د.نبيل العتوم
رئيس وحدة الدراسات الإيرانية
مركز أمية للبحوث و الدراسات الاستراتيجية
ما هي مصادر التهديد التي يمكن أن يتعرض لها الأمن الأردني والسعودي والخليجي في الفترة القادمة جراء سيطرة إيران ومليشياتها على درعا ؟ قد تتزايد بعد انتشار الحرس الثوري الإيراني ، ومليشيا حزب الله ، ، كما تتزايد مع احتمال وصول تنظيم داعش إلى جنوبي سورية ،و تزايد عمليات نزوح اللاجئين السوريين ، ودخول إسرائيل على الخط بعد تلاشي فكرة استكمال المسيرة السلمية ، و إبعاد فرص بناء الدولة الفلسطينية عن طريق إشغال الدول الإقليمية والكبرى عن دعم تحقيق هذا الهدف ،وصعود أصوات وتوجهات متعددة تطالب بحل القضية الفلسطينية على حساب الأردن ،أو من خلاله- بعد إضعافه طبعاً-، بعد أن تبدّت مصادر تهديد خطيرة على الأردن من جانب إيران ومحورها ، إلى جانب ضبابية الموقف الأمريكي والروسي إزاء هذه التطورات ، مما يوحي بوجود مسار جديد لإعادة رسم التوازنات السياسية والعسكرية في المنطقة .
هذه المتغيرات بمجملها تُمثل تهديداً للمملكتين الأردنية والسعودية على حد سواء ، لكن كيف ؟؟ .
لا شك بأن هذه التطورات الدراماتيكية المتسارعة لا بد من أن ترفع من مستوى التهديد ؛و في هذا السياق لا بد من إجراء تحليل علمي وواقعي و منطقي واستشرافي لتبعات ما يجري على حدود الأردن الشمالية ، والتي باتت تشكل مصدر تهديد غير مسبوق .
سيناريو درعاستان و خطرها على الأمن الأردني والسعودي
حتى نفهم ما يجري لابد من تحليل المتغيرات التالية :
المتغير الأول : هو الانتصارات التي حققتها إيران وحلفاؤها على الأرض في محافظة درعا ، حيث باتت طهران ومن خلفها في وضع شبه مسيطر ؛ حيث دعم ذلك فرص تركيز نفوذ ها في درعا ، بعد تقهقر المعارضة المسلحة السورية على الأرض .
المتغير الثاني :حسابات صانع القرار السياسي والعسكري والأمني الإيراني والسوري في كيفية استغلال هذا الحدث المهم لإحداث ضغط أكبر على الأردن والسعودية ومنطقة الخليج عموماً ، واستراتيجيات تحقيق ذلك وأدواته الفعلية على الأرض .
المتغير الثالث :كيف يُمكن توظيف أرض درعا لتصدير الأزمات والمشاكل للمحور الأردني السعودي الخليجي ليصبح الأمر في نهاية الأمر في وضع أسوأ مما كانت عليه ، واستنزاف قدرات هذه الدول وإمكاناتها ، بهدف ثنيها عن دعم المعارضة السورية ، والضغط على هذا المحور لإجباره على الابتعاد عن فكرة تغيير النظام السوري ، فضلا عن توجيه البوصلة السعودية والخليجية عن القضية اليمنية عن طريق استنزافها بأزمة جديدة .
المتغير الرابع :القضاء على الأردن اقتصادياً واستنزاف طاقاته السياسية والعسكرية وتشويه القاعدة الذهبية التي تعتمد على فكرة مفادها أن الأردن وفي ظل التغيرات الجيوسياسية في المنطقة بات أكثر قدرة وأهمية من ذي قبل بالنسبة لدول المنطقة ، حيث بات يُمثل المثال والساحة الوحيدة التي تحتفظ بمقومات الأمن والاستقرار ليس لشعبها فقط ؛ بل بالنسبة لدول المنطقة ، وبيئة آمنة جالبة للاستثمار.
المتغير الخامس : التأثير على الأردن اقتصاديًا في ظل وجود مجموعة من العوامل يأتي في مقدمتها تقتير دول مجلس التعاون الخليجي عن دعم الأردن ، وانكفاء المجتمع الدولي عن تقديم مساعدات مجزية له ، ومحاولات إيران المتكررة من خلال أدوات النظام السوري نقل الفوضى للأردن ، وتهديد اقتصاده عن طريق التلاعب بأمنه الداخلي .
