تقدير استراتيجي (98) – آذار/ مارس 2017.
ملخص:
ظهرت تسريبات إسرائيلية حول انعقاد مؤتمر قمة سرِّي، مصري إسرائيلي أردني، في مدينة العقبة الأردنية، وبمشاركة وزير الخارجية جون كيري، قبل نحو عام في شباط/ فبراير 2016. كما رافقتها تسريبات وشائعات حول عرض قدمه الرئيس المصري السيسي لتوطين الفلسطينيين في أجزاء يتم اقتطاعها من سيناء بين رفح والعريش (نحو 1,600 كم2). وبالرغم من نفي رئيس الحكومة الإسرائيلية نتنياهو لوجود هذا الاقتراح المصري، إلا أنه أقر بانعقاد مؤتمر العقبة. أما الطرف المصري الذي تجنب الحديث عن المؤتمر، فقد نفى أيضاً وجود هذا الاقتراح.
غير أن هناك ثمة ما يثير القلق من وجود مخططات إسرائيلية لتوطين الفلسطينيين في سيناء؛ ومن احتمال تعرض النظام المصري لضغوط متزايدة للقبول بها، خصوصاً وأنه يعاني من ضغوط سياسية واقتصادية وأمنية كبيرة.
تتلخص السيناريوهات في احتمال قيام الجيش الإسرائيلي بحرب مدمرة على قطاع غزة تؤدي إلى تهجير أعداد منهم إلى سيناء، وثانياً في احتمال أن يحدث قبول مصري عربي بفكرة التوطين بما يوفر التسهيلات والمغريات اللازمة لذلك، وثالثاً في احتمال أن يتمكن الشعب الفلسطيني، وبدعم بيئته العربية والإسلامية، من إفشال مخطط التوطين؛ وهذا هو الاحتمال الأقوى والمرجح.
أولاً: توطين الفلسطينيين في سيناء بين التأكيد والنفي:
تناقلت الأنباء في 14/2/2017 أن الوزير الإسرائيلي، بلا حقيبة، وعضو حزب الليكود الحاكم نشر تغريدة على تويتر قال فيها إن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو والرئيس الأمريكي دونالد ترامب قد اتفقا على تبني ما وصفها بخطة الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي لإقامة دولة فلسطينية في غزة وسيناء بدلاً من الضفة الغربية، وأنه بذلك يتم تعبيد طريق “السلام الشامل” مع ما وصفه بـ”الائتلاف السنّي”. وجاءت هذه التغريدة قبيل لقاء يجمع نتنياهو بترامب في واشنطن.
وأعادت هذه التغريدة إلى الأذهان خبراً عن إذاعة الجيش الإسرائيلي جالي تساهال، في 8/9/2014، أن الرئيس المصري السيسي اقترح على الرئيس الفلسطيني محمود عباس إقامة دولة فلسطينية منزوعة السلاح على قطاع غزة ونحو 1,600 كم2 من سيناء يتم ضمّها للقطاع. وعلى أبي مازن إذا ما وافق على المقترح أن يتنازل عن المطلب الفلسطيني بدولة فلسطينية على حدود الخامس من حزيران/ يونيو 1967؛ غير أن عباس رفض هذا الاقتراح.
وصرح أيوب القرا لصحيفة “تايمز أوف إسرائيل” أنه ناقش هذا المقترح يوم الأحد 12/2/2017 مع نتنياهو، وأن نتنياهو أبلغه بنفسه أنه سيثير المقترح مع ترامب.
وبعد بضعة أيام، وتحديداً في 19/2/2017، كشفت صحيفة هآرتس عند انعقاد مؤتمر سرّي في 21/2/2016 في مدينة العقبة في الأردن بمشاركة نتنياهو، وجون كيري وزير الخارجية الأمريكي، والملك عبد الله ملك الأردن، والرئيس عبد الفتاح السيسي؛ أي قبل نحو عام من تاريخ الخبر. حيث امتنع نتنياهو عن الموافقة على مشروع تسوية قدمه جون كيري يتضمن، حسب هآرتس، اعترافاً بـ”إسرائيل دولة يهودية”، واستئناف المفاوضات مع الفلسطينيين بدعم الدول العربية. غير أن الصحيفة لم تشر إلى مقترح للرئيس السيسي بشأن توطين الفلسطينيين في أجزاء من سيناء وضمها للدولة الفلسطينية المقترحة.
