د.ناجي خليفة الدهان – مركز أمية للبحوث و الدراسات الإستراتيجية
جميع النزاعات في الشرق الأوسط مستعرة، ويأتي في مقدمتها الصراع }الصهيوني (الإسرائيلي)، الفلسطيني {حيث مضى عليه 100 عام وهو الصراع الأكثر صعوبة. على الرغم من أن الجانبين وقّعا اتفاق سلام في أوسلو عام 1993، إلا أنهما -ولأكثر من ربع قرن- متباعدان أكثر من أي وقت مضى.
بعد مرور عامين من التكتم التام على خطة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب الذي أطلق عليها “خطة السلام” للشرق الأوسط، تمّ إعلان الخطة التي طال انتظارها للسلام في الشرق الأوسط، متعهدًا بأن تظلّ القدس عاصمة “غير مقسمة” لإسرائيل. واقترح حل دولتين، وقال: إنه لن يجبر أي إسرائيلي أو فلسطيني على ترك منزله. وقال ترامب، في مؤتمر صحفي بالبيت الأبيض وإلى جواره رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو: إن خطته “قد تكون الفرصة الأخيرة” للفلسطينيين. وتوالت ردود الفعل العربية والدولية على هذه الخطة بين التأييد والمعارضة والصمت. وطرحت الكثير من الأسئلة حول مضمون هذه الخطة.
فما هي أبرز محاورها؟
أُعدّ هذا المشروع خلف الكواليس بين الكيان الصهيوني (اسرائيل) والولايات المتحدة، من خلال إعادة صياغة المشاريع الصهيونية القديمة، ولكن لابد من السؤال لماذا لم يؤخذ رأي الطرف الثاني في أثناء الإعداد له، وقبل الإعلان عنه ليكن مقبولا إذا كانوا يرغبون في السلام الحقيقي؟ وماذا حقّق المشرع الجديد من امتيازات لفلسطين عن المشاريع القديمة المرفوضة فلسطينيا؟ وما هو الدور العربي لخدمة القضية المركزية قضية فلسطين؟
مشروع جديد على أنقاض الحلول القديم
منذ عام 1947 طرحت العديد من القرارات والمبادرات الإقليمية والدولية لحل الصراع العربي الصهيوني، تأثرت بالمجريات التاريخية ونتائج الحروب العربية الإسرائيلية وبتقلبات الأوضاع الدولية، لكن معظم هذه القرارات والحلول كانت تصطدم بتعنّت إسرائيلي يسنده انحياز أميركي لتل أبيب.
مشاريع وخلفيات
يبدو أنّ ما تسرّب من “صفقة القرن” يتشابه إلى حدّ كبير مع ما طرحه مستشار الأمن القومي الإسرائيلي السابق جيورا آيلاند (Giora Eiland) في دراسة نشرها عام 2010 تحت عنوان “البدائل الإقليمية لفكرة دولتين لشعبين”. كما تأخذ الصفقة أيضا أجزاء من خطة طرحها أفيغدور ليبرمان -رئيس حزب “إسرائيل بيتنا” ووزير الخارجية والدفاع سابقا- المعروفة بخطة “تبادل الأراضي المأهولة”، وخطة أخرى طرحها يسرائيل كاتس القائم بأعمال وزارة الخارجية ووزير النقل والاستخبارات.
ويأخذ المشروع أيضا أفكارًا من دراسة موسعة طرحها الرئيس السابق للجامعة العبرية البروفيسور يوشع بن آريه عام 2003، جمعت تحت عنوان خطة “تبادل أراض ثلاثية”؛ وترتكز مجمل هذه المشاريع على فكرة توطين الفلسطينيين في أرض ثالثة.
وفي تموز/يوليو 2018، أشار الصحفي الإسرائيلي شاؤول أرئيلي -في مقال له في جريدة “هآرتس”، تعقيبا على تسريبات للخطة- إلى أنها مجرّد حزمة أفكار إسرائيلية أعدّها رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، يتم تقديمها في حلّة أمريكية. مما يتضح أنّ “خطة السلام” للشرق الأوسط لم تأتِ بشيء جديد بل هي جمع الأفكار بحلّة أمريكية، رغم أنّ كل هذه الأفكار والمشاريع رفضت من قبل فلسطين.
هكذا حارب ترامب القضية الفلسطينية
منذ فوز الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في انتخابات الرئاسة الأمريكية في نوفمبر 2016 قدّم لدولة الاحتلال الإسرائيلي جملة من القرارات التاريخية التي تمسّ بالأراضي الفلسطينية المحتلة إضافة إلى أخرى عربية، كهضبة الجولان المحتلة.