لا شك بأن كل هذه العوامل ليست في مصلحة الأردن ، وسوف تسهم في نهاية المطاف في تعقيد الظروف المعيشية للشعب الأردني ، مما سيخلق – حسب رؤية النظامين الإيراني والسوري – أرضية خصبة لنمو التيارات الراديكالية المتطرفة ، وسيُسهل مهمة بناء الخلايا النائمة التي يطمح تنظيم داعش فرع المخابرات السورية والإيرانية بالتواصل معها لنقل الفوضى إلى الأردن ، ودول الجوار وفي مقدمتها المملكة العربية السعودية .
المتغير السادس : تأجيج إيران وحلفائها للأوضاع الأمنية في سوريا عموماً ، وفي محافظة درعا على وجه الخصوص سوف يسهم في تكثيف عمليات اللجوء السوري للأردن ، ومحاولة استغلال موجات اللجوء لزرع خلاياه النائمة ، وهو ما تنبه له صانع القرار الأمني بصورة مبكرة .
المتغير السابع: ما تُمثله محافظة درعا من أهمية استراتيجية بالنسبة لإيران بعد أن اتضح هذا الأمر بشكل جلي من خلال تصريحات المسئولين الإيرانيين المتكررة وكان أخرها ما صرح به مساعد قائد الحرس الثوري بعد الانتصارات التي حققتها ايران وحلفاؤها هناك بأن ” الحرس الثوري الإيراني بات على مشارف عمان، وقريباً من عاصمة آل سعود أكثر من أي وقت مضى” .
المؤكد أن إيران تسعى للنفوذ إلى الأردن بشكل دائم ومتكرر من خلال توظيف المعادلة السياسية الداخلية؛ وتحديداً متغير علاقات الدولة الأردنية المضطرب مع الإسلاميين، التي ينبغي لصانع القرار الأمني والسياسي التنبه لخطورتها ، وتفويت الفرصة على طهران لتحقيق ذلك من خلال نسج علاقة جديدة، وعلى أسس واضحة مع الإسلاميين ، إلى جانب ذلك تحاول إيران استغلال متغير أخر وهو المتمثل بفرصة الجفاء بين إيران وحماس ،من هنا على الأردن تبني إستراتيجية جديدة تتمثل بالسعي لتوظيف هذا المتغير لصالحه بدلاً من أن يكون ضده ، لأن هذه الحركة ستبقى في نهاية المطاف ورقة رابحة للوقوف ضد المشروع الإيراني والإسرائيلي على حد سواء اللذين باتا يتقاطعان معاً، مع رفع احتمالية الحوار مع حركة الجهاد الإسلامي أيضاً ، وهو ما نجحت الرياض في تخطيه .
من هنا تبرز الحاجة إلى ضرورة وأهمية إعادة تشكيل مؤسسات صنع القرار الوطني الأردني ، ورفد مطبخ القرار بنخب قادرة ومؤهلة وغير معتلة بما ينسجم مع المرحلة الجديدة ، لأن هذه التحولات ترتبط، بلا شك بوجود نخب قادرة على النهوض بأعباء المسؤولية ، وأن لا تسهم في خلق بيئة تصادمية مع الأحزاب والقوى السياسية ، وأن تكون قادرة على المساهمة الفعالة لتخفيف الأعباء عن صانع القرار السياسي والأمني على حد سواء ، والدفع باتجاه انتخابات نيابية مُمثلة لكل الأطراف وبعيداً عن ممارسة سياسة الإقصاء والتهميش .
إيران تتلاعب بورقة درعاستان : البناء والتفكيك
تلعب الجغرافيا دوراً مهماً في تشكيل المصالح الإيرانية في درعا ؛ فهي ستعطي طهران وحلفاءها ميزات كثيرة تجعلها متحكمة في عدد متزايد من ملفات المنطقة ؛ ومن أبرزها التأثير على الأوضاع الداخلية في كل من الأردن والسعودية ، وهو ما يعني مزيداً من النفوذ وتنامي الدور الإقليمي، ولكن من ناحية أخرى فإن الجبرية الجغرافية السورية مع الأردن ، ستضع عمان والرياض على شفير عدد من الأزمات المعقدة والمتشابكة بسبب هذا الموضوع .
