1960، فبوتين ليس خورشوف، وصفقة مماثلة تبدو مستحيلة فأمريكا لا تفكر مطلقا بسحب منظومة الدرع الصاروخي التي نشرها الناتو وامريكا في اوروبا الشرقة وبولندا تحديدا، والفارق كبير بين ازمة الصواريخ الكوبية وازمة الطائرة الروسية.
الخطوات التقليدية التي اتبعتها روسيا بإرسال الطراد موسكو ومنظومة اس 400، صنفت باعتبارها ردا تقليديا موجها بشكل اساسي لتركيا، مستبعدا الولايات المتحدة وفرنسا وبريطانيا وغيرها من قوى التحالف الدولي من دائرة الاستهداف، لتبقى الخطوة الروسية محدودة التأثير والفاعلية، فهي خطوة غير مدروسة وانفعالية لم يستشر فيها احد من القادة الروس على الارجح.
فرغ الخطوة الروسية من مضمونها العسكري؛ شخصنة الازمة مع الرئيس التركي اردوغان، كما فرغها من مضمونها السياسي رفض القوى الغربية التعاون مع موسكو او تشكيل تحالف دولي جديد لمكافحة الارهاب يخرج روسيا من عزلتها؛ فالتصعيد اللفظي والدبلوماسي والاقتصادي ضد تركيا لم ينجح في جذب اهتمام الناتو او الولايات المتحدة لعقد صفقات جديدة في اوكرانيا ليسجل فشل اخر للسياسة الروسية كما لم ينجح في ارهاب تركيا.
هاجس اوراسيا لازال يتحكم في العقل الاستراتيجي الروسي، ومحاولة عقد صفقات على حساب المنطقة لصالح روسيا في اوكرانيا وبولندا ولاتافيا واستونيا ومولدافيا ولتوانيا لازالت تفتح شهية الروس، شهية لم تكتمل نتيجة التجاهل الامريكي، في المقابل فان الساحة السورية تتحول شيئا فشيئا الى ارض جديدة تستنزف فيها روسيا وتكسب فيه مزيدا من الاعداء وتتكبد مزيدا من الخسائر.
أزمة روسيا لا تتوقف عند حدود اوراسيا فتراجع اسعار النفط، وتراجع مستوى النمو لدى العملاق الصيني والهندي انعكس على صادرات روسيا النفطية للبلدين مضيفا اعباء جديدة للاقتصاد الروسي ومهددا المشاريع المشتركة الطموحة مع البلدين، الامر الذي لا تستطيع روسيا معالجته بنشر مزيد من القوات العسكرية او استعراض قوتها النووية، وتفاقم ازمتها العزلة السياسية التي تعاني منها والتي لم تشهد لها مثيلا منذ الحرب الباردة، فـبولندا واستونيا ولاتفيا ومولدافيا واوكرانيا ترى في روسيا تهديدا لسيادتها ووجودها ما دفع هذه الدول الى البحث عن بدائل للنفط والغاز الروسي.
الدول المستقلة حديثا في اوروبا الشرقية وبحر البلطيق لم تخف تعاطفها مع تركيا فور اسقاط الطائرة العسكرية الروسية، اذ اعلنت اوكرانيا مباشرة اغلاق اجوائها امام الطائرات الروسية، واوقفت استيرادها للغاز الروسي بشكل كامل، فالخطوة الروسية تجاه تركيا عززت المخاوف لدى دول البلطيق واوروبا الشرقية، كما ان تجاوز القنوات الدبلوماسية وفر البيئة المناسبة لزيادة عزلة روسيا، وفاقم الازمة امكانية قطع العلاقة الاقتصادية التركية الروسية لتتحول روسيا الى منتج بدون زبائن.
روسيا تعاقب نفسها من خلال ردود فعلها الانفعالية، وصناعة القرار فيها تعاني من حالة عصابية تزيدها غرقا في الازمات وتكسبها المزيد من الاعداء، وتدفع المزيد من الدول والشعوب الى النفور من سياستها؛ سواء الاقتصادية او السياسية او الامنية والعسكرية، ويعزز هذا التوجه ان الاستفزازات الروسية ليست امرا جديدا، اذ سبقها استفزازات مماثلة لبريطانيا عندما اقتربت القاذفات الاستراتيجية والغواصات الروسية مياهها واجوائها، ذات السلوك تكرر مع كندا وفنلندا لدرجة ان وزير الدفاع الفنلندي اصدر اوامره في وقت سابق من هذا الشهر بإغراق اي غواصة روسية تدخل المياه الاقليمية الفنلندية.
ازمة روسيا ليست مع تركيا؛ هي أزمة مركبة، بدءا من نظام الحكم الفردي والبنية الاقتصادية الهشة، وليس اخيرا فشلها في بناء علاقات ايجابية مع العديد من دول أوروبا الشرقية، واخيرا وليس آخرا المأزق السوري الذي لم يعد يملك افقا حقيقيا للحل في المدى القصير، ما يعني مزيدا من الاستنزاف والتورط الروسي ومزيدا من الساحات التي تغرق فيها روسيا، والسؤال المطروح الى أي مدى ستذهب روسيا والى اي حد ستنعكس ازمتها على وحدة القيادة الروسية وعلى الشعب الروسي المنهك؟.
السيناريوهات ت المحتملة للتحالفات والتوصيات
هذا المقال يعبر عن رأي كاتبه ولا يعبر بالضرورة عن رأي مجموعة التفكير الاستراتيجي