كيف يفكر المسلمون
في القرن الحادي والعشرين؟
بيانات الكتاب:
عنوان الكتاب: كيف يفكر المسلمون في القرن الحادي والعشرين؟
المؤلف: د. عبدالكريم بكار.
الناشر: دار وجوه للنشر والتوزيع، السعودية، الرياض.
عدد صفحات الكتاب: 120 من القطع الكبير.
الطبعة وسنة النشر: الأولى 1437هـ.
عرض: محمود المنير
في هذا الكتاب:
يقدم المؤلف د. عبدالكريم بكار رؤيته لبعض الموضوعات والقضايا التي أراد أن يلفت لها عناية القادة والمثقفين المسلمين على نحو خاص، وجماهير الأمة على نحو عام، ولم يتطرق في كتابه - كما نبه - إلى مبادئ التفكير وطرقه وآلياته؛ فهذه الموضوعات أقرب إلى الوسائل والتفاصيل الفنية.
وركز المؤلف في كتابه على أربعة محاور رئيسة، هي:
1- العقل والعقلية.
2- قيم أساسية.
3- الأمة والمجتمع.
4- أبعاد نهضوية.
وأصل الكتاب - كما يقول مؤلفه - كان محاضرة ألقاها في جامعة طيبة في المدنية المنورة عام 1437هـ، ثم زاد على ذلك الأصل على مستوى الموضوعات والتفاصيل ما هو ملائم للنشر الجديد.
تجديد العقل:
تحت هذه الفكرة المحورية التي افتتح به المؤلف كتابه يقول: المطلوب منا جميعاً أن نطور ثقافتنا لتتواءم فيها الأصول والثوابت مع الأفكار الإبداعية الجديدة، كما أن المطلوب كذلك أن نتفحص العقلية السائدة لدينا من أجل تنقيتها من المفاهيم والانطباعات والخرائط الذهنية البالية والجامدة، حيث إن الشعب الذي لا يفهم زمانه بفرصه وتحدياته يكون مرشحاً لتحمل شروره وسلبياته.
وقدم المؤلف خمسة مفاتيح أو منطلقات لتجديد العقول، وهي:
1- التعلم مدى الحياة: وذلك لأن النظرة الإسلامية تجعل للتعليم بعداً دينياً؛ حيث إن أهل العلم يقررون أن طلب العلم النافع هو من أعظم ما يتقرب به إلى الله تعالى بعد الفرائض، وقد كان إمام مثل أحمد بن حنبل يترك صلاة النافلة حين يلتقي بشيخه المحدث أبي زرعة وذلك لأن التنفل متاح في كل وقت، لكن اللقاء بالشيوخ لا يكون متاحاً دائماً.
ويرى المؤلف أننا نحتاج إلى الاستمرار في التعلم لأهداف غير اقتصادية؛ حيث إن الاستمرار في اكتساب المعرفة يعزز من ثقة الشخص بنفسه، ويمنحه نوعاً من الشعور بالتفوق على غيره، كما أن التكيف مع الحياة الاجتماعية الجديدة وما تتطلبه من لطف وتجمل وفهم لمشاعر الآخرين؛ يجعل المرء محتاجاً إلى التعلم الدائم، وبناء على كل هذا فإن حجم انتشار التعلم مدى الحياة صار واحداً من المؤشرات الدالة على تقدم المجتمع وتخلفه.
2- مدافعة أم مؤامرة: يؤكد المؤلف أن عالم العلاقات هو عالم التعقيد والغموض والحدس، ولهذا فالأخطاء في فهمه دائماً حاضرة، ولو تأملنا في حديث معظم المسلمين عن النكبات التي تحل بهم لوجدنا أنهم يشيرون في غالب الأحيان بأصابع الاتهام إلى المؤامرة الكونية التي تحاك بهم، ويبدو أن هذا التفسير راسخ في النفس البشرية، ويتم استخدامه بوصفه أداة للدفاع عن الذات، وبوصفه مخرجاً للهروب من المسؤولية الشخصية والتحلل من الالتزامات الأخلاقية الواضحة تجاه كثير من الأحداث.
ويشير إلى أن كثيراً مما يسمى تآمراً دولياً، هو من أعمال الساسة في الدول المتقدمة، ونحن نعرف أن الخداع والمكر والتقية والمواربة معانٍ أصيلة في أقوال معظم الساسة وتحركاتهم، ولهذا فإن من الطبيعي أن يتحدثوا على المنابر الدولية بشيء ويفعلوا على الأرض شيئاً آخر، وعلينا أن نسأل أنفسنا هنا: لماذا نستغرب من اعتداءاتهم وكل الشعوب تطلب من حكوماتهم خدمة مصالحها بالطريقة التي تراها؟! مؤكداً أن المدافعة أو التدافع الحضاري سُنة من سنن الله تعالى في هذا الوجود، فما دام أهل الخير يعلمون على شاكلتهم، وما دام الأشرار يعلمون أيضاً على شاكلتهم فلا مناص إذن من التصادم والتدافع.
