د. ناجي خليفه الدهان – مركز أمية للبحوث والدراسات الاستراتيجية
تشكل قضية التدخل الإيراني في شؤون دول المنطقة العربية أزمة دائمة وممتدة، حيث أثّرت ولاتزال على العلاقات الإيرانيةـ العربية، فإيران لم تعد تتدخل فقط من أجل معادلة التوازنات الإقليمية، لكنها تتعمد أن تكون الطرف الأكثر فاعلية ونفوذاً وتأثيراً في أرجاء المنطقة كافة، إلى الحد الذي بلغ فعلياً احتلالها العراق وسوريا ولبنان واليمن ، وتسعى إلى تهديد دول مجلس التعاون الخليجي من خلال التنظيمات السرية والخلايا النائمة فيها .
وفي تصريحات الأمين العام لجامعة الدول العربية(1)، (إن إيران تهدف إلى بسط سيطرتها على مضيقي هرمز(مضيق باب السلام ) وباب المندب، سواء بشكل مباشر أوعبر الجماعات المسلحة التي تمولها، مؤكداً أن “الحفاظ على حرية الملاحة دون تهديد يعد أولوية عالمية، وليس فقط للدول العربية المطلة عليها”.
وهذه الأطماع تثير أسئلة كثيرة:
ما هي أهداف إيران من وراء تهديدها بالسيطرة على المضيقين؟ وما المطامع التاريخية في المضايق الاستراتيجية هرمز ومضيق باب الندب؟ هل لإيران الحق في إغلاق مضيق هرمز؟ ما هو الاستراتيجية العربية والخليجية لمواجهة مخططات إيران للسيطرة على المضايق.
ما هي غاية إيران من السيطرة على مضيقي هرمز وباب المندب
طالب حسن روحاني بأن يكون لإيران دور وربما الدور الأساسي في الحفاظ على أمن باب المندب لتتحكم بذلك إيران في ثاني الممرات المائية التي يمر عبرها النفط بعد مضيق هرمز، جغرافيا لا يوجد أي مستند قانوني يستند إليه روحاني فيما ذهب إليه إلا اطماع فارسية، فالدول المطلة على باب المندب ثلاث هي: اليمن وجيبوتي وإريتريا.
إن الدور الإيراني في اليمن هدفه البحث عن موطئ قدم لإيران عند باب المندب، ومن هنا الصراع العنيف بين الحوثيين والجيش اليمني وتحالف دعم الشرعية للسيطرة على الموانئ المطلة على باب المندب وفى مقدمتها ميناء الحُدَيدة، وبين الحين والآخر تخرج علينا تهديدات بغلق باب المندب وتعطيل الملاحة في البحر الأحمر، وهذا الأمر لا يتَصَور أحد أن تتغاضى عنه السعودية لأنه يعنى ببساطة نقل النفوذ الإيراني إلى حدودها الجنوبية بعد أن أصبحت على حدودها الشرقية في العراق، وعودة إلى تاريخ العلاقات اليمنية – السعودية تجد أنه كلما شعرت السعودية أن الأوضاع تتطور في اليمن في اتجاه يشكل تهدِّيد على الأمن القومي للمملكة وفق رؤيتها فإنها لن تتردد في التدخل، حدث هذا في 1948 وتكرر في 1955 وبلغ ذروته في 1962، وليست عاصفة الحزم استثناء من ذلك وقد بدأت في 2015 وهى مستمرة لردع التهديد الحوثي.
