نافذة على الأحداث العدد (3)
12 ديسمبر 2005م
مساحة نخصصها لقراءة بعض الأحداث المهمة بشكل غير دوري. هذه النافذة نخصصها لاتفاقية سلام الجزائر الموقعة في 12/12/2000م بين إرتريا وإثيوبيا، وبمناسبة مرور خمسة أعوام على توقيع الاتفاقية، وصدور قرار مجلس الأمن الدولي رقم (1640) في 23 نوفمبر 2005م.
اتفاق الجزائر للسلام بين إرتريا وإثيوبيا من التسويف إلى التطبيق
توضيح :-
هذه الورقة أعدت ونشرت بتاريخ 12/ديسمبر/2005م أي قبل اثني عشر عاما وذلك بمناسبة التصعيد والتوتر الذي كاد أن يؤدى بالطرفين إلى حرب حدودية أخرى، واليوم بعد مرور أكثر من سبعة عشر عاما قبل الطرفان بتنفيذ ذلك الاتفاق، وكان عنوان هذه الورقة عند النشر، اتفاق الجرائر للسلام بين التطبيق والتسويف، رأينا أن نحور قليلا في العنوان ليعبر عن مضمون الورقة الأساس ليكون العنوان كما هو في صدر الورقة (اتفاق الجزائر للسلام بين إرتريا وأثيوبيا من التسويف إلى التطبيق).
كان الطرفان قد قبلا بالاتفاق إلا أن كل منهما وقف حجر عثرة أمام تنفيذ الاتفاق خاصة أثيوبيا التي رفضت تطبيق الاتفاق والانسحاب من الأراضي الارترية التي كانت تحتلها وأخذت تماطل وتسوف المجتمع الدولي، واليوم بعد مرور سبعة عشر عاما على الاتفاق ها هي أثيوبيا تقبل بتنفيذ الاتفاق بعد المبادرة التي تقدم بها رئيس الوزراء الأثيوبي الجديد آبي أحمد علي، في خطاب تسلم مهامه حين أعرب عن رغبته في حل الخلاف بين بلاده وإرتريا فبادرت الولايات المتحدة الأمريكية في تحريك مساعيها للتوسط بين الطرفين فاشترطت إرتريا شرطين:
- انسحاب أثيوبيا من الأراضي الارترية.
- رفع العقوبات المفروضة عليها.
فقبلت أثيوبيا بالانسحاب وإعادة تفعيل لجنة الحدود لتبدأ مرحلة جديدة في علاقة البلدين ولتشهد منطقة القرن الافريقي تحولات جذرية في الاستقطاب والصراع والتنافس الإقليمي والدولي بدخول أثيوبيا كطرف فاعل في الإقليم لاسيما وأنها اتخذت قرار إعادة بناء اسطولها البحري وهي دولة حبيسة مما يعني أنها تريد الدخول بقوة في التنافس الذي تشهده حاليا منطقة القرن الافريقي لاسيما تراجع دورها في محاربة الإرهاب بعد تفكيك الولايات المتحدة الامريكية لقاعدتها الجوية في (أربا منط) في جنوب أثيوبيا والاعتماد على قاعدة جيبوتي.
المقدمة:
كثيراً ما تشهد الدول خاصة الإفريقية منها نزاعاً حدودياً، والنزاع الإرتري - الإثيوبي لا يختلف كثيراً عن بقية النزاعات الحدودية التي تحدث من وقت لآخر على نطاق العالم، سوى أنه تميز بكونه تحول من نزاع حدودي حول منطقة بعينها إلى صراع شمولي دار على طول الحدود الممتدة لـ (1000) كلم بين البلدين، وخلف آثاراً إنسانية واقتصادية وسياسية عميقة على مستوى البلدين.
الأزمة والأسباب:
العلاقات بين البلدين بعد الاستقلال إلى ما قبل أشهر قليلة من بداية تفجر النزاع كانت أكثر من جيدة، ولذا كان إندلاع الحرب بينهما دون مقدمات كافية مفاجأة للجميع، ولكن وبعد أن يصبح الحدث واقعاً لابد من البحث عن الأسباب والمبررات، وفي هذا الإطار يمكن تلخيص أهم أسباب النزاع في الآتي:-
- وجود خلاف ونزاع قديم حول (بادمي) منذ فترة الكفاح المسلح حيث نشب خلاف بين جبهة التحرير الإرترية، والجبهة الشعبية لتحرير تقراي، إلا أنه أجل بإتفاق الطرفين إلى ما بعد الاستقلال وتجاهلت الجبهة الشعبية لتحرير إرتريا إثارة هذا الأمر بعد الاستقلال إلى حين بروز الخلاف الحالي.
- وجود نذر حرب اقتصادية بين البلدين قبيل إندلاع الحرب، متعلقة باستخدام ميناء عصب وإعادة تصدير الجبهة الشعبية لبعض المنتجات الإثيوبية، والعملة الإرترية (النقفة) والتعامل بها.
- طبيعة النظام الإرتري الدكتاتوري، نظام الحزب الواحد الذي يسيطر عليه الفرد الأوحد (أفورقي) وغرور وزهو السلطة الإرترية.
هذه هي جملة أهم الأسباب التي نعتقد أنها وراء تفجر الأزمة وهي أسباب حدودية واقتصادية وسياسية، مع الاحتفاظ بالحق في براعة الاختراع في معرفة الأسباب الحقيقية للنزاع لكل من أفورقي و زيناوي.