وكان أبرز قرارات ترامب وأشدها ألماً على الفلسطينيين والعرب اعتراف إدارته بالقدس المحتلة عاصمة لـ “إسرائيل”، ونقل السفارة الأمريكية من تل أبيب إلى القدس، في (ديسمبر 2017). هذا القرار جاء بعد عام تقريباً من تولي ترامب رئاسة البيت الأبيض، لكن ذلك التاريخ شهد بعده سلسلة قرارات كانت كفيلة بزيادة ثقل كاهل القضية الفلسطينية.
- إغلاق مكتب منظمة التحرير. في واشنطن في نوفمبر 2017 وبعدها بأسبوع تقريباً تراجع ترامب عن القرار، واستبدل به فرض “قيود” على بعثة منظمة التحرير، وهو ما لم يرق للسلطة الفلسطينية التي أعلنت تخليها عن واشنطن كـ “وسيط لعملية السلام”.
- القدس عاصمة لـ “إسرائيل”. في 6 ديسمبر 2017 أعلن ترامب القدس عاصمة لـ “إسرائيل. أشعل موجة غضب شعبية ورسمية واسعة في العالمين العربي والإسلامي.
- تجميد 125 مليون دولار من مخصصات “أونروا”. بعد شهر بالتمام من إعلان القدس عاصمة لـ “إسرائيل”، وبدأت قرارات ترامب التضييقية على القضية الفلسطينية تتضح أكثر، وخاصة عندما أمر بتجميد 125 مليون دولار أمريكي من مخصصات “أونروا”.
- نقل سفارة واشنطن إلى القدس. نفذ ترامب وعده بمنح ما لا يملك إلى من لا يستحق وفي 14 مايو 2018، افتتحت الولايات المتحدة سفارتها الجديدة لدى دولة الاحتلال في مدينة القدس المحتلة.
- في مايو 2018 نفذت الإدارة الأمريكية ما أمر به ترامب من إعادة توجيه مساعدات اقتصادية بأكثر من 200 مليون دولار كانت مخصصة إلى قطاع غزة والضفة الغربية إلى مشاريع في أماكن أخرى.
- وقف دعم مستشفيات القدس. في سبتمبر 2018 حجبت وزارة الخارجية الأمريكية 25 مليون دولار، كان من المقرر أن تقدمها كمساعدة للمستشفيات الفلسطينية في القدس، وعددها 6 مستشفيات.
- إغلاق مكتب منظمة التحرير. في سبتمبر 2018 الإدارة الأمريكية أبلغتهم رسمياً بقرارها بإغلاق مكتب المنظمة في واشنطن، وجاء القرار كـ “عقاب” على مواصلة عمل السلطة الفلسطينية مع المحكمة الجنائية الدولية ضدّ جرائم الحرب الإسرائيلية، كما قالت واشنطن: إنها ستنزل علم فلسطين في واشنطن.
- طرد السفير الفلسطيني. قرّرت الإدارة الأمريكية طرد السفير الفلسطيني لديها، حسام زملط وعائلته، في سبتمبر 2018 وهو ما وصفته المنظمة بـ “السلوك الإنتقامي الذي يعكس ما وصلت إليه الإدارة الأمريكية من حقد على فلسطين قيادة وشعباً”.
- شرعنة المستوطنات. أعلن وزير الخارجية الأمريكي، مايك بومبيو، أن واشنطن لم تعد تعتبر أن المستوطنات الإسرائيلية على الأراضي الفلسطينية “مخالفة للقانون الدولي”.
- ترامب يعلن صفقة القرن. بعد سنوات من التكهنات والتمهيد الإعلامي والسياسي، خرج الرئيس الأمريكي دونالد ترامب عن صمته، الثلاثاء 28 يناير 2020، وأعلن خطة السلام التي أعدتها إدارته، المعروفة باسم “صفقة القرن”، وسط رفض فلسطيني لها ودعوات للمواجهة مع الاحتلال رداً على إعلانها.
يتضح من خلال سلسلة قرارات الرئيس ترامب أعلاه شدّة كرهه للقضية الفلسطينية وانحيازه للكيان الصهيوني المحتل، وكانت كفيلة بزيادة ثقل كاهل القضية الفلسطينية.
