تقدير استراتيجي (112) – أيار/ مايو 2019.
ملخص
أياً تكن القراءات والتقديرات بشأن نتائج الانتخابات الإسرائيلية للكنيست الواحد والعشرين، ثمة حقيقة لا تقبل الشك ولا التشكيك، وهي أن نتنياهو شخصياً كان بطل هذه المعركة، وكان المنتصر الأول فيها، وكُرس في ختامها زعيم اليمين الذي لا يُهزم.
واضح للجميع أن نتنياهو يعمل على تشكيل ائتلاف حكومي يميني جديد، وفق ما بات يُعرف بائتلاف “لائحة الاتهام”، على أساس معادلة “الحصانة مقابل السيادة”. بمعنى أن شركاء نتنياهو يوفرون له مظلة سياسية لمواجهة المسار القضائي الذي ينتظره، وهو بالمقابل يحقق سعيهم لسلب المزيد من الحقوق الفلسطينية، ولا سيّما ضمّ المستوطنات في الضفة الغربية، ورفض منح الفلسطينيين الحد الأقصى مما قد تتضمنه “صفقة القرن”.
وعليه، الفلسطينيون سيكونون على موعد جديد مع حكومة يمينية متطرفة، لا أُفق معها لأي تسوية تحفظ الحد الأدنى من الحقوق الفلسطينية، ما يفرض على القوى الفلسطينية كافة الاستعداد ووضع الاستراتيجية المناسبة ليس لاستعادة الحقوق المسلوبة فحسب، بل لمواجهة المشاريع لسلب ما بقي لهم، والتصدي لمساعي تصفية قضيتهم.
مقدمة:
يحاول هذا التقدير أن يعالج بشكل موسع خلفيات الانتخابات الإسرائيلية التي عقدت في 9/4/2019، ونتائجها، والسيناريوهات المحتملة لتشكيل الحكومة الإسرائيلية، والانعكاسات المحتملة لذلك على الشأن الفلسطيني.
أولاً: الانتخابات المبكّرة… الأسباب، الخلفيّات:
في 24/12/2018، وعلى نحوٍ مفاجئ، أعلن قادة الائتلاف الحكومي أنهم اتفقوا بالإجماع على حلّ الكنيست، والتوّجه إلى انتخابات مبكرة، حُدد موعدها في 9/4/2019. قام رئيس الحكومة الإسرائيلية، بنيامين نتنياهو Benjamin Netanyahu، الذي وجد ضالته في أزمة تجنيد الحريديم كذريعة لإجراء انتخابات، بعملية استباقية لمواجهة لائحة اتهام متوقعة ضدّه، على خلفية القضايا الجنائية المُتهم بها، لا سيّما وأنه كان في حينها يتوقّع فوزاً ساحقاً في الانتخابات، الأمر الذي اتفقت عليه مجمل استطلاعات الرأي، وهو ما تحقق لاحقاً.
لكن المُفارقة، هي أن نتنياهو نفسه، كان قد هدّد قبل أسابيع من ذلك [1]، بـ”الويل والثبور وعظائم الأمور” إذا تمّ إسقاط حكومته اليمينية، وتذرّع حينها بالتحديات الأمنية الخطيرة التي تمرّ بها “إسرائيل”، وخلال مسعاه لثني وزير التربية نفتالي بينيت Naftali Bennett ووزيرة القضاء أييلت شاكيد Ayelet Shaked عن تقديم استقالتهما، وإسقاط الحكومة التي كانت تستند على أغلبية صوت واحد، أدخل نتنياهو “إسرائيل” في حالة من الهلع، وتدخّل مع حاخامات الصهيونية الدينية للضغط على الثنائي بينيت – شاكيد من أجل التراجع عن الاستقالة، خوفاً من الذهاب إلى انتخابات مبكرة، لم يرد نتنياهو أن تُجرى على خلفية فشله الأمني في قطاع غزة.
وفي كل الأحوال، ركّزت رواية نتنياهو وفريقه السياسي على أن السبب الرئيسي والمباشر لحلّ الكنيست، هو الفشل في سنّ قانون التجنيد، ضمن المهلة القانونية التي حددتها محكمة العدل العليا، بسبب معارضته من قبل حزب “أغودات إسرائيلAgudat Yisrael” المشارك في الحكومة ضمن كتلة “يهدوت هتوراه United Torah Judaism”، والإخفاق في توفير الأغلبية البرلمانية المطلوبة قانونياً، بعد تراجع كلٌ من رئيس حزب “هناك مستقبل”، يائير لبيد Yair Lapid، و”إسرائيل بيتنا Yisrael Beitenu”، أفيجدور ليبرمان Avigdor Lieberman، عن تأييد قانون التجنيد، الذي يدور حوله الخلاف والجدل. فهما أيدا القانون سابقاً، عندما أجيز بالقراءة الأولى في تموز/ يوليو 2018، وبتراجع لبيد وليبرمان عن التصويت لصالح القانون بات من المؤكد سقوطه لأن الحريديم Haredim لا يمكنهم التصويت معه .[2]
في مقابل رواية نتنياهو، ساد الانطباع في “إسرائيل” بأن نتنياهو استخدم أزمة التجنيد كذريعة لحلّ الحكومة، وكتغطية على السبب الجوهري المتمثل بلائحة الاتهام التي كان مرجحاً صدورها بحقه (وهو ما حصل بالفعل يوم الخميس في 28/2/2019) [3]. ولائحة الاتهام هي ما تُفسّر، برأي كثيرين، سبب تراجع نتنياهو عن التمسّك بالحكومة التي دافع عن بقائها بشراسة قبل ذلك بأسابيع معدودة، متذرّعاً بـ”وضع أمني حساس”، “اتضح أنه ذريعة مؤقتة جداً”، لا سيّما وأن نتنياهو لم يستنفد، كعادته، كل خياراته، ولم يستعمل كل أدواته، ولم يستغل هامش الوقت المتاح له حتى منتصف كانون الثاني/ يناير 2019 لتذليل العقبة (وهو الموعد النهائي الذي حددته المحكمة العليا لسن قانون جديد بشأن خدمة الحريديم في الجيش)، وحتى لم يطلب تأجيلاً إضافياً من المحكمة العليا كما فعل مراراً، ولم يطرح صفقة مع الحريديم، أو حلول تسوية، وذلك على الرغم من الحديث عن وجود خيارات طرحتها وزيرة العدل، أييلت شاكيد .[4]
إلى جانب السبب الأكثر حضوراً في التقديرات والتحليلات الإسرائيلية المتعلق بملف التحقيقات مع نتنياهو، يمكن الإشارة إلى جملة عوامل إضافية مثَّلت آنذاك بيئة محفّزة لتبكير موعد الانتخابات، وكلّها عوامل تمثل فرصاً يمكن أن يوظّفها نتنياهو لصالحه:
1. التقدير بأن الانتخابات السريعة ستمنع، أو على الأقل، ستصعّب توحّد أحزاب المعارضة، الضعيفة أصلاً، حول برنامج متفق عليه ضدّ نتنياهو والليكود Likud. كما أنها ستقلّل من فرص نجاح رئيس الأركان السابق، بني غانتس Benny Gantz، من الاستعداد تماماً لدخول الحلبة الحزبية بقوة (تبين لاحقاً عدم صوابية هذا التقدير).
