د.ناجي خليفه الدهان – مركز أمية للبحوث و الدراسات الاستراتيجية
اجتاحت حملة مقاطعة البضائع الفرنسية دولا عربية عدة، على خلفية تصريحات الرئيس الفرنسي الأخيرة، في هجومه على الإسلام و “السخرية من المقدسات”. ففي حين اتخذت بعض الدول خطوات جدية لتنفيذ هذه الحملة مثل الكويت وقطر.
وجاءت دعوات المقاطعة بعدما عادت قضية الرسوم الكاريكاتورية للنبي محمد صلى الله عليه وسلم على السطح من جديد بعد أن قتل شاب من أصول شيشانية أستاذا للتاريخ في فرنسا.
وكان ماكرون قال خلال مراسم تأبين المعلم الذي قتل مؤخراً بعد عرضه صوراً مسيئة للرسول ﷺ، صاموئيل باتي، الأربعاء (21 أكتوبر 2020): إن “الإسلام يعيش اليوم أزمة في كل مكان بالعالم”، مضيفاً أن على فرنسا التصدي لما وصفها بـ”الانعزالية الإسلامية الساعية إلى إقامة نظام مواز وإنكار الجمهورية الفرنسية”، وتعهدا بألا تتخلى فرنسا عن الرسوم الكاريكاتورية التي تعبر عن حرية الرأي، موجها باتخاذ إجراءات جديدة لمنع انتشار التطرف بين المسلمين في البلاد ، وهنا لابد من إثارة الاسئلة التالية لتكون الإجابة وافية على الحدث:
هل باتت شعوب العالم الإسلامي في مواجهة مع ماكرون؟
هل يصدر حكام العرب “إدانة” لتصريحات رئيس فرنسا حول الإسلام؟
ما تأثير حملات المقاطعة الواسعة على البضائع الفرنسية في دول عربية ؟
هل أن حرية التعبير تعني الاساءة للقيم الإنسانية وعدم احترام مشاعر الاخرين ؟
المقاطعة العربية والإسلامية للمنتجات الفرنسية:
تتزايد الأصوات في العالم العربي والإسلامي لمقاطعة المنتجات الفرنسية، وذلك على خلفية التوتر الناجم عن قضية الرسوم الكاريكاتورية المسيئة للنبي محمد صلى الله عليه وسلم ، وكان الحافز وراء وتيرة الاستجابة السريعة لدعوات المقاطعة لمنتجات باريس “دينيا”، وتزامنت دعوات المقاطعة مع وقفات احتجاجية محدودة في بعض الدول ، فضلا عن مواقف رسمية أدانت تصريحات ماكرون واستنكرت رسومات الكاريكاتير “المسيئة للإسلام”، منها المغرب وتركيا وباكستان والأردن ولم نسمع رد فعل رسمي لكثير من الدول العربية والإسلامية الأخرى .
ووفقا لمرصد التحليل الاقتصادي فقد بلغ حجم التبادل التجاري بين فرنسا والدول العربية عام 2018 نحو 65 مليار دولار (1) ، وأظهرت بيانات موقع ITC Trade، مشروع تابع للأمم المتحدة، أن إجمالي صادرات فرنسا إلى دول العالم بلغ العام الماضي 555.1 مليار دولار، أي أكثر من نصف تريليون دولار.(2) حيث بلغت صادرات فرنسا إلى 7 دول عربية فقط في العام الماضي نحو 29 مليار دولار، أبرزها كانت إلى المغرب والجزائر.
واللافت في بيانات موقع ITC Trade أن صادرات فرنسا إلى تركيا بلغت في 2019 نحو 6.655 مليار دولار، ومع الأخذ بعين الاعتبار تجارة باريس مع الدول العربية نجد أن صادرات فرنسا إلى الدول الثماني (تركيا، الجزائر، المغرب، قطر، تونس، الإمارات، السعودية، مصر) وصلت العام الماضي إلى 35 مليار دولار.