وبالرغم من أن مصر والأردن لم تؤكدا حدوث مؤتمر العقبة، إلا أن نتنياهو نفسه أكد انعقاده، وأكد المشاركة في قمة مصرية إسرائيلية أردنية، مبرراً حالة الاستهجان من كتمان لقاء رفيع المستوى كهذا مع الرئيس المصري والملك الأردني، بقوله “أفعل الكثير من أجل عملية السلام، لكنني لا أستطيع أن أكشف كل شيء”.
غير أن نتنياهو نفى تصريحات أيوب قرا بأنه كان ينوي بحث إقامة جزء من الدولة الفلسطينية في سيناء في لقائه مع ترامب.
وقد كان لافتاً غياب أو تغييب المشاركة الفلسطينية الرسمية عن المؤتمر بالرغم من التزامها بمسار التسوية السلمية؛ وبالرغم من كونها الجهة المعنية أساساً بأي اتفاق متعلق بمستقبل الشعب الفلسطيني.
وبعد نفي نتنياهو لمشروع توطين الفلسطينيين في سيناء، قام النائب السابق الجنرال أريه إلداد بالتصريح لموقع صحيفة معاريف أن الرئيس المصري السيسي اقترح فعلاً منح الفلسطينيين مساحة في شمال سيناء لإقامة دولتهم.
أما في مصر فقد أكد المتحدث باسم الرئاسة المصرية السفير علاء يوسف أن “ما تردد مؤخراً عبر وسائل الإعلام بشأن وجود مقترحات لتوطين الأخوة الفلسطينيين في سيناء، هو أمر لم يسبق مناقشته أو طرحه على أي مستوى من جانب أي مسئول عربي أو أجنبي مع الجانب المصري”. وأضاف: “من غير المتصور الخوض في مثل هذه الأطروحات غير الواقعية وغير المقبولة، خاصة وأن أرض سيناء جزء عزيز من الوطن”. كما نفت وزارة الخارجية المصرية ما ذكرته القناة الصهيونية السابعة عن توطين اللاجئين الفلسطينيين في سيناء واصفة إياه “بجملة من الأكاذيب”، وفي يوم المعلم نفى الرئيس السيسي هذه التصريحات بقوله “إن أحداً لا يملك أن يفعل ذلك”.
ومما سبق لا تعكس التقارير والأخبار المتداولة معلومات دقيقة يمكن البناء عليها فيما يتعلق بمشروع لتوطين الفلسطينيين في سيناء ضمن عملية اقتطاع أجزاء منها لقطاع غزة. غير أن الطريقة التي ظهرت فيها هذه الأخبار تثير مجموعة من التساؤلات المشروعة… .
فهل يمكن لوزير في الحكومة الإسرائيلية وعضو في حزب الليكود الحاكم ومقرب من رئيس وزرائه أن يكون مجرد “كذّاب”؛ ومجرد “مشاغب” يُحبُّ لفت الأنظار إلى نفسه حتى ولو بإفساد العلاقة مع دولة كمصر ذات قيمة كبرى في الاستراتيجية الإسرائيلية؟! ولماذا لم يقم رئيس الوزراء الإسرائيلي إلا بعملية نفي للخبر… دون أن يقوم بتوبيخ أو معاقبة الوزير الإسرائيلي أيوب قرا؟!
ولماذا سكتت مصر والأردن وأمريكا عن عقد مؤتمر العقبة واحتفظت بسره تماماً؛ ولم ينكشف إلا إسرائيلياً، ومن أعلى مستوى، بعد عام على انعقاده؟!