2. استباق خطّة ترامب للتسوية “صفقة القرن”، ومعروف أن نتنياهو غير متحمّس لها، ويخشى من أنّ متطلباتها قد تقوّض شراكته السياسية مع المستوطنين، وتُحدث شرخاً في الليكود.
3. انسحاب ليبرمان من الحكومة وبقائها مع 61 عضو كنسيت فقط، الأمر الذي أصابها بالشلل.
4. الاستفادة من الزخم السياسي والإعلامي الذي حققته عملية “درع شمالي” لاكتشاف وتحييد الأنفاق عند الحدود مع لبنان.
ثانياً: استراتيجية نتنياهو الانتخابية:
قرّر رئيس الحكومة الإسرائيلية، بنيامين نتنياهو، أن يتولّى بنفسه قيادة حملته الانتخابية، وتوجيه استراتيجية حزب الليكود في الانتخابات المقبلة، ولهذه الغاية بدأ بعقد لقاءات للطاقم الانتخابي لحزبه، وأبلغهم أنه في صدد تقسيم حملته الانتخابية إلى مرحلتيْن، الأولى قبل صدور لائحة اتهام ضدّه، والثانية بعد صدور اللائحة وحتى يوم الانتخابات في 9/4/2019. فنتنياهو أراد أن تتركّز الحملة الانتخابية في المرحلة الأولى حول التحقيقات ضدّه، وهو ليس مهتماً بالتحدّث خلال هذه المرحلة عن الأمن أو الاقتصاد أو عن الاختلاف بين المعسكرات المتنافسة.
ثمة ثلاثة أسباب دفعت نتنياهو إلى التوجّه للانتخابات من خلال استراتيجية كهذه. السبب الأول، هو استباق قرار المستشار القضائي للحكومة، أفيحاي مندلبليت Avichai Mandelblit، الذي صدر بالفعل يوم الخميس في 28/2/2019، والتقليل من أهميته، كي لا يشكل قراراً كهذا نقطة تحوّل دراماتيكية في منتصف الحملة الانتخابية.
والسبب الثاني، هو الادعاء بأن التحقيق ضدّه مسيّس منذ البداية، وبذلك ينزع الشرعية عن قرار المستشار القضائي، والإشارة إلى أنه استسلم لضغوط الشرطة والنيابة ووسائل الإعلام والمُعارضة بتقديم لائحة اتهام.
أما السبب الثالث، هو أن يكرّر نتنياهو ادعاءه بأن الشبهات ضدّه بارتكابه مخالفة الرشوة في الملفين 2000 (المحادثات بينه وبين ناشر يديعوت أحرونوت) و4000 (تسهيل دمج شركتي “بيزك” و”يس” مقابل تغطية مؤيدة له في موقع واللا) لا تتعلق بالمال وإنما بتقارير إخبارية داعمة له.
بعد أن صدرت لائحة الاتهام، بدأ نتنياهو بالمرحلة الثانية، التي حاول فيها تحويل الانتخابات إلى تصويت ثقة به وبقيادته. وقد بدأت المرحلة الثانية بعد ساعات من صدور الاتهام، حيث أدلى نتنياهو ببيان متلفزّ كرّر فيه استراتيجيته الدفاعية المرتكزة، بالدرجة الأولى، على تحويل ملفاته من قضائية إلى سياسية، وهو وجّه أصابع الاتهام إلى خصومه السياسيين بممارسة ضغوط على المستشار القضائي لاتهامه وبهدف إسقاط حكومة يمين برئاسته .[5]
وكعاته، ظهر نتنياهو بمظهر الضحية والمضَّطهَد سياسياً من قبل “اليسار”، والإعلام وأجهزة التحقيق والقضاء، ثم حاول تسخيف الاتهامات، ولا سيّما الرشوة، باعتبار أنه لم يتلقّ رشىً مالية، بل منافع عينية، كسجائر وزجاجات الشمبانيا وغيرها. وخاطب نتنياهو الجمهور الإسرائيلي ومشيراً إلى أن القضاء خضع للضغط، وأن المستشار القضائي، الذي عيّنه بنفسه، هو من لحم ودم.
ثالثاً: نتائج الانتخابات:
المعركة الانتخابية، التي أرادها بنيامين نتنياهو استفتاء على اسمه وشخصه، وكذلك أرادها خصومه، أعطته ما أراد، فخرج منها منتصراً بعد أن تغلب على ثلاث لوائح اتهام مدعومة برابعة لاحت بوادرها خلال المعركة الانتخابية، وعلى ثلاثة رؤساء أركان مدعومين برابع من خارج السباق الانتخابي، في سابقة لم تعرف الحياة السياسية مثيلاً لها في تاريخها.
أياً تكن القراءات والتقديرات بشأن المعركة الانتخابية ونتائجها، ومهما ظهرت تباينات في تحديد موازين الربح والخسارة للمشاركين فيها، إلا أن ثمة حقيقة لا تقبل الشك ولا التشكيك، وهي أن نتنياهو شخصياً كان بطل هذه المعركة، وكان المنتصر الأول فيها، فهو الذي جرّ الحلبة السياسية إليها من خلال مغامرة تقديم موعد الانتخابات، وهو الذي فرض جدول أعمالها وجعل نفسه محورها، وهو الذي كُرس في ختامها زعيم اليمين الذي لا يُهزم.
