محمد فاروق الإمام
مركز أمية للبحوث و الدراسات الإستراتيجية
بداية لابد من التعرف على طبيعة منطقة جامو وكشمير المتنازع عليها بين الهند وباكستان منذ فجر استقلالهما، فالإقليم الذييتميزبموقع استراتيجي في شمال غرب شبه القارة الهندية في وسط آسيا، مما يجعل السيطرة عليه هدفًا للكثير من الدول من بينها الصين التي تسيطر على مساحة صغيرة منه منذ عام 1962 تسمى أكساي تشين. أما مساحته الكلية فهي 86023 ميلاً مربعًا، يغطي الجزء الهندي منها 53665 ميلاً مربعًا ويسمى جامو وكشمير، في حين تسيطر باكستان بطريقة غير مباشرة على 32358 ميلاً مربعًا يعرف باسم ولاية كشمير الحرة.
منذ إعلان استقلال الهند والباكستان عام 1947 فإن النزاع لم يهدأ بينهما حول كشمير، وتسبب هذا النزاع إلى نشوب حربين من أصل ثلاثة حروب بين الدولتين من أجل إقليم كشمير، ولكن التحرك الهندي الجديد فتح الباب أمام صراع عرقي جديد محتمل، إذ نشرت وزارة العدل الهندية، في 7 من آب، نسخة من نص مرسوم رئاسي يقضي بإلغاء المادة 370 من الدستور، التي تنص على منح سكان "جامو وكشمير" الحق في دستور خاص يكفل لهم عملية صنع القرار بشكل مستقل عن الحكومة المركزية، مشيرة إلى إلغائه ودخوله حيز التنفيذ "فورًا"، القرار الذي من شأنه أن يشكل خطرًا على سكان الإقليم وأمنهم.
يعود تاريخ القرار إلى 1947، حين نصّت المادة رقم 370 على انضمام جامو وكشمير إلى الاتحاد الهندي في وقت كانت فيه الولاية الهندية الحاكمة قد منحت خيار الانضمام إلى الهند أو باكستان بعد استقلالهما عن الحكم البريطاني عام 1947، وقد عفت المادة ولاية جامو وكشمير من الدستور الهندي ومنحهم الحرية بوضع دستور وعلم منفصل والسماح لهم بإدارة جميع الأمور باستثناء المالية والدفاع والشؤون الخارجية والاتصالات، ودخل القرار حيز التنفيذ عام 1949، مما يعني أن سكان الإقليم كانوا - حتى أيام قليلة - يعيشون في ظل قوانين مختلفة عن بقية البلاد بخصوص أمور الملكية والممتلكات والمواطنة، إلى أن أتى قرار الهند الأخير الذي قضى بإلغاء هذه المادة وأشعل فتيل الخلافات من جديد مع باكستان، التي لم تتأخر في الرد على قرار الهند، فقد أدانت وزارة الخارجية الباكستانية الخطوة الهندية، ووصفتها بأنها "غير شرعية".
وجاء في بيان الخارجية الباكستانية أن باكستان جزء من هذا النزاع الدولي، و"ستلجأ إلى كل الخيارات المتاحة للتصدي للإجراءات غير الشرعية". وقال مصدر أمني باكستاني رفيع إنه قد دعي لاجتماع لكبار القادة العسكريين الباكستانيين، للتشاور حول موقف باكستان من الخطوة الهندية.
وعقد مجلس الأمن الوطني الباكستاني، الذي يضم القيادتين السياسية والعسكرية، اجتماعاً طارئاً برئاسة عمران خان أمس، وأظهر عزم باكستان على التصدي لأي "مغامرة هندية" جديدة في كشمير، واتهم في بيان القوات الهندية بتصعيد قصفها للمناطق الواقعة تحت سيطرة باكستان بالقنابل العنقودية والانشطارية الممنوعة دولياً.
