حطّ الرئيسُ الأمريكيّ في الرياض في أولى زياراته الخارجية، وهو ما يطرح الكثير من التساؤلات والدلالات، ويبعث الكثير من الرسائل الإقليمية والدولية .
لا شكّ بأن زيارة (ترامب) قد وضعت الحجر الأساس للسياسة الأمريكية الجديدة في المنطقة، خاصة تجاه الأزمات الإقليمية، فمنها ما هو اقتصادي وتجاري انسجاماً مع قاعدة أميركا أولاً، وبما ينعكس إيجاباً على البيئة الداخلية هناك بمتغيراتها المختلفة، بما ينعكس إيجاباً على وضعية الرئيس (ترامب) المتزعزعة أصلاً، لكن ما هي خلفيات وأهداف التحرك الأمريكي عبر البوابة السعودية؛ لتكون أولى المحطات ؟ .
لا شكّ بأنّ هناك عدة أسباب دفعت (ترامب) للتحرك عبر البوابة السعودية، نُلخصها من خلال جملة من النقاط:
أولاً: من المؤكد أن إدارة (ترامب) تريد رسم مقاربات إقليمية جديدة هدفها الاعتماد على مركزية الدور السعودي، ومن المثير أن ذلك سيكون على حساب الدورين التركي والمصري وحتى تعزيز التحالف الإستراتيجي مع باكستان، عبر إظهار اعتمادها على الحليف السعودي الذي كان شبه مُغيب في عهد إدارة (أوباما) التي أدارت ظهرها لدول المنطقة .
وهنا يجب ملاحظة مسألة اختيار المحطة الأولى لزيارة الرئيس الأمريكي دولياً، قد أثارتْ حفيظة بعض الدول العربية الخليجية؛ ولا سيّما قطر التي بدأت تستشعر أن هناك مُخطط يستهدفها بحجة مكافحة الإرهاب، بعد أن قامت الدوحة برسم مقاربة سياسية خارجية لموازنة الضغوط الإقليمية والدولية عليها عمادها تطوير علاقات مع حركات الإسلام السياسي ذات التوجه (الإخواني)، وحركة المقاومة الإسلامية (حماس)، مع الاحتفاظ بعلاقات دافئة مع طهران حفاظاً على مصالحها الإستراتيجية والاقتصادية والأمنية، والخشية من تبدلات سياسية دولية قد تربك الوضع الإقليمي والدولي؛ وفي مقدمتها بناء شبكة علاقات دولية خاصة مع الولايات المتحدة، الهدف من كل ذلك مواجهة عقدة الخوف، ولا بدّ من الاعتراف أن قطر ومنذ إنشائها وهي تعاني من هاجس أمني عماده عقدة الخوف والهيمنة من المحيط الخليجي، والتي تصل إلى عقدة الابتلاع، مع تعزيز قطر وتفعيلها لعلاقات عسكرية إستراتيجية مع واشنطن، وتوظيف سلاح قناة (الجزيرة)؛ لتكونَ إحدى أدوات (قطر) للحرب الناعمة للدفاع عن سياساتها، ودعم وجودها في مواجهة الآخرين .
وهنا لا بدّ من تناول حقيقة مهمة أن دول مجلس التعاون الخليجي قد أخفقت بشكل كامل في حل عقدة هاجس الأمن القطري الذي تعزز مع الوقت وتزايد مع زيارة (ترامب) للسعودية، وأحدث إرباكاً لها، خاصةً مع ما رافقَ ذلك من استهداف لفكرة الإرهاب ورعاته، وقطع خطوط الإمداد والدعم اللوجستي، وتجفيف منابع التمويل له، مع ما رافق ذلك من حالة الفرز والتصنيف غير العادل للحركات الإسلامية، والتي ينشط بعضها من خلال دولة قطر، وتركيا، ودول عربية تعيش مرحلة وئام؛ وفي مقدمتها الأردن والمغرب، وهذا الأمر سيخلق إشكالية بين دول الخليج العربي من ناحية، وأنقره، والدوحة من ناحية أخرى، ويخلق حالة من التوتر في العلاقات البينية الخليجية إلى جانب تعزيز البيئة الصراعية مع أنقرة، وربما خسارة فادحة لدور (تركيا) كداعم لقضايا المنطقة، ووفق المقاربة السابقة سُيترك موضوع مواجهة أنقرة لواشنطن، أمّا قطر فتُرك مهمة مواجهتها لدول مجلس التعاون الخليجي حسب ما تعتقده الدوحة .
