الأحداث المتسارعة في مضمار السباق الرئاسي الإيراني تظهر جلياً أن هنالك قوى خفية ومؤثرة هي التي تدير أصول اللعبة السياسية في “الجمهورية الإسلامية” التي ما زالت تُعد من أهم أسباب قلق دول الجوار العربي الإسلامي، لأنها – كما يبدو – لديها أجندة تريد تحقيقها ولو على حساب مصالح الدول المجاورة.
قبل يومين من القمة الإسلامية العربية الأمريكية (19 من شهر أيار/مايو الحالي) يذهب الإيرانيون إلى صناديق الاقتراع لانتخاب رئيس جديد من بين عدة مرشحين، أبرزهم الرئيس الحالي حسن روحاني، ومنافسه الأبرز إبراهيم رئيسي، المدعوم من المرشد الأعلى علي خامنئي، وجناح المحافظين، وأهل الأرياف.
ومع الاقتراب من منصة النهاية أعلن المرشح الإصلاحي إسحاق جهانغيري، نائب الرئيس روحاني، يوم أمس الثلاثاء انسحابه من الانتخابات لصالح الأخير، في خطوة متوقعة لحشد دعم الإصلاحيين والمعتدلين وراء مسعى روحاني للفوز بولاية ثانية، وبالمقابل تم انسحاب جهانغيري ومحمد باقر قاليباف لصالح المرشح المحافظ والمنافس الأبرز لروحاني (رئيسي).
المتابع لمجريات الانتخابات الرئاسية يسجل ملاحظة شبه عامة عن الانتخابات الرئاسية الإيرانية وهي أن جميع الرؤساء الإيرانيين الذين تولوا الحكم منذ عام 1981 فازوا بولايتين متواليتين، وآخرهم محمود احمدي نجاد الذي منعته مؤسسة الحكم من الترشح لولاية ثالثة، وهذا يؤكد صورية الانتخابات وبقاء تأثير الدائرة الدينية والعسكرية على مجريات تلك الانتخابات.
وعلى الرغم من “الخلاف الشكلي” بين المرشد الأعلى علي الخامنئي وروحاني فإن المتوقع أن يفوز روحاني بفترة رئاسية ثانية؛ وذلك بموجب جملة من المعطيات سنحاول ذكر بعضها، وليس من باب الرجم بالغيب.
ونحن لن نتناول الخلافات الشكلية بين خامنئي وروحاني ومنها توجيه الخامنئي انتقادات عديدة لروحاني في مضمار الاقتصاد وعدم الاهتمام بمعاناة الفقراء، وتركيزه على مكافأة الأثرياء والميسورين، بل سنعطي بعض الأدلة ” المقنعة– ربما-“؛ للوصول إلى “فرضية” بقاء روحاني رئيساً لولاية ثانية.
وقبل ذكر تلك المعطيات أظن هنالك من سيعترض ويقول: إن المرشد الأعلى خامنئي هو صاحب الكلمة العليا في إيران، وقد وضع كل أوراقه في سلة المرشح المتشدد (رئيسي)، ولا يمكن تصور “انكسار” كلمة الخامنئي- وهذا الكلام صحيح تماماً-. وأقول لهم: إن ردي على هذه النقطة الدقيقة سيكون ضمن مجمل نقاط الترجيح لروحاني للفوز برئاسة ثانية، التي سأذكرها؛ لأنني مقتنع بعدم وجود خلاف حقيقي بين الخامنئي وروحاني والأمر – باعتقادي- لا يعدو كونه لعبة سياسية يراد منها إيصال عدة رسائل أبرزها:
– إن فوز روحاني يؤكد أن رأي “ولاية الفقيه” غير إلزامي على المرشحين بدليل عدم خسارة روحاني غير المدعوم من الخامنئي، وهذا يخفف من نظرة العالم لإيران الدينية، أو التي تحكمها المؤسسة الدينية.
– لجنة الانتخابات الإيرانية التابعة للمرشد الأعلى علي الخامنئي أوصلت رسالة لجميع المرشحين أن الرئيس القادم سيكون من المعتدلين، وهذه رسالة للجميع لانتخاب روحاني.
– إيصال رسالة للعالم بوجود نظام ديمقراطي حر في إيران؛ وهذا – ربما- يحسن صورتها– على الأقل- لدى الدول المتعاطفة معها، بدليل فوز الرئيس الإصلاحي، روحاني، وإن جعل روحاني في الواجهة باعتباره من الإصلاحيين وليس من المتشددين يزيد من احتمالية التهدئة بين الولايات المتحدة وإيران في المرحلة المقبلة، بدليل أن روحاني – ووفقاً لبعض وسائل الإعلام الإيرانية- يؤيد التفاوض مع حكومة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، الذي ينتقد بشدة الاتفاق النووي. وأيضاً سبق لروحاني أن تعهد في منتصف الشهر الحالي بتسوية “التناقضات” في الاتفاق النووي مع المجتمع الدولي، إذا تم انتخابه لولاية ثانية.