تتوافر عدد من العوامل والأسباب التي تجعل إيران تكثف من وجودها الاستخباراتي والسياسي والعسكري في دولة اليمن، باعتبارها من أهم نقاط الارتكاز في الاستراتيجية الإيرانية لإحكام السيطرة على المضايق، والتي تعتبرها أهم مناطق نفوذها في المنطقة العربية، بعد أن أحكمت سيطرتها على مضيق هرمز من خلال أساليب الإرهاب والتهديد للملاحة في الخليج العربي، مع تواطؤ أمريكي وغض النظر في أغلب الأحيان حتى في حال عدوانها على أساطيلها وسفنها ، لغرض إظهارها كقوة ترهب بها دول الخليج والدول العربية خدمة لأهدافها والأهداف الإسرائيلية ، ويمكن ذكرها على النحو التالي:
الموقع الاستراتيجي المتميز الذي تتمتع به اليمن، حيث تمثل البوابة الجنوبية للوطن العربي عموماً والجزيرة العربية والخليج بشكل خاص، وتسيطر على أهم ممرات الطاقة والتجارة العالمية مضيق باب المندب، وبالتالي فإن وجود إيران في هذا المكان الاستراتيجي يعزز من حضورها الإقليمي، ويساعدها على السيطرة على المداخل والمخارج الرئيسية لتجارة النفط الدولية، في ضوء إدراك إيران أهمية تحديث قواتها البحرية والاستراتيجية.
نظرة إيران المستقبلية حيث تعد اليمن من أهم البدائل المحتملة لمواجهة أي تطورات في المشهد السوري، قد تؤدي لسقوط نظام الأسد وتداعيات ذلك السقوط على النفوذ الإيراني في سوريا ولبنان، ما قد يشهده تصاعد موقف الشعب العراقي من تطور نحو طرد النفوذ الإيراني.
اليمن تمثل العمق الديموغرافي والجغرافي لدول ومجتمعات دول الخليج العربية. محاولة إيران استغلال وجودها في اليمن، في توليد مضايقات ومشكلات لدول الخليج العربية، وتحديداً المملكة العربية السعودية، خاصة مع وجود التجمعات الحوثية في شمال اليمن بالقرب من السعودية.
تتخذ إيران اليمن نقطة انطلاق إلى شرق أفريقيا، وذلك في إطار سياساتها لتوسيع دائرة علاقتها ونفوذها في القارة الأفريقية.
تحاول إيران انتهاج سياسة تصدير مشاكلها الداخلية إلى الخارج في ظل ما تواجهه إيران من مشاكل داخلية وخارجية، على رأسها أزمة البرنامج النووي الإيراني، وما يمكن أن تسفر عنه المفاوضات النووية الإيرانية مع المجتمع الدولي خلال الفترة القادمة.
تسعى إيران من خلال وجودها في اليمن إلى تفكيك المجتمع اليمني وزرع الطائفية، خاصة في الدول التي توجد بها تجمعات طائفية تدين بالمذهب نفسه، وهي سياسة تتبعها إيران ” تصدير الثورة” الى دول الخليج العربية، وكذلك في العراق ولبنان، وفي اليمن حيث الوجود الحوثي.
ان ما نسمعه من ضجيج حول استعداد إسرائيل للقيام بعمليات عسكرية تجاه المنشآت النووية الإيرانية هو كذب صريح لتضليل العالم، والعلاقات الإيرانية الأمريكية الإسرائيلية في تخادم لتحقيق مصالح كل منهم على حساب دول المنطقة ، ولو أرادت إسرائيل تنفيذ عملية عسكرية ضد المفاعلات النووية الإيرانية لنفذتها قبل أن يعرف عنها العالم وقبل إنجازها، ونفذت إسرائيل مثل هذه العمليات ضد مفاعلين نوويين مرتين، في العراق وسوريا، وتهدف إسرائيل إلى إثارة الضجيج حول النزاع موجه بشكل أساسي إلى شركاء إسرائيل الأمريكان والأوروبيين والروس والصين لتشعر بقلق أكثر تجاه المفاعلات الايرانية للحصول على المزيد من المكاسب.