أما الأزمة:
تمثلت في قيام حرب ضروس انطلقت رصاصتها الأولى في 6 مايو 1998م حول مثلث صخري تبلغ مساحته نحو (400) كلم 2 جنوب غرب إرتريا يسمى (بادمي) واشتد أوارها منذ 12 مايو 1998م في ثلاثة جولات متتالية
- بدأت الأولى في 6 مايو 1998م
- الثانية في 6 فبراير 1999م
- الثالثة في الـ 12 من مايو 2000م
حيث شمل القتال جميع الجبهات الشرقية (بوري) والغربية ( بادمي) و الوسطى ( زالمبسا - طرونا) واستخدمت فيها جميع الآليات والمعدات والطائرات والدبابات والصواريخ ( ).
ولعل أصدق وصف لهذه الحرب ما قاله أحد الكتاب (إيلوس) (ككشط عود كبريت في حشائش متراكمة). فظل العقل غائباً وجنون الحرب مستحكماً على الطرفين حتى 12 يونيو 2000م حيث أعلنت إرتريا موافقتها على خطة السلام التي اقترحتها منظمة الوحدة الإفريقية، وذلك بعد أن خسرت إرتريا ميدان الحرب واستردت إثيوبيا كل الأراضي التي كانت تحت سلطتها حتى 6 مايو 1998م والتي تدعي السيادة عليها، ثم وافقت إثيوبيا كذلك على خطة السلام الإفريقية في 14 يونيو 2000م، وهكذا بدأ العقل يعود وبدأ مشوار محاولات شراء السلام الغالي الذي لم ترسوا سفينته إلى شاطئ بعد.
النتائج:
ستة وعشرون شهراً حرب بلا مضمون ولا وجه، تبديد لموارد بشرية ومادية، قدرت خسائر الأرواح فيها من الطرفين بأكثر من سبعين ألف جندي، حوالي (3000) أسير حرب لدى الطرفين، مئات الآلاف من اللاجئين والنازحين والمشردين، عشرات الآلاف من الجرحى والمعوقين، إنفاق حوالي (6) مليار دولار أمريكي، هذا فضلاً عن التدمير الذي حدث للبنية التحتية، وتعطيل التنمية في كل المرافق والقطاعات، ثم ماذا بعد الإفاقة سوى الضرب بالكف على الكف حسرة وندامة!!! () .
ما أنجز من الاتفاق:
الجهود الدولية التي بذلت خاصة من الأمم المتحدة ومنظمة الوحدة الإفريقية (الإتحاد الإفريقي) حالياً بالإضافة إلى جهود الولايات المتحدة الامريكية والإتحاد الأوروبي، كانت كبيرة ومقدرة سواء في مرحلة الحرب أو الإتفاق وربما كان من الصعب إيقاف الحرب من غير وجود الجهود الدولية، أو الوصول فيها إلى إتفاق سلام وإن جاء متأخراً وبعد أن دفع الطرفان الثمن غالياً، ويمكن تلخيص ما أنجز من الاتفاق في الآتي:
- نجحت بعثة الأمم المتحدة في إرتريا وإثيوبيا في إنشاء المنطقة الأمنية المؤقتة، ومراقبة الحدود والتحكم فيها إلا من بعض التجاوزات الأمنية التي تحدث من وقت لآخر كمصادمات الأهالي واختطاف الأشخاص وسرقة المواشي.
- نجحت اللجنة الخاصة بتعيين الحدود و ترسيمها والتي تكونت بموجب المادة (4) من إتفاق الجزائر 12/12/2000م من تحديد وتعيين الحدود في كل المناطق المتنازع عليها (الشرقية والغربية و الوسطى) وأعلنت نتيجتها في 13 ابريل 2002م ولم يبق لها إلا الترسيم للحدود في الأرض.
- تحقق نجاح كبير في مجال إعادة الأسرى المدنيين والعسكريين عملاً بإتفاقيات جنيف وإتفاقية الجزائر للسلام، وذلك برعاية لجنة الصليب الأحمر الدولية، حيث تم منذ بداية الصراع في عام 1998م - 30 ديسمبر 2002م تسليم إثيوبيا ما لا يقل عن (6022) أسير حرب ومحتجز مدني، وبالمقابل تم تسليم إرتريا عدد (3153) أسير حرب ومحتجز مدني ( ).
- بذل جهد مقدر في مجال إزالة الألغام الأرضية والذخائر غير المنفجرة في المنطقة الأمنية المؤقتة والمناطق المجاورة لها والتوعية بمخاطر الألغام والتي لا تزال تشكل تهديداً كبيراً لسكان البلدين حول المنطقة الأمنية المؤقتة، وأفراد بعثة الأمم المتحدة.
عوائق تنفيذ اتفاق السلام:
توقف القتال بين إرتريا وإثيوبيا ابتداءً من 18 يونيو 2000م عقب توقيع وزيري خارجية البلدين إتفاقية الجزائر الأولى (وقف الأعمال العدائية) ثم توقيع إتفاقية الجزائر الثانية في 12 ديسمبر 2000م بين رئيسي البلدين وبضمان من منظمة الوحدة الإفريقية والأمم المتحدة، وفور دخول الإتفاقية حيز النفاذ إختار كل بلد محاميه ومستشاريه وبدأت لجنة تعيين الحدود وترسيمها تباشر عملها وتقدم كل طرف إلى اللجنة بالأدلة والخرائط التي تؤيد موقفه وبعد رحلة مضنية من العمل والفحص والتدقيق أصدرت اللجنة في 13 إبريل 2002م حكمها ونشرته للرأي العام في الإنترنت وفور صدور القرار رحب به الطرفان الإرتري والإثيوبي وأعلنا قبولهما المطلق بنتائج التحكيم، ولكن بعد أشهر قليلة تغيرت المواقف مما أدخل الإتفاق غرفة الإنعاش حتى اليوم رغم مرور خمس سنوات على التوقيع وأكثر من عامين على قرار ترسيم الحدود.
