لقد انطلقت الثورة السورية ولم يكن خلفها أي تنظيم أو توجه سياسي أسوة بكل ثورات الربيع العربي التي انطلقت من مغرب الوطن العربي إلى مشرقه، ولم تكن الثورة السورية بدعة أو تختلف عن مثيلاتها في الوطن العربي، فالهمُّ واحد والآلام مشتركة والظلم والجور واقع عليهم من أنظمة سادية إقصائية فاسدة، اعتمدت تجويع شعوبها وإفقارهم وتجهيلهم واستعبادهم.
لقد راقب السوريون بحذر ثورات الربيع العربي وهي تندلع في بلد تلو الآخر وهم يكتمون أنفاسهم متوقعين وصول رياح التغيير إليهم، في حين كان النظام السادي في دمشق يصر على نفي إمكانية انتقال عدوى الاحتجاجات إلى سورية، وكانت أول محاولة لتجمع بعض الشباب أمام السفارة التونسية ولكنها لم تكلل بالنجاح، لكن هؤلاء الشباب نجحوا في التجمع أمام السفارة المصرية يومي 29 و30 كانون الثاني، وبعدها بمنطقتي باب توما وعرنوس بدمشق.
المعروف في سورية الأسد أن نزول المواطنين إلى الشارع كان يتم بأمر من السلطات من أجل الهتاف للرئيس الأسد الأب ومن بعده الابن، فيما عدا ذلك لا يمكن التعبير عن أي شيء آخر.
وفكر بعض الشباب على التقدم للحصول على ترخيص من وزارة الداخلية من أجل القيام باعتصام، وكانت فكرة خرافية بالنسبة لمن قُدم الطلب إليهم في هذا الخصوص.
كان عدد الشباب المتحمس للعصيان والتظاهر قليل جدا. حيث إن النشاط السياسي كان مقتصرا على المعارضين الذين سجنوا، بالإضافة إلى مجموعة من الشباب الذين كانوا يقومون بمجازفة.
لجأ الشباب إلى أجهزة التواصل على قلتها يخططون للاعتصام عبر دعوات على شبكات التواصل الاجتماعي (فيسبوك وتويتر) رغم أنها كانت محجوبة من قبل السلطات، وقام كل واحد بدعوة أصدقائه الذين يعرفهم شخصيا ويثق بهم. وراحت الاتصالات تتوسع لتشمل عدداً من الصحفيين والفنانين والكتاب تدعوهم للمشاركة، وكان معظم هؤلاء لا ينتمون إلى أي تنظيم أو مجموعة ذات نشاط سياسي، لذلك كانت وسيلة هؤلاء الشباب الوحيدة هي الإنترنت، وكان الناس خائفين من أن يكون هناك من جواسيس الأمن من يدفع بعض هؤلاء للتظاهر أو العصيان ومن ثم اعتقالهم وتعرضهم للتعذيب والسجن كما تعود السوريون على هذه الألاعيب الدنيئة من النظام، ناهيك عن عدم الثقة فيما بينهم للقيام بنشاط كهذا.
كان النظام السادي في دمشق قد أبدى ترحيبا بالثورة المصرية ضد الرئيس حسني مبارك، الذي لم يكن على علاقة طيبة معه، واستغل الشباب هذه النقطة أثناء جدالهم مع ضابط الأمن أمام السفارة المصرية الذي نهرهم وطلب منهم الانصراف، ثم توعدهم بأن يفلت عليهم هؤلاء “الشوايا” وكان يقصد عناصره بذلك الوصف.
لكن الشباب عادوا ليجادلوه بأن عليه عدم الإساءة لهؤلاء الرجال الذي يحمون الوطن، في محاولة لاستثارة النخوة فيهم، إضافة إلى التأثر بموقف الجيش في ثورتي مصر وتونس.
وأثناء الاعتصام ركز الشباب على فكرة أن مبارك خائن وهذا يوافق رؤية النظام، وكانت الشعارات والهتاف ضده ومع الشعب المصري.
وكان لإهانة شرطي مرور مواطنا سورياً أمر اعتيادي ويحدث كل يوم، لكنه عندما حدث يوم 17 شباط 2011 لم تمر تلك الإهانة كسابقاتها.
وكتعبير عن حالة الاحتقان تجمع بضع مئات من السوريين بمنطقة الحريقة بقلب دمشق عقب تلك الحادثة بدقائق بطريقة عفوية ودون تخطيط، وانطلق هتاف “الشعب السوري ما بينذل” الذي أصبح فيما بعد من أبرز شعارات الثورة.
وبعدها بأيام كان الاعتصام أمام السفارة الليبية يوم 22 شباط، وانطلق لأول مرة في سماء دمشق شعار “خاين يلي بيقتل شعبو”. وتمكن الشباب من الاعتصام هناك لبعض الوقت، وحملوا شموعا ولافتات تندد بالقذافي.
وطلب منهم الأمن الانصراف وجاؤوا بسيارة البلدية الخاصة بمياه المجاري لتفريقهم، الأمر الذي جعلهم يشعرون بالإهانة، ثم بدأ المعتصمون بغناء النشيد الوطني، في إشارة إلى أن سورية كانت قضيتهم وهمهم، وانفض ذلك الاعتصام بالقوة واعتقل قرابة 12 شخصا.
بعدها انطلقت الشرارة الأولى للثورة يوم 15 آذار، بصرخة الحرية التي أطلقتها الناشطة مروى الغميان في قلب دمشق.
دفع المناخ الثوري الذي تشكل في عدد من الدول العربية أواخر عام 2010 وأطلق عليه الربيع العربي، دفع السوريين إلى السير على هذا الدرب أملا في الخروج من حال الطغيان والفساد واحتكار السلطة، خصوصا بعد نجاح ثورتيْ تونس ومصروبعدهما ليبيا واليمن في الإطاحة برؤوس أنظمة تلك الدول.
فقد حاول بعض النشاطين السوريين تنظيم عدة مظاهرات تضامنية مع ثورة 25كانون الثاني المصرية بدأت في يوم 29 كانون ثاني 2011 واستمرت حتى 2 شباط بشكل يومي في دمشق، إلا أن الأمن السوري اعترض المتظاهرين وسلّط الشبّيحةعليهم.
انطلقت الثورة السورية من احتجاجات شعبية عفوية سلمية في عدد من المدن السورية عام 2011 تطالب بالحرية والكرامة والانعتاق، ووضع حد للقمع والفساد والدكتاتورية، لكنها سرعان ما عمت معظم المدن والبلدات السورية.
قمع النظام السادي في دمشق بالسلاح المظاهرات السلمية فسقط مئات الآلاف من الضحايا، وتشرد الملايين نزوحا في الداخل السوري ولجوءً في مختلف بقاع العالم، وتحولت سورية إلى أزمة دولية وساحة للصراع بين القوى الإقليمية والدولية.