وهل بالتالي هناك نقاط وأجندات أخرى سرية لم تنكشف حتى الآن؟! وهل كان موضوع توطين الفلسطينيين في سيناء من بينها؟! وهل ما فعله القرا لم يكن سوى “بالون اختبار” بإذن من القيادة الإسرائيلية لجس نبض الرأي العام والتعرف على ردود الفعل المحتملة؟! ثم التقدم بخطوات عملية إلى الأمام إذا لم يكن هناك ثمة ما يثير القلق.
ثانياً: دور الولايات المتحدة الأمريكية:
بعيداً عن النظرة الأمريكية لـ”إسرائيل” بأنها أحد الركائز الأساسية للسياسة الأمريكية في الشرق الأوسط؛ فقد أصبح واضحاً للعيان أن السياسة الأمريكية الجديدة بقيادة ترامب، ربما ستكون من أكثر الحكومات الأمريكية دعماً للأطماع الإسرائيلية في المنطقة، وسنداً لها في تحقيق ذلك؛ والمؤشرات هنا كثيرة أهمها:
1. وعود ترامب بنقل السفارة الأمريكية من تل أبيب إلى القدس.
2. تقرب دونالد ترامب ومعظم أعضاء إدارته العاملون في المناصب العليا إلى اليمين الصهيوني المتطرف.
3. في سابقة خطيرة ولها دلالات مهمة وجّه ترامب دعوة لزعماء مجالس المستوطنات اليهودية في الضفة الغربية للمشاركة في حفل تنصيبه رئيساً للولايات المتحدة.
4. تحميل ترامب الفلسطينيين فشل العملية السلمية، وتحميل السلطة الفلسطينية مسؤولية “نشر الكراهية” وتبني بيان جاء فيه “أن الولايات المتحدة الأمريكية لن تدعم إقامة دولة إرهابية في الأراضي المحتلة”، “وأن حلّ الدولتين أصبح على ما يبدو مستحيلاً الآن”.
5. لا يمكن إغفال أن الولايات المتحدة الأمريكية هي من أوائل الدول التي دعت إلى فكرة توطين اللاجئين الفلسطينيين؛ عبر خطة مستشار وزير الخارجية الأمريكية لشؤون الشرق الأوسط مالك غي، سنة 19499.
ثالثاً: المخططات الصهيونية وفكرة توطين الفلسطينيين في سيناء:
فكرة توطين الفلسطينيين في سيناء، لم تغب عن أذهان القادة الصهاينة ولا من خططهم الاستراتيجية، فهي فكرة تعدّ تطبيقاً للحكم الصهيوني بالتخلص من الشعب الفلسطيني وتوطينه وذوبانه في بيئات خارجية. وقد ظهر في ذلك عدة مشروعات، منها:
1. مشروع إيجال آلون والذي ظهر سنة 1967، والذي دعى إلى فكرة توطين الفلسطينيين في سيناء استغلالاً لظروف “عجز السلطات المصرية في فرض سيطرتها الأمنية في سيناء” وهي الحالة التي تشبه الأوضاع الحالية.
2. مشروع مستشار الأمن القومي الصهيوني جيورا أيلاند سنة 2004، والذي دعى إلى تنازل مصر عن 600 كم2 من سيناء بغرض توطين اللاجئين. مقابل أن يتنازل الكيان الصهيوني عن 200 كم22 من أراضي صحراء النقب لصالح مصر، ومنحها بعض المكاسب الاقتصادية.
3. خطة يوشع بن آريه سنة 2013، والتي تنص على أن تُمدَّد حدود قطاع غزة إلى حدود مدينة العريش لتضم مدينتي رفح والشيخ زويد لقطاع غزة، ومن ثم توطين اللاجئين الفلسطينيين فيها.
وهو ما يعني أن موضوع توطين الفلسطينيين في سيناء حاضر حتى الآن في العقل الإسرائيلي.
رابعاً: دور مصر:
بالرغم من النفي المصري الرسمي لوجود مقترحات لتوطين الفلسطينيين في سيناء؛ إلا أنه يجب متابعة السلوك الرسمي للتأكد أنه ليست هناك ثمة أجندات غير معلنة، وأن النظام لن يخضع لأي ضغوط خارجية في سبيل الوصول إلى تسوية سلمية للقضية الفلسطينية تكون على حساب الشعب الفلسطيني وحقه في العودة وإنهاء الاحتلال.