النتائج التي تمخّضت عنها الانتخابات عزّزت حزب الليكود برئاسة نتنياهو بحصوله على 35 مقعداً، بإضافة خمسة مقاعد إلى قوته مقارنة بالكنيست السابقة. غير أن تعزّز قوة الليكود جاء على حساب شركائه الطبيعيين في المعسكر اليميني، وعلى حساب قوة هذا المعسكر الذي تراجعت قوته مقعدين مقارنة بما كانت عليه، لترسو على 65 مقعداً.
في المحصلة، ربح بنيامين نتنياهو رهانه في الحصول على مشروعية “شعبية” يواجه بها “المشروعية القضائية”، وهو وإن انتصر في هذه المعركة، فإن هدفه المقبل هو الانتصار في الحرب، وحرب نتنياهو الأولى والوحيدة هي مع لوائح الاتهام المقدمة بحقه والمحاكمة التي تنتظره، ومن السابق لأوانه الحكم على نتيجتها. ويمكن القول إن نتنياهو ربح المعركة الانتخابية، وعينه الآن على الحرب القضائية.
https://www.alzaytouna.net/wp-content/uploads/STRASS112_Israel-Elections-19_Chart1-219x300.jpg 219w, https://www.alzaytouna.net/wp-content/uploads/STRASS112_Israel-Elections-19_Chart1-400x549.jpg 400w, https://www.alzaytouna.net/wp-content/uploads/STRASS112_Israel-Elections-19_Chart1.jpg 600w" sizes="(max-width: 600px) 100vw, 600px" style="box-sizing:border-box;border-style:none;vertical-align:top;max-width:100%;height:auto">
1. ملاحظات عامة من وحي نتائج الانتخابات:
دارت المعركة الانتخابية الأساسية بين الحزبيْن الكبيرين: الليكود، برئاسة بنيامين نتنياهو في كتلة اليمين، وأزرق أبيض Blue and White برئاسة غانتس ولبيد في الكتلة المنافسة، ووصل عدد القوائم التي فازت في الانتخابات إلى 11 قائمة من أصل 43 قائمة دخلت المنافسة. وقد تميّزت هذه الدورة الانتخابية، التي أجريت قبل موعدها بنحو سبعة أشهر، بالحدة والقساوة التي اعتمدتها الحملات الدعائية والانتخابية بين المعسكرات وداخلها.
أ. فاز نتنياهو في الانتخابات بميزتيْن أساسيتين: الليكود هو الحزب الأكبر حالياً (35 مقعداً)، والليكود يقود الكتلة البرلمانية الأكبر (65 مقعداً).
ب. عدد مقاعد حزب الليكود لوحده يتفوّق على عدد مقاعد أحزاب اليمين مجتمعة.
ج. بعد تنفيذ الاتفاق مع حزب “اتحاد أحزاب اليمين”، تنقص مقاعد حزب الليكود إلى 34، بعد عودة المقعد 28 إلى الاتحاد، الذي تزداد قوته من 5 إلى 6 مقاعد، بناء على اتفاق مسبق بين الحزبين.
د. عدد مقاعد حزب “أزرق أبيض” يتفوّق على عدد مقاعد المعسكر المنافس لنتنياهو مجتمعاً.
ه. ارتفعت قوّة مساومة الأحزاب الحريدية بشكل كبير(شاس Shas، ويهدوت هتواره؛ 16 مقعداً)، لأن نتنياهو لا يستطيع تشكيل حكومة يمين ضيقة من دون أحد هذه الأحزاب، وفيما لو توحّدت فإن قوّة مساومتها ستزداد بشكل كبير.
و. قوة الأحزاب الحريدية (شاس، ويهدوت هتواره) تفوق قوة بقية أحزاب اليمين ما عدا الليكود (16 مقعداً للحريديم، مقابل 15 مقعداً لأحزاب اليمين الأُخرى).
ز. الحزب اليميني الوحيد غير القادر على تفكيك الحكومة اليمينية الصرفة هو حزب “كولانو/ كُلنا Kulanu” (أربعة مقاعد).
ح. يُمكن تشكيل حكومة وحدة من حزبيْن فقط (الليكود + أزرق أبيض).
ط. كرست النتائج زوال الأحزاب المتوسطة الحجم، فباستثناء حزبَي الليكود وأزرق أبيض كل الأحزاب الباقية هي دون العشرة مقاعد.
ي. ثلاثة أحزاب ولدت قبل الانتخابات فشلت في تجاوز نسبة الحسم: اليمين الجديد، وزِهوت، وغيشر.
2. الرابحون والخاسرون:
أ. انتصار نتنياهو:
حقق نتنياهو انتصاراً شخصياً وسياسياً واضحاً لا لبس فيه. دارت المعركة الانتخابية كلها على موضوع واحد “مع نتنياهو أو ضد نتنياهو”، وهو خاضها بنفسه ليس كرئيس حكومة ووزير أمن (جيش) فحسب، بل كزعيم واحد أوحد لحزب الليكود. فهو رسم استراتيجية الحملة الانتخابية لليكود، وحدّد معالمها، ووضع أهدافها، وتحّكّم بمسارها، وباختبار النتيجة سجل نجاحاً باهراً. ويمكن القول إن النتيجة الكبيرة التي حققها الليكود تحمل اسم نتنياهو وتوقيعه، وعليه هو كرس نفسه زعيماً بلا منازع لليكود ولليمين على حد سواء، وهو ما تعكسه المعطيات الاتية:
• رفع قوة حزب الليكود من 30 الى 35 مقعداً، على الرغم من إصدار المستشار القضائي للحكومة ثلاث مسودات لوائح اتهام بحقه.
• نجح نتنياهو في “جمع المجد الانتخابي من طرفيه”: رئيس أكبر حزب، ورئيس المعسكر الأقوى (65 عضو كنيست)، ما ضمن له الحصول على تكليف الرئيس الإسرائيلي لتأليف الحكومة.
• نجح في الحصول على “المشروعية الشعبية” أو التفويض الجماهيري في مقابل المشروعية القضائية، وهذا ما سيتسلح به لمواصلة تصديه للمسار القضائي الذي ينتظره.
• نجح في الصمود في وجه تكتل رؤساء الأركان السابقين الذي ضم كل الأحياء منهم. ثلاثة رؤساء أركان ضمن قائمة أزرق أبيض (جانتس، يعالون، أشكنازي)، مدعومين يموقف رئيس الأركان السابق شاؤول موفاز، الذي أعلن تأييده لهم. أما إيهود باراك، فأعلن تأييده لحزب العمل، بينما لم يصدر موقف عن دان حالوتس، وهو ليس معروفاً عنه أنه محسوب على الليكود.