أولاً: عوائق من الطرف الإرتري:
قامت إرتريا في الفترة منذ توقيع الإتفاق وحتى الآن بعدد من الإجراءات والأعمال وإتخذت بعض القرارات فيما يتعلق بالتعامل مع بعثة قوات حفظ السلام الدولية، والتي اعتبرتها المنظمة الدولية تعويق لاتفاق السلام أو تقصير في التعامل مع بعثة حفظ السلام الدولية بالشكل المطلوب، وبالجملة فإن أهم العوائق المأخوذة على إرتريا هي:-
- إصدار إرتريا قرار في 31/8/2002م يقضي بتجريد المنظمات الدولية غير الحكومية من أي مسؤولية عن إزالة الألغام لأغراض إنسانية وذلك بحجة أن إرتريا أعلنت في 8/7/2002م إنشاء الوكالة الارترية لإزالة الألغام.
- إغلاق طريق بارنتو كرن أسمرا، أمام حركة قوات بعثة حفظ السلام مما أعتبر تقييداً لحركة تنقل أفراد البعثة الدولية ونوع من عدم التعاون مع البعثة الدولية لأداء مهامها بالشكل المطلوب، هذا بجانب فرض قيود على الشرطة العسكرية التابعة للبعثة داخل مدينة اسمرا.
- اعتقال لعدد سبعة من موظفي الأمم المتحدة في إرتريا على الرغم من وجود معاهدات دولية تكفل سلامة وامن موظفي الأمم المتحدة.
- رفض البدء في عملية ترسيم الحدود في القطاع الشرقي باعتباره قطاع لا خلاف فيه من الطرفين وربط الموافقة في ذلك بتأكيد موافقة أثوبيا على ترسيم الحدود في القطاعين الأوسط والغربي.
- رفض إرتريا مقابلة المبعوث الخاص للامين العام وزير الخارجية الكندي السابق السيد/ لويد أكسورثي في 30 يناير 2004م.
- فرض الحظر الجوي على تحليق طائرات بعثة الأمم المتحدة العمودية منذ 5/10/2005م دون إبداء أي مبررات لاتخاذ القرار، وطالب إرتريا كل من الأمين العام للأمم المتحدة، ومجلس الأمن الدولي بالتراجع عن القرار، إلا أن إرتريا لا تزال تصر على موقفها الرافض للرجوع عن القرار.
- في خطوة أكثر تعقيداً أصدرت الحكومة الإرترية في 6 ديسمبر 2005م قراراً بطرد أعضاء من بعثة الأمم المتحدة ممن يحملون الجنسيات (الأمريكية والكندية والأوربية والروسية) ومغادرة البلاد خلال عشرة أيام، ورغم مناشدات الأمين العام للأمم المتحدة ومجلس الأمن في بيانه الصادر في 7 ديسمبر 2005م الذي اعتبر القرار (خطوة غير مقبولة)، ظلت إرتريا في موقفها الرافض بالرجوع عن القرار، وأكدت قيادة قوات حفظ السلام الدولية أن القرار يشمل مائة وثمانين موظفاً من العسكريين والمدنيين والمتطوعين، ويبدوا أن إرتريا تملكها اليأس وفقدت الأمل في إصدار مجلس الأمن قراراً في صالحها وتريد أن تقفز ولو في الظلام.
وبالنظر إلى مجمل العوائق الصادرة من إرتريا نجد أخطرها وأكثرها مخالفة لاتفاق الجزائر هو قرار فرض الحظر الجوي وما تبعه من قرار الطرد لبعض أفراد بعثة حفظ السلام الدولية, ويمكن إدراج معظم المخالفات والعوائق الأخرى تحت عامل الهاجس الأمني الذي يتملك السلطة الارترية, بسبب عدم استقرار وضعها السياسي والأمني خاصة منذ عام 2001م.
ثانيا: عوائق من الجانب الإثيوبي:
قامت إثيوبيا بجملة من الأعمال وأصدرت عدداً من القرارات التي أعتبرت في خانة الرفض أو التسويف والتعويق لتنفيذ اتفاق سلام الجزائر والتي من أهمها الآتي:
توطين مواطنين إثيوبيين في قرية (دمبي منقول) التي تقع على الجانب الارتري من الحدود التي أقرتها اللجنة، وبناءا على هذا تقدمت إرتريا في 17/7/2005م بشكوى للجنة الحدود وأصدرت اللجنة أمرا يقضي بقيام إثيوبيا بسحب مواطنيها من تلك القرية، وفي 14/8/2002م طلب مجلس الأمن من الطرفين
في قراره 1430 الامتناع عن القيام من جانب واحد بنقل القوات أو السكان بما في ذلك إنشاء مستوطنات جديدة في المناطق المتاخمة للحدود إلى أن يتم إنجاز ترسيم الحدود والنقل المنظم للسيطرة على الأرض ولم تمتثل إثيوبيا لأمر اللجنة وفي 7 نوفمبر 2002م قررت اللجنة رسميا بأن إثيوبيا لم تمتثل لالتزاماتها وأبلغت مجلس الأمن بذلك ( ).
وجهت إثيوبيا إلى الأمين العام رسالة في 19/9/2003م وصفت فيها قرارات لجنة الترسيم بأنها (قرارات تفتقر تماماً إلى الشرعية والعدل وروح المسؤولية التي اتخذتها اللجنة بشأن بادمي وأجزاء من القطاع الأوسط) ثم تقدمت إثيوبيا باقتراح يقضي بإنشاء آلية بديلة لترسيم الأجزاء المتنازع عليها من الحدود، وأثار هذا القرار آثاراً واسعة وغاضبة في أوساط مجلس الأمن ولجنة الترسيم وإرتريا والعالم.