واستدعت الخارجية الباكستانية سفراء الدول دائمة العضوية في مجلس الأمن الدولي، وأبلغتهم بخطورة الموقف في كشمير، وخطورة الإجراءات التي تقوم بها السلطات الهندية ضد الكشميريين.
وقال وزير الخارجية، شاه محمود قرشي، إن بلاده ستناقش الأمر مع حلفائها، ومن بينهم الولايات المتحدة، وأضاف: "نعتزم أن نؤكد بحسم موقفنا في اجتماعاتنا مع الوفد الأميركي الذي يزور باكستان، ومع المجتمع الدولي بشكل عام"، فيما قال رئيس الوزراء الباكستاني، عمران خان: إن الخطوة "انتهاك واضح لقرارات مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة" في المنطقة.
وقد شارك الرئيس التركي مخاوفه مع خان بشأن الأحداث الأخيرة، لافتًا النظر إلى دعم تركيا الكامل والثابت لإسلام أباد، فيما اعتبر رئيس الوزراء الماليزي، القرار الهندي "خطوة ستؤدي إلى تدهور السلام والأمن في المنطقة، وتقوض العلاقات بين جارين يتمتعان بقدرات استراتيجية".
إقليم كشمير الذي يعتنق غالبية سكانه الإسلام يحتمل أن يتعرض إلى حدوث إبادة جماعية بهدف القضاء على السكان الأصليين من الحكومة الهندية التي يقودها حزب بهاراتيا جاناتا الهندوسي القومي المتشدد، وقد حذر بالفعل وزير الخارجية الباكستاني شاه محمود قريشي، من هذا الأمر، منددًا بقرار الحكومة الهندية، ومضيفًا "هذه الخطوة تنتهك قرارًا صادرًا عن الأمم المتحدة".
ولم تكتف الحكومة الهندية بهذه الإجراءات، بل نشرت ما يقارب 10 آلاف جندي على الخطوط الفاصلة للإقليم، وألقت القبض على رئيسيّ الوزراء السابقين للإقليم: عمر عبد الله ومحبوبة مفتي، ووضعتهما قيد الإقامة الجبرية في مدينة سرينغار عاصمة الشق الهندي من الإقليم بعد إعلانهما استنكار قرار الحكومة الهندية.
كما قطعت شبكات الاتصال وخدمات الإنترنت عن المنطقة بالكامل منعًا لتداول الأخبار والأحداث، الأمر الذي دعا منظمة العفو الدولية إلى التنديد بقرار نيودلهي والتحذير من "اشتعال توترات جديدة" قد تؤدي إلى صراع عرقي، إذ قال الفرع الهندي للمنظمة الحقوقية الدولية في بيان: "القرار يعزل السكان المحليين ويزيد من مخاطر وقوع المزيد من انتهاكات حقوق الإنسان وسط حملة قمع كاملة على الحريات المدنية وقطع الاتصالات".
لم يتخلص إقليم كشمير من الصراعات الماضية إلا بشق الأنفس، فقد خلفت المناوشات بين البلدين، باكستان والهند، قتلى ومصابين وضحايا اغتصاب ومجازر ممنهجة شرّدت الكثير من أهالي الإقليم لسنوات طويلة.
كما ساهم تردي الأوضاع وغياب الأمن في ظهور حركات تمرد وفصائل انفصالية مسلحة تطالب باستقلال الإقليم عن باكستان والهند، بالإضافة إلى تردي الأوضاع المعيشية التي أنهكت المنطقة لعدة سنوات وأصابت قطاعي السياحة والصناعة اللذين يعتمد عليهما أغلب سكان الإقليم بضرر كبير أدى إلى تزايد نسبة الفقر.
بالنسبة للهند، تتلخص أهمية إقليم كشمير بأنه يمثل رادعًا اقتصاديًا وأمنيًا من الصين وباكستان، فهو رادع قوي أمام التوسع الباكستاني ذي الأغلبية المسلمة. أما بالنسبة إلى باكستان فهو ممرّ تجاري مهم بسبب احتوائه على ميناء "كراتشي" الباكستاني وارتباطات سكانه القوية بالتجارة والصناعة، بالإضافة إلى ضمه أهم 3 أنهار في المنطقة (السند وجليم وجناب)، مما يجعله نقطة استراتيجية تطمع الكثير من دول المنطقة في الاستحواذ عليه.
