طباعة

مواجهة الإسلاموفوبيا ودعم المسلمين المستضعفين.. ما هي قصة التحالف الإسلامي الجديد؟

عمرو دراج

دعا  رئيس الوزراء الماليزي مهاتير محمد، إلى عقد قمة إسلامية في 18 ديسمبر/كانون الأول 2019، بحضور خمس دول هي: ماليزيا وقطر وتركيا وباكستان وإندونيسيا. وقد صرح مهاتير: بأن هذه الدول الخمس «ستشكل نواة لبداية تعاون إسلامي أوسع يشمل مجالات عدة تواجه العالم الإسلامي، مثل التنمية الاقتصادية والدفاع والحفاظ على السيادة وقيم الثقافة والحرية والعدالة، إضافة إلى مواكبة التكنولوجيا الحديثة».  وأعلن مؤخراً عن حضور إيران القمة ممثلة في الرئيس حسن روحاني، فضلاً عن تمثيل رفيع لحركة حماس وجمهوريتي أوزبكستان وتتارستان وآخرين.

ويأتي انعقاد هذه القمة بالتزامن مع الاجتماع السنوي لمنتدى كوالالمبور، والذي أسسه السيد مهاتير محمد في عام 2014، قبل توليه رئاسة الحكومة مجدداً بسنوات، والذي يمكن اعتباره النواة والفكرة الأساسية التي مهدت للوصول للتوافق حول عقد قمة هذا العام. وكانت فكرة هذا المنتدى تدور حول جمع كوكبة من أهم المفكرين والباحثين والعلماء في العالم الإسلامي، في جهد فكري غير حكومي، للتباحث حول أهم القضايا التي تواجه العالم الإسلامي، خاصة قضايا الديمقراطية والحكم الرشيد. وقد شرفت بعضوية هذا المنتدى منذ إنشائه، وحضرت اجتماعه الأول في كوالالمبور في 2014، ثم اجتماعه الثاني في كوالالمبور أيضاً في 2015، واجتماعه الرابع لاحقاً في 2018 في إستطنبول، وناقش الاجتماع الأول موضوع «الدولة المدنية»، والثاني «دور الحرية والديمقراطية في تحقيق الاستقرار والتنمية»، والثالث الذي عقد في الخرطوم «الحكم الرشيد»، والرابع «الانتقال الديمقراطي». ويناقش المنتدى، والقمة أيضاً، في دورته الخامسة في كوالالمبور «دور التنمية في الوصول للسيادة الوطنية».

وتكشف مواضيع الاجتماعات السابقة أن الدعوة للقمة الحالية هي امتداد طبيعي وتطوير لجهد فكري استمر على مدار نحو خمس سنوات، وليست دعوة منبتة جاءت وليدة اللحظة، حيث أن اعتلاء السيد مهاتير محمد مقعد رئاسة الوزراء قد أعطى هذه الفكرة زخماً واسعاً، ونقله إلى الحيز الرسمي، حيث انتهز فرصة انعقاد الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك في سبتمبر/أيلول من هذا العام، وطرح فكرة القمة على الرئيس التركي رجب طيب أردوغان ورئيس الوزراء الباكستاني عمران خان، ثم اتسعت الدائرة بعد ذلك لتشمل إندونيسيا وقطر لتكون القمة المنتظرة خماسية (أو أكبر من ذلك حال انضمام آخرين إليها).

