ملخص البحث
يحاودل البحث في فرضية التغيير القيمي التي تعاني منه الأسرة المعاصرة عموما والأسرة المسلمة على الخصوص. ونزعم ان هذه التحولات في قيم التأسر الانساني المعاصر جاء نتيجة لعولمة النموذج الغربي الحداثي وفرضه على المجتمعات الانسانية الأخر، بما يمتلكه النظام العالمي الجديد من أدوات وامكانيات مهولة. إن المشكلة في تغير قيم الأسرة الغربية بعد مرحلة العلمنة الشاملة التي طالتها زمن الحداثة وبعد الحداثة. وهذا يعني إعادة النظر في النماذج الأسرية الكلاسيكية ككل. وبالأخص النموذج الأسري التي كان يستمد قدسيته وقوته من الدين ذي الصبغة النهائية المعصومة. وقد أنتج العقل الغربي نظريات عدة ساهمت في تعميق مشكلاته الاجتماعية والأسرية وتعقيد واقعها المعاصر. ولعل نظرية مالتوس والنظرية النسوية من أهم هذه النظريات التي غيرت مفهوم الانسان الغربي للأسرة ومكوناتها وبالتالي توسيع بؤرة التأثير لتشمل كل المجتمعات الانسانية الأخرى بما فيها مجتمعاتنا العربية الاسلامية. لقد ناقشت نظرية مالتوس الوجود البراجماتي للتكاثر الانساني في حقبة القرن التاسع عشر -والتي تستمر في سياسة الغرب الاجتماعية حتى الآن-. وأصرت على مجموعة من الاجراءات اللاإنسانية من أجل الابقاء على نمط معين من الحياة ولو على حساب حقيقة الحياة الانسانية في كينونتها. فلا مجال من أجل بقاء الانسان الغربي بمستوى معيشي مرتفع من تحجيم الوجود الانساني على الأرض وترشيد استهلاك خيرات الأرض عن طريق قتل العنصر الانساني غير الفعال (السود والمرضى والمعاقين والعرب...) وتدمير قدراته الانجابية وتحطيم مشاريعه الأسرية باعتبارها وكرا من أوكار انتاج العناصر غير المنتجة من الجنس البشري (الهابط). وهي تعد النواة الأم للعنصرية النازية والفاشية التي أهلكت العالم والحرث والنسل. وهي انعكاس للأنانية الغربية تجاه شعوب العالم. كما كان لتطور نظرية الحقوق بعد الحرب العالمية الثانية دورا أساسيا في ازدياد الوعي بحقوق المرأة الغربية، ما أنتج تيارا أيديولوجيا جديدا الا وهو النظرية النسوية. وفيها يجادل أصحاب هذا التيار من النسويات بضرورة تحرير الأسرة من قيود القيم الدينية نحو قيم جديدة تكون المرأة فيها قطب الرحى والمركز التي يدور الرجل في فلكه. وبذلك وقع النسويات في فخ العولمة حيث تحولن الى أداة لتشيء الأنثى وتسليع الجسد الأنثوي باعتباره لوحة إشهارية للشركات المتعددة الجنسيات. فكان لهذا انعكاسا على واقع الأسرة الغربية من حيث المشروع الأسري نتيجة حس التعالي عن الرجل الذي بات يسري في عروق النسويات وتفشي الشعور بعدم الحاجة له. ولا حتى في الانجاب حيث يتم التخصيب بشكل صناعي دون حاجة ميكانيكية مباشرة للذكر. صحيح، كون الأسرة في العالم الاسلامي لم تزل متشبثة بقيمها الأصيلة بمختلف تكويناتها الدينية (مسلمة كانت أو يهودية أو مسيحية) لكنها مع ذلك تقاوم تيارا جارفا يقوم على اجتثاث الثوابت الأسرية لحساب ثوابت قيمية جديدة أكثر انفصالا عن الذات وأيضا أكثر التصاقا بالنموذج الأسري الغربي واختياراته الايديولوجية والاجتماعية التي اكتسبها نتيجة تدافعاته التاريخية الخاصة جداا وتجربته مع الكنسية والتراث الاغريقي الوثني. ويبقى السؤال إلى متى ستصمد الأسرة الدينية عموما والأسرة الاسلامية على الخصوص أمام تلكم التحولات المتسارعة؟ وهل لدينا استراتيجية لتدعيم البناء الأسري الاسلامي وقيمه القرآنية المتسامحة؟ ...الخ، والله أعلم