• نجح في إنقاذ الصهيونية الدينية من خسارة كانت ستنعكس سلباً على قوة معسكر اليمين، عندما دفع بكل قوته لإنشاء تحالف أحزاب اليمين الذي ضم البيت اليهودي، والاتحاد القومي، وقوة يهودية (جماعة كهانا)، والذي نجح في دخول الكنيست.
• تخلص من غريميه الرئيسيين في اليمين، الوزيرين نفتالي بينيت، وأييلت شاكيد، بعد أن أخفق حزبهما الجديد “اليمين الجديد” في تجاوز نسبة الحسم. (مع أن هذا حصل على حساب قوة المعسكر اليميني، وهذا ما ضيّق عليه هامش المناورة لتشكيل الائتلاف).
• نجا من كابوس خصمه اليميني اللدود، رئيس حزب زهوت موشيه فايغلين، الذي كان يتوقع أن يكون مفأجاة الانتخابات، وبيضة القبان بين معسكري نتنياهو وغانتس، فكانت المفاجأة الحقيقية عدم تجاوز فايغلين وحزبه نسبة الحسم.
• ارتفاع قوة الحزبين الدينيين الحريديَيْن، شاس ويهدوت هتوراة، وهما حزبان لا يشكلان تحدياً سياسياً داخلياً له على الحلبة اليمينية.
• فوز نتنياهو لا يرفع عنه سيف المسار القضائي لملفات الفساد، ولا يوقف هذا المسار، لكنه يتيح له مواجهته من دون أن يضطر للاستقالة، في حال شكّل ائتلافاً من أحزاب اليمين التي سبقت أن أعلنت (باستثناء حزب كولانو) أنه لا يجب على نتنياهو الاستقالة من رئاسة الحكومة حتى لو قُدمت بحقه لائحة اتهام نهائية، وأُحيل الى المحاكمة.
ب. الأحزاب الحريديّة من أكبر الرابحين: زادت قوتها من 13 مقعداً في الكنيست الماضي إلى 16 مقعداً في الكنيست الجديد.
ج. “إسرائيل بيتنا”: صحيح أن الحزب لم يزد من قوته، لكنه حقق انجازاً لمجرد بقائه وتجاوزه نسبة الحسم، بعد أن توقعت له استطلاعات الرأي عدم تخطيها. والإنجاز الأكبر له يكمن في أنه بمقاعده الخمسة يمكن التحكم بمصير الحكومة وهو يقبض عليها، وهذا يمنحه قدرة ابتزاز ومساومة عالية جداً ظهرت في مطالبه خلال المفاوضات الائتلافية.
د. تحالف أحزاب اليمين: التحالف ربح لأنه تجاوز نسبة الحسم، ونجح في البقاء، على الرغم من انشقاق نفتالي بينيت عنه، وتشكيله حزباً جديداً. ولا شك أن الفضل الكبير في ذلك يعود إلى نتنياهو الذي بذل جهوداً جبارة لولادة هذا التحالف. ومع ذلك، بات نتنياهو الآن أيضاً رهينة لهذا التحالف، بسبب موازين القوى التي أفرزتها نتائج الانتخابات. وهذا التحالف هو أكثر من يتمسك بمعادلة الحصانة السياسية لنتنياهو مقابل السيادة.
ه. حزب أزرق أبيض: لا شكّ في أن حزب أزرق أبيض حقق إنجازاً باهراً بحصوله على هذا العدد الكبير من المقاعد. مشكلته أن هذا الإنجاز لم يكتمل لعدم تمكنه من حشد قوة من الحلفاء تتيح له الحصول على تكليف الرئيس له تأليف الحكومة. كما أن هاجس الانشقاق والانقسام سيبقى يلوح فوق رأس حزب أزرق أبيض لاعتبارات شخصية وسياسية، وهو ما بدأ المقربون من نتنياهو بالعمل عليه منذ الآن.
و. انهيار حزب العمل: من النتائج الواضحة انهيار حزب العمل، والهبوط إلى حضيض لا سابق له، وهذا يعود، من جملة الأمور، إلى أن ناخبي الحزب منحوا أصواتهم لحزب أزرق أبيض، على أمل أن يشكل بديلاً سلطوياً لنتنياهو ولحكم اليمين.
رابعاً: سيناريوهات الحكومة: بين “صفقة القرن” و”لائحة الاتهام”:
مع تبلور الصورة النهائية للنتائج، التي أعطت معسكر نتنياهو أغلبية برلمانية واضحة أتاحت تسميته من قبل الرئيس الإسرائيلي لتشكيل الائتلاف الحكومي المقبل، تتوجه الأنظار لمعرفة طبيعة وصورة الائتلاف الحكومي الذي أعلن نتنياهو أنه سيكون يمينياً صرفاً، أي صورة طبق الأصل عن الائتلاف السابق، في ظل استبعاد كبير للذهاب نحو خيار حكومة وحدة وطنية.
يمكن الحديث عن ثلاثة سيناريوهات أساسية محتملة لتشكيل الائتلاف الحكومي المقبل:
1. السيناريو الأول: حكومة يمين صرف: أعلن نتنياهو صراحة أنه سيشكل ائتلافاً حكومياً من شركائه الطبيعيين الذين أعلنوا جميعهم أنهم سيسمونه، (وهو ما حصل) عند الرئيس الإسرائيلي لتشكيل الحكومة، كما أن نتائج الانتخابات تتيح له ذلك، هذا الائتلاف يمكن وصفه بائتلاف “لائحة الاتهام”، لأنه يتيح لنتنياهو البقاء رئيساً للحكومة في ظل وجود لائحة اتهام بحقه. هذا الائتلاف سيضم إضافة إلى الليكود، الحزبين الحريديين شاس ويهدوت هتوراه، وحزب “إسرائيل بيتنا” الذي يرأسه أفيجدور ليبرمان، وحزب “كولانو” برئاسة موشيه كحلون، وتحالف أحزاب اليمين برئاسة رافي بيرتس، ويوفر لنتنياهو أغلبية في الكنيست من 65 عضو كنيست.