وتبرز عدة أسئلة تحتاج لإجابات حول هذه القمة، ومن أهمها كيف سينتقل عمل المنظومة من الحيز الفكري إلى الحيز الرسمي والتطبيقي؟ ولماذا هذه الدول تحديداً؟ ولماذا تغيب دول إسلامية أخرى عن هذا التجمع؟ وهل ستشكل هذه القمة نواة لبديل عن منظمة التعاون الإسلامي؟ وما هي المهام التي ستضطلع بها؟ وهل تأتي في نفس إطار مجموعة الثماني التي ضمت 8 دول إسلامية ونشأت في التسعينيات من القرن الماضي ودعا إليها رئيس الوزراء التركي الراحل البروفيسور نجم الدين أربكان، والتي لم تنجح في القيام بأدوار مؤثرة على الساحة الإسلامية والدولية؟ وكيف تتجنب المنظومة الجديدة نفس المصير؟ إلى غير ذلك من الأسئلة ذات الطبيعة المتشابكة، والتي سأحاول الإجابة عنها، على الأقل جزئياً من خلال هذا المقال، إلى أن تتضح الأمور بصورة أكبر بعد انعقاد القمة المرتقبة وفي حضور نحو 450 مفكراً وباحثاً إسلامياً، أتشرف بأن أكون منهم بإذن الله، وهو ما يمكن أن يفرد له مقال آخر في المستقبل.

عن أهداف القمة 

يمكن القول إن الهدف الاستراتيجي لإنشاء هذا التجمع هو «تسليط الضوء على مشاكل العالم الإسلامي، بهدف اقتراح حلول لها» كما لخصه د. مهاتير محمد عندما تحدث عن هذه القمة. لكن هذا الهدف بهذه الصياغة يعتبر فضفاضاً إلى حد كبير ويحتاج استكشاف ما وراءه وما يمكن أن يتحقق من هذا التجمع إذا أحسنت إدارته.

إن المدخل الحقيقي لبداية انعقاد هذا التجمع كان الإدراك العميق لعدد من أهم المشكلات التي تواجه الإسلام والمسلمين في شتى أنحاء العالم، دون وجود آلية جادة لمواجهة هذه المشكلات، خاصة وأن منظمة التعاون الإسلامي، والمعنية أساساً بهذا الأمر، أصبحت منظمة مترهلة، تحوي عدداً كبيراً من الدول ذات المشارب والتوجهات المختلفة، بل والمتصارعة في بعض الأحيان. بما يؤدي إلى استحالة القيام بأي عمل جاد لمواجهة هذه التحديات، كما أن الكثير من الدول الإسلامية أعضاء المنظمة، محكومة بأنظمة لا تحظى برضا شعوبها، ولم تأت عبر مسار ديمقراطي سليم، وبالتالي فهي لا تعبر بأي شكل عن تطلعات هذه الشعوب وآمالها، مما يستدعي استحداث أليات جديدة، بين دول أكثر توافقاً فيما بينها، تقودها حكومات ديمقراطية اختارتها شعوبها، وفي نفس الوقت تمتلك القدرة على الفعل والتأثير في مواجهة تلك التحديات.

أهم التحديات التي ستواجه قمة كوالالمبور: 

١- الإسلاموفوبيا

وللتمهيد لهذه القمة، وفضلاً عن تصريحات مهاتير، فقد أطلق الرئيس أردوغان عدداً من التصريحات اللافتة التي تمهد للعمل على هذه الساحة في أولى التحديات الرئيسية التي تواجه المسلمين حول الصورة الذهنية عن الإسلام في العالم وخلو الساحة مما يعطي الصورة الصحيحة عنه. ففي أواخر شهر نوفمبر/تشرين الثاني الماضي أطلق مبادرة «لإطلاق عهد التحرك لنشر الإسلام لكل دول العالم»، حيث صرح بأننا «ننهي الآن عهد المنطق القائل: فلنشرح ديننا لمن جاء إلينا، ونبدأ عهد طرق كل الأبواب لتعليم ديننا العظيم» وقال إن «الفراغات التي لم يستطع ملئها العلماء المخلصون، بلا شك سيملؤها تجار الدين»، وأكمل «إنني أؤكد على أهمية أن تصبح إسطنبول مركزاً علمياً مع أهمية إنشاء جامعة إسلامية عالمية فيها لتصبح مرجعاً دائماً في مجال الدين». وبالطبع فإن من أهم الآثار المترتبة على تلك الصورة الذهنية السلبية هو تنامي مشكلة الإسلاموفوبيا حول العالم، وتعرض المسلمين للاستضعاف في كل مكان، وعدم القدرة على مواجهة الجهود المنظمة التي تقود «صناعة الإسلاموفوبيا» التي تدعمها العديد من الجهات المؤثرة حول العالم، والتي تؤدي إلى ارتكاب الكثير من الجرائم المدفوعة بالكراهية والجهل بحقيقة الإسلام. وقد عبر الرئيس أردوغان مؤخراً منذ عدة أيام في حديث مع ممثلي الجاليات التركية والإسلامية في بريطانيا عن اعتراضه الدائم عمن يصفون الأحداث الإرهابية التي قد يرتكبها مسلمون بأنها «إرهاب إسلامي» في حين لا يصفون أحداثاً مماثلة يرتكبها منتسبون لديانات أخرى بأنها إرهاب تابع لهذه الديانات.