أبرز محاور الصفقة
ركّزت الولايات المتحدة دائما، خلال سنوات الوساطة في محادثات السلام بين إسرائيل والفلسطينيين، على رغبات إسرائيل وقيودها مع إيلاء أولوية خاصة لأمنها، بيد أن الرؤساء الأمريكيين المتعاقبين قبلوا فكرة مفادها أن السلام يتطلب قيام دولة فلسطينية جنبا إلى جنب مع إسرائيل، حتى وإن كانوا غير مستعدين للسماح لها بسيادة كاملة على قدم المساواة.
قد تبدو صفقة ترامب وثيقة استسلام أكثر من كونها أي شيء آخر، إذ تمثل فرصة لإسرائيل لتأكيد انتصارها على الفلسطينيين مرّة أخرى وإلى الأبد، بعد 7 عقود من الاستقلال وأكثر من قرن منذ بدء الاستيطان الصهيوني في فلسطين.
الخطة كانت مختلفة، كونها تتعامل مع الوقائع التي فرضتها إسرائيل على الأرض منذ التوقيع على اتفاق أوسلو، وليست قائمة على تطلعات وأحلام الفلسطينيين بإقامة دولة فلسطينية على حدود الرابع من يونيو/حزيران 1967 وعاصمتها القدس الشرقية وضمان حق عودة اللاجئين.
تقترح “صفقة القرن” إقامة دولة فلسطينية بلا جيش أو سيادة، على مساحة 70% من الضفة الغربية، يمكن أن تكون عاصمتها بلدة “شعفاط” شمال شرقي القدس. وإن الخطة تسمح لإسرائيل بضم ما بين 30 إلى 40% من أراضي الضفة الغربية.
إن الدولة الفلسطينية الموعودة، بموجب “رؤية السلام” الأمريكية، يجب أن تكون “منزوعة السلاح” وبلا سيادة وهي لن ترى النور إلا بعد أن يعترف الفلسطينيون بيهودية الدولة الإسرائيلية. والدولة المنزوعة السلاح تعني تخلي حركة حماس التي تسيطر على قطاع غزة عن أسلحتها، وهو شرط يصعب تحقيقه في ظل سيطرة حماس على غزة.
توقيت الصفقة
اختيار دونالد ترامب لتوقيت الإعلان عن خطته للسلام حساس جدًا بسبب موقفه الحالي في مجلس الشيوخ فقد ضيّق الديمقراطيون عليه الخناق واستدعوا مزيدا من الشهود لعزله. أما نتانياهو، فهو يواجه انتخابات مفصلية في بلاده بحلول شهر مارس المقبل لذا يرى المحللون أن ترامب قد ألقى بطوق النجاة لنتنياهو لكي ينقذ نفسه وصديقه”.
“فصفقة القرن” بمثابة صفقة بين ترامب ونتنياهو قبيل الانتخابات سواء في إسرائيل أو أميركا، مؤكدا أن الخطة تهدف إلى تمهيد الطريق أمام نتنياهو لضم جميع المستوطنات في الضفة إلى السيادة الإسرائيلية من دون أن تدفع إسرائيل أي مقابل للسلطة الفلسطينية.
والامتحان الحقيقي للخطة الأميركية سيكون بحال انتخب ترامب رئيسا لولاية ثانية، وحتى ذلك الحين فإن الخطة ما هي إلا تدخل في الانتخابات الإسرائيلية وصرف الأنظار عن محاكمة نتنياهو الذي يواجه تهما بالفساد وخيانة الأمانة وتلقي الرشى.
رؤية القيادة الفلسطينية للخطة الأمريكية
أعلن الرئيس الفلسطيني رفضه الخطة رفضًا قاطعًا وعدم قبوله بالتفاوض على صفقة القرن، وأكد كذلك رفض الشعب الفلسطيني لها.
وحول رؤية القيادة الفلسطينية للخطة الأمريكية، شدّد “نبيل شعث” على أنها “أكاذيب تحاول الولايات المتحدة من خلالها تصفية القضية الفلسطينية، وليس تحقيق السلام، وطموح الشعوب”.
هاجم نبيل شعث، الممثل الخاص لرئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس، حضور دول خليجية لإعلان “صفقة القرن”، معتبرًا أنّ عذر هذه الدول “أقبح من ذنب”.
فوّضت القيادة الفلسطينية الرئيس محمود عباس، بتنفيذ كل القرارات التي صدرت عن المجلسين الوطني والمركزي لمنظمة التحرير، المتمثلة بوقف التنسيق الأمني، ووقف العلاقة الاقتصادية مع “إسرائيل”، وغيرها من الالتزامات التي لم تلتزم بها “إسرائيل”،
منذ إعلان الصفقة خرج للشوارع آلاف الفلسطينيين منددين بها، في كل من الضفة الغربية وقطاع غزة، والقدس، وبعض الدول العربية.