طالبت إرتريا في أول رد فعل لها على هذا القرار المجتمع الدولي بالضغط على إثيوبيا للقبول بالقرار الملزم والنهائي للطرفين، واعتبرت إرتريا القرار تراجع كامل عن اتفاق سلام الجزائر وانتهاك صريح للقانون الدولي ( )
ورد مجلس الأمن الدولي على رسالة رئيس الوزراء الإثيوبي في أول أكتوبر 2003م قال فيها:
- يعرب مجلس الأمن عن أسفه الشديد لعدم قبول إثيوبيا لقرار ترسيم وتعيين الحدود الصادر من لجنة ترسيم الحدود.
- أكد المجلس بأن قرار مفوضية الحدود أتخذ وفق الإطار القانوني الذي حدد بموجب اتفاقيتي الجزائر.
- التأكيد بأن قرار مفوضية ترسيم الحدود نهائي وملزم.
- إن عملية استمرار تأجيل تعيين الحدود يتنافى مع نص وروح اتفاقيتي الجزائر (اتفاقية وقف الأعمال العدائية 18/6/2000م, واتفاقية السلام الشامل 12/12/2000م).
ونلاحظ هنا أن مجلس الأمن الدولي تعامل مع الموضوع بالسرعة اللازمة حيث رد على إثيوبيا في اقل من أسبوعين وجاء الرد مؤكدا على أن قرار لجنة الترسيم نهائي وملزم للطرفين, وصادر وفق إطار إتفاقية الجزائر الموقع عليها من الطرفين الارتري والإثيوبي, إلا أنه لم يحمل أي إشارات تهديد لإثيوبيا فيما لو أصرت في رفضها لقرار لجنة الترسيم.
رفضت إثيوبيا دعوة لجنة ترسيم الحدود للحوار الذي كان مقرراً أن يجري في لندن 22/2/2005م وذلك للحوار والمناقشة في تعيين الحدود على الأرض طبقا لقرار لجنة الترسيم, وبررت إثيوبيا رفضها للحضور بقولها أن الحوار سابق لأوانه وغير مجدي في الوقت الراهن, وقد يؤثر سلبا على عملية ترسيم الحدود, وبعد هذا الرفض عقدت لجنة الترسيم اجتماعا لذاتها وقررت فيه الآتي:
خلصت اللجنة إلى القول (إن إثيوبيا رغم كلامها الذي تريد التشديد على أن عملية ترسيم الحدود هي التي تهمها حصرا، تعبر عن عدم رضاءها عن الحدود في شكلها الحالي الذي ينص عليه موضوعيا قرار تعيين الحدود في شكل عراقيل إجرائية تعيق عملية الترسيم وهو أمر لا يحق لها أن تقوم به). ( )
*الرفض الإثيوبي لقرار الترسيم بعد القبول به ما هي الدوافع للتراجع؟ وما هي مواقف الأطراف الإثيوبية حكومة ومعارضة؟
يمكن قراءة موقف الحكومة الإثيوبية لشعورها بخيبة أمل في قرار لجنة التحكيم في الحدود الارترية الإثيوبية, فيما يتعلق بتبعية منطقة بادمي المتنازع عليها إلى إرتريا, ويبدوا أن تمسك الحكومة الإثيوبية ببادمي هو من اجل حفظ ماء الوجه أمام الرأي العام الإثيوبي للتعبئة الخاطئة التي مارستها عقب إعلان اللجنة لقرار الترسيم في ابريل 2002م().
ومما يدعونا لتأييد هذا الاتجاه إن موقف الجبهة الشعبية لتحرير تقراي منذ نشأتها كان مؤيدا لحق الشعب الارتري في تقرير مصيره, وكذلك كانت فيما بعد مواقف الجبهة الثورية الديمقراطية لشعوب إثيوبيا (التحالف الحاكم) حيث وافقت على نتيجة الاستفتاء وان إرتريا دولة مستقلة ذات سيادة في عام 1993م( ) وكذلك تأكيدات رئيس الوزراء الإثيوبي (ملس زيناوي) في 22/5/2000م (بعدم وجود أطماع إثيوبية في إرتريا).( )
أما الموقف الإثيوبي المعارض للحكومة في معظمه يرفض عملية استقلال إرتريا، ويرفض اتفاقية الجزائر 2000م من أساسها، إذ أعلن (الحزب الديمقراطي الإثيوبي) المعارض احتجاجه على اتفاق السلام وذلك في مؤتمر صحفي عقده في 24/12/2000م وقال في مؤتمره أن الإتفاق لا يحقق المصلحة القومية لإثيوبيا كدولة حبيسة، وعقدت مجموعة من أحزاب المعارضة اجتماعا في 28/1/2001م أعلنت فيه معارضتها لاتفاق السلام وطالبت الحكومة باحترام حقوق الإنسان( )، وهذه القوى وغيرها ممن ينادي بالتمسك بالسيادة على بادمي, والعمل لاستعادة ميناء عصب يجب أن يحتاط لها من كلا طرفي النزاع بالرغم من أطروحتها غير العملية وغير الموضوعية، لأن وضع إرتريا الحالي يختلف عن الوضع السابق في مرحلة الكفاح المسلح، حيث حررت إرتريا أراضيها من الاستعمار الإثيوبي بقوة السلاح في 24/5/1991م ثم توجت ذلك بإجراء استفتاء عام بلغت نسبته لصالح الاستقلال 99.8% وأعلنت بموجب ذلك في 24/5/1993م أنها دولة ذات سيادة مستقلة عن إثيوبيا وتلقى ذلك العالم كله بالقبول والترحاب بما في ذلك الحكومة الإثيوبية فلا مجال اذا للالتفاف على استقلال إرتريا أو النيل منه.
مبادرة السلام الإثيوبية:
تقدم رئيس الوزراء الإثيوبي (الراحل ملس زيناوي) بطرح (مبادرة سلام من خمس نقاط) وذلك في الخطاب الذي ألقاه أمام البرلمان الإثيوبي في 25/11/2004م والتي اشتملت على النقاط التالية ( )
- حل النزاع بين إثيوبيا وإرتريا عبر الوسائل السلمية.