وفي هذا الإطار، وضمن التعاون الثلاثي التركي الماليزي الباكستاني، برزت فكرة إنشاء قناة تلفزيونية ناطقة بالإنجليزية، كما صرح رئيس وزراء باكستان عمران خان من خلال حسابه على تويتر في شهر أكتوبر/تشرين الأول الماضي قبل زيارة الرئيس أردوغان لباكستان، ستكون على غرار قنوات البي بي سي الشهيرة، لا تبرز فقط شؤون المسلمين، ولكن ستحارب الإسلاموفوبيا. وقد قال فخر الدين ألطون مدير دائرة الاتصالات بالرئاسة التركية، بأننا سنؤسس مركزاً قوياً للإعلام والاتصال، وقناة تحت مظلة محاربة الإسلاموفوبيا، وأن هذا سيكون جزءاً من جهد كبير لا يقتصر فقط على إنشاء القناة التلفزيونية، وإنما ستتضمن مرصداً للاسلاموفوبيا والمشكلات المترتبة عليها في البلدان المختلفة.

٢- تحديات تنموية واقتصادية وسياسية

وبالإضافة للتحديات التي تواجه الإسلام والمسلمين بشكل عام متمثلة في تصاعد الإسلاموفوبيا، فضلاً عن القضية الفلسطينية التي تشكل هاجساً مستداماً على امتداد العالم الإسلامي، ولم تستطع منظمة التعاون الإسلامي، التي نشأت بالأساس في العام 1969 لأسباب متعلقة بها، أن تقدم لها شيئاً يذكر ولا وضع حد للاعتداءات الإسرائيلية المتواصلة على الشعب الفلسطيني، فإن هناك تحديات تنموية واقتصادية وسياسية وأمنية ذات طبيعة إقليمية ودولية تواجه الدول التي ستجتمع في كوالالمبور، وتحتاج مواجهة قوية وفعالة على مستوى أكبر من إمكانيات الدول المنفردة. فعلى الجانب الإقتصادي مثلاً تعرضت تركيا لهزة اقتصادية كبيرة على مدار العامين الماضيين، ساهمت الولايات المتحدة الأمريكية في تفاقمها في بعض الأحيان بشكل كبير، وعلى المستوى السياسي والأمني تواجه باكستان تحدياً مهماً عقب قرار الهند إلغاء وضع الحكم الذاتي الدستوري للجزء الهندي من إقليم كشمير المتنازع عليه. وتواجه تركيا تحديات متعلقة بالأزمة السورية والتنظيمات الإرهابية المتصلة بتنظيم حزب العمال الكردستاني ومحاولته فرض كيان كردي مستقل جنوب تركيا مباشرة. كما تخشى الدول الإسلامية الخمس، خاصة ماليزيا وإندونيسيا من انتقال العمليات الإرهابية لتنظيم داعش إليها في ضوء عودة المئات من الشبان المقاتلين من سوريا والعراق، مما يستلزم تنسيقاً أمنياً عالي المستوى، إلى غير ذلك من التحديات التي تواجهها جميع الدول الإسلامية بشكل أو بآخر.