ثانياً: لا شكّ بأن قراءة حالة الاصطفاف السياسي الحاصل في المنطقة كأحد مفاعيل زيارة (ترامب)، يمكنُ ملاحظته من خلال الساحة الإقليمية التي حصل فيها حالة فرز خطير وغير مسبوق، حيثُ سيكونُ لذلك تداعيات خطيرة على الأمن الإقليمي والدولي، بعد أنْ تمَّ تقسيمها إلى ثلاثة محاور:
-محور ضد الإرهاب، وتقوده أميركا، وحلفاؤها وأصدقاؤها الملتزمون بقمم الرياض الثلاث، وأخر متهم بممارسته أصلاً، وتقوده إيران ومن شايعها، ومحور منخرط بالتغطية عليه حسب الوصف الأميركي والإقليمي المتناغم معها، والمرشح أن تكون تركيا، وقطر في مقدمته، وهو ما استدعى حالة الإرباك واللغط الحاصلة حالياً، بالاعتماد على التسريبات الإعلامية وحالة السجال من خلال منصات التواصل الاجتماعي والسياسي غير المسبوقة. مع الأخذ بعين الاعتبار أن الواقع الحالي يفرض ضرورة وجود جلسات، وقمم مصارحة، ومكاشفة ثنائية بين الدول الخليجية أولاً : وعلى أعلى المستويات، إلى جانب ضرورة التوافق مع الطرف التركي المهم أيضاً بالنسبة لدول المنطقة، ومصالحها ولموازنة الضغوط الإقليمية والدولية .
ثالثاً: القضية الثالثة التي تفجرت حالة الاستموات غير المسبوقة من جانب النخبة العربية والإسلامية التي حاولت الترويج لقمة الرياض من منطلق خطورة مواجهة إيران، والتوسل بآراء فقهية وسياسية ما أنزل الله بها من سلطان عن حرمة بناء (ناتو) عربي أميركي لمحاصرة، وتحجيم الدور الإيراني مجاملة لهذه الدولة أو تلك، ونسوا أن المشكلة الأساس والقضية التي تفجرت بعد قمم الرياض الثلاث سببها الأساس هو حالة التوتر في منظومة العلاقات البينية الخليجية أولاً، والعربية ثانياً، والإقليمية والدولية ثالثاً، ورابعاً .
قد يعتقد البعض أن اختيار السعودية وليس غيرها، جاء لأسباب جدية وواقعية تتعلق بأن الرياض تُعتبر مرجعية مهمة لمواجهة المشروع الإيراني .
وهو ما يجعلها في موقع القادر على التعبئة و التحريض، والتجييش التي تتوافق مع رؤية الإدارة الأمريكية الجديدة، وقدرتها على إقناع الرأي العام العربي والإسلامي بهذا الموضوع على وجه التحديد، وهذا الرأي صحيح، لكن المشكلة التي تولدت أن بعض دول الخليج تحديداً لا تتوافق مع الرؤية السعودية، وفي مقدمتها قطر لأسباب تم التطرق لها سابقاً، وحتى مصر تجنبت من خلال القمة التصريح بشكل مباشر حول الدور الإيراني التخريبي في المنطقة، إلى جانب مستقبل العلاقة بين الحركات الإسلامية وحكومات عربية مثل : الأردن، والمغرب بعد أن تمكنت هذه التنظيمات من المواءمة بين مرجعيتها الفكرية، وطبيعة الأنظمة السياسية لهذه الدول .
رابعاً: لا بدّ من الحديث بشكل واضح عن أهمية التوافق الخليجي أولاً وبناء درجةٍ عاليةٍ من المصارحة والمكاشفة والوضوح ، وللعلم لا أميركا، ولا إسرائيل، ولا إيران تريد الخير لدولنا ولشعوبنا، وأن أميركا ” القوة العظمى” تهدف للتسويق لمشروعها الإستراتيجي المتعلق بالصراع العربي – الإيراني أولاً، ثم تبريد حالة الصراع العربي – الإسرائيلي، عبر تجديد طرح مشروع السلام الفلسطيني الإسرائيلي ضمن الرؤية الأمريكية، وهو ما يصبُّ في خانة الطرف الإسرائيلي، ويُظهر حجم التآمر الذي تقوم به الأنظمة الغربية تجاه شعوب ودول المنطقة.
الحقيقة التي يسعى البعض لإخفائها، حول دور إيران المضلل والمتآمر ضد قضايا الأمة . وهو ما لا شكّ فيه أن مداخل الأزمات الإقليمية قد أسهمت في فضحه، لكن يجب عدم إغفال أنّ قمة الرياض قد أسهمت في تعزيز مفهوم مجابهة المشروع الإيراني إقليمياً ودولياً .
كذلك بينت قممُ الرياض حجم الإفلاس الإيراني في المنطقة..، وهو ما خلقَ حالة تخبط غير مسبوق دفعت طهران إلى استعراض مصنع ثالث لصناعة الصواريخ تحت الأرض، مع ملاحظة حقيقة مهمة أن إيران لم توجه صواريخها في يوم من الأيام ضدّ إسرائيل، أو أميركا، من هنا فإن الرهان والتنظير والاستعراض على دور إيراني لمواجهة إسرائيل تأتي من باب المزايدات؛ ولا شكّ بأن طهران قد برعت في توظيف ملفات المنطقة خدمة لمصالحها، بالمقابل لا نمتلك نحنُ العرب أي بديل سوى تعزيز لحمتنا الداخلية، وتفعيل طاقاتنا، وبناء محاور قادرة على مجابهة التحديات، وتوجيه البوصلة من جديد نحو المخاطر التي تحيط بأمتنا من كل صوب.