هذا لا يعني أن مهمة نتنياهو ستكون سهلة، لأنه سيكون أسير ورهينة كل حزب من هذه الأحزاب، وسيكون مضطراً لتلبية مطالبها، ومنحها حقائب أساسية، كأن يعطي ليبرمان وزارة الأمن (الجيش) مجدداً، وموشيه كحلون وزارة المالية، وهكذا دواليك.
لن تكون مشكلة نتنياهو في ائتلاف اليمين محصورة في توزيع الحقائب، بل في كيفية التعامل مع ” صفقة القرن” المرتقبة. فهو لا يستطيع رفض خطة يطرحها ترامب، ولا يستطيع تمريرها في ظلّ حكومة يمينية. والمخرج له من ذلك سيكون عرضاً سخياً من ترامب، مع رفض الفلسطينيين للصفقة اولاً، مما يعفيه من الحرج الذي قد يقع فيه.
2. السيناريو الثاني: حكومة “وحدة وطنية”: هذه معركة الانتخابات الأولى منذ سنة 1996، التي يحصل فيها الحزبان الكبيران معاً على أكثر من 60 مقعداً. والمرة الأولى منذ سنة 1996 التي يمكن فيها إقامة حكومة من حزبين فقط. لكن هذا لا يعني أن هذا سيحصل، إذ يمكن إيجاد الكثير من الأسباب لرفض سيناريو حكومة وحدة، فالعوائق أمام خطوة كهذه كثيرة. من الشكوك وعدم الثقة بين غانتس ونتنياهو بعد معركة انتخابات قاسية جداً وسيئة، والتعهد للناخب بعدم الجلوس مع رئيس حكومة توجد بحقه شبهات خطيرة واحتمال كبير بثلاث لوائح اتهام، وصولاً إلى رغبة نتنياهو في بناء ائتلاف يحميه من المحاكمة. وإذا كانت فرص هذا السيناريو شبه معدومة في المدى المنظور، إلا أنه لا يمكن استبعاد حصوله في مرحلة لاحقة نتيجة حصول تطورات سياسية أو أمنية (“صفقة القرن”؛ تسوية إقليمية؛ علاقات ديبلوماسية مع دول خليجية؛ مواجهات عسكرية أو حرب على الجبهتين الجنوبية والشمالية؛…)، أو نجاة نتنياهو من براثن المسار القضائي، بما يتيح للفريقين النزول عن شجرة الخطوط الحمر المتبادلة، والتذرع باعتبارات استراتيجية وبـ”مصالح البلاد العليا” و”ضرورات الأمن القومي” لتأليف حكومة وحدة وطنية.
3. السيناريو الثالث: حكومة يمين موسعة: هذا السيناريو هو المفضل لنتنياهو، لكنه غير متحقق بعد، وهو يصب في تعزيز السيناريو الأول، وشرط تحققه يكمن في نجاح نتنياهو في شق حزب أزرق أبيض، ونقل الكتلة المنشقة عنه إلى الائتلاف، على قاعدة يمينية عدد كبير من أعضاء أزرق ابيض، وبعد إغرائهم بمقاعد حكومية، على غرار ما فعله نتنياهو سابقاً مع شاؤول موفاز في حزب كاديما، ومع إيهود باراك في حزب العمل. وهذا السيناريو إن نجح، هو السيناريو المفضل لنتنياهو لأنه يوفر له حكومة يمين موسعة، يوسع له هامش المناورة بين مكونات الائتلاف المختلفة، ويعزز قوته في مواجهة المسار القضائي المنتظر، ويمنحه مرونة أكبر في التعاطي مع صفقة القرن.
السيناريو المرجح:
يبدو أن السيناريو الأول هو السيناريو المرجح، وهو سيناريو واقعي وقابل للتحقق؛ والسيناريو الثاني، فتبدو فرصه ضعيفة جداً، إن لم نقل معدومة، ما لم تحدث مفاجآت. أما السيناريو الثالث، فبالرغم من أنه السيناريو المفضل لنتنياهو لكنه أمرٌ غير متحقق بعد، وهو يصب في تعزيز السيناريو الأول.
وعليه، فمن الواضح أن نتنياهو سيسير نحو خيار ائتلاف يميني جديد، شرع أصلاً في بلورة عناصره ومركباته وحتى أولوياته منذ ما قبل صدور نتائج الانتخابات، وفق ما بات يُعرف بائتلاف “لائحة الاتهام”، بمعنى أن نتنياهو يريد ائتلافاً يخدمه في مواجهة المسار القضائي الذي ينتظره، سواء عبر الإسهام في إجراءات دستورية تمنع محاكمته، أم عبر ضمان بقائه في رئاسة الحكومة، وعدم استقالة أي من شركائه منها، بما يؤدي إلى سقوطها في حال تمّ تقديم لوائح اتهام نهائية بحقه وخضوعه للمحاكمة، متذرعاً بعدم وجود في القانون الإسرائيلي ما يُرغم رئيس الحكومة على الاستقالة من منصبه في حال تقديم لائحة اتهام بحقه. وسعي نتنياهو لتشكيل ائتلاف “لائحة الاتهام” لن يكون من دون ثمن يدفعه لشركائه، ومن دون سعي هؤلاء الشركاء لتحقيق مكاسب وعلى رأسها التزام ائتلاف نتنياهو أجندةً سياسية يمينية متطرفة، لا سيّما في مقابل الفلسطينيين، وعلى رأسها ضم الضفة الغربية “جزئياً أو كلياً” إلى ما يسمونه “السيادة الإسرائيلية”، وتحديداً المستوطنات القائمة في الضفة الغربية، وفق ما بات يُعرف في “إسرائيل” بمصطلح “الحصانة مقابل السيادة”.