أولاً : الاستراتيجية الأولى لإيران في التعامل مع موضوع درعا أنهلا يوجد تقدم فعلي على الارض لمشروعها هناك دون التوسل لتكون الطائفية أحد أهم أدوات السياسة الإيرانية كونها منطلقاً أساسياً له، وهذا أمر طبيعي بالنسبة لدولة ولي الفقيه ، لأن هذا المنطلق مرتبط بالأمن القومي الإيراني والمصالح الاقتصادية والسياسية المختلفة، وعلى ضوء ذلك من المتوقع أن تلعب طهران ب بورقة السكان داخل محافظة درعا ومحاولة تفريغها من سكانها السنة الأصليين بعد سيناريو عمليات الذبح والتهجير ، حيث من المتوقع أن تتبنى إيران سيناريو عملية الإحلال الديموغرافي عن طريق نقل وتوطين سكان شيعة من سوريا ، ولبنان والعراق وأفغانستان وباكستان وتوطينهم في درعا بحجج وذرائع الشحن المذهبي؛ وفي مقدمتها سياسة إيران للتمدد ألقبوري بعد أن يخرج علينا أحد مراجع التقليد الشيعة الإيرانيين ويبشرنا باكتشاف أضرحة لآل البيت في محافظة درعا ، أو في أحد قراها المتناثرة ، مما يُسهل ذريعة التعبئة المذهبية للتوطين، و تسهيل عملية الحج نحوالمزارات المفترضة في درعاستان المقدسة .
ثانياً:ستعمل إيران على تشكيل واجهات عسكرية ومن ثم سياسية في حال نجحت في تحقيق هدفها السابق ، لتعبر عن هذه الأقليات الشيعية في درعا ، والعمل على توحيد عملها لكي تتمكن من ترجمة أهميتها الديموغرافية إلى نفوذ سياسي، وبالتالي تعزيز السيادة الشيعية في دمشق الجديدة المقبلة ، بعد أن تنشط فيها مؤسسات الثورة الإيرانية تحت غطاء العمل الخيري والاجتماعي والدعوي وإنشاء الحوزات … .
والتأسيس للطائفية والمذهبية، سعياً وراء تقسيم الشعب السوري .
ثالثاً : التطورات في درعا سُتسهم في النهاية في تغيير معادلة الجغرافيا السياسية لتكتسب إيران وضعاً تفاوضياً قوياً مع الأردن والسعودية ،وبالتالي تتمكن من إمتلاك نفوذ كبير في المنطقة؛ بعد أن تدخلت روسيا لصالحها ؛ وبعد أن سقِط النظام السُّني غرب إيران ممثلاً بالعراق الذي كان يُشكل العمق الجيوبولتيكي للأردن والسعودية على حد سواء ، وهو أفضل مما كانت تحلم به إيران؛ مع حرية مطلقة للدخول والخروج من وإلى الدولتين العراق وسوريا للنفوذ لدول المنطقة وفي مقدمتها الأردن والسعودية ، بعد أن تبنت طهران إستراتيجية مذهبية خيالية شعارها الأساس أن لدولة أم القرى “إيران” الحق بالاستيلاء على الجغرافيا التي تراها ضرورية لبناء مجالها الحيوي المذهبي، وبعد أن رفعت أيضاً شعار” أن الوصول لمكة عبر البوابة السورية سوف يكون من خلال بوابة دولة وادي اليابس ” الأردن” . وتمكنت من تعبئة شيعة الشتات ، وحقنهم بهذه الفكرة .
