دخل “علي خامنئي” على خطّ الاحتجاجات الأخيرة في العراق ولبنان، وقال: إنه يجب على المواطنين إعطاء الأولوية لحفظ الأمن والاستقرار، وقد حذّر من احتمال انهيار الهيكل القانوني، وخلق فراغ في السلطات (العراقية، ولبنانية)، وأضاف: تعتزم المخابرات الأمريكية والغربية، المدعومة بأموال طائلة من الدول الرجعيّة في المنطقة، على تعطيل أمن العراق، ولبنان. وأكدّ أنّ معظم الدول الغربية قد خطّطت أيضًا لمثل هذه الحالة ضدّ إيران، ولكنها لم تنجح في ذلك وخابت مساعيها.
والمثير في حديث “خامنئي” هو حديثه عن المهمّة الخاصّة للقوات المسلّحة الإيران، وضرورة تمتعها بالتدريبات اللازمة والاستعداد الكامل للتعامل مع هذه الفتنة، في إشارة واضحة على استعداد إيران للتدخل العسكري المباشر لا سيما في العراق لقمع الانتفاضة الشعبية هناك.
ومن جانبه طالب “حسين شريعتمداري”، -ممثل المرشد خامنئي في مؤسسة “كيهان” للصحافة مرّة أخرى- المحتجين بالاستيلاء على السفارتين السعودية، والأمريكية.
ولكن ما الذي حدث؟ أو ما الذي سيحدث على الأرجح لإبراز ردّ فعل إيرانية حيال الانتفاضتين اللبنانية، والعراقية؟
تعتبر لبنان، وسوريا قاعدتين أساسيتين، وأحد أهم خطوط الدفاع عن إيران، وأي تغيير في المعادلات السياسية لهاتين الدولتين يمكن أن يؤثر في النفوذ الإيراني وفي السياسات الإيرانية وفي العلاقات الإقليمية لإيران. فما يحدث في العراق، ولبنان هو مصدر قلق كبير للمسؤولين الإيرانيين، فلم يكن “خامنئي” الوحيد الذي أبدى تخوفه!
فطهران تريد نقل التصعيد إلى وجهة أخرى، فدائما ما تُعزي كلّ ما يحدث في المنطقة إلى العدو الخارجي، لإبعاد الأنظار عن دورها التخريبي في لبنان، والعراق.
والقلق الرئيسي الذي يبديه المسؤولون الإيرانيون، هو أن تنتقل عدوى أنفلونزا الاحتجاجات العراقية إلى إيران على غرار ما جرى عام 2009 و2010، والتي تمّ قمعها بعنف منقطع النظير، هذا عدا عن أن الحرس الثوري الإيراني شديد الحساسية تجاه التطوّرات في العراق، ولبنان اللذين تربطهما علاقات مهمّة مع إيران، لذلك فإن خامنئي وزبانيته يدعون إلى استخدام القوّة العسكرية المفرطة لقمع التظاهرات، ومن خلال هذه السياسة يمكن إيصال رسالة للشعب الإيراني مفادها أن هذه الأحداث لو انتقلت إلى إيران فسنتعامل معها بعنف وسنقوم بقمعها، وبالتالي فإن حديث “خامنئي” هو تهديد مبطّن للحركات الشعبية، وللإصلاحيين الذين يطالبون بالتغيير في إيران.
المثير في حديث خامنئي كان فيما يتعلق برجوع “مقتدى الصدر” إلى إيران وأن هناك حلقة وصل بين هذه الزيارة وموقف المرشد الإيراني، وحديثه إلا أن هناك اتفاق تمّ مع مقتدى الصدر وفق اتفاق النجف، ولمصلحة العراق ومستقبله السياسي وحتى عودة الأمور لمسارها الطبيعي.