وكانت وزارة الخارجية الفرنسية قالت: إن الأيام الأخيرة شهدت دعوات في عدد من دول الشرق الأوسط لمقاطعة المنتجات الفرنسية، خاصة الغذائية، إضافة إلى دعوات للتظاهر ضد فرنسا بسبب نشر رسوم كاريكاتورية عن النبي محمد صلى الله عليه وسلم.
واعتبرت الخارجية الفرنسية أن «هذه الدعوات للمقاطعة لا أساس لها، ويجب وقفها فورا، مثل كل الهجمات التي تستهدف بلادنا والتي تدفع إليها الأقلية المتطرفة».
وفي ظل استمرار الاستجابة الشعبية في بعض الدول العربية والإسلامية لحملات مقاطعة المنتجات الفرنسية، بسبب نشر رسوم كاريكاتيرية مسيئة للنبي محمد صلى الله عليه وسلم ، فلقد حثت وزارة الشؤون الخارجية في فرنسا الدول الإسلامية على عدم مقاطعة منتجات بلادها .
وتم طرح بعض التساؤلات بشأن مدى فاعلية دعوات المقاطعة لبعض الدول الإسلامية، وما إمكانية تأثيرها على الاقتصاد الفرنسي، خاصة أن الكثير من المنتجات الفرنسية تصدر سنويا للدول العربية والإسلامية.
تركيا موقف متميز في دعوات للمقاطعة:
دعا الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، مواطني بلاده إلى مقاطعة المنتجات الفرنسية وذلك على خلفية التوتر الأخير مع الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون عقب نشر رسوم كاريكاتير حول النبي محمد صلى الله عليه وسلم ، وهو الأمر الذي تسبب في دعوات بالشرق الأوسط لمقاطعة بضائع فرنسا.
وتابع الرئيس أن “الساسة الغربيين يتسترون على أخطائهم بالهجوم على الإسلام والمسلمين… وماكرون يتبع سياسة كراهية للإسلام وهذه السياسات العنصرية هي أمراض عقلية”، كما دعا القادة الأوروبيون إلى وضع حد لما وصفه بـ “حملة الكراهية” التي يتزعمها الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون.
ومع دفاع الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، عن الرسول محمد صلى الله عليه وسلم ومطالبته بمقاطعة منتجات فرنسا، ورد باريس باستدعاء سفيرها لدى أنقرة، أضيف لحملة المقاطعة بعدا جديدا.
تأثير المقاطعة على الاقتصاد الفرنسي:
يتوقف درجة تأثير المقاطعة التي تدعو لها بعض الدول العربية والإسلامية على المستوى الشعبي على مدى التزام المقاطعين بهذه المقاطعة ، وفي حال كانت المشاركة ضيقة وأن الزخم فقط عبر وسائل التواصل الإعلامي كما يظهر للفرنسيين، لن يكون لها أي تأثير على الاقتصاد الفرنسي”.
إن “مقاطعة السلع والخدمات الفرنسية لا شك إذا امتد سيكون تأثيره على قطاعات اقتصادية متعددة في فرنسا وبالتالي التأثير على اقتصادها، علما بأن حجم الصادرات الفرنسية إلى الدول العربية حجمها كبير ومؤثر على الاقتصاد، هذا فقط للمنتجات الغذائية.
كما يجب أن تشمل المقاطعة مجالات أخرى أمثال العديد من الشركات الفرنسية التي تعمل في الدول العربية والإسلامية، والعديد من مستهلكي خدمات هذه الشركات إذا قرروا مقاطعة منتجاتها وخدماتها فبالتالي سيقع الضرر الأكبر على القطاع الخاص الفرنسي أي أن إيرادات الخزينة الفرنسية من الضرائب التي تحصلها من هذه الشركات سيتراجع”.