- حل جذور أسباب النزاع عبر الحوار بغرض تطبيع العلاقات بين البلدين.
- قبول إثيوبيا مبدئيا قرار لجنة الترسيم.
- موافقة إثيوبيا على دفع التزاماتها المالية للجنة الحدود وعلى تعيين ضباط اتصال ميدانيين.
- البدء فوراً في حوار مع الحكومة الارترية من أجل تطبيق قرار لجنة الحدود بأسلوب يتوافق مع تعزيز و تقوية السلام والروابط الأخوية بين الشعبين.
وبعد إجازة المبادرة من قبل البرلمان الإثيوبي، بدأت الحكومة الإثيوبية مرحلة التبشير بالمبادرة في الأوساط المحلية والدولية، ووجدت ترحيبا واستحسانا من قبل الاتحاد الأوروبي، والاتحاد الافريقي.
* أما الحكومة الارترية فقد ردت على المبادرة بالرفض التام، إذ أكدت وزارة الإعلام الارترية في بيانها الصادر في 3/12/2004م جاء فيه (ليس هذا وقت التفكير في مبادرات أو مقترحات جديدة أو طرحها، هذا وقت ترسيم الحدود الذي كان ينبغي أن يتم من قبل وفقا لاتفاق السلام) وهنا يثار سؤال لماذا كان طرح مبادرة السلام وبالذات في ذلك الوقت ؟ يبدوا أن إثيوبيا بإطلاقها لهذه المبادرة أرادت أن توجد حلولا ولو جزئية لمشكلات كانت تواجهها منها:
- كانت إثيوبيا تواجه ضغوط دولية كبيرة بإعتبارها الطرف الرافض لقرار لجنة الترسيم فيبدوا أنها أرادت أن تدفع عن نفسها بعضا من هذه الضغوط بأن ترمي حجرا في البركة الراكدة، وتلقي بالكرة في الملعب الارتري، وبالفعل كان لها شيئا مما أرادت.
- قرب موعد الانتخابات الإثيوبية التي أجريت في مايو 2005م، واتهام قوى المعارضة للحكومة بالفشل في إنهاء أزمة النزاع الارتري الإثيوبي، والخوف من تأثيرات ذلك في نتائج الانتخابات، وبالفعل قد حدث الكثير مما كانت تخشاه الحكومة الإثيوبية في هذا المجال بالرغم من محاولات الحكومة الإثيوبية الجادة للتقليل من مخاطره.
أما أهمية المبادرة فتأتي من كونها صادرة من البرلمان الإثيوبي مما يعني أنها مبادرة جادة ورسمية، ومن الناحية السياسية فالمبادرة لا تخلوا من قيمة لأنها كسرت الجمود الذي طرأ على تنفيذ الاتفاق وأدى إلى توقف أعمال لجنة الترسيم، وأعطى إشارة ايجابية في الموقف الإثيوبي الذي كان رافضا بالكلية أصبح لديه استعداد لقبول قرار اللجنة وبصورة مبدئية، أما من الناحية القانونية فالمبادرة لا تخلوا من مآخذ لأنها تحمل في طياتها احتمال رفض قرار لجنة الحدود الذي هو سبب الأزمة، لأن القبول بقرار اللجنة منصوص عليه بكونه (مبدئيا) أي بمعنى انه غير صريح، ومن جانب آخر اشترط وزير الإعلام الإثيوبي في تصريحات رسمية على إرتريا القبول بالمبادرة كاملا أو رفضها كاملا، هذا مع العلم أن المبادرة لم تكن تحمل في نقاطها الأساسية أي شروط، والأصل في الحوار والنقاش الإطلاق وعدم التقييد.
التصعيد الحالي:
على خلفية الاستعدادات التي كانت تجرى لخوض الانتخابات الإثيوبية في مايو 2005م ومحاولة إظهار الجدية في التعامل مع ملف النزاع الارتري - الإثيوبي وتفويت الفرصة على المعارضة الإثيوبية من استقلاله ضد الحكومة في الانتخابات، وتحت غطاء رفض إرتريا الحوار الثنائي حول مشروع (مبادرة السلام الإثيوبية) ورفضها لاستقبال المبعوث الأممي (إكسورثي) قامت الحكومة الإثيوبية بتحريك قواتها وآلياتها العسكرية إلى المنطقة الحدودية المجاورة للمنطقة الأمنية المؤقتة منذ 16/12/2004م وعندما سئل رئيس الوزراء الإثيوبي ملس زيناوي عن ماهية هذا الحشد والتحرك أجاب بأن هذا التحرك يأتي في إطار إعادة تنظيم ورفع كفاءة قدرات قواتنا، وإرسال رسالة إلى إرتريا مفادها أن الحرب ليست خيارا جاذبا للطرفين. إلا أن إرتريا اعتبرت هذه الحشود والتحركات استفزازا لها وتهديدا لأمنها وبدأت بالمقابل بسحب بعض قواتها من المناطق الحدودية المشتركة بينها وبين السودان وحشدتها نحو الحدود المشتركة بينها وبين إثيوبيا وبدأت حملات تجنيد إجباري واسعة شملت كل الأقاليم والفئات العمرية وبدأت حالة التعبئة والاستنفار العام وفي ذلك الاتجاه أصدر مكتب الجوازات والهجرة في 25/3/2005م قرار يقضي بمنع كل مواطن إرتري يقل عمره عن (50)عاما من السفر، وفي إطار سباق التسلح هرول وزير الخارجية الارتري في 14/5/2005م إلى روسيا قبلة الأسلحة والآليات العسكرية، كما هرول وزير الخارجية الإثيوبي قبله إلى روسيا في يناير 2005م باعتبار أن كلا البلدين من الزبائن المعتمدين لدى روسيا في هذا المجال.