ولم يتردد قائد «فيلق القدس» اللواء إسماعيل قاآني في الاعتراف صراحة أن إيران تدعم الهجمات التي يشنها الحوثيون ضد أهداف في السعودية؛ حيث قال بتاريخ 12/3/2021 في مجمع «آيات الثقافي» في مدينة مشهد إن هذه الميليشيات شنت خلال أقل من 10 أيام 18 عملية دقيقة ضد السعودية. ولم يكتف قاآني بتهديد المملكة، بل توجه بالكلام إلى الولايات المتحدة حيث أبلغنا «أن صوت تكسير عظام أميركا سوف يُسمع في الوقت المناسب». (2)
أبعاد السيطرة الإيرانية على الممرات البحرية
تتسابق الدول المطلة على الخليج العربي في إيجاد بدائل لمضيق هرمز لتصدير نفطها. فما هي فرصها للنجاح في ذلك، لاسيما وأن أهمية المضيق ليست محصورة بتجارة النفط فقط، الذي يمر عبره ثلث الصادرات النفطية العالمية، 17 مليون برميل نفط، هي 30 % من جملة النفط الذي يباع في العالم، وكل صادرات الغاز القطرية المتوجهة بشكل أساسي إلى الصين والهند وشرق آسيا، بل أيضا في توفير سلع أخرى لا يمكن لأي اقتصاد الاستمرار بدونها.
يعتبر التنافس من أجل السيطرة على مضيق باب المندب والبحر الأحمر جزءًا من صراع إقليمي أكبر بين إيران وحلفائها، فقد سارعت قوات الحوثي منذ بداية الحرب الأهلية في اليمن، للسيطرة على الموانئ اليمنية الاستراتيجية والمناطق الساحلية، وأهمها مضيق باب المندب، وتعرضت الملاحة إلى التهديد من خلال استهداف ناقلات النفط في البحر الأحمر، وتمر قرابة 25 ألف سفينة محملة بشتى أنواع البضائع سنوياً من المضيق، وتمثل 7 % من الملاحة الدولية. ومن شأن عرقلة حركة التجارة عبر المضيق أن يرفع من كلفة الصادرات، ولأهمية هذا المضيق أقامت الولايات المتحدة الأمريكية وفرنسا وانجلترا بعض القواعد العسكرية في محيطه، منها قاعدة أمريكية وأخرى فرنسية في دولة جيبوتي، ولم يتم إغلاق هذا المضيق سوى مرة واحدة، عندما أغلقته مصر في حرب 1973.
أما مضيق هرمز فيقع في بحر العرب بين دولة إيران وسلطنة عُمان ودولة الإمارات، وبلغ معدل التدفق اليومي للنفط في المضيق 21 مليون برميل يومياً في 2018، ما يعادل حوالي 21 بالمئة من استهلاك السوائل البترولية على مستوى العالم، وفقا لإدارة معلومات الطاقة الأمريكية (3)، مما يجعله أكبر ممر مائي في العالم، هذا المضيق الذي يتحكم في 90% من نفط الخليج ، لماذا لم تغلقه إيران إذا كانت تسعى للإضرار بدول الخليج؟، ولماذا لم تدخل دول الخليج وإيران في حرب بسببه ؟، ولماذا تفكر إيران أو تخطط لإغلاق باب المندب، كما يشاع، ولا تفكر في إغلاق مضيق هرمز؟ وهل إيران تمتلك القدرات العسكرية لإغلاق باب المندب أو حتى مضيق هرمز؟.
وأشار أبو الغيط، في تصريحاته إلى التهديد المستمر الذي يمثله الحوثيون على الملاحة في البحر الأحمر، موضحاً أن “السلوك الإيراني في المنطقة، والنزعة الواضحة للهيمنة والتدخل في الدول العربية، هما السبب وراء صعوبة إقامة نظام أمني في الخليج يقوم على التعاون والرفاهية المشتركة للشعوب”، وحذر الأمين العام لجامعة الدول العربية من حصول إيران على السلاح النووي، قائلاً إن هذا من شأنه إطلاق سباق للتسلح في المنطقة، معرباً عن أمله في نجاح المفاوضات الجارية مع طهران ” لـثنيها عن تحقيق هذا الهدف تجنباً لتدهور الموقف الأمني إلى ما هو أشد خطورة”.
