إن انشغال العالم بأزمة دولة من دول الخليج العربي أي دولة قطر في حين انتشر في العالم الإسلامي من سوريا إلى العراق ومن فلسطين إلى ميانمار ومن اليمن إلى ليبيا والصومال أزمات فاقت أهميتها لأهمية مسائل الفقر والجوع؛ يؤكّد لنا سبب عدم ربط قضايا العالم الإسلامي بأي حلّ إلى حد هذا اليوم .
لكن قليل من الوعي والإدراك يمكننا من خلاله حل مسائل العالم الإسلامي كلها وذلك بالإمكانيات المادية والمعنوية المتواجدة لدينا، لكن من المؤسف أن هذه الإمكانيات لا تستعمل في سبيل حل الأزمات، بل بالعكس تمامًا يتم استعمالها بكل شيء يخالف المصلحة العامة للعالم الإسلامي.
وفي حين يتم التركيز على أزمة قطر على أنها أزمة مصيرية، يزداد وضع اليمن وليبيا وسوريا سوءًا، وحتى لو أنهم قاموا بحل أزمة قطر حسب رغبتهم لكن هذه الدول تسير باتجاه مصير سيسحب العالم الإسلامي بأكمله إلى الفوضى.
ويستمر هذا التناقض أمام أعين الجميع دون أن يستطيع أي أحد تغييره، وهذا الاستياء الذي سيطر على العالم الإسلامي سوف يتفاقم حتى يصل إلى نقطة الانفجار، كيف من الممكن أن يكون هناك شرعية لهذا الاتحاد الذي ليس لديه أي حجة مقنعة ولا أي مفهوم منطقي لدرجة أنه أعلن عدواته تجاه علماء المسلمين وأهان حركة حماس والإخوان المسلمين اللتان تمثلان شرف هذه الأمة
قام ماكس فيبر بتقسيم الشرعية إلى ثلاثة أصناف: أي أن الشرعية إما تكون شرعية تقليدية أو شرعية كاريزمية أو شرعية قانونية.
انظروا بالنسبة إلى الشرعية الكاريزمية لدى عبد الفتاح السيسي الذي لم يؤثر على بلده من خلال شخصيته ولو بمقدار ذرة، حيث أنه استلم السلطة نتيجة انقلابه على بلده وقتله لثلاثة آلاف من شعبه، وسلطته قائمة نتيجة اعتمادها على السلاح، وهو إداري يقوم بابتزاز مموليه الذين دعموه في الانقلاب في كل فرصة حتى يضمن دعمهم، كما أنه يضم نسبة كبيرة من هذا الدعم تحت ذمته.
أما بالنسبة إلى الشرعية التقليدية ففي الشرعية التقليدية في يومنا هذا نرى أن جميع قوالب التقاليد قد كُسرت، أي أن السياسة في هذه الشرعية لم تعد تحترم أي تقاليد، واتخذ جميع الأقوياء صف واحد في سبيل محق الضعفاء، ولا شك أن هذا الوضع ليس له اي علاقة بالتقاليد العربية ولا بالتقاليد المعتمدة على العدالة الإسلامية، هذه السياسة هي سياسة وضعت مسافة بينها وبين القضية الفلسطينية واعتمدت على خدمة الصهاينة من خلال علاقاتها مع إسرائيل، وهي ذلك رمت كافة تقاليد العالم الإسلامي وراءها.
أما بالنسبة إلى الشرعية القانونية، نجد أن السياسة المعتمدة لدى الاتحاد الذي تشكل ضد قطر لا يوجد لديها أي مبرر قانوني يمكنها إقناع الشعب من خلاله، بل بالعكس تمامًا كل يوم يمر تتخذ هذه السياسة فيه مواقفًا غير عقلانية، كما أنه ليس لديها أي حسابات قانونية، وفي الحقيقة قيام هذا الاتحاد بقطع علاقاته مع قطر لمجرد وجود علاقات لها مع إيران هو موقف يدفع قطر إلى تقوية علاقاتها مع إيران، بيد أن سياسة قطر هي سياسة معاكسة تمامًا لسياسة إيران في سوريا والعراق واليمن، حيث أن موقفها واضح جدًا أمام كافة الانتقادات الموجهة إليها حول اقترابها من إيران.