والأمم العظيمة حين تشتد عليها الضغوط من الخارج تلجأ إلى الداخل بالتحصين والإصلاح، وهذا هو الذي نحتاجه مهما كانت تسميتنا لما يقوم به الآخرون تجاهنا.
3- النظر من زوايا مختلفة: فالنظرة الجزئية لا تفوت بعض المصالح فحسب، لكنها قد تدمر المنجز الإنساني بالكامل، وقد تشوّه كل الملامح الجميلة للشخصية، وهذا مشاهد اليوم لدى بعض المجتمعات الغربية والإسلامية للأسف الشديد، ولذا علينا من أجل التمكن من النظر من كل الزوايا أن نطرح الكثير من الأسئلة التي تساعدنا على تنمية وعينا بتعقيدات المشهد الحضاري والإصلاحي خاصة.
4- من العقل الممتلئ إلى العقل المنفتح: ذلك لأن العقل الخاوي من المعرفة والعقل المتخم بالمعرفة لكنه مغلق، ومعزول عن الواقع، كلاهما ليس مطلوباً لزماننا، ولا ينفعنا في معالجة أزماتنا، والعقل الخاوي من المعرفة يعجز عن الإبداع، ويعجز عن العمل بطريقة صحيحة، والعقل المغلق عقل تقليدي جامد مرتبط بمعارف قديمة، بعضها ما زال يحتفظ بصلاحيته، وبعضها اعتراه التقادم والنسخ، فتحول إلى عبء على العقل أو عائق عن التفكير الصحيح!
5- الأصدقاء النوعيون: يقرر المؤلف أن أفضل صديق هو الكتاب؛ لأن غالبية من يؤلفون الكتب يمثلون خير ما في زمانهم على المستوى الروحي والخلقي والثقافي والعقلي، وينقلونه للأجيال القادمة، ومن ثم فالكتاب صديق نوعي، والإسلام في حركته الإصلاحية الكبرى يراهن على شيئين؛ الوعي والضمير، في حين أن الطغاة والمجرمين يراهنون على الجهل والغفلة وضعف الخبرة وفساد الضمائر، ولما كانت القراءة من أهم مصادر تكوين الوعي والحاسة الأخلاقية ومن أهم عوامل البناء لفضائنا الروحي، فإنه يكفي الشغوفين بالقراءة وأصدقاء الكتاب فخراً أن يكونوا معقد الآمال المصلحين، وقد افتتحت أعمال النبوة لدى نبينا صلى الله عليه وسلم بتوجيه الرب عز وجل له بقوله: «اقرأ»!
6- جيل مبدع: يلفت المؤلف الانتباه إلى أن عصرنا هو عصر الذكاء والقيادة والإبداع من غير ريب، وطريق الإبداع مفتوح أمام معظم البشر، ولكنه طريق وعر وطويل، لكن عواقب السير فيه عظيمة وممتعة، والإبداع لدى كل الأمم يعد واحداً من أهم رهانات التقدم في القرن الحادي والعشرين، ويجب علينا كسب هذا الرهان.
قيم أساسية:
في الفصل الثاني من الكتاب تحدث المؤلف عن أهم وأبرز القيم التي تقوم عليها مجتمعات النهضة باعتبارها البساط الفكري والشعوري الذي يتسع لجميع أبناء المجتمع، فقيم مثل الحرية والمساواة والكرامة والشجاعة والوفاء تشكل مرتكزات أساسية للتفاهم والتعايش الإنساني، وإذا تصورنا مجتمعاً خالياً من هذه الفضائل فإننا نتصور غابة تسكنها الوحوش.
ومن أبرز القيم التي تناولها المؤلف في منظومة القيم الواجب ترسيخها في المجتمع قيمة العدل، وهو إعطاء كل ذي حق حقه، ولكن المشكلة الدائمة تكمن في تحديد ذلك الحق وتحديد مستحقيه كما يقول المؤلف.
وحول كيفية ترسيخ هذه الفضيلة، يرى المؤلف أنه إذا كان هناك شيء على مسلمي القرن الحادي والعشرين التفكير فيه على صعيد هذه القيمة العظيمة، فلن يكون سوى التفكير في المبادرات والإجراءات والنظم والآليات والأدوات التي تجعل حياتهم أكثر عدلاً وإنصافاً.
ومن تلك الوسائل ما يلي:
1- الإحسان: إن الأساس الذي تقوم عليه الحضارات ليس الإحسان، وإنما العدل، أما الإحسان وكل أعمال الخير فإنها تتويج للعدل.
2- محاربة الفساد: فلا بد من بذل الكثير من الجهود الرسمية والشعبية من أجل مطاردة الفساد وحصره في أضيق الزوايا.
3- حرية التعبير وإتاحة مساحات واسعة للنقد والنقد الذاتي تساعد على تحقيق العدل، إذ إن خوف المظلومين من فضح الظالمين وخوفهم من المطالبة بحقهم هو الذي يؤدي إلى شيوع الظلم والعدوان.