عوامل القوة التي تمتلكها الدول المشاركة 

وتبدو بالفعل الإمكانيات المتوفرة لدى الدول المدعوة للقمة مجتمعة، خاصة الدول الخمس الرئيسية، ذات قيم مضافة عالية ومتضافرة، بدءاً من تعداد سكاني يفوق الخمسمائة مليون نسمة، وهو ما يكافئ عدد سكان الاتحاد الأوروبي، توفر إندونيسيا بمفردها كأكثر الدول الإسلامية سكاناً أكثر من نصف هذا التعداد، وتوفر باكستان قوة عسكرية قوامها أكثر من 600 ألف جندي فضلاً عن قوة نووية معتبرة، كما توفر تركيا أيضاً قوة عسكرية كبيرة، وتشكل تركيا مع ماليزيا قوة اقتصادية وصناعية وتكنولوجية متميزة، وتوفر قطر قوة اقتصادية كبيرة، كما تتميز الدول الأربع الأكبر في المجموعة بعدم اعتماد اقتصاداتها على مواردها الطبيعية فقط، بل تعتمد بالأساس على إنتاجها ذي القيمة المضافة ومواردها البشرية المتطورة، وبالتالي فإنه وكما ذكر المحلل السياسي التركي يوسف كاتب أوغلو «توجد إمكانية لدى هذا التحالف بقوة الاقتصاد والسياسة والسكان والموقع الجغرافي المتعدد والممتد أن يؤثر بشكل أكبر من تأثير كل دولة على حدة»، ويمكنه أن يشكل «محركاً يمكنه دفع الدول الإسلامية عند اللزوم ضد أي هجوم أو خطر يتعرض له الإسلام» و ذلك «كنواة صلبة للوقوف في وجه أي هجوم ليس بالضرورة أن يكون عسكرياً بل قد يكون ضد الإسلام وثوابته».

وتجدر الإشارة إلى أنه من الناحية الاقتصادية فإن دولة قطر اقترحت تنفيذ مبادرة بالاشتراك مع ماليزيا وتركيا، تهدف إلى إنشاء 3 مراكز مالية عالمية تشمل الدوحة وإسطنبول وكوالالمبور، لتغطية جميع المعاملات المالية الإسلامية حول العالم، على أن يتولى المركز المالي في قطر مسؤولية التمويل الإسلامي في الشرق الأوسط، فيما تهتم تركيا بالتمويل في أوروبا، وتركز ماليزيا على قارة آسيا، حسب اتفاق جرى التوصل إليه بين الدول الثلاث، إذ تبلغ قيمة الاستثمار بالمراكز المالية الثلاثة تريليوني دولار، وفق ما ذكرته مجلة «نيكيا» الآسيوية.

لماذا تغيب مصر والسعودية عن القمة؟ 

ويبرز التساؤل عن أسباب عدم تواجد ثقل عربي في هذا التكتل، الذي يمثل في أغلبه التجمع المسلم غير العربي الأكبر على امتداد العالم الإسلامي، وغياب دول كبيرة كالسعودية ومصر فضلاً عن دولة الإمارات ذات الثقل الاقتصادي الكبير، والإجابة المنطقية عن هذا التساؤل أن أي تكتل يجب أن يقوم على دول متوافقة في الرؤى والتوجهات في القضايا التي تهمها، وهو ما لا يتوافر بكل تأكيد بين الدول الثلاث المذكورة تحت أوضاعها السياسية الحالية والدول المؤسسة للتكتل الجديد، كما أن باقي الدول العربية تمر بمرحلة مخاض مصاحب لثورات الربيع العربي ورغبة الشعوب العارمة في تغيير أوضاعها، بل ووقوع بعض هذه الدول في أتون انهيار الدولة والحروب الأهلية وبالتالي فهي ليست في وضع يسمح لها بالقيام بأي دور فعال ومؤثر في أي تكتل، فضلاً عن قيادة واضحة من بعض الدول لمحور الثورة المضادة في المنطقة على غير رغبة أغلبية شعوبها. ولعل عدم فاعلية منظمة التعاون الإسلامي ترجع بالأساس إلى أنها تضم خليطاً غير متجانس من الدول ذات التوجهات والظروف المتباينة بشكل يعوق إمكانية القيام بأي عمل مشترك.