والكارثة الأخرى هي قائمة الإرهابيين الغير منطقية التي قاموا بتجهيزها، هذه القائمة الغير عقلانية تؤكد وجود نوايا التخلص من كل الأطراف التي تضايق السيسي، وأغلبية هذه القائمة مجهزة بناء على طلبات سلطة السيسي الانقلابي، ويبدوا أن هذا الاتحاد الذي يسري بناء على إرشادات السيسي وبن زايد سيرمي العالم الإسلامي إلى دوامة من الخطورات التي ليس لها أي نهاية.
مسألة الإخوان المسلمون
يوجد أيضًا موضوع الإخوان المسلمين، من الواضح أن هناك ضغوطات كبيرة من قبل السيسي وبن زايد بهدف ضم الإخوان إلى قائمة الإرهابيين، ولقد تم تقييد حركة العديد من الأعضاء المنتمين إلى الإخوان المسلمين نتيجة ضمهم إلى قائمة “داعمين الإرهاب” المجهزة من قبل هؤلاء شخصيًا.
والغريب أيضًا هو محاولة هذا الاتحاد بإقناع الولايات المتحدة الأمريكية لضم الإخوان إلى قائمة الإرهاب، لكن من طرف آخر لم توافق الولايات المتحدة الأمريكية على هذا الطلب لعدم وجود لديها دليل كافي حول وجود علاقة للإخوان مع الإرهاب، وبصراحة قيام الاتحاد بموقف كهذا سيفتح على العالم الإسلامي حلقة من التعقيدات الجديدة، ولا شك أن الأسلوب الذي اتبعته أمريكا في هذا الموقف هو أسلوب العقلانية بالطبع وليس تعاطف تجاه الإخوان المسلمين.
حركة الإخوان المسلمون هي حركة لديها أعضاء ومؤيدين ومتعاطفين يفوق عددهم لعدد سكان دول الخليج العربي، وهي حركة وضعت مسافة صارمة بينها وبين الإرهاب وتبنت كل حركة ديمقراطية في العالم الإسلامي، وهي مقابلٌ للأحزاب الديمقراطية المسيحية في العالم الإسلامي أي أنها تمثل الأحزاب الديمقراطية الإسلامية.
لم يختار قائد هذه الحركة محمد بديع أسلوب العنف حتى في فترة تجمع الشعب بميدان رابعة وقيام السيسي بقتل ثلاثة آلاف من الأبرياء بكل وحشية هناك، بل بالعكس تمامًا قام في تلك اللحظة التي اشتعل فيها غضب مؤيديه المحتجين في الميدان بالقول أن: “مقاومتنا مقاومة سلمية وهذه المقاومة هي أقوى من أسلحتهم النارية”، وهكذا قام محمد بديع بإثبات سياسته المعارضة للعنف وثبوته عليها.
وعملية اتهام هذه الحركة بدعمها للإرهاب هي عملية يوجد على رأسها السيسي أولًا والإمارات العربية المتحدة ثانيًا، لكن الحقيقة هي بوجود شكوك قوية حول شرعية هؤلاء، لأنهم المسؤولين الأساسييين من عدم نشر السلام وتشكيل الديمقراطية في العالم الإسلامي، ولا شك أنهم يُحاسبون من قبل الضمائر المسلمة.
حركة الإخوان المسلمون هي حركة سياسية لديها الإيجابيات والسلبيات مثل بقية الحركات والأحزاب السياسية، وتحاسب هذه الحركة خارج النطاق السياسي رغم أن أخطاءها سياسية ويجب محاكمتها في المجال السياسي، وأكبر سوء حظ لدى هذه الحركة هو أن هدفها الأساسي هو المقاومة وسط أعداء الديمقراطية في سبيل الديمقراطية.
والذين يحاولون القضاء على هذه الحركة هم عبارة عن الجناح الغربي لحاملي مشاعر الفوبيا الإسلامية، لكن مشكلتهم الأصلية تصب في الديمقراطية.
أيضًا قيام رئيس وزراء الخارجية للولايات المتحدة الأمريكية بوصفه للسلطة التركية بأنها في يد الإخوان المسلمين هو دليل يؤكد لنا محاولات السيسي والإمارات العربية المتحدة بوضع حزب العدالة والتنمية والإخوان المسلمين في كف واحد.
لكن لا يمكن لأي أحد أن يقارن حزب العدالة والتنمية بالإخوان المسلمين ، فكلاهما حركتان مختلفتان تمامًا عن بعضهما من حيث البرنامج ومن حيث الثقافة السياسية ومن حيث الشعبية، لكن حزب