أما في قطاع الطاقة فإن شركة توتال الفرنسية تعمل في العديد من الدول المسلمة، ويتمثل نشاطها الأساسي في بيع منتجاتها البتروكيماوية والبترولية، كما تملك توتال استثمارات في التنقيب والإنتاج، وأحيانا التكرير.
وفي قطاع الدفاع، فرنسا تعتبر أحد أكبر مصدري الأسلحة في العالم، وتبيع شركة تاليس الأسلحة وتكنولوجيا الطيران وأنظمة النقل العام لعدد من الدول العربية والإسلامية، ولم يصدر أي تصريح رسمي من هذه الدول بوقف عمليات الشراء من الشركات الفرنسية”.
أما في قطاع السياحة فلا يزال الوقت مبكرا لتحديد الأضرار، خاصة وأن موسم الخريف والشتاء يشهدان تراجعا في هذا القطاع”.
ونتيجة لما تمثله مقاطعة المنتجات من ضرر كبير على الدولة والشركات المصنعة لهذه المنتجات، والذي يتطلب استمرار المقاطعة واستثمار كل وسائل الإعلام والتواصل لإيصال صوت المقاطعة إلى الشعب العربي والشعوب الإسلامية، لأن مقاطعة الشعوب هي الفعالة والتي لا تخضع لتأثير المصالح السياسية بل هي تنتصر للحق، وأن مقاطعة المنتجات الفرنسية، واحدة من أهم الأسلحة التي يمكن من خلالها إلحاق الضرر بفرنسا رداً على الإساءة.
لا تعتقد أن فرنسا التي قتلت ملايين الأبرياء لكي تحصل على مصادر الطاقة ومناجم الذهب سوف تتوقف عن الإساءة بالحوار والمنطق، هؤلاء لا يردعهم إلا المال، إذا رأوا أن المال يذهب من أيديهم سوف يخضعون للمنطق، ولذلك الحل بأيدي الشعوب لا بأيدي الحكومات، وهو مقاطعة البضائع الفرنسية”.
ومن الأمثلة البارزة في الكويت كانت مقاطعة المنتجات الفرنسية ؛ حيث أرسل رئيس مجلس إدارة اتحاد الجمعيات التعاونية الاستهلاكية كتاباً إلى مجالس إدارات الجمعيات التعاونية، طالبا فيه بمقاطعة جميع السلع والمنتجات الفرنسية ، أمثال شركة “كارفور” التي تعتبر من أشهر ماركات التسوق العالمية ، ورفعها من كل الأسواق المركزية والفروع ، وحتى الخميس (22 أكتوبر 2020) قاطعت أكثر من 25 جمعية المنتجات الفرنسية، بحسب ما أكدت حسابات كويتية (4) .
وفي قطر، ورداً على إساءة الرئيس الفرنسي للرسول محمد صلى الله عليه وسلم، قررت إدارة تطبيق “كيو تموين” المختص بالشراء الإلكتروني، عبر حسابه، وقف بيع المنتجات الفرنسية وتوفير منتجات مماثلة من دول أخرى.
ولتشمل المقاطعة كل المصالح الفرنسية حتى مقاطعة السفر على متن طائرات “إيرباص” الفرنسية ليتعلمو الاحترام .
استبدل المنتج الفرنسي بتركي:
ظهرت دعوات مقاطعة منتجات تركيا إلى تساؤلات لم تجد ردا على عدم اتخاذ موقف تجاه البضائع الفرنسية في ظل الإساءة للرسول محمد صلى الله عليه وسلم ، وانطلقت دعوات من الشعب العربي لشراء البضائع التركية (الدولة الإسلامية) حيث الجودة والسعر المناسب لأن البديل باهظ الثمن”،
وإزاء تصاعد الدعم الشعبي والديني لحملة مقاطعة المنتجات الفرنسية واستبدالها بالمنتجات التركية، حيث توارت حملة المناهضة لتركيا وداعميهما بشكل لافت ، فشراء المنتج التركي هو دعم لبلد مسلم تتم محاربته لأنه يرفع لواء الدفاع عن قضايا المسلمين، وشراء المنتج الفرنسي دعم لبلد تسيء حكومته للإسلام ولمقام النبوة”.