ومما زاد الموقف حدة وتعقيدا الحظر الجوي لمروحيات الأمم المتحدة الذي اتخذته إرتريا منذ 5/10/2005م ورفضت التراجع عنه رغم المناشدات المتكررة لها من قبل الأمم المتحدة ومجلس الأمن الدولي والاتحاد الافريقي بالرجوع عن القرار لآثاره السلبية على قوات حفظ السلام الدولية، وتأثيره المباشر على عملية السلام بين البلدين.
في ظل الرفض الإثيوبي للقبول بقرار لجنة الترسيم دون شروط مسبقة، وإصرار الحكومة الارترية بعدم التراجع عن قرارها المتعلق بالحظر الجوي على طائرات الأمم المتحدة العمودية، اتخذ مجلس الأمن قراره رقم (1640) في 23/11/2005م جاء فيه ( ):
- على إرتريا إلغاء الحظر الذي فرضته على تحليق المروحيات التابعة لقوات حفظ السلام من أجواء المنطقة.
- دعوة الطرفين إلى التوقف عن أي عمل عدائي، وعلى الطرفين إعادة نشر قواتهما إلى مواقعها ما قبل 16/12/2004م وذلك في غضون (30) يوما من صدور القرار.
- على الأمين العام للأمم المتحدة أن يراقب مدى امتثال الطرفين لما ورد في الفقرتين (1 2) ويرفع بذلك تقريره إلى مجلس الأمن خلال مدة (40) يوما من تاريخ صدور القرار.
- في حالة عدم امتثال الطرفين لما ورد في الفقرتين (1 2) سيقوم مجلس الأمن بفرض إجراءات ضد الطرف الرافض أو كليهما وذلك بموجب المادة (41) من ميثاق الأمم المتحدة.
- يطلب مجلس الأمن من الحكومة الإثيوبية القبول الكامل بقرارات لجنة ترسيم الحدود الملزم والنهائي بلا قيد أو شرط والبدء فورا في اتخاذ إجراءات تساعد في تنفيذه.
- مناشدة الدول المشاركة في بعثة قوات حفظ السلام بالبقاء في المنطقة رغم وجود المخاطر والصعوبات.
وفي أول رد فعل مباشر على قرار مجلس الأمن أعلاه سارعت إرتريا كعادتها بإصدار تصريح مطول صدر عن وزارة الخارجية الارترية في 24/11/2005م جاء في مضمونه أن اتفاقية سلام الجزائر التي ضمنها قانونيا كل من مجلس الأمن والمبادئ الأساسية لميثاق الأمم المتحدة، ثم انتهاكها بصورة فظة وبشكل متكرر من قبل إثيوبيا، واعتبر البيان إرتريا هي المعنية بالحظر، كما أشار إلى سلسلة المخالفات الإثيوبية المتعلقة بتنفيذ الاتفاق حسب تقديرات إرتريا، كما اتهم البيان مجلس الأمن بالتخلي عن مسؤولياته وقلل من أن تؤدي مثل هذه القرارات إلى تحقيق السلام وحل المشكلة( ).
أما عن رد الفعل الإثيوبي فلم نطلع على رد رسمي إلا ما صرح به الجنرال راجيندر سينقا قائد القوات الدولية لحفظ السلام بأن إثيوبيا أشارت إلى أنها مستعدة لقبول القرار الأخير لمجلس الأمن والذي دعا الطرفان إلى سحب قواتهما إلى المناطق التي كانت عليها قبل 16/12/2004م ( ).
وبتقييم مجمل لمجريات الأحداث التي استعرضنا يومياتها يمكن تسجيل الملاحظات التالية:
- الطرف الإثيوبي هو الذي بدأ بتحريك قواته وآلياته حول المنطقة الأمنية المؤقتة ابتداء من 16/12/2004م، وفي تقديرنا هذا أمر ما كان ينبغي له القيام به لان إثيوبيا الأرض التي تدعيها هي الآن في معظمها تحت سيادتها وحدودها محمية بقوات حفظ السلام الدولية.
- طبيعي أن تعتبر إرتريا الحشود على حدودها هو استفزاز وتحدي لها لان البلدين لا يزالان يعيشان في حالة خصام وتوتر واتفاق السلام بينهما لم يري النور بعد.
- فرض إرتريا الحظر على طائرات بعثة الأمم المتحدة خطأ فاضح تقع فيه ويتعارض مع ما جاء في اتفاقية الجزائر الأولى لإيقاف الأعمال العدائية في 18/6/2000م.
الفقرة (1) الأجزاء (2 3) حيث جاء فيهما أن الطرفين اتفقا فيما بينهما على ما يلي:
- ضمان حرية التنقل والوصول لبعثة حفظ السلام والإمدادات الخاصة بها.
- احترام وحماية أعضاء بعثة حفظ السلام ومعداتها وتجهيزاتها.
كان على الحكومة الارترية أن تفرق ما بين محاولات الضغط على الأمم المتحدة ومجلس الأمن الدولي من اجل أن يتخذوا المزيد من الإجراءات الحاسمة ضد الحكومة الإثيوبية لكونها الطرف الرافض لقرار لجنة الترسيم وبين اتخاذ قرارات وإجراءات من شأنها أن تتعارض مع مبادئ اتفاقية السلام التي هي الأخرى ملزمة بتنفيذه والتقيد به وإن مثل هذه القرارات غير المحسوبة لا تجلب لإرتريا إلا المزيد من المتاعب التي قد تكون بمأمن منها لو أدارت الصراع بشيء من الكياسة والحنكة الدبلوماسية التي كثيراً ما تفتقدها السلطة الحاكمة في إرتريا.