الميزة التي ينطوي عليها ائتلاف “لائحة الاتهام” بالنسبة لنتنياهو، تقابلها معضلة كبيرة تتمثل في أن نسج الائتلاف المذكور، واستمراريته، مرهونان بموافقة وإرادة كل حزب من أحزاب اليمين، وهذا يضيق على نتنياهو هامش المناورة إلى درجة الصفر، ويضع أمامه تحديين أساسيين: كيفية إرضاء شركائه جميعاً وتلبية مطالبهم من جهة؛ وكيفية التوفيق بين أجنداتهم المتعارضة والمتناقضة، من جهة ثانية، ولا سيّما بين الحريديم والعلمانيين في كل ما يتعلق بالقوانين ذات الصلة، وعلى رأسها القانون المتعلق بتجنيد الحريديم في الجيش الإسرائيلي، والذي كان السبب المعلن لتقديم موعد الانتخابات. أوراق الضغط التي يمكن أن يلوح بها نتنياهو، بصرف النظر عن فرص تحققها وجدواها، تتراوح بين التلويح بالذهاب نحو خيار حكومة وحدة وطنية مع أزرق أبيض (وهو خيار الضرورة)، ومحاولته شقّ صفوف حزب أزرق أبيض، كما فعل في تجارب سابقة مع حزبي كاديما Kadima والعمل (وهو خيار مفضل ومطلوب في ذاته)، أو إعلانه عدم تمكّنه من تشكيل حكومة يمينية وتحميل أحزاب اليمين مسؤولية “كارثة” إسقاط حكم اليمين (خيار انتحاري).
خامساً: تبعات الحكومة اليمينية على الوضع الفلسطيني:
من المحسوم أن سيناريو الحكومة اليمينية الضيقة هو الخيار الذي يسعى نتنياهو لتحقيقه، وهو ما أعلنه نتنياهو قولاً ويمارسه فعلاً من خلال المفاوضات الائتلافية التي يجريها. خيار الحكومة اليمينية الضيقة، يعكس أولوية نتنياهو للأشهر المقبلة، وهو “حفظ وجوده” بالمعنى السياسي في مواجهة المسار القضائي الذي ستكون محطته المقبلة لوائح اتهام نهائية متوقعة بحق نتنياهو قبل 10 تموز/ يوليو المقبل، وفق ما أعلن المستشار القضائي للحكومة أفيحاي مندلبليت، تليها محطة المحاكمة، على أن يُتوج هذا المسار بحكم إدانة أو براءة، وهذا ما قد يستغرق عاماً على أقل تقدير. يدرك نتنياهو أن بوليصة التأمين الوحيدة المتاحة الآن لضمان حياته السياسية تكمن في تشكيله ائتلافاً حكومياً اصطُلح على تسميته ائتلاف “لائحة الاتهام”، مهمته مساعدة نتنياهو من خلال مظلة دستورية عبر سن قوانين في الكنيست تمنحه حصانة من التحقيق والمحاكمة، أو مظلة سياسية من خلال عدم الاستقالة من حكومة نتنياهو، حتى بعد صدور لوائح اتهام نهائية بحقه. هذه الحصانة السياسية أو القانونية، التي ستوفرها أحزاب اليمين المتطرف لنتنياهو، تريد مقابلاً لها بالعملة الفلسطينية، في كل ما يتعلق بما يُعرف بمسائل الخلاف الجوهرية بين “إسرائيل” والسلطة الفلسطينية، والتي تمس مبدأ “الدولة الفلسطينية” والقدس، والحدود، وعودة اللاجئين، والمستوطنات.
وعليه، يبدو واضحاً أن انعكاسات الحكومة اليمينية الجديدة على الساحة الفلسطينية يمكن أن تندرج ضمن عناوين ثلاثة: “صفقة القرن”، والحصانة مقابل السيادة، وقطاع غزة.
1. “صفقة القرن”:
على الرغم من أن الحديث عن الرد الإسرائيلي المتوقع في حال إعلان “صفقة القرن”، يستلزم بداية توفر جواب على سؤال “ما هي “صفقة القرن”؟ وماذا تتضمن؟” إلا أنه، وبناء على المواقف التي صدرت عن الشخصيات الأمريكية الضالعة في إعداد “صفقة القرن”، فإن التقدير السائد في “إسرائيل” يفيد أنها ستتضمن “تنازلات” من الطرفين، كما سبق وأعلن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب. كلمة “تنازلات” هذه، تثير قلق الأوساط اليمينية في “إسرائيل”، التي لا تبدي استعداداً للموافقة على الحد الأدنى من المطالب الفلسطينية، ولهذا لم تكن الحكومة الإسرائيلية اليمينية السابقة، بكل مكوناتها، متشجعة لطرح “صفقة القرن”، وتعاملت معها كما لو أنها “وصفة مضمونة” لخلاف مع إدارة الرئيس ترامب، و”لغم داخلي” من شأنه تفجير الحكومة الإسرائيلية في حال وافق نتنياهو عليها، وهو ما يتوقع أن يكون عليه موقف الحكومة الجديدة، لا بل أكثر تشدداً.
من هنا، فإن السؤال المطروح بقوة هو ما الذي يمكن أن توافق عليه “إسرائيل”، وما الذي لا يمكن أن توافق عليه في “صفقة القرن المفترضة”. الإجابة على هذا السؤال مرتبط ارتباطاً وثيقاً بالموقف الذي سيتخذه الائتلاف الحكومي. الائتلاف الحكومي المتبلور برئاسة بنيامين نتنياهو تعصف به الخلافات بشأن العديد من الملفات، لكن مركباته تتفق في مقاربتها للملف الفلسطيني على قاعدة: “أخذ كل شيء مقابل لا شيء”، والمبنية على “اللاءات الخمس”:
أ. لا لقيام دولة فلسطينية مستقلة على أراضي الضفة الغربية، ولا حتى على أجزاء منها.
ب. لا لتفكيك وإخلاء أي من المستوطنات المعزولة أو الكبيرة.
ج. لا لتقسيم القدس في أي ظرف من الظروف.
د. لا للانسحاب من غور الأردن في ظل أي تسوية مستقبلية، على فرض حصولها.
ه. لا لحق العودة للفلسطينيين، الجزئية أو الشاملة، ولو تحت عنوان لم الشمل.
هذه ” اللاءات الخمس” تمّ التعبير عنها مراراً وتكراراً في مناسبات عدة، من قبل رؤساء ووزراء ونواب الأحزاب المرشحة للمشاركة في حكومة نتنياهو.
طبيعة تركيبة الائتلاف الحكومي المتوقع، وخريطة مواقفه من القضايا السياسية الخلافية مع السلطة الفلسطينية، تتيح القول مسبقاً أن الموقف الإسرائيلي المبدئي المضمر من “صفقة القرن” سيكون سلبياً بامتياز، في حال عدم استجابتها “للاءات الخمس” منفردة أو مجتمعة، وأن هذه الصفقة، بحدها الأدنى، ستطيح حتماً بائتلاف نتنياهو الحالي، على فرض استعداد نتنياهو للقبول بها.