– السياسة الإيرانية المستقبلية ستقوم على مسألة اللعب على أكثر من محور واستخدام أسلوب الدبلوماسية أحياناً والتهديد بالقوة في أحيان أخرى. وإيران اليوم – يمكن بهذين المفهومين الدبلوماسية والقوة- أن تلعب دوراً ايجابياً في العراق وسوريا واليمن ولبنان وغيرها من الدول التي تمتلك فيها عصابات مسلحة وحكومات مؤيدة وخلايا نائمة.
الدبلوماسية الإيرانية المرتقبة بحاجة إلى رئيس غير متشدد، وهذا ينطبق على روحاني؛ الذي نجح في المفاوضات مع الدول 5+1 بخصوص الملف النووي، ولهذا فان الرئيس الإيراني القادم سيكون أكثر دبلوماسية وسيسعى بهدوء لامتصاص الغضب الأمريكي، هذا على افتراض أن هنالك عداء أصلا بين إيران وأمريكا لأنني أميل إلى نظرية الاتفاق غير المعلن بينما لاستمرار جلب دول المنطقة كما يريد ترامب، والوقائع التاريخية تثبت أن أمريكا لم تنفذ أي تهديد ضد إيران منذ نجاح “الثورة الإسلامية” وحتى اللحظة.
ومقابل هذه الخطة الدبلوماسية رأينا رسائل إيرانية غير دبلوماسية، ومنها أن إيران غيرت سفيرها في العراق وجاءت بشخصية عسكرية أمنية، وهو الجنرال ارج مسجدي كبير مستشاري قاسم سليماني، وهذا ليس تغييراً بريئاً وإنما يريدون بذلك إيصال رسالة لواشنطن – الساعية لترتيب المبعثرة في المشهد العراقي- أننا يمكننا أن نغير أصول اللعبة في العراق عبر تحريك الملفات السياسية والأمنية من قبل أتباعنا داخل العملية السياسية والحشد الشعبي تلك المؤسسة التي باتت اليوم القوى الأولى في العراق ولا أحد يملك إحصائيات دقيقة لأعدادها، وربما ستجبر أمريكا للدخول في مساومات أو مفاوضات ما مع إيران لترتيب الوضع في العراق.
وكذلك ستحاول إيران – دبلوماسياً- عبر الملف السوري تغيير لعبتها هناك، وربما ستضحي ببشار الأسد من أجل مصلحتها، وهذا سيؤدي بالنهاية لترطيب الأجواء بين واشنطن وطهران. وهذا الكلام يمكن أن يكون أيضاً في اليمن وبقية بؤر التوتر المدعوم إيرانياً.
– تظهر استطلاعات الرأي المتعددة التي أجرتها مؤسسات إيرانية، منذ بداية أيار/مايو، تصدّر روحاني للسباق، فيما حلّ رئيسي وقاليباف في المرتبة الثانية والثالثة بنسب مختلفة.
وفي ضوء ما تقدم أرى أن روحاني هو المرشح الأبرز لأنه قدم الكثير لإيران، ومن أهم انجازاته الاتفاق النووي مع الدول الست العظمى، وسعيه لجذب 50 مليار دولار من الاستثمارات الخارجية في السنة الأولى من توقيع الاتفاق، ورفع الحصار الدولي بالكامل، مع بقاء الحصار الأمريكي.
أعتقد أن مرحلة ما بعد الانتخابات الرئاسية الإيرانية القادمة ستكشف حقيقة الوجه الإيراني المغلف بشعارات محاربة الاستكبار والشيطان الأكبر والمبطن بالدفاع عن المصلحة الإيرانية لتحقيق حلم الإمبراطورية الإيرانية وعاصمتها بغداد كما أعلنها علي يونس- مستشار الرئيس الإيراني للشؤون الدينية والأقليات- في آذار/مارس 2015.
إيران محور الشر لكن يبدو أن محور الشر هذا يرمي شروره على دول المنطقة ويرمي الورود والتنازلات للشيطان الأكبر!
إيران دولة لديها مشروع استعماري توسعي انتقامي طائفي واضح. فأين هي مشاريع الدول العربية في مواجهة هذا المشروع التخريبي السرطاني؟!