4- نزاهة القضاء واختيار أفضل الرجال وأصلحهم وأنشطهم؛ مما يساعد على نصب موازين العدل، وإن تحصين القضاء وضمان استقلاله شرط جوهري للقيام بدوره المنشود.
5- يجب أن يصبح العمل الأساس للقيمة الاجتماعية؛ أي أن يحترم الإنسان على مقدار اجتهاده وكسبه وإنجازه وعطائه بعيداً عن اعتبارات الجاه والنسب والمال.
6- ترسيخ مبدأ «تكافؤ الفرص» على صعيد الخدمات الأساسية، وعلى صعيد الوظائف والترقي الاجتماعي.
7- كسر حدة القلق والتناحر الاجتماعي الناشئة عن التباين الحاد في الأجور، من خلال التقريب بين الحد الأعلى والحد الأدنى للأجور، ومن خلال العناية بالعناصر الضعيفة في المجتمع.
8- التخلص من الأمية على نحو نهائي، والارتقاء بالتعليم؛ لأن المستوى الرفيع من التعليم يعرف الناس على حقوقهم، ويدلهم على طرق الحفاظ عليها والنضال من أجل استرجاعها.
الأمة والمجتمع:
في الفصل الثالث ينطلق د. عبدالكريم بكار من حقيقة توصل إليها، تقول: «إن معظم مسراتنا تنبع من علاقتنا الاجتماعية التي تحيط بنا، كما أن معظم الأخطار التي تحيط بنا مصدرها بغي الإنسان واعتداؤه على أخيه الإنسان».
وعليه؛ فإن المسلمين في القرن الحادي والعشرين مطالبون بالتفكير والعمل على جعل مجتمعاتهم أكثر أمناً واستقراراً وأكثر جاذبية للعيش فيها، وهذا يحتاج إلى الكثير من العمل الدؤوب المصحوب برؤية راشدة لحاجات الناس في هذا الزمان.
ونحن من وجه آخر مطالبون بالتفكير في تعزيز انتماء الإنسان المسلم إلى أمته الكبرى، وهذا في الحقيقة مطلب شرعي قبل أن يكون مصدر منعة وقوة وشعور بالاعتزاز، وهذا كله مطلوب في زمان الدولة القُطرية الذي تتعرض فيه المجتمعات للمزيد من التفكك والضعف.
أبعاد نهضوية:
في الفصل الرابع والأخير من هذا الكتاب يقدم المؤلف رؤيته للنهضة، معتبراً أن الحديث عنها ذو أشواق متقدة منذ بدايات القرن التاسع عشر، والحديث عنها هو حديث عن الارتقاء الإسلامي، وحديث عن نوع من الصراع بين الفكرة الإسلامية والفكرة الغربية، ونوع من الصراع داخل التيار الإسلامي نفسه، حيث إن هناك المجددين والأكثر انفتاحاً، كما إن هناك المقلدين والمحافظين والخائفين من عواقب الانفلات الحضاري إذا ما أصبحت خطانا أوسع وأسرع من اللازم.
وطرح المؤلف جملة من الأبعاد النهضوية التي يجب على المسلمين في القرن الحادي والعشرين النظر والتدبر فيها عند بناء نهضة الأمة مجدداً، ومنها:
1- الحلم الوطني باعتباره أيقونة التغيير والنهوض، وهو الطريق إلى المستقبل وعنوانه، ومن خلال تحقيق الحلم الوطني نتعلم وننضج، ونكبر، ونؤهل أنفسنا لبلوغ حلم أكبر.
2- تغيير بالأدوات الناعمة: فالتغيير سُنة من سنن الله تعالى في الخلق، والفلسفة الإسلامية في الإصلاح تقوم على الرهان على ما لدى الإنسان المسلم من وعي ومن رادع داخلي، ولهذا فإن توعية الناس وتربية حاسة الردع الذاتي لديهم (الضمير) من أهم ما يجب التعويل عليه في الارتقاء بالمجتمع المسلم.
ويرى المؤلف أن الأدوات الناعمة هي التربية والدعوة والإعلام والتعليم والحوار والنموذج الآسر الملهم، ويقول: إن هناك حقيقة مهمة؛ وهي أن الأمم لا تنتقل من وضعية إلى وضعية من خلال الأفكار، وإنما من خلال النماذج، وإن المجتمعات مستعدة للتغيير والارتقاء، لكنها تحتاج دائماً إلى من يمضي أمامها ليعبِّد لها طريق التقدم.
3 – عصر القيادة والنظم الجديدة: ويشير إلى أن علينا ألا نمل من ترديد القول: إن عصرنا هذا هو عصر الإبداع والقيادة والنظم الذكية، وهو أيضاً عصر التنافس على كل شيء، وعصر السعي الحثيث إلى تحقيق الجودة، ومن الواضح أن الدول الأكثر تقدماً والأكثر تحكماً بالعالم هي التي سبقت إلى إدراك هذه المعاني والقيم، ومن ثم فإنها عرفت كيف تنميها وتستثمرها من أجل المزيد من السيطرة العالمية والمزيد من التقدم الحضاري.>