فقد سبق للنظام المصري تحت قيادة عبد الناصر أن تعامل بإيجابية مع فكرة توطين نحو 50–60 ألف فلسطيني في سيناء، وأخذ الأمر شكلاً جاداً عندما تعاون مع الأونروا في الفترة 1953–1955 لتجهيز هذا المشروع. غير أن الشعب الفلسطيني في قطاع غزة نجح في إسقاط المشروع وإلغائه.
كما أن هناك عوامل مهمة يجب أخذها بعين الاهتمام أبرزها العلاقة المتميزة والتعاون غير المسبوق بين نظام السيسي وبين الجانب الإسرائيلي، وقيامه بدور أساسي في حصار قطاع غزة، وهشاشة الوضع السياسي في مصر، وانفراد السلطة الحاكمة بالقرار مع تغييب وضرب قوى المعارضة الفاعلة، والأزمة الاقتصادية المتصاعدة في مصر، وحاجة النظام المصري الماسة للدعم الأمريكي والغربي لمواجهة مشاكله السياسية والاقتصادية والأمنية…؛ وبالتالي سهولة وضع النظام تحت الضغط في سبيل البقاء؛ على الأقل وفق الحسابات الإسرائيلية الأمريكية.
خامساً: فلسطينياً:
من يتابع التصريحات الصادرة عن القيادات الفلسطينية من كافة الاتجاهات حول فكرة توطين اللاجئين الفلسطينيين في سيناء يجد بأن هناك إجماعاً على رفض الفكرة. وفي الحقيقة فمن الصعب الجزم بإمكانية تطبيق خطة توطين الفلسطينيين في سيناء من الناحية المنطقية والعقلانية. وحتى الآن، فقد تمكن الفلسطينيون رسمياً وشعبياً من إفشال كافة مشاريع التوطين التي استهدفتهم.
سادساً: السيناريوهات المحتملة:
1. محاولة تهجير الفلسطينيين في قطاع غزة إلى سيناء من خلال حرب مدمرة:
ترتفع مؤشرات شنّ عدوان شرس على غزة وبوتيرة متسارعة. عدوان قد تكون أحد نتائجه تهجير عدد كبير من سكان قطاع غزة إلى سيناء، سواء من خلال اتفاق إسرائيلي مصري أم دون ذلك. فقد تقوم “إسرائيل” بهذه الخطوة استناداً على ما يلي:
أ. وجود قيادة صهيونية يمينية عنصرية متطرفة تتولى زمام الحكم.
ب. القوة العسكرية الإسرائيلية، خصوصاً في ظلّ الحديث عن توقعات بتوفير غطاء ودعم أمريكي غير مسبوق.
ج. عجز المؤسسات العربية والدولية في حلّ الأزمات الإقليمية.
د. يجب الأخذ في الاعتبار حمامات الدم في منطقة الشرق الأوسط وتحديداً في سورية واليمن وليبيا، والتي قد تشكل دافعاً للكيان الصهيوني لارتكاب مذابح مشابهه في حقّ سكان غزة لتشكل ضغطاً عليهم تجبرهم للفرار إلى سيناء.
ه. الحالة الاقتصادية الصعبة التي يعيشها سكان قطاع غزة، والتي قد تضطر أعداداً منهم للسكن في سيناء إذا ما أتيح لهم ذلك في وجود بدائل وحوافز حياتية أفضل.
و. تنامي أفكار الهجرة والبحث عن حياة في مكان آخر لدى أوساط الشباب من سكان القطاع. فقد أشارت إحدى الدراسات أن 24% من الشباب لديهم الرغبة في الهجرة للخارج.