مستقبل خطّة السلام للشرق الأوسط
أجمعت غالبية الصحف الأوروبية على أن خطّة ترامب لحلّ أزمة الشرق الأوسط لن تجلب السلام المنشود، لأنها تحمل في طياتها خطرًا كبيرا في تصعيد الصراع بين الطرفين، كونها تراعي فقط مصالح إسرائيل على حساب الفلسطينيين.
فقد أعلن مجلس جامعة الدول العربية على المستوى الوزاري، في دورته غير العادية، أمس، رفض «صفقة القرن» الأميركية الإسرائيلية، باعتبارها لا تلبي الحدّ الأدنى من حقوق الشعب الفلسطيني وطموحاته وتخالف مرجعيات عملية السلام. وشددت كذلك على عدم التعاطي مع هذه الصفقة التي وصفتها بـ «المجحفة»، أو التعاون مع الإدارة الأميركية في تنفيذها بأي شكل من الأشكال.
ورغم ضعف ردود الفعل الدولية على خطة الولايات المتحدة ـالإسرائيلية الذي يطرح كثيرا من الأسئلة. والشيء نفسه يقال عن التعليقات العربية المزدوجة المعنى. فالدول العربية مرتبطة وتابعة للولايات المتحدة، ولا تستطيع اتخاذ موقف مضاد لترامب، ويجدون صعوبات متزايدة في إسناد “الجهود” التي يبذلها ترامب من أجل التوصل إلى سلام بين الاسرائيليين والفلسطينيين، لأنهم متردّدون في أن يكونوا شركاء في قرارات أمريكية تعد موالية لإسرائيل.
وهناك احتمالات لنجاح الخطة ولو بشكل محدود، “وهذا النجاح يتوقف على قبول الطرف الفلسطيني بالبدء في مفاوضات مع الطرف الإسرائيلي تحت رعاية أمريكية. وفي ظلّ الموقف المعلن للسلطة الفلسطينية برفض الخطة الأمريكية، فإن هذا المسار ونجاح الخطة غير ممكن والفشل قد يلحق بالخطة التي تؤسس لدولة فلسطينية منزوعة السيادة عاصمتها “شعفاط” (يديعوت).
إن إعلان الخطة في هذا التوقيت وبدون توافق فلسطيني لا يمكن استبعاد عنصر الانتخابات من توقيت إعلان صفقة القرن، وذلك لخدمة ترامب في الانتخابات الرئاسية المقبلة، كذلك رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في ثالث انتخابات برلمانية تشهدها إسرائيل خلال أقل من عام.
ويبدو أن الصفقة لها هدف سياسي أوحد: وهو مساعدة نتانياهو في معركته السياسية-القضائية وتعزيز الدعم لترامب في صفوف الناخبين المؤيدين لإسرائيل”.
ورغم أن التعبير عن الإحباط من مواقف الحكومات العربية بشكل خاص والعالم بشكل عام إزاء صفقة القرن، ورغم تآمر البعض على القضية الفلسطينية من خلف الكواليس وأخيرا وليس آخرًا، لقاء رئيس مجلس السيادة السوداني مع نتنياهو يوم الإثنين الموافق 3/1/ 2020، سيكون مصيرها الفشل كما في المشاريع السابقة رغم أن ظروف الدول العربية الآن تختلف عن السابق، لأن هناك شعب فلسطيني مقاوم ورافض لكل مشاريع الاستسلام والمساومات، والقدس ليست للبيع، وسيدافع عن القدس الشعب الفلسطيني الذي قال عنه رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم الذي لا ينطق عن الهوى: “لا تَزَالُ طَائِفَةٌ مِنْ أُمَّتِي عَلَى الْحَقِّ ظَاهِرِينَ لَعَدُوِّهِمْ قَاهِرِينَ لا يَضُرُّهُمْ مَنْ خَالَفَهُمْ إِلَّا مَا أَصَابَهُمْ مِنْ لإوَاءَ حَتَّى يَأْتِيَهُمْ أَمْرُ اللَّهِ وَهُمْ كَذَلِكَ”. قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَأَيْنَ هُمْ؟ قَالَ: “بِبَيْتِ الْمَقْدِسِ وَأَكْنَافِ بَيْتِ الْمَقْدِسِ”.