إذا كان الرفض متوقعاً حتماً من حكومة اليمين الضيقة المنتظرة لـ”صفقة القرن” (بصرف النظر عن مدى إجحافها بحق الطرف الفلسطيني)، إذا كانت موافقة نتنياهو بها ستعني خسارته حكومته، وإذا كانت أولوية نتنياهو واضحة: المحافظة على ائتلاف حكومي يسمح له بتجاوز “المطب القضائي”، حتى لو كان الثمن رفض صفقة القرن مع ما ينطوي عليه هذا الرفض من أثمان نتيجة الاصطدام مع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، فإن السؤال المهم هو كيف سيعبر نتنياهو، ومعه الحكومة اليمينية، عن معارضتهما لخطة التسوية؟ وهل حكومته مستعدة للذهاب في معارضتها لها إلى حدّ الرفض الذي يؤدي إلى الاصطدام بإدارة ترامب، على غرار ما حصل بين نتنياهو والرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما؟ القدر المتيقن هو أن نتنياهو سيفعل كل شيء للحفاظ على ائتلافه اليميني، وأن حكومته ستفعل كل شيء لتجنب الاصطدام مع ترامب تحديداً، ولهذه الغاية قد تتبع اسراتيجية ثلاثية الأبعاد: اللجوء لاستخدام روافع الضغط التي تمتلكها في الساحة الأمريكية عبر اللوبي اليهودي في كل المستويات؛ والتذرع بعدم قدرة الحكومة الإسرائيلية على السير في خطة التسوية على ضوء موازين القوى الحزبية داخل الحكومة وعلى الساحة الإسرائيلية؛ والرهان على الطرف الفلسطيني ليكون أول من يرفض الخطة الأمريكية، والتلطي وراء هذا الرفض لتجنب تجرع “الكأس المُرة” الناجم عن رفض الخطة؛ وهذا يبدو الخيار المفضل والمثالي بالنسبة لنتنياهو، لأنه يحفظ له ائتلافه الحكومي، ويجنبه الاصطدام مع الرئيس ترامب، ويتيح له استغلال الرفض الفلسطيني للحصول من ترامب على مزيد من “الهدايا” على حساب الفلسطينيين، ولا سيما “السيادة الإسرائيلية على مستوطنات الضفة الغربية”.
2. الحصانة مقابل السيادة:
عنوان بارز واستراتيجي ينتظر أجندة حكومة نتنياهو المقبلة، بعد تشكيلها، يتعلَّق بضم أجزاء واسعة من الضفة الغربية (المنطقة ج) التي تضم كافة التجمعات الاستيطانية وتلك المنعزلة والعشوائية. هذا الموضوع الذي أكَّد عليه نتنياهو، مراراً وتكراراً، عشية إجراء انتخابات الكنيست، والأحزاب اليمينية المتطرفة، هو أحد أبرز وعوده وتعهداته الانتخابية التي سيسعى لتحقيقها بالتشاور مع إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب .[7]
وقد استبق نتنياهو، عرض “صفقة القرن” بتكرار شروطه، وهي: عدم إخلاء مستوطنات، وعدم اقتلاع أي مستوطن، وسيطرة أمنية كاملة غربي نهر الأردن، وعدم تقسيم القدس.
التقديرات السائدة في “إسرائيل” تشير إلى أنَّ نتنياهو سيعمل على مساومة ائتلافه الحكومي المقبل بمعادلة واضحة “الحصانة مقابل السيادة”، بمعنى مساعدته في إزالة لوائح الاتهام التي تُهدد نتنياهو، مقابل فرض “السيادة الإسرائيلية” على مستوطنات الضفة الغربية، وربما ضمن المنطقة ج بكاملها، والتي تشكل 60% من مساحة الضفة الغربية .[8]
لهذه الغاية، يتوقع أن يلجأ نتنياهو إلى عقد صفقة مع شركائه المحتملين في الحكومة المقبلة، يوفروا له بموجبها “شبكة أمان لحمايته في ملفات الفساد”، مقابل الحصول على اعتراف أمريكي بـ”سيادة إسرائيلية” على المستوطنات في الضفة الغربية، وذلك بعد أن يعلن ترامب عن “صفقة القرن”، وبعد أن يرفضها الفلسطينيون، الأمر الذي سيبرر الخطوة.
وعليه، ستكون لحكومة نتنياهو الجديدة غايتان مركزيتان: إزالة لوائح الاتهام التي تهدد نتنياهو؛ وضم المستوطنات لـ”إسرائيل” بالتنسيق مع إدارة ترامب. وبالإمكان تلخيص هاتين الغايتين بمعادلة بسيطة، “الحصانة مقابل السيادة”، بمعنى، مقابل سن قانون يمنع أو يرجىء تقديم لوائح اتهام ضد نتنياهو، سيضطر نتنياهو إلى تنسيق “صفقة القرن”، مع الرئيس ترامب، بصورة تسمح لـ”إسرائيل” بالإعلان عن “سيادتها على المستوطنات”، وضمان عدم إخلاء أي مستوطن.
