مرحلة مابعد (حراك الجمعة 22 /02/2019.)…هل تحتاج إلى مجموعة 22 .
إن الجزائرَ في الوجود رسالةٌ الشعبُ حرّرها.. وربُّك َوَقّعا!
غنَّى بها حرُّ الضّمير، فأيقظتْ شعباً إلى التحرير شمّر مُسرِعا
شعبٌ.. دعاه إلى الخلاص بُناتُهُ فانصبَّ مُذْ سمع النِدا، وتطوَّعا
واستضعفوه.. فقرّروا إذلالهُ فأبتْ كرامتُهُ له أن يخضعا
مفدي زكريا
أكثر من 22 سنة والشعب الجزائري يراقب الوضع العام ويتفاعل معه بصورة منفردة وذاتية مرة حزبية ومرة نقابية ومرة شخصية حتى ظنت النخب السياسية المناضلة من اجل التحول السياسي في الجزائر نحو التقدم والازدهار والكرامة والعدالة أن الشعب ماتت فيه القدرة على المساهمة في التغيير والإصلاح ووصفه البعض بالاستقالة الشعبية من الفعل السياسي العام ،وثارت التساؤلات المحيرة حول كيفيات إخراج الشعب من حالة الكمون التي استدامت لعقود ووصل آخرون إلى حالة اليأس من عملية التغيير بمساهمة ومشاركة الشعب وراح يبحث عن حلول أخرى .
هذه الحيرة أجابت عنها مسيرات 22 فبراير 2019 (حراك الجمعة22 /02)بصورة واضحة وجريئة فاجأت النخب والشعب نفسه لان حالة الوعي الجديدة والخروج من مربع الانتظار والذاتية الى ساحة الفعل والحسم أحالت الجميع سلطة ومعارضة وشعب ونخب على مرحلة جديدة ليس من المطلوب أبدا من الشعب أكثر مما فعله يوم الجمعة 22 فبراير 2019 ،والدور على النخبة السياسية سواء كانت في السلطة أو المعارضة استقبال رسالته بوعي اكبر واستعداد لصياغة مرحلة جديدة لا غموض فيها لأي فاعل سياسي على اعتبار أن الحالة السابقة كانت ميزتها الغموض والضبابية بامتياز .
إن حالة الوعي البارزة اليوم والتي وصف بها حراك 22 فبراير من طرف الجميع ليست مفصولة عن تلك النضالات السياسية والإعلامية التي قامت بها نخب لم تستسلم للوضع العام الذي أرهق الكثير وأحالت البعض على التقاعد السياسي أو تغيير الحرفة السياسية فتراكم النضال وإيقاد الشموع ورفع راية التغيير والإصلاح في العقد الماضي وتراكم كل ذلك نتج عنه حراك مميز يوم الجمعة الماضي حيث تعلم الناس النضال السلمي وأساليب التغيير والحرص على عدم اختطافه من المغامرين وإحاطته بالسلمية ..كل ذلك ليس مطرا سقط من السماء في دقيقة وإنما هو ثمرة نضال وعمل وتدافع نخب متنوعة لم تدع الراية تسقط منذ عقود فتحية لكل هؤلاء .
رسالة الجمعة التي شارك في كتابتها جل الشعب الجزائري هي بمثابة وصفة مختصرة ومكثفة تمثل جوهر ولب كل رؤية مستقبلية تتطلع الى التغيير والاصلاح السلمي والهادئ والهادي والهادف ،ومما تضمنته رسالة جمعة فبراير المجيدة مايلي :
1. أن الشعب الجزائري شعب موحد خلف هدف واحد وهو الحرية المسؤولة ولا احد يمكنه أن يستغل صمتنا وحراكنا لغير صالح الوطن والمواطن .
2. لا احد يمكنه أن يتكلم باسم الشعب ويصادر إرادته واختياراته وبإمكانه أن يبدع الوسائل الكفيلة بالتعبير عن ذلك ليسمع الجميع صوته ورقيه وتحضره .
3. مازال الشعب الجزائر حساس لظاهرة الحقرة التي قد يتعرض لها مواطن واحد فكيف بشعب كامل صنع أعظم ثورة في القرن العشرين وهو ينصر المحقور ولو بعد حين .
4. أن تهمة العنف والتخريب وآثار المأساة الوطنية لم تصبح صالحة اليوم لتبرير التضييق على حرية التعبير ومنع النضال السلمي وحرية التجمع والعمل العام وفرملة الحراك نحو التغيير.
5. أن فكرة رئيس مدى الحياة أو توريث الحكم ليست صفة ولا تقليد جزائري في تاريخه المعاصر وهي لم تعد تصلح للحكم في مقابل وعي سياسي شبابي متزايد نحو استلام المشعل الذي تأخر أكثر من 50 سنة وآن الأوان لمن طاب جنانو أن لا يطمع في أعمار وجنان الآخرين .
6. وأن الصبر والتحمل والتعقل والانضباط المواطني ليس جسرا نحو الاستحمار والاستعباد والاستبلاد والاستبداد فيمكن أن يكون الشعب من الصابرين والمتحملين والعقلانيين في كنف المواطنة والكرامة والحرية والديمقراطية .
7. ليس صحيحا أن الشعب الجزائري شعب عنيف وأن الشباب الجزائري شباب حراق ومنقطع عن هويته وقيمه وحب بلاده بل حلمه مازال في الجزائر ولا يسمح باغتيال حلمه من جديد .
8. أن قدرة الجزائريين على الادراك الواعي لمكنونات الضمير الجمعي قبولا ورفضا قدرة خلاقة و غير مرئية سيما لمن لم يفقه بعد معطى الوطن الأمة الجزائري فطريق الاجتماع في اللحظة المناسبة لا يحتاج إلى وسائل اعلام وتسويق تقليدية أثبتت محدوديتها في التعامل مع هذا الحراك حيث يبدع الشعب وسائله بطريقة مدهشة.
على هذه المسطرة الجديدة في مرحلة مابعد 22 فبراير 2019 ،ينبغي أن ينضبط أهل السياسة والحكم في الجزائر ،لان الشعب صاحب السيادة حسم اتجاه البوصلة وليس مطلوبا منه أكثر،فالشعوب هكذا لا تجتمع كلمتها دائما وهي حينما تقرر يصبح قرارها يشبه القدر أو كما قال مفدي زكريا (الشعب حررها وربك وقعا…) لا نريد من نرفع مرتبة الشعوب إلى مصف الربوبية أو نضفي القداسة على هذا الحراك الذي طرح استفهامات مشروعة كثيرة ، وإنما نريد فقط أن نصيغ مفردات تعلي من أهمية الشرعية والمشروعية وصوابية أولوية تقوية المجتمع على السلطة فإذا ما انحرفت صوبها ،وهو دور النخب الجزائرية اليوم بكل أطيافها ومهما كان موقعها ووظيفتها ،اقصد من يملكون الضمير والتفكير والتعبير(أتحدث عن النخب ولا أتحدث عن الأحزاب لأنها ستصبح بعد التفكير والتدبير رواقا رئيسيا للعمل والنضال والنخب المقصودة ليست فقط في المعارضة بل في السلطة والمجتمع أيضا) .
فبعد جرأة الشعب في التعبير يجب أن تبدأ نخبه في التفكير الجماعي وليس الفردي المعزول وهي بما تتمتع به من ذكاء جماعي يمكنها أن تصنع الفرق وتصيغ الرؤية و تبدأ العمل المشترك على تجميع الكتلة التاريخية للمجتمع الجزائري التواق إلى الحرية والعدالة ومحاولة تاطير واحتضان وهيكلة هذا الحراك ،أما مواصلة مسيرة الجدل و الفوقية و ادعاء امتلاك الحقيقة المطلقة والتمحور حول الذاتية وجلد الذات واستدعاء أخطاء الماضي ،الاستمرار في هذا الدرب هو تضييع وهدر للفرصة السانحة اليوم وخيبة أمل الجمهور بهؤلاء .
إن الرهان على انتظار رد أو تصحيح للمسار من طرف السلطة الحالية هو كمن يقامر في طاولة قهوة موح،أي نعم قد تعدل السلطة من بعض خياراتها الفرعية والجزئية أما خياراتها الرئيسية فستكيفها مع طبيعة المرحلة ونوعية الفاعلين فيها وأولهم النخب السياسية الحالية ،ولذلك لا يجب أن ننتظر المهدي ليخلصنا من وضعنا البائس ،فالرهان الحقيقي إذن هو أن ينهض فينا أمثال مجموعة 22 لصناعة مستقبل جديد للجزائر …عن هذا المشروع المبادرة سنتحدث في قادم الأيام .