د.ناجي خليفة الدهان
مركز أمية للبحوث و الدراسات الإستراتيجية
ليس غريباً على شعب كان أول من علّم الإنسانية الحرف، وأول من عرف الحضارة، وأول عرف الثقافات المختلفة والديانات، وأول من تحلّى بالأخلاق، أن يكون ثائرًا على الظلم والفساد والتبعية والاستعباد… فالعراق عبر تاريخه الطويل كان في مقدمة الأمة العربية قائدًا لمسيرتها، ومدافعا عن كرامتها…
كما أن لموقعه الجغرافي، والتاريخي، والحضاري أهمية حضارية كبيرة جعلته مركز إشعاع للمنطقة، وبات تأثيره واضحًا جليًا بعد احتلال العراق عام 2003م من قبل أمريكا وأذنابها وفي مقدمتهم إيران، فتراجع الوضع في العراق، وانعكس ذلك سلبًا على منطقة الخليج العربي، وبلاد الشام، واليمن…
وكما أن تردّي الأوضاع في العراق كان له أكبر الأثر على المنطقة كلها، وفي المقابل فإن للثورة العراقية آثارها وأنوارها التي ستعمّ كل المنطقة ومن ضمنها إيران.
كنّا نعتقد قبل انتفاضة تشرين المباركة، أن المحتلين قد نجحوا في زرع الطائفية، وفي تحطيم النسيج الاجتماعي في العراق، ولكن بعد انطلاق الانتفاضة المباركة في وجه خامنئي وعملائه من القتلة المأجورين الذين وصفوا ثورة الشعب الحر بأنها مفتعلة وتديرها أمريكا، وإسرائيل، وقطر، والسعودية، والإمارات وغيرها من دول المنطقة… لكن الثوار من قلب ساحة التحرير أعلونها حربًا على الطائفية، وقالوا جميعا بصوت واحد: (نحن العراق).
فالثورة منذ قيامها أنهت الاحتكار والتسلّط الذي تقوم به الأحزاب الطائفية العميلة واللعينة والسفيهة، التي تسلّطت على رقاب الناس، لأنها مصمّمة على إزالتهم من الوجود! وليس من السلطة فحسب بل من العراق كله، وسيتم محاكمتهم على كل الجرائم التي ارتكبوها بحق الشعب.
فالثورة مستمرّة حتى تقلع آخر جذر لهم من أرض العراق الطاهرة. ونجاح العراقيين في ثورتهم يعني زوال نظام الملالي في إيران، وسقوط مشرعها الصفوي التوسعي في العراق، وعودة الاستقرار إلى كل المنطقة.
فقط أدرك الشعب العراقي حجم الزيف الذي حاول أتباع إيران أن يقدّموه من صور خضوع العراقي للهيمنة الإيرانية، فهذه الشرارة التي أوقدها شباب العراق في صدور كل المظلومين امتدت إلى شباب إيران الذي ضاق ذرعا بالمعممين الذين أشعلوا الحرائق في المنطقة بذريعة تصدير الثورة الاسلامية المزعومة، فهم يعيشون محنة تتشابه في بعض صورها مع معاناة شبابنا، كما امتدت الشرارة إلى شباب لبنان، وستمتد عاجلا أم آجلا إلى بقية شعوب الدول التي تعاني من التسلط الصفوي.
لقد حاولت حكومة الملالي في طهران تصدير ثورتها إلى العراق لمدّة أربعين عامًا وفشلت في ذلك، بينما نجح العراقيون في تصدير ثورتهم إلى إيران خلال أربعين يومًا!!!
فلا تقربوا أرض العراق ولا تمسوا شعبه بسوء، فهذه أرض الحضارات ومهد الديانات، ومنبع الأخلاق، ومنجم الرجال…
ويرى مراقبون أن موقف طهران تجاه الاحتجاجات في العراق ولبنان هو خطوة استباقية تحاول من خلالها تفادي وصول الاحتجاجات إلى شارعها الذي يعاني من تدهور اقتصادي وفقر وتراجع في قيمة العملة وعزلة إقليمية ودولية. وسرعان ما تحوّلت مخاوف السلطات الإيرانية إلى حقيقة بعد أن انتقلت عدوى الاحتجاجات من العراق ولبنان إلى قلب العاصمة طهران ومدن إيرانية أخرى، وتسببت بمقتل أشخاص وإصابة آخرين على يد قوات الأمن الإيرانية.