3. قطاع غزة:
المراقب للسياسة الإسرائيلية في مواجهة قطاع غزة، منذ تولي نتنياهو السلطة سنة 2009، وحتى اليوم، يلاحظ أنها قائمة على جملة ثوابت: تكريس الانقسام الفلسطيني السياسي والجغرافي بين الضفة الغربية وقطاع غزة؛ واستمرار الخلاف بين حركتي حماس وفتح؛ والعمل ضمان الهدوء على الحدود مع القطاع؛ والسعي ما أمكن لمنع وإحباط تعاظم القدرة القتالية واللوجستية لدى فصائل المقاومة الفلسطينية في القطاع؛ والعمل لمنع تفاقم الأزمة الإنسانية على الصعد كافة داخل القطاع لتجنب الانفجار الذي ستكون نتيجته مواجهة عسكرية مع قطاع غزة، ومواجهة تُجمعُ التقديرات في “إسرائيل” على أن كلفتها البشرية والمادية والمعنوية ستكون كبيرة على الجبهة الداخلية، ولا سيّما وأن المقاربة الإسرائيلية لـ”معضلة” قطاع غزة تنطلق من أن “إسرائيل” مقيدة في أزمة أولويات، لأن الأولوية في مواجهة التهديد والتصدي له ممنوحة إسرائيلياً للجبهة الشمالية، وهو ما يُعلنه نتنياهو وكبار وزرائه جهاراً، وهو ما تؤكد عليه التقديرات الاستخبارية الرسمية. كما أنها، أي “إسرائيل”، مقيدة أيضاً بأزمة خيارات في مواجهة فصائل المقاومة في قطاع غزة، لأن الخيارات المتاحة أمامها تتراوح بين سيء وأسوأ، في ظل غياب الأفق السياسي والعسكري لأي مواجهة، وعدم ضمان النتيجة في ظل كلفة عالية وضرر متوقع للجبهة الداخلية، ما يجعل معادلة الكلفة والجدوى في غير مصلحة “إسرائيل”، ولا سيّما أنه ليس ثمة ما يضمن النجاح في إعادة بناء قدرة الردع الإسرائيلية .[9]
السؤال الذي يُطرح الآن هو ما هي التغيرات التي ستشهدها المقاربة الإسرائيلية تجاه قطاع غزة في ظل الحكومة اليمينية الجديدة؟ وكيف ستتمظهر هذه التغيرات على افتراض حصولها؟
على المستوى الاستراتيجي، المرجح أن ما كان هو ما سيكون. بمعنى أن الاستراتيجية الإسرائيلية لن تتبدل لعدة أسباب أهمها: الحكومة الجديدة هي نسخة طبق الأصل عن الحكومة السابقة؛ رئيس الحكومة نفسه، والمبادئ التي تحكم مقاربته ما تزال نفسها، وهو ما ظهر في جولة التصعيد الأخيرة التي جرت قبل أيام (بين 3، و6/5/2019) [10]؛ موقف الجيش الإسرائيلي والشاباك Shabak لم يتغير، وهو يدعو إلى تجنب المواجهة والدخول البري، وضرورة المعالجة السياسية والاقتصادية لأسباب التصعيد .[11]
الاستراتيجية الإسرائيلية بتجنب التصعيد، وبذل المستطاع لعدم الدخول في مواجهة مع قطاع غزة، تبقى معتمدة وسارية طالما كانت المبادرة بيد “إسرائيل”. أي أن “إسرائيل” ستحافظ عليها وتتمسك بها ابتداء، لكنها قد تخرج عنها، نتيجة حصول جولات تصعيد جديدة تخرج عن السيطرة، إما بسبب قرار فلسطيني بالتصعيد، وإما بسبب استخدام إسرائيلي مفرط للقوة ضد قطاع غزة، بهدف ما تعتقد أنه يؤدي إلى ترميم الردع الإسرائيلي الذي تآكل في الأشهر الماضية، وهذا الخيار يبدو أنه مؤكد وترتفع أسهمه أكثر في حال عودة أفيجدور ليبرمان إلى وزارة الأمن، التي كان خرج منها بعد استقالته من الحكومة السابقة، احتجاجاً منه على ما عدّه تراخياً في مواجهة قطاع غزة. لكن ينبغي التأكيد أن تأثير ليبرمان يبقى محدوداً في مواجهة موقف نتنياهو والمؤسسة الأمنية، وأمام اعتقاد نتنياهو تحديداً في أن مصلحة “إسرائيل” تكمن في استمرار تمسكها بالاستراتيجية التي يعتمدها منذ عشر سنوات، والتي سبق تفصيلها.
سادساً: توصيات:
إن إسقاط المفاعيل السلبية للحكومة اليمينية الجديدة على الوضع الفلسطيني، ولا سيّما على العناوين الثلاثة التي تمّ التطرق إليها (“صفقة القرن”؛ وضم المستوطنات في الضفة؛ وقطاع غزة)، تتطلب توظيف عناصر التأثير الفلسطيني الممكنة على الاستراتيجية الإسرائيلية ذات الصلة، وإعادة إدخال عنصر الثَّمن والكلفة إلى المعادلة، بحيث يشعر صناع القرار في “إسرائيل” بأن هناك ثمناً وكلفة باهظة لسياسة سلب الحقوق الفلسطينية، وكي يصل إلى مرحلة يشعر معها أن سياسته هذه غير مجدية ومكلفة بما يرغمه للخضوع للمطالب الفلسطينية، كما حصل في محطات نضالية سابقة، أو على الأقل منعه من الإيغال في استباحة الحقوق الفلسطينية، وهذا يمكن أن يتحقق من خلال جملة قرارات وخطوات على رأسها:
1. تحقيق المصالحة الفلسطينية، ووضع حدٍ للانقسام السياسي والجغرافي بين الضفة الغربية وقطاع غزة.
2. الربط بين ساحتي الضفة والقطاع في المواجهة مع الإسرائيلي، بحيث أن الرد على أي اعتداء في الضفة يمكن أن يأتي من القطاع أيضاً، والعكس صحيح؛ فلا يُسمح للإسرائيلي الاستفادة من واقع الانقسام والفصل بين الساحتين للاستفراد بإحداهما.
3. تمسك فصائل المقاومة في القطاع بالمعادلة التي أرسوها منذ بدء فعاليات مسيرة العودة، وهي معادلة جبي الثمن من العدو الإسرائيلي التي أعادت التوزان الى ميزان الردع مقابله.
4. محاولة الاستفادة القصوى من الإجماع الإسرائيلي على ضرورة عدم “الغرق في مستنقع قطاع غزة”، بالتركيز على تحسين الأوضاع والظروف الاقتصادية والاجتماعية لسكان القطاع، وعلى الصعد المعيشية كافة.
5. إعادة الاعتبار لخيار الانتفاضة والمقاومة في الضفة الغربية من قبل الجميع، ولا سيّما من قبل السلطة الفلسطينية كخيار موازٍ للخيار التفاوضي على أقل تقدير.
6. وقف التنسيق الأمني بين السلطة الفلسطينية و”إسرائيل”.
7. دعم ومساندة وتفعيل الحراك الشعبي أو الانتفاضة الشعبية ضد الاحتلال الإسرائيلي في القدس والضفة الغربية والقطاع (مسيرات العودة) على حد سواء.
8. دعم وتشجيع كافة أشكال المقاومة ضدّ الاحتلال الإسرائيلي.
9. القيام بحملات إعلامية محلية ودولية لمواجهة الحرب الإعلامية الإسرائيلية، التي تشوه الوقائع وتقلب الحقائق.