في حال أراد الكيان الصهيوني تهجير فلسطيني غزة، ليس المقصود كل سكان غزة وإنما جزء منهم بهدف إيجاد بذرة التوطين، خصوصاً وأن الفارين لسيناء من سكان القطاع من المتوقع بأنهم سيحصلون في البداية على خدمات ومساعدات من قبل منظمات دولية تعزز وجودهم، ليتسلل إليهم بأن الأوضاع في سيناء أفضل من غزة، وليتحول الاستقرار المؤقت إلى استقرار دائم.
غير أن هذا السيناريو محفوف بالمخاطر، وقد يأخذ شكل مغامرة إسرائيلية غير معروفة العواقب؛ إذ قد ترتد هذه المحاولة بآثار عكسية واسعة على المشروع الصهيوني، فينهار مسار التسوية السلمية، وتكتسب قوى المقاومة مزيداً من الشرعية، كما أن صمود الشعب الفلسطيني ووعيه بمخططات التوطين سيسهم في إفشالها، كما أنه قد تتشكل بيئة عربية وإسلامية قوية تدفع النظام المصري لعدم التعاون على تنفيذ هذا المخطط، بالإضافة إلى الوجه البشع لـ”إسرائيل” الذي سينكشف بشكل أكبر، مما يتسبب لها بمزيد من العزلة والفشل.
2. إمكانية القبول العربي بالتوطين:
وهذا السيناريو يعتمد على أن تقبل الأنظمة الحاكمة في الدول العربية في نهاية المطاف بحلول قد تذهب إلى تصفية القضية الفلسطينية وذلك للعوامل التالية:
أ. انشغال العديد من الدول العربية في إشكالياتها التي لا حصر لها، والتي كانت تعدُّ سابقاً دول مناصرة للقضية الفلسطينية.
ب. تعاني عدد من الأنظمة الحاكمة في البلاد العربية حالة يمكن وصفها بـ”الرعب” من المجهول، جعلها تخشى على مستقبلها ومستقبل بلدانها، مما يجعلها تتفهم أي حلول يضمن استقرار أنظمتهم ووحدة أراضيهم، معتقدين بأن العلاقات العربية الجيدة مع الكيان الصهيوني والولايات المتحدة الأمريكية تضمن لهم ذلك.
ج. انشغال الأحزاب والقوى الشعبية العربية والإسلامية بإشكالياتهم الخاصة بشكل يبعدهم عن الاهتمام بالقضية الفلسطينية.
د. من المتوقع أن تكون مرحلة ما بعد محمود عباس في غاية الصعوبة؛ وذلك لاستمرار الانقسام، وغياب دور المؤسساتية. مما يغيّب أي دور فلسطيني فعال ومؤثر مستقبلاً ويدخل السلطة الفلسطينية في مربع النزاعات الداخلية، لتعود القضية الفلسطينية إلى أحضان الدول العربية وبالتحديد مصر مرة أخرى. والتي يعاني نظامها السياسي من مجموعة من المشاكل الكبيرة التي قد تجعله قابلاً للضغط والابتزاز.
إلا أن احتمال حدوث هذا السيناريو ضعيفة، وذلك لأنه من المتوقع أن يرفض الشعب الفلسطيني وكذلك الشعوب العربية مخططات توطين اللاجئين الفلسطينيين، مما يجعل الأنظمة العربية الحاكمة تخشى من ردّ فعل الشارع العربي؛ حيث ما زال موضوع التوطين “محرقة” لشعبية الأنظمة وحتى لشرعيتها في البيئة العربية.
3. فشل مشروع التوطين:
من المتوقع أن يفشل سيناريو توطين الفلسطينيين في سيناء، فعلى مدى سبعين عاماً تمكّن الفلسطينيون من إفشال عشرات مشاريع التوطين؛ وما زال ثمة إجماع فلسطيني على رفض التوطين وعلى حقّ العودة. وهو السيناريو الأرجح، فكلاً من الشعبين المصري والفلسطيني، يمثلان عقبة حقيقية أمام تنفيذ خطة الوطن البديل. وإن الروح الوطنية والقومية والإسلامية، مع تكريس حدود الدولة القُطرية تشكل موانع ودوافع حقيقية ضدّ التوطين.