- تكهن إرتريا بأنها وحدها هي المعنية بالتهديد بفرض العقوبات الاقتصادية والدبلوماسية الواردة في المادة (42) من ميثاق الأمم المتحدة هو تقدير في مكانه لان القرار طلب من الطرفين وقف العدائيات بينهما وسحب قواتهما للمواقع التي كانت تتواجد فيها ما قبل 16/12/2004م وهذا أمر طبيعي وإجراء يمكن من شأنه أن يساعد على تهدئة الأوضاع ويمكن قوات حفظ السلام من السيطرة على المنطقة الأمنية المؤقتة، وإجراء ليس صعب على أي من الطرفين تنفيذه من الناحية الموضوعية، ولكن الجزء غير الطبيعي في القرار انه طلب من إرتريا إلغاء قرار الحظر الجوي وبالعدم فالتهديد بالعقوبات بينما لم يفعل ذلك مع إثيوبيا في حالة عدم قبولها لقرار لجنة الترسيم بدون شروط، علما بأن رفض قرار لجنة الترسيم هو أساس المشكلة في تعثر تنفيذ الاتفاق وكل ما حدث من تعقيدات للموضوع هو من نتائجه وافرازاته ثم أن الطلب من إثيوبيا القبول بقرار لجنة الترسيم والتذكير بأهميته والزاميته على سبيل المناشدة والرجاء كما نص عليه القرار في الفقرة (5) هو أمر ثبت بالتجربة والواقع عدم جدواه، فلماذا تكراره في كل مرة ؟
- يبقى التحدي أمام إرتريا ماثلاً في كونه هل ستنحني للعاصفة وتتراجع عن قرارها الخاص بالحظر الجوي وطرد قوات حفظ السلام وتسحب قواتها أم ترفض وتصر على عدم التراجع كعادتها؟ وبذا تكون قد أدخلت البلد في موجة صراع جديد مع الأمم المتحدة ومجلس الأمن بجانب صراعه السابق مع إثيوبيا والذي لم تهدأ بعد ثائرته.
احتمالات قيام الحرب:
وجود حشود عسكرية على طرفي الحدود وملاسنات واتهامات متبادلة على أعلى المستويات للقيادات السياسية والتنفيذية للبلدين، جعل الكثيرين من المراقبين والمهتمين يرجح احتمال قيام حرب جديدة بين البلدين، ولكن الناظر إلى واقع الأمر يجد أن لكل من الطرفين عوامل ضعف ومشكلات يتوقع أن تقعده عن التصدر لمشكلات جديدة، هذا إذا كان الأمر يخضع لمنطق العقل وحساب الربح والخسارة في المعادلات السياسية.
عناصر الضعف عند إرتريا:
تتمثل أهم عناصر الضعف في الطرف الارتري، في مشكلة عدم شرعية الحكومة الارترية وحزبها الوحيد، حيث انتهت دورة المجلس المركزي (الهيئة التشريعية للحزب) منذ عام 1996م وانتهت كذلك دورة المجلس الوطني (البرلمان) منذ 1997م هذا على الرغم من كونه مجلسا غير منتخبا، وحدوث انشقاق رأسي وأفقي داخل الحزب الحاكم (الجبهة الشعبية) وخروج ما عرف بالمجموعة الإصلاحية منذ عام 2001م وتأثير ذلك على كل مرافق ودواوين الدولة المدنية والعسكرية، هذا بجانب شعور غالب الشباب الارتري بالإحباط واليأس نسبة لسياسات الحكومة الارترية الرافضة للإصلاحات السياسية والتحول الديمقراطي، وسنوات الخدمة الوطنية الإلزامية غير المتناهية، وحالة اللا حرب واللا سلم التي تعيشها الدولة.
عناصر ضعف إثيوبيا:
تتمثل أهم عناصر ضعفها الخارجي في رفضها لقرار لجنة ترسيم الحدود النهائي والملزم، وهي الطرف الذي بدأ إجراءات الحشد العسكري الحالي ابتداء من 16/12/2004م في المنطقة الحدودية المتاخمة (للمنطقة الأمنية المؤقتة) دون وجود أسباب كافية لذلك، هذا بجانب فوز المعارضة الإثيوبية بنسب عالية من المقاعد في البرلمان الفدرالي الحالي، وتباين مكونات القوميات الإثيوبية إثنياً وثقافياً، بالإضافة إلى الوضع الاقتصادي المتردي والذي يستوي الطرفان فيه.
وبناءً على ما سبق نستطيع القول إنه لا يتوقع أي من الطرفين وهو في حالة وعي وإدراك أن يشعل فتيل الحرب مرة أخرى، لأنه كما يقول المثل (الذي بيته من زجاج لا يرمي الناس بالحجارة)، وبالرغم من هذا كله فلا أحد يضمن ويقول بملء فيه انه لا يمكن أن تقوم حرب طالما أن البلدين يعيشان في حالة توتر وعداء، ففي مثل هذه الحالات يمكن أن تقوم الحرب لأتفه الاسباب، فبحسبان المغامرات غير المحسوبة والتصرفات الطائشة يصبح الباب مفتوحاً لكل الاحتمالات.