فحديث خامنئي جاء في الوقت التي تجاوزت فيه المظاهرات في العراق سقف توقعات رجال الدين بمن فيهم “مقتدى الصدر”، وهذه إشارة خطيرة وفق الفهم الإيراني، لأنها باختصار تجاوزت كافة رجال الدين المدعومين من قبل إيران، فالمتظاهرون في العراق الآن يطلقون شعارات وطنية تجاوزت الحدود المذهبية.
وما يمكن فهمه من كلام خامنئي هو أن إيران رسمت إستراتيجية مفادها ضرورة أن يركب “مقتدى الصدر” موجة المظاهرات هذه حتى تعود إلى مسارها.
لا شك بأن “خامنئي” كان يتعامل دائمًا مع المسائل العربية بتناقض غريب، وبخاصة عندما انطلقت ثورات الربيع العربي في عام 2011 في البلدان العربية وفي وقت لاحق في سوريا، أنشأ “خامنئي” مؤتمرًا خاصًا به وبجماعته في طهران أسماه مؤتمر الصحوة الإسلامية، فدعم المؤتمر كل ثورات الربيع العربي لأن هذه الثورات إسلامية على حدّ قوله! ولكن عندما وصل الربيع إلى سوريا، تحوّل “خامنئي” 180 درجة، فلم يدعم ثورة الشعب السوري، واعتبر الثوار مجرّد صنيعة أمريكية وإسرائيلية،
إن خامنئي يوظّف الإسلام لخدمة مصالحه الشخصية، أما أيدولوجيته المتمثلة بالدستور الإيراني، والجمهورية الإسلامية الإيرانية ودعمها للمستضعفين والشيعة في شتى بقاع العالم، مجرد شماعة يوظفّها لخدمة مصالحه الشخصية، فأينما تقتضي مصالحه التدخل، تكون هذه الايدولوجية إيجابية، أما إذا تضرّرت مصالحه، ينظر إليها على أنها وسائل يجيد استخدامها الأعداء.
وأكثر ما يقلق إيران، أن المتظاهرين في العراق باتوا يطلقون شعارات وطنية تجاوزت الحدود المذهبية! ومن هنا فإن إعادة تدوير “مقتدى الصدر” وحثه كي يركب موجة المظاهرات بعد هذه التجاذبات السياسية التي تجري من وراء الستار، حيث طلب إليه أن يدعو الشعبَ العراقيّ للعودة إلى بيوتهم، إلا أن هذه المظاهرات تجاوزت التيار “الصدري” بكثير، كما تجاوزت كافّة الحدود الطائفية والاتجاهات السياسية في الداخل العراقي، بل أضحت “حركة وطنية” تتعلق بالقومية العراقية؛ رَفَعَ بها الشعب العراقي عَلَم بلاده فقط! مُطلقًا شعارات وطنيّة توحّد بين (السنة، والشيعة)، وهذه الشعارات في الحقيقة هي الشعارات نفسها التي تُطلق في الساحة اللبنانية كذلك، بينما نجد إيران ما زالت تتدّخل في العراق على أساس طائفي، وتمكنت من خلال الطائفية أن تتحكّم بالساحة العراقية تحت ذرائع مختلفة؛ كمحاربة داعش، وقمع الأكراد وغيرها، فقد أسست المليشيات القاتلة المجرمة. ولكنها اليوم تعرّت في العراق تماما، وانكشف مكرها!
فالعراق القادم لم يعد طائفيًا، وهذا ما يخشاه خامنئي، فهذا التراجع الطائفي سرعان ما يتخطّى العراق ليصل إلى إيران بالمحصّلة، وهذه التوجهات مرفوضة تماما لكونها تعرّض هوية إيران، وهوية المرشد الإيراني للخطر الشديد! فلم يعد بإمكانه توظيف الطائفية لخدمته كما كان يفعل في السابق!
هذا المقال يعبر عن رأي كاتبه ولا يعبر بالضرورة عن رأي مجموعة التفكير الاستراتيجي