يجب أن نرفع لواء الحملة باستبدال المنتج الفرنسي بمنتج تركي لا مجاملة فيها فالمنتج التركي دائماً ذو جودة عالية بل يفوق الفرنسي في سلع عديدة”. فدولة تحترم الإسلام ونبيه الكريم أولى بالدعم ممن يهين مقدساتنا ونبينا”.
استمرار المقاطعة نصرتنا لرسول الله:
إن حرية التعبير لا بد أن تؤطر بالقيم الإنسانية التي تقوم على احترام مشاعر الآخرين ، وحرية الرأي متى خرجت عن تلك القيم فأنها تسيئ للمعنى الأخلاقي للحريات ، كما تسيء إلى مقاصد التشريعات الدستورية والقانونية التي أكدت ضمان حرية الرأي بأي أسلوب مشروع ، ولم يقصد من ذلك إثارة الكراهية والعنصرية بذريعة حرية الرأي ، ولا افتعال الصراع الثقافي والحضاري بين الأمم والشعوب، ولن تسمح الحريات بأن تكون جسرا للكراهية والسخرية من الأخرين .
وعليه فإن الرد العملي على ادعاءات الرئيس الفرنسي، بأن الإساءة هي ليست حرية رأي ، و أن تستمر المقاطعة بوتيرة أشد لتشمل كل النشاطات الفرنسية في الوطن العربي والعالم الإسلامي حتى يتعلم معنى الحرية ، وأن الرسوم التي تحاول التطاول على مقام سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم ، لم ولن تمسه بسوء فهو أكبر وأجل وأقدس من أن يطاله متطاول لأن الله حافظه وعاصمه من الناس وجاء ذلك في أكثر من آية حيث قال الله في كتابه الكريم ( فاصدع بما تؤمر وأعرض عن المشركين) و( إنا كفيناك المستهزئين ) .
وإن للمقاطعة الإسلامية للمنتجات الفرنسية تأثيرا أكبر وأعظم مما يظهره الإعلام الغربي والعربي .لأن إظهار نجاح المقاطعة سيجعل الأمة في حالة من حالات الانتصار ويجعل باقي الأمة تنفض.
لذلك بدأ تآمر بعض الإعلام العربي والمغاربي للتخفيف من وقع المقاطعة على الاقتصاد الفرنسي حتى لا تتشجع الأمة كلها للمقاطعة المستديمة للمنتج الفرنسي.
يا أمة الإسلام إلا رسول الله:
إن وزنكم كبير وتأثيركم عظيم وإن لكم قوة في التأثير على العالم كله ربما لا تعرفوها أنتم لأن عدوكم أفهمكم أنكم أمة ضعيفة ومنقادة وضائعة، وهذا غير حقيقي لأنكم أمة إن اتحدت مع بعضها سيقف العالم كله احتراما لها.
المقاطعة كانت خيار ، أما الآن أصبحت مصيرية ، العالم كله ينتظر بماذا ستكافئ فرنسا على فعلتها الوقحة ، لا يمكننا التراجع، فالانحسار انتحار ، إما أن نجعل فرنسا عبرة للأمم لاحترام المسلمين أو يتخذ العالم فرنسا قدوة للاستخفاف بنا ، الأمر بسيط استبدال جبنة فرنسية بجبنة إسلامية تركية ، وعطر بعطر آخر ، لكن ستصبح لشعوبنا كلمة ومكانة محترمة بين الشعوب والأمم ، ولذلك فلتستمر المقاطعة حتى يتعلموا الأدب والاحترام للأديان والرموز الدينية ، وإن الإساءة للأديان ليس حرية الرأي أو حرية تعبير . وإن المقاطعة هي لنصرة رسول الله الكريم صلى الله عليه وسلم وهي رد على العدوان والإساءة .