إيران في قمة الدول الإسلامية السنية 

ويبرز أيضاً تساؤل آخر حول وجود إيران في بداية تشكيل هذه الآلية وما يمكن أن تضيفه لهذا التكتل من إمكانيات وقيمة مضافة، وذلك رغم الاختلاف في عدد من التوجهات الأساسية، حيث أن الفكرة السائدة في العالم السني هي أن إيران تتحرك وفقاً لمشروع شيعي يصطدم بثوابت سنية، رغم أن إيران تنفي هذا الأمر بشكل دائم، إلا أن الدور الإيراني في المنطقة، والذي كان في معظمه مواجهاً لموجة الربيع العربي والسعي للتغيير كما حدث في سوريا واليمن، ومؤخراً في العراق ولبنان، بما يتناقض مع التوجهات الثورية والمقاومة التي تقول إيران أنها من ثوابتها الرئيسية، وبما ألحق الكثير من الضرر بقطاع كبير من الشعوب العربية، وهذا قد ينم على الأقل عن مشروع سياسي إيراني غير متناغم في توجهاته الرئيسية مع المشروع الذي أعلن التكتل الجديد اضطلاعه به، بما يحتاج لمتابعة عن قرب لهذه المشاركة.

قمة إسلامية بقيادة نجم الدين أربكان

على جانب آخر، فإن فكرة تكوين تكتل سياسي واقتصادي وأمني متكامل هي بدون شك فكرة براقة لمواجهة التحديات المختلفة، وقد جربت من قبل بدعوة رئيس الوزراء التركي الراحل نجم الدين أربكان لتشكيل مجموعة الدول الإسلامية الثماني والتي تضم تركيا ومصر وباكستان ونيجيريا وإيران وماليزيا وإندونسيا وبنغلاديش، والتي لا تزال قائمة حتى الآن، وكانت مدفوعة بطموحات عالية، وقد أعلن على سبيل المثال أمينها العام السفير داتو كو جعفر كو شاري في بداية 2019 تطوير بطاقة دفع تدعى D8P Card انطلاقاً من فكرة الرئيس رجب طيب أردوغان حول استخدام الدول الأعضاء العملات المحلية في التعاملات التجارية فيما بينها.