ومن شأن الخطوة الهندية أن تفاقم التمرّد الدموي القائم في كشمير، وأن تعمّق العداوة القائمة مع باكستان. وقد خاضت القوتان النوويتان الجارتان حربين من أصل 3 حروب دارت بينهما بسبب هذه المنطقة.
وأثار الإعلان اضطرابات داخل البرلمان الهندي، ووصفه حزب المؤتمر، أكبر أحزاب المعارضة الهندية، بأنه "خطوة كارثية".
ومزق نائب في الحزب الديمقراطي الشعبي، ومقره كشمير، نسخة من الدستور الهندي، قبل أن يخرجه عناصر أمن البرلمان من المجلس.
وتعليقاً على المرسوم الأخير، كتبت رئيسة حكومة جامو وكشمير السابقة محبوبة مفتي على "تويتر": إن "هذا يوم أسود للديمقراطية في الهند"، وأضافت أن "قرار الحكومة الهندية الأحادي بإلغاء المادة 370 غير شرعي وغير دستوري، وسيجعل من الهند قوة احتلال في جامو وكشمير". ويأتي الإعلان بعد أجواء ضبابية سادت في المنطقة اعتباراً من يوم الجمعة، حين أمرت نيودلهي السياح والحجاج الهندوس بمغادرة كشمير فوراً.
وعند منتصف الليل، قطعت شبكات الهاتف والإنترنت في المنطقة التي يزيد عدد سكانها على 7 ملايين نسمة، وفرضت حظر تجول.
وأعلنت السلطات في بيان أنها فرضت "حظراً تاماً على التجمعات والاجتماعات العامة" في سريناغار وضواحيها، وأمرت بإغلاق المدارس والجامعات في ولاية جامو حتى إشعار آخر. ولم يوضح البيان إلى متى ستبقى هذه القيود سارية المفعول.
وتصاعدت حدّة التوتر على جانبي الحدود في كشمير منذ 10 أيام، بعد أن نشرت نيودلهي في الإقليم 10 آلاف جندي على الأقل. وقال مصدر أمني لوكالة الصحافة الفرنسية إن الهند أرسلت منذ ذلك الوقت 70 ألف جندي إضافي، وهو عدد غير مسبوق. كما وضعت الهند رئيسي حكومتين منتخبتين سابقاً في الإقليم، هما عمر عبد الله ومحبوبة مفتي، تحت الإقامة الجبرية، واعتقلت قواتها قادة تحالف أحزاب الحرية الكشميري المنادي بحق تقرير المصير للشعب الكشميري، وفق ما نصت عليه قرارات الأمم المتحدة بخصوص الإقليم.
وفرضت السلطات الهندية في كشمير تدابير أمنية عدة، بينها الدعوة إلى تخزين الطعام والوقود، وذلك بسبب معلومات عن "تهديدات إرهابية"، على حد قولها. وأثارت تلك الإجراءات الذعر بين السكان الذين اصطفوا في طوابير طويلة أمام محطات الوقود ومتاجر الطعام، وأجهزة الصرف الآلي للحصول على المال. وتردد أن الوقود نفد من معظم المحطات.
وكما هو معروف فإن كلا من الهند وباكستان دولتان نوويتان، والعالم يخشى أن تسوء العلاقات بين البلدين؛ ويؤدي التوتر الحاصل بينهما إلى التورط في استعمال ما لديهما من أسلحة نووية؛ ستكون كارثية عليهما وعلى العالم، وهذا يتوجب على منظمة الأمم المتحدة ودول العالم المؤثرة؛ أن تسارع للتدخل للحيلولة دون تفاقم النزاع بين الدولتين والتورط فيما لا تحمد عقباه.