هل للحرب نهاية؟
هذا سؤال يؤرق الكثيرين وفي مقدمتهم الشعبين الارتري والإثيوبي، والكثيرون من المعنيين والمراقبين يسألون عن ماهية دور المجتمع الدولي في الخروج من حالة الشد والجذب والمراوحة بين التسويف والرفض التي يعيشها اتفاق الجزائر للسلام؟
الجهود الدولية في تحقيق عملية السلام بالرغم من أنها جهود كبيرة ومقدرة إلا أنها من حيث النتيجة والثمرة لم تفض إلى شيء حتى الآن، لأن عملية ترسيم الحدود وهي النقطة الجوهرية في الاتفاق اصطدمت بعقبة كأداء تمثلت في الرفض الإثيوبي لقرار لجنة الترسيم والإصرار على ذلك رغم كل المناشدات والنداءات من مختلف الأطراف الدولية والإقليمية بالتنازل عن هذا الرفض والقبول بالقرار دون شروط مسبقة، وأن مسألة عملية تعطيل ترسيم الحدود تتحملها الحكومة الإثيوبية بالدرجة الأساسية، قبل التصعيد الحالي التي دخلت فيه إرتريا أيضا كطرف بسبب قرار الحظر الجوي وما تبعه، والحل في تقديرنا هو في يد الأمم المتحدة وأداتها التنفيذية (مجلس الأمن) وبما أن قرار تعيين وترسيم الحدود نهائي وملزم للطرفين حسب ما جاء في المادة (14) الفقرة (16) من اتفاقية الجزائر 12/12/2000م إذ نصت على (يتفق الطرفان على أن يكون تعيين ورسم الحدود التي تقوم به اللجنة نهائياً وملزماً) وآلية التحكيم المناسبة في حالة نشوب خلاف بين الطرفين هي الأمم المتحدة باعتبارها الطرف الأقوى الضامن لهذا الاتفاق، إذ نصت الفقرة (14) من اتفاقية وفق العدائيات على (تلتزم كل من منظمة الوحدة الأفريقية والأمم المتحدة بضمان احترام هذه الالتزامات من كلا الجانبين) أما ما يمكن أن يتخذ من إجراءات ضد الطرف الذي يرفض الامتثال للالتزامات الدولية في هذا الاتفاق فقد حددتها الفقرة (14-أ) من اتفاق وفق العدائيات (18/6/2000) إذ نصت على
(التدابير واجبة الاتخاذ من جانب المجتمع الدولي في حالة قيام أحد الطرفين أوكلاهما بإنتهاك هذا الالتزام بما في ذلك التدابير المناسبة واجبة الاتخاذ طبقا لأحكام الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة من جانب مجلس الأمن).
الجدير بالذكر أن الفصل السابع هو الفصل الخاص (بما يتخذ من الأعمال في حالات تهديد السلم والإخلال به و وقوع العدوان) وبه ثلاثة عشر مادة من (39-51) فصلت الإجراءات التي يمكن أن يتبعها مجلس الأمن بدءً بالعقوبات الاقتصادية والدبلوماسية وانتهاءً بالتدخل المباشر واستخدام القوة العسكرية إذ لزم الأمر وفق تدرج وإجراءات روتينية محددة.
وفي تقديرنا أعطيت إثيوبيا منذ 19/9/2003م و ديسمبر 2005م فرصة كافية لأكثر من عامين لمراجعة النفس وتقليب المفاسد والمصالح وبالتالي إما أن تتراجع هي بنفسها عن قرارها الرافض للترسيم وتدرأ الشر عن نفسها وعن الآخرين، وإما أن يجبرها مجلس الأمن على الالتزام بتعهداتها الدولية وذلك من خلال اتخاذ قرارات أكثر جرأة وجدية، ومجلس الأمن يملك من الوسائل ما يستطيع أن يلزم به الأطراف الخارجة عن قراراته إن شاء والأمثلة أكثر من أن تذكر.
وخلاصة القول أن حل المشكلة القائمة لا يتم إلا بتنفيذ اتفاق الجزائر للسلام وتنفيذ الاتفاق لا يتم إلا عبر بوابة القبول بقرار لجنة الترسيم.
مخاطر تتهدد اتفاق السلام:
وبعد هذا الرصد والمتابعة لأهم الأحداث في مسيرة اتفاق سلام الجزائر لعام 2000 بين إرتريا وإثيوبيا منذ ميلاده وحتى اليوم، نستطيع أن نلخص أهم مهددات تنفيذ السلام حسب تقديرنا في الآتي:
- رفض إثيوبيا لقرار لجنة تعيين وترسيم الحدود, وطرح بدائل أخرى تعتمد كأساس للترسيم.
- عدم قدرة مجلس الأمن على إصدار قرار يلزم الطرف الرافض بتنفيذ تعهداته الدولية.
- عدم قدرة إرتريا لإدارة الأزمة بالشكل المطلوب لانحصار علاقاتها الخارجية بالدول والمنظمات النافذة وضيق افقها السياسي وعدم تقيدها بقواعد وأعراف اللعبة الدبلوماسية مما يجعلها تفتح النار عشوائياً وعلى الجميع.
- وجود قوة إثيوبية مقدرة معارضة للحكومة الإثيوبية يعارض معظمها عملية استقلال إرتريا التي لا تأخذ في الاعتبار حق إثيوبيا في الحصول على منفذ بحري، وتعارض كذلك اتفاق الجزائر 2000م، وبدأ تأثير هذه القوة يزداد على الحكومة في الفترة الأخيرة بسبب فوزها بأعداد مقدرة في الانتخابات البرلمانية الأخيرة حيث فازت قوي المعارضة بنسبة 32%من المقاعد ولذا يتوقع أن يكون لها قدر من التأثير السالب في قرارات البرلمان الإثيوبي الحالي فيما يتعلق بعملية السلام بين إرتريا وإثيوبيا.
- الخوف من تقلص قوات حفظ السلام الدولية أو ربما تركها للمنطقة بالكلية حيث كان عددها في عام 2000م (4200) فرد وتقلص العدد الآن حيث بلغ عددها في 6/8/2005م (3292) فرد، أي تقلصت بنسبة 21.61% ( ).
- تململ الأمم المتحدة والمجتمع الدولي والمانحين من طول مدة بقاء قوات حفظ السلام الدولية التي مر على وجودها في المنطقة الأمنية المؤقتة أكثر من أربع سنوات، هذا بجانب ارتفاع تكاليفها (حيث تنفق الأمم المتحدة ما لا يقل عن (200) مليون دولار أمريكي سنويا على هذه البعثة)( ).