إضافة الى حرص السلطة الفلسطينية على عدم التطرق للمسائل الحساسة وعلى رأسها قضية اللاجئين، كما أن المقاومة الفلسطينية وعلى رأسها حماس والجهاد الإسلامي لن تسمح بمرور مخططات كهذه بكافة الطرق.
ثم إن السياسات الرسمية العربية ما تزال ملتزمة حتى الآن برفض التوطين وبحق العودة للاجئين.
سابعاً: الخلاصة:
على الرغم من عقود التهجير الطويلة ما زالت ثقافة العودة ورفض التوطين تشكل قلقاً كبيراً للدولة الإسرائيلية؛ إلا أنها تسعى دائماً لإيجاد ثغرات تحقق لها أهدافها في التخلص من ملف اللاجئين الفلسطينيين. ونظراً للظروف الفلسطينية والعربية والإسلامية الصعبة، جراء ما تعينه المنطقة من إشكاليات ما بعد ثورات ما يُعرف بـ”الربيع العربي” فإنها ستسعى إلى تسليم فلسطيني وعربي بقبول فكرة التوطين في سيناء. إلا أن الشواهد التاريخية تقول إن المخططات الصهيونية تجاه القضايا الفلسطينية المصيرية تمّ مواجهتها من قبل الشعب الفلسطيني بقوة من خلال الانتفاضات الفلسطينية المتكررة؛ والتي دائماً ما كانت تقف أمام أيّ تهديد صهيوني حقيقي؛ وما تزال جذوة المقاومة قوية في نفوس الشعب الفلسطيني، والتي كان من أبرز نماذجها الانتفاضة المباركة 1987–1993 وانتفاضة الأقصى 2000–2005، وصمود غزة في حروب ثلاث 2008/2009 و2012، و2014؛ بالإضافة إلى انتفاضة القدس. كما أن ثقافة الصمود على أرض الوطن، وثقافة العودة ما تزال تجد أرضاً صلبة في الوسط الفلسطيني.
ثامناً: التوصيات والمقترحات:
من الضروري أن تتكثف الجهود الفلسطينية لمنع تطبيق خطة توطين الفلسطينيين في سيناء والعمل على عرقلته؛ مع الإقرار بالخلل الكبير في موازين القوى الإقليمية لصالح الطرف الصهيوني، فإن الأدوات السياسية والديبلوماسية والإعلامية هي الأدوات المتاحة، وهذا يستدعي ما يلي:
1. تكثيف النشاط الإعلامي والتوعوي في الوسط الفلسطيني حول مؤامرات التوطين ومخاطرها.
2. إعادة بناء منظمة التحرير الفلسطينية والنظام السياسي الفلسطيني بشكل يستوعب كافة القوى والشرائح، وبما يعمق البناء المؤسسي الذي لا يتأثر بوفاة الأشخاص وتغير القادة.
3. مطالبة الجامعة العربية ومنظمة المؤتمر التعاون الإسلامي، وحركة عدم الانحياز باتخاذ مواقف حاسمة، وإصدار بيانات تحذر من تصفية قضية اللاجئين الفلسطينيين من خلال مشاريع التوطين.
4. دعم أي توجه قضائي للناشطين الحقوقيين في مصر يرفض فكرة توطين الفلسطينيين في سيناء.
5. التوجه للمنظمات الفاعلة في المجال الإنساني والحقوقي واستصدار بيانات تحذر من توطين الفلسطينيين خارج ديارهم.
6. التأكيد على الوحدة الجغرافية لفلسطين وأن الضفة الغربية وقطاع غزة هما جزءان لا يتجزآن منها.
يتقدم مركز الزيتونة للأستاذ محمد أبو سعدة بخالص الشكر على الإسهام في إعداد المسودة التي اعتمد عليها هذا التقدير.
لتحميل التقدير، اضغط على الرابط التالي:>> التقدير الاستراتيجي (98): مشروع توطين الفلسطينيين في سيناء.. إلى أين؟ (11 صفحة، 94 KB) |
مركز الزيتونة للدراسات والاستشارات، 29/3/2017