 إلا أنه على الرغم من ذلك فلم يظهر حتى الآن تأثير ذو قيمة للمجموعة في مواجهة حقيقية للتحديات التي تم من أجلها الدعوة لقمة كوالالمبور، فما الذي يدعو إذن للتفاؤل بنجاح هذه القمة فيما فشلت فيه مجموعة الثماني؟ هناك عدة أسباب يتعلق أولها بالخلافات الرئيسية الكبيرة في التوجهات السياسية بين عدد من الدول المكونة لمجموعة الثمانية، بما لا يتواجد بنفس القدر بين مجموعة الدول المدعوة لكوالالمبور، وأهم من ذلك فإن الفترة الحالية تختلف اختلافاً جوهرياً عن فترة التسعينيات من القرن الماضي بالنسبة لهذه الدول أو في ظروف الإقليم والعالم ككل، سواء بالنسبة للتحديات أو للفرص، فتركيا في نهاية القرن الماضي غير تركيا الآن التي اكتسبت العديد من عوامل القوة والتأثير تحت قيادة الرئيس أردوغان وحزب العدالة والتنمية، وكذلك باقي الدول المدعوة للقمة، كما أن مركز ثقل التفاعلات الدولية ينتقل بالتدريج شرقاً مع بروز الصين كقوة عالمية رئيسية، بما قد يجعل هذه المجموعة أكثر فاعلية بتطوير علاقات قوية مع الصين في المستقبل، وعلى سبيل المثال فإن باكستان في الوقت الحالي قد طورت علاقات استراتيجية مع الصين بعد أن طورت الهند علاقات مماثلة مع الولايات المتحدة. كما يمكن في المستقبل من خلال الدول المشاركة بالقمة مع الصين وعدد من دول شرق آسيا استكمال ما تم الاتفاق عليه في مؤتمر تجمع «الأسيان» الذي عقد في 2 نوفمبر/تشرين الثاني 2019، والقاضي بتشكيل شراكة اقتصادية إقليمية متكاملة من خلال إقامة أوسع منطقة للتبادل الحر في العالم تضم أكثر من 30% من سكان الأرض وتمثل أكثر من 30% من إجمالي الناتج المحلي للعالم.

وبصفة عامة فإن العالم، بوجه عام، ومنطقة الشرق الأوسط بوجه خاص، يمر الآن بمرحلة تحولات هائلة، بما قد يسمح لهذه الدول بمساحة واسعة للمناورة وتحقيق المكاسب بما لم يكن متاحاً في فترة التسعينيات في مرحلة القطب الواحد.

وبدون شك، فإن فكرة تكوين تكتل إسلامي قوي ومؤثر، سواء على غرار مجموعة الثمانية أو مجموعة دول قمة كوالالمبور، سوف تواجه تحديات دولية وإقليمية كبرى، إلا إن نجاح هذه الفكرة سيعتمد على حسن إدارتها وعلى توافر عقل استراتيجي يخطط لها ويوجهها، وعلى الاختيار الأمثل للدول التي يمكن أن تنضم لمثل هذه الآليات، وعلى تجنب الصراعات والإشكاليات الدولية التي يمكن أن تعرقل تأثيرها وفعاليتها خاصة في المراحل الأولى لتشكلها.

تعاون مشترك ونجاح مرتقب

ومن أهم عوامل النجاح المنشود التدرج في مواجهة التحديات وتحقيق الطموحات، واختيار أهداف حقيقية وواقعية قابلة للتحقيق، ومن ذلك هدف تحسين الصورة الذهنية عن الإسلام ومواجهة موجات الإسلاموفوبيا حول العالم، أو أهداف تتعلق بالتنمية كالأهداف الخمسة التي ستتحدث عنها القمة وهي الأمن الغذائي، التكنولوجيا والابتكارات والميديا، الصناعات الحربية والمدنية، الطاقة، الشباب والخدمة الاجتماعية. وبدون شك فإن آلية منتدى كوالالمبور الممتدة منذ نحو خمس سنوات ويدعمها حضور قوي من نخبة من المفكرين والباحثين يمكن أن يشكل وعاء فكرياً Think Tank ضخماً يخدم على التخطيط لأعمال التجمع الجديد ويوجهه بما يدعم التحقيق التدريجي لأهدافه الحضارية والتنموية دون اصطدام أو معارك جانبية، فضلاً عن أهمية توافر ظهير شعبي قوي للعمل الرسمي موجود في صميم هيكل المنظومة الجديدة وليس على هامشها، وليس فقط الاكتفاء بالعمل الحكومي، مما يؤدي في النهاية لنجاح الفكرة وتجنبها لعوامل الفشل الذي تتعرض له مؤسسات وتكتلات إسلامية أخرى.

هذا المقال يعبر عن رأي كاتبه ولا يعبر بالضرورة عن رأي مجموعة التفكير الاستراتيجي

قيم الموضوع
(0 أصوات)

البنود ذات الصلة (بواسطة علامة)