وفقاً لبعض التقارير الغربية، إلا أن إيران ( وضعت استراتيجية عسكرية تمتد إلى عام 2025 تهدف إلى نشر قواتها البحرية من مضيق هرمز إلى البحر الأحمر إلى مضيق ملقا )، ومن المؤكد أن دول الخليج تدرك جيداً التهديدات الإيرانية التي تواجهها على الجانب الآخر من الخليج، لذلك لا بد لها أن تضع استراتيجية واضحة تجاه هذه التهديدات لمواجهتها ، على دول الخليج أن تواصل التعبير بصوت عالٍ عن معارضتها للنشاط الإيراني، وخاصة نشاط إيران الإقليمي الذي يصر على التدخل في شؤونها الداخلية، وتأجيج الصراعات العرقية، وتهديد الأمن القومي، من المؤكد أن دول الخليج ستظهر وحدتها، وتتخذ الإجراءات اللازمة لتأكيد وجودها على الخريطة، وإن بياناً واضحاً من دول الخليج كجسد واحد سيسهل عليها إدراج نفسها في ميزان القوى الذي يتبلور في المنطقة كوسيلة ردع.
إن ما نسمعه من ضجيج حول استعداد إسرائيل للقيام بعمليات عسكرية تجاه المنشآت النووية الإيرانية هو محض كذب لتضليل العالم، والعلاقات الإيرانية الأمريكية الإسرائيلية في تخادم لتحقيق مصالح كل منهم على حساب دول المنطقة ، ولو أرادت إسرائيل تنفيذ عملية عسكرية ضد المفاعلات النووية الإيرانية لنفذتها قبل أن يعرف عنها العالم قبل انجازها، ونفذت إسرائيل مثل هذه العمليات ضد مفاعلين نوويين مرتين، في العراق وسوريا، وتهدف إسرائيل إلى إثارة الضجيج حول نزاع موجه بشكل أساسي إلى شركاء إسرائيل الأمريكان والأوروبيين والروس والصين لتشعر بقلق أكثر تجاه المفاعلات الايرانية للحصول على المزيد من المكاسب.
تستهدف إيران من خلال تدخلها في اليمن ودعمها للحوثيين وغيرهم إيجاد موضع قدم في المناطق المتاخمة لمضيق باب المندب ليعزز من سيطرتها، إلى جانب سيطرتها على مضيق هرمز، وتحكمها في ممرات الملاحة الدولية في الخليج العربي والبحرالأحمر بصورة تزيد من مكانتها التفاوضية بشأن برنامجها النووي، ليصبح بذلك النفوذ الإيراني محاصراً للمنطقة بشكل عام الشمال والشمال الشرقي بنفوذها في لبنان وسوريا والعراق وجنوباً بنفوذها في اليمن؛ وفي دول مجلس التعاون الخليجي من خلال التنظيمات والخلايا السرية، وهو ما يعني اكتساب المشروع الإيراني في المنطقة أرضاً جديدة، قد تعيد رسم خريطة التوازنات الإقليمية في المنطقة بالتوافق مع أمريكا.
يحمل التدخل الإيراني في طياته مخاطر عدة يمكن أن تتجاوز حدود دولة معينة إلى غيرها من دول الجوار لاسيما دول الخليج العربية، وبالأخص المملكة العربية السعودية، كما أن هناك مؤشرات خطيرة على تهديد يمس المجتمع الدولي إذا ما تم إحكام السيطرة على باب المندب والممرات البحرية على البحر الأحمر، وإيران لا تريد نهج دولة وفق الأعراف الدولية، بل تريد أن تبقى ثورة لتقويض استقرار بقية دول العالم وليس فقط دول الخليج والشرق الأوسط.
-المراجع-
تصريحات أحمد أبو الغيط الأمين العام لجامعة الدول العربية، نشرتها وكالة أنباء الشرق الأوسط المصرية السبت الموافق 4/12/2021.
هدى الحسيني، إيران تنقل تهديداتها إلى مضيق هرمز وباب المندب! الخميس – 5 شعبان 1442 هـ – 18 مارس 2021 مـ رقم العدد [15451]
https://aawsat.com/home/article/286621
تدفق النفط عبر “هرمز”.. تهديدات العرقلة “قائمة” رغم الهدوء (تقرير) AA