رابعًا : تفعيل إيران وحلفائها للمزايا الجيوبوليتيكية التي تتمتع بها من خلال التوسل ببوابة درعا من خلال دعم عمل مليشياتها وتقديم الدعم ألاستخباراتي والعسكري والاقتصادي والسياسي للنفوذ والعبور إلى الأردن، حيث تمتلك طهران تحكُّماً في عدد من الاستراتيجيات الخطيرة والمؤثرة للتأثير مستقبلاً على الأردن والسعوديه ، حيث ستوكل لقيادة الحرس الثوري الإيراني تنفيذ أجندته التخريبية مثل:زراعة المخدرات التي كان للحرس الثوري دوراً في جعل أرض أفغانستان وجنوب لبنان أكبر مكان لزراعة المخدرات وصنوفها في العالم ، لهذا سينشط في مهمة جعل أرض درعا مكاناً خصباً لزراعة المخدرات والتفنن بها ، تمهيداً لتهريبها للأردن ودول المنطقة وفي مقدمتها المملكة العربية السعودية ، إضافة إلى تسهيل الحرس الثوري لعمليات تهريب الأسلحة للأردن ودول المنطقة من خلال بوابة درعا ، و التحكم في مسار ملف اللاجئين، وإعادة رسم الخارطة السكانية من خلال دعم توطين الشيعة فيها ، كذلك التحكم في ملف التبادل التجاري مع الأردن الذي كان يعتبر درعا شريانه البري الحيوي للتواصل مع سوريا ولبنان وتركيا ، إلى جانب تقديم الدعم العسكري لمجموعات قد تقوم بالتحالف معها من بعض عشائر درعا إذا لم يتم التواصل معها ودعمها وتسليحها قبل فوات الأوان ، لتكون أحد المصدات للوقوف بوجه النفوذ الإيراني ” نموذج الصحوات ” ، إضافة إلى موضوع استغلال إيران لفكرة الحرب على الإرهاب لتسهيل مهمة نفوذ داعش وأخواتها إلى الأردن والسعودية بعد توفير الدعم اللوجستي والتسليحي والاستخباري لها .
خامسًا : ترويج وافتعال إيران لخلق حالة من الفوضى في درعا ، عن طريق سياسة تفريخ المليشيات من مختلف العشائر والمناطق التابعة لمحافظة درعا ، واستدراج بعضها من خارج المنطقة ، واللعب على وتر الخلافات العشائرية وتناقضاتها كما فعلت في العراق وأفغانستان ، بحيث تكون سهلة التوجيه والانقياد إضافة إلى محاولة الاستثمار في سلسلة واسعة من العشائر المتنوعة القاطنة هناك ، الذين كثيرا ما يكونون مستعدين لتقديم الخدمات نتيجة للظروف الاقتصادية والسياسية المزرية ، حيث ستسعى طهران لتوظيفهم كمنافسين لتقليل المخاطر عنها إلى الحد الأدنى ،وذلك لضمان استمرار نقل الفوضى وبثها على مقياس متعدد الدرجات ، ولكن قابل للسيطرة عليه من جانب إيران ، على اعتبار أنها مفتاح الحل ، مما يجعل صانع القرار السياسي والأمني الأردني في حالة قلق دائم . ومن هنا فإنه من المحتمل أن تنظر إيران إلى توظيف ملف درعا كجزء من منافستها الأوسع مع مخاوفها تجاه الأردن والسعودية وإلى قلقها المتعاظم بعد تشكيل التحالف الإسلامي لمكافحة الإرهاب الذي اعتبرته موجهاً ضدها ، إضافة إلى التحالف السعودي التركي والتهديد بحرب برية ضد النظام السوري من جهة تركيا ، وبالتالي فإن طهران ستكون مستفيدة بشكل أوسع من خلال إنتاج حالة عدم استقرار أكبرمن جبهة جنوب سوريا ” درعا ” للتأثير على خصومها .
سادساً : تزامن تعاظم التأثير الإيراني من خلال الأزمة السورية وموضوع درعا مع تغير الرؤى في الولايات المتحدة بالنسبة لموضوع بقاء حالة الاقتتال على ما هي عليه، دون السماح لتغيير الموازين على الأرض لصالح المعارضة السورية ، مع الدعم غير المعلن للإستراتيجية الروسية والإيرانية الماضية في تقدمها وسحق المعارضة والشعب السوري معاً ، مما سيشجع طهران على محاولة «أقلمة» القضية السورية حسب مقاسها ؛ خاصة مما يتعلق بموضوع درعاستان ، واستغلال فكرة انشغال أميركا بانتخاباتها الرئاسية لتحقيق أهدافها، لتصفية حساباتها مع الخصوم .