لقد اندلعت الاحتجاجات بعد سويعات من الإعلان عن رفع أسعار البنزين بنسبة 50% لأول 60 لترًا من البنزين يتم شراؤها كل شهر، و300% لكل لترٍ إضافي ، شهدت أكثر من 100 مدينة مظاهرات وتجمعات، وحصلت مواجهات متعددة مع القوات الأمنية التي هاجمت الحشود، اندلعت المظاهرات بشكل لم يسبق له مثيل في طهران العاصمة ومعظم المحافظات الإيرانية، وقام المتظاهرون بحرق صور المرشد الإيراني (خامنئي) وتقطيعها، وترديد هتافات: (إرحل إرحل يا خامنئي)، وشملت المظاهرات كافة مدن إيران، وتعالت أصوات المتظاهرين بهتاف: “الموت للدكتاتور”، مطالبين برحيل المرشد الأعلى (علي خامنئي)، كما أضرم المحتجون النار في محطات البنزين والمصارف وأبنية الدولة ومراكز للشرطة في عدد من المدن، وإزاء هذه الموجة غير المسبوقة من الغضب الشعبي داخل إيران، يبدو أنه لم يعد أمام سلطات طهران، سوى اللجوء إلى الأساليب المعهودة كقطع شبكة الإنترنت للحد من التغطية الإعلامية للاحتجاجات.
كما دفعت بقوات الشرطة وعناصر الحرس الثوري، والباسيج، إلى إطلاق النار والغاز المسيّل للدموع على الحشود، ما أوقع ضحايا في صفوف المتظاهرين، وأتبعتها بشنّ حملات اعتقال جماعية في صفوف المحتجين. وأطلقت النار على المحتجين ما أدى لسقوط أكثر من60 قتيلًا خلال عشرة أيام، وعدد كبير من الجرحى واعتقال أكثر من ألفي مواطن من المتظاهرين
والملاحظ أن السلطات الإيرانية تعاملت مع الاحتجاجات في بلادها بطريقة مشابهة لتلك الحاصلة في العراق، ما يدل على أن اليد العابثة في كلا البلدين واحدة، وهذه أبرز النقاط المشتركة بين ما يجري في العراق وإيران:
-
قطع الإنترنت
-
التخوين
-
استخدام القوة في مواجهة التظاهرات
-
قطع الطرق
-
من الاقتصاد إلى إسقاط النظام.
لقد تفجّرت الاحتجاجات في إيران لسبب اقتصادي بعد قرار الحكومة تقليص الدعم على البنزين وزيادة أسعاره، وسرعان ما تطوّرت الشعارات، فردّد المحتجون هتافات غاضبة، تطالب بإسقاط النظام، و”الموت للديكتاتور”، “روحاني عار عليك”، أترك البلد. لا غزة ولا لبنان، روحي فداء لإيران”.
وكانت الاحتجاجات في العراق قد رفعت في البداية شعارات مطلبية تدعو إلى الإصلاح ومحاربة الفساد ومعالجة البطالة في البلاد، لكنها سرعان ما تحوّلت إلى احتجاجات تطالب بإسقاط النظام واجراء انتخابات مبكّرة ووقف النفوذ الإيراني في البلاد.
وشهدت العديد من المدن العراقية إحراق صور “لخامنئي”، وقائد فيلق القدس “قاسم سليماني”، فيما ردّد المحتجون شعارات مناهضة لإيران وتمّ احراق القنصلية الإيرانية في كربلاء، فهذا التشابه بين الثورتين وانتقال الثورة من العراق إلى إيران؛ يدل على أن ثورة العراق ساهمت في صحوة الشعب الإيراني لإسقاط مشروع الملالي داخل إيران!
فما يعانيه الشعب الإيراني من ظلم وفقر وجهل وتخلف، فضلا عن إثارة النعرات الطائفية، والحروب الجانبية، حتى أمست البلاد على صفيح ساخن قابل للثوران في أي لحظة، ولعل هذه الثورة إيذانا بسقوط حكومة الملالي إن شاء الله!
لذلك يجب على ثوار العراق اغتنام هذه الفرصة التاريخية لأن أذناب إيران في أضعف مرحلة يمكن أن يمروا بها نظرا لانشغال أسيادهم في إيران بالثورة الإيرانية فما أسهل أن يتخلوا عن عملائهم الذين يقودون العملية السياسية العرجاء في العراق، وعلى طهران أن تتذكر الحكمة القائلة: (من كان بيته من زجاج، فلا يرمي الناس بالحجارة) فسرعان ما عاد كيدها عليها، قال تعالى: (وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ ۖ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِين) َ
كيف ستقهرون شعباً يتخذُ من علم بلادهِ سجادةً لصلاتِه؟
وكيف ستقهرون أحفاد علي، والحسين، والعباس
فالثورة العراقية، ثورة أقل ما يطلق عليها “ثورة التلاحم الوطني العراقي”. فلم تكن ثورة طائفية، ولا حزبية، ولا حتى مناطقية، ولكنها ثورة شعبية خالصة، حيث تجرّد المواطن العراقي من كل القيود الحزبية والمناطقية والمذهبية، وجعل صوب عينيه الوطن، فهي ثورة لإنهاء الوجود الإيراني، وإنهاء التدخل الإيراني، وبناء العراق الحديث، عراق الحضارة، عراق التنوع الثقافي، عراق الأمجاد…
سيسقط آية الله علي خامنئي، وسيسقط مشروعه، وستنتصر إرادة الأحرار من العراقيين والإيرانيين، وإن غدا لناظره قريب.
هذا المقال يعبر عن رأي كاتبه ولا يعبر بالضرورة عن رأي مجموعة التفكير الاستراتيجي