من المؤكد تماماً أن القمة العربية الأخيرة في الأردن قد عُقدت في ظروفٍ مصيرية ٍ وخطيرة بامتياز، ومن المؤكّد أيضاً أنّ الأحداثَ والتطوّرات التي يعيشها الإقليم يتوقّفُ عليها مستقبلُ أهلِ هذه المنطقة وبقاؤهم، ومن المؤكد كذلك أن إيران تتصدر قائمة الدول الضالعة في إثارة الفوضى والخراب والدمار لاستنزاف دول المنطقة وتدمير وحدة شعوبها ، ونشر الإرهاب فيها ، طبعاً كل ذلك على حساب المواجهة مع إسرائيل .
ولكنّ الأمرَ المهم والمحوري أن النتائج المتعلقة بتشخيص الدور الإيراني ومجابهته هي كالعادة مخيبة للآمال والطموحات ، وهي تعكس حالة العجز والفشل في إقرار مشروع عربي موحد لمواجهة المشروع الإيراني ، والرهان على عدم زيادة التشويش والتوتر في العلاقات البينية العربية، والمنساقون وراء الحرص على عدم إغضاب إيران لا يصل تعدادهم أصابع اليد الواحدة، وهي صراحة عُمان، والعراق، ولبنان، والجزائر، و عدم استصدار مثل هكذا قرار يُعدُّ انتصاراً لإرادة هذه الدول في خطب ودّ إيران وعدم إثارتها، و هذا يودُّ أساساً؛ إما لأن هذه الدول صراحة لا حول لها، ولا قوة لتفرض إراداتها على قضايا الأمة ومصير شعوبها، أو أن بعضها يعتبر بمثابة “مسمار جحا” لمنع تكامل الأمة ووحدتها
– والآخر –لاشكّ- بأنه يُمثل رأس حربه للمشروع الإيراني لتدمير الدول العربية، لتعكس حالة الانهيار والاستقطاب في العمل العربي المهزوم أساساً بفعل حالة التصدع السياسي والأمني الضاربة في أعماقه .
كنا ننتظر بفارغ الصبر مشروعاً عربياً قابلاً للتنفيذ لمواجهة العدوان الإيراني واستغلاله لمداخل الأزمات الإقليمية بشكل مدمر، يبدأ بتوظيف الأدوات السياسية والاقتصادية…… ؛ لتوجيه الرسائل لهذه الدولة المارقة، ومستغلين موقف إدارة (ترامب) التي تلوح بإجراءات تصعيديه ضد إيران .
لا شكّ بأننا راهنا كثيراً في الوقت الذي لم تخل خطابات القادة العرب وتصريحاتهم قبيلَ القمة، إلى جانب تصريحات المسئولين من الدرجة الأولى من الإشارة إلى خطر إيران وتدخلها في الشأن الداخلي العربي …. لكن ماذا حصل فعلاً حتى يخلو بيان عمان الختامي إلا من عبارات خجولة لإدانة الدور الإيراني في المنطقة .
ما فعله الزعماء العرب في قمة عمان ليس خطوة ايجابية أو بنّاءة على الإطلاق، بل لقد عزّز الانقسامات العربية أكثر فأكثر؛ لأنه خرج بقرارات تمّ صياغتها بصورة عامة لا تُغني، ولا تُسمن من جوع، ولا شك بأن الحرص على التوافق البيني بحدوده الدنيا بين الدول العربية ليست خطوة مقبولة، فلا أدري ما معنى التأكيد على إدانة الدور الإيراني في قضايا المنطقة بعموميته …..، فهل لا زالت مشكلة التوافقية والإجماع هي الصيغة المتبعة للتعامل مع هذا التهديد الخطير
أقلّ ما يُقال عن قمة عمان، وما نتج عنها من مقرّرات وتوصيات، إنها قمة الحرص على عدم تفجير الخلافات إلى العلن بخصوص الدور الإيراني، والقمة العربية بما أحيطت من “فزعة “، وترويج إعلامي لم يتجاوز صداها ليصل طهران التي استهزأت بقرارات القمة، وهي بالتالي معزولة عن قضايا العالم العربي بكلّ
تحدياته ومشكلاته وصراعاته ومحنه التي كان أساسها إيران وإسرائيل معاً .
لا بدّ من التذكير دوماً بأن هناك شروطاً لا بدّ من استيفائها لمواجهة التهديد الخاص بالمشروع الإيراني ، وأهم هذه الشروط:
-تشخيص الخطر الإيراني بدقة والتوافق عليه .
– امتلاك الإرادة الجماعية لوضع مشروع لمجابهته .
– وتحييد الدول العربية المتماهية مع إيران .
القناعة الأكيدة بأهمية وضرورة تعزيز العمل العربي المشترك لمواجهة إيران لبناء مجالها الحيوي على حساب العالم العربي، وأخيراً توظيف الأدوات والقدرات للحدّ منه، من خلال اعتماد آلية تنفيذية واضحة ومحددة ووفق برنامج عمل ملائمة تقود إلى نتيجة يُعوّل عليها في ردع إيران .
أما القرارات التي صدرت حول إيران فقد اعتادت الشعوب العربية على هذه (الكليشة)، ولهذا فإن أرشيف جامعة الدول العربية حافلة بأكوام الورق الذي كتبت فيه قرارات على هذه الشاكلة .
والنتيجةُ : أنّ قمةَ البحر الميت العربية لم تخرج عن نسق سابقاتها لجهة التعامل مع إيران ، ولا هي عُقدت في الأساس لأجل حل هذا التهديد المزمن، بل هي عادة سنوية لإصدار بيانات التنديد والإدانة للدور الإيراني التخريبي في المنطقة، وقد كان بالإمكان إرسال رسالة عبر الإيميل إلى وزارة الخارجية الإيرانية للتعبير عن عبارات القلق والإدانة .