في تزامن غير مستغرب من تحالف الأمم ضد العرب، أعلنت الولايات المتحدة عن سحب مستشاريها العسكريين الذين كانوا يشاركون في غرفة عمليات عاصفة الحزم التي ينفذها التحالف العربي بقيادة المملكة العربية السعودية في اليمن، من أجل إعادة الشرعية التي سطا عليها الحوثيون وأنصار الرئيس المعزول علي عبد الله صالح، كما أن روسيا لم تفوّت الفرصة لتعلن عن إرسال قطعة بحرية إلى خليج عدن في عملية استعراض قوة لا تخفى على المراقب الحصيف وذلك بإرسال قطع حربية بحرية روسية إلى السواحل اليمنية.
وتأتي الخطوة الروسية هذه بعد الإعلان عن انطلاق الطائرات الروسية القاصفة من طراز تي يو 22 ومن طراز سوخوي 35 من قاعدة همدان غربي إيران، لتضرب أهدافا كلها مدنية في محاولة لتركيع الشعب السوري، تحت لافتة الحرب على جبهة النصرة وتنظيم الدولة الإسلامية.
إيران لم تسمح لفرصة من هذا الطراز أن تمر من دون أن تتقمص دور الكبار في لعبة تريد من خلالها توظيف رضا الدول الكبرى عن مشروعها التوسعي العدواني إقليميا وإسلاميا، إذ جاء إعلان أحد قادة الحرس الثوري الإيراني العاملين في الساحة السورية عن تشكيل "جيش التحرير الشيعي" في أكبر خطوة استفزازية منذ إعلان الخميني عن مشروعه الخاص بتصدير الثورة إلى مختلف الأرجاء، وكأن الوقت قد حان للإعلان عن تشكيل "الفرقة الأجنبية" المؤمنة بولاية الفقيه لتحقيق هذا الغرض ولنشر التشيع في العالم الإسلامي من أجل التحرر من عقدة "الأقلية الشيعية" على مستوى مسلمي العالم، ومن أجل تحريك التابعين لها على وفق ما يخدم المشروع الإيراني لتصبح ناطقا رسميا باسم الشيعة في العالم والذين لم يعودوا أقلية بين المسلمين كما كانوا عبر كل حقب التاريخ.
هذه الخطوات الثلاث جاءت متلازمة بعد تطورات مهمة على مستوى التحالفات الإقليمية، فمن جهة ذهبت تركيا أبعد مما كان متوقعا منها بعد محاولة الانقلاب الفاشلة التي عاشتها يوم 15/7/2016 في خطوات تقارب مع روسيا وإيران، فقد حصلت تطورات متسارعة على طريق تحسين العلاقات الروسية التركية والتي كانت قد شهدت تدهورا كاد أن يفجر نزاعا مسلحا ما بين البلدين في أعقاب إسقاط مقاتلات تركية لطائرة روسية ومقتل قائدها، وهو الحدث الذي ما إن حصل إلا وكانت الولايات المتحدة تسحب صواريخها من طراز باتريوت والتي كانت قد نصبتها بذريعة مواجهة برنامج الصواريخ الإيرانية، وقد فسر المراقبون موقف الولايات المتحدة والموقف المائع لحلف شمال الأطلسي من الأزمة التركية الروسية بأنها خذلان غير مسبوق لعضو في الناتو وكأنه رسالة إغراء لروسيا لافتراس تركيا من دون خشية من دعم أطلسي غربي لتركيا، كما أن الدور الأمريكي الذي لا تستطيع واشنطن إعطاء الدليل على خلافه، بالوقوف موقف المحرّض ضد حكومة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، وتأييدها للانقلابين على الأقل عن طريق حجب معلومات تحركهم عن الرئيس وطاقمه الحاكم، جعل الأخير يذهب أكثر مما كانت الولايات المتحدة تتصور أنه سيذهب إليه على طريق تطبيع علاقات تركيا بروسيا، ولم يتوقف عند هذا الحد بل يمم وجهه نحو طهران للبحث عن مخرج من الورطة التركية في الأزمة السورية، لاسيما وأن بين البلدين قاسما مشتركا استثنائيا وهو قضية التطلعات الكردية التي تهدد وحدة كل من تركيا وإيران والعراق وسوريا، وهذه التطلعات مصدر قلق كبير للطرفين، ومن اللافت أن رئيس الوزراء التركي صرح بأن بلاده ترفض تقسيم سوريا على أسس عرقية، وكأنه يريد أن يقول بأن مثل هذا التقسيم مرفوض لأنه يهدد وحدة الأراضي التركية، أي أنه لا يرفض تقسيم سوريا على أسس أخرى من دون أن يسميها، وهنا نقطة التقاء مركزية بين أنقرة وطهران التي بدأت تواجه تحركا كرديا مضادا ظل صمته مثار تساؤلات كثيرة خاصة وأن أكراد إيران هم وحدهم الذين يعانون من اضطهاد مركب عرقيا وطائفيا.
هذه التحركات لم تأت من فراغ سياسي أو عسكري أو أمني، فقد حققت الشرعية اليمنية انتصارات ميدانية في جبهة تعز وجبهة صنعاء بدعم من قوات التحالف العربي بعد أن أوصل الانقلابيون مفاوضات الكويت إلى طريق مسدود، بل إنهم استغلوا مرحلة الحوار لتحقيق إنجازات ميدانية على حساب الشرعية في أكثر من جبهة، مما دفع التحالف العربي بقيادة المملكة العربية السعودية إلى إعادة نظر سريعة باستراتيجيتها التي شجعت الحوار والتي فهمها الانقلابيون على غير مراميها الحقيقية، إذ ظنوا أن السعودية قد وصلت إلى أعلى درجات اليأس من إمكانية حسم المعركة.
وعلى الجبهة السورية تمكنت المعارضة السورية بعد أن وحدت صفوفها وفوهة بندقيتها وأقامت مركز قيادة موحد لإدارة معركة حلب، تمكنت من كسر الحصار الذي حاول الروس والإيرانيون مع مليشيات طائفية من لبنان والعراق وأفغانستان فرضه على مدينة حلب فأوقع الثوار أكبر الخسائر بصفوف الإيرانيين وعناصر حزب الله اللبناني والمليشيات القادمة من العراق خلال بضعة أيام.
هذه التطورات أرغمت الأطراف المعادية للأمة العربية وهي الولايات المتحدة والاتحاد الأوربي وروسيا والصين، والتي تقف موقف الداعم علنا للمشروع التوسعي الإيراني مثل روسيا عبر تزويد طهران بأحدث الأسلحة ودعمها في معركة سوريا، أو الداعمين بصمت له مثل الولايات المتحدة التي ضغطت من أجل توقيع الاتفاق النووي مع إيران فأطلقت جزءا كبيرا من الأموال الإيرانية المجمدة، نعم هذه التطورات أرغمت كل اللاعبين على الكشف عن نواياهم ومشاعرهم التي تريد إلحاق هزيمة بالمشروع العربي الهادف للتصدي للمشروع الإيراني.
وعلى العموم هي حرب نفسية بذبذبات عالية الهدف منها زرع بذرة الهلع والتردد والتراجع في النفوس التي مضت في طريق إفشال المشروع الإيراني وحققت على طريق هذا الهدف تقدما كبيرا، وإذا ما استمر الجهد على هذا الطريق فإن تطوير أهداف المعركة ستكون أكثر وضوحا من أي وقت مضى.
فما هو المقابل الذي على العرب وخاصة المملكة العربية السعودية القيام به لمواجهة كل هذا السيل المتدفق والذي يستهدف الأمة وخاصة المقدسات الإسلامية في مكة المكرمة والمدينة المنورة ثم فرض ولاية الفقيه كأمر واقع بعد السيطرة على الحرمين الشريفين؟
أرى أن المملكة العربية السعودية تستطيع القيام بما يلي وبخطوات متدرجة للتصدي لخطة تغيير العقيدة الإسلامية التي يرى فيها الغرب والشرق على حد سواء خطرا حقيقيا وتسليم راية الإسلام لدولة الولي الفقيه التي تحمل موروثا حاقدا على الإسلام أكثر مما تحمله الحركة الصهيونية والصليبية القديمة والصليبية الجديدة التي تمثلها روسيا هذه الأيام:
أولاً- تنشيط الحركة الدبلوماسية السعودية على مستوى الدول العربية والجامعة العربية لتعرية أهداف الأعداء وخاصة تشكيل إيران وبوقاحة غير مسبوقة للجيش الشيعي، واتخاذ موقف رسمي عربي بتفعيل معاهدة الدفاع العربي المشترك وإيقاظ الجامعة العربية من سباتها الطويل وتحولها إلى كابح لكل التوجهات القومية.
ثانياً- تحرك المملكة العربية السعودية على الدول الإسلامية سواء في إطار منظمة التعاون الإسلامي أو بمعزل عنها، بحكم مكانتها الروحية لدى مسلمي العالم، ولما لكل من تركيا وباكستان من مكانة مهمة في العالم الإسلامي أرى أن يصار إلى مزيد من التنسيق للوصول إلى أعلى درجات الوعي بما يخطط ضد الأمة.
ثالثاً- تشكيل جيش إنقاذ عربي قوامه 100 ألف على الأقل يضم في صفوفه متطوعين من العراق وسوريا واليمن، ويشرف على تشكيله ضباط عراقيون من ذوي الخبرة العالية ومن خريجي المعاهد العسكرية والذين سبق لهم أن قادوا معارك ضد إيران في حرب الثماني سنوات ويحملون داخل ضمائرهم عداء تاريخيا لإيران ومشاريعها العدوانية، ومن سوريا الذين قاتلوا ضد الاحتلال الإيراني، ويقبل هذا الجيش في صفوفه متطوعين من كل الدول العربية من دون استثناء، شرط أن يخضع للقيادة السياسية في المملكة العربية السعودية، ويكون مقره في المملكة، وفي ظني أن هذا الجيش هو الملاذ الوحيد القادر على مواجهة التحديات التي تهدد مصير الأمة، ويجب رصد ميزانية سنوية له وتجهيزه بأحدث الأسلحة.
إن عالم اليوم لا يلتفت إلى الضعفاء ويحترم الأقوياء فقط، لذلك فإن تشكيل هذا الجيش وفي غضون مدة لا تزيد على 24 شهرا، يعد الخطوة الأولى على طريق طويل يجب أن يفهم العالم أننا أمة و ليست سلما كل من يريد تسلقه يستطيع ذلك.