إن هذه الدراسة التي بين أيدينا تقدم صورة أولية عن إمكانات التأسيس للفعل المدني من خلال تحقق ذاتية الجمهور المنتفض والمحتج في الميادين والمجالات العامة، وهي الدينامية التي حاولنا تأطيرها من خلال مفهومين استراتيجيين وهما "الفضاء العمومي" و"المجتمع المدني". بحيث حاولنا استيعاب بطريقة نقدية بعض ما كتب حول الموضوع وما له علاقة بالحقول المعرفية التي اهتمت بدراسة السلوك الاحتجاجي وعلى رأسها علم الاجتماع السياسي والعلوم السياسية، من خلال دراسة الديناميات الاحتجاجية وتأثيراتها على المجالات العامة بما هي فضاءات وسيطة لتحقق إرادة الأفراد، وإبراز الأدوار التاريخية التي اضطلع بها المجتمع المدني في سياق دعم مسارات الدمقرطة وفق الخبرة العالمية. فمفهوم الفضاء العمومي والمجتمع المدني اعتبرناهما نماذج تفسيرية تستوعب مجمل التحولات التي يعرفها السلوك الاحتجاجي بالإقليم العربي بأفق تشكل وعي مدني يدرك تماما طبيعة الجدل القائم بين الدولة والمجتمع في إطار مفاهيم الديمقراطية والحرية والمواطنة. دون إغفال طبيعة الانحرافات والتناقضات العملية المصاحبة لعلاقة من هذا النوع (علاقة الدولة بالمجتمع والأفراد)، عبر دراسة الاحتجاج بما هو حركة من حركات المجتمع في إطار العلاقة مع الدولة، على اعتبار أن دراسة علاقة من هذا النوع هي دراسة للكيفية التي يرى بها المجتمع ذاته، وفي نفس الوقت محاولة لإدراك الكيفية التي يرسم بها المجتمع علاقته بكيان الدولة ونزوعاتها نحو الضبط والتنميط والإكراه وسلب إرادة المجتمع.
في إمكان التأسيس للفعل المدني: ملامح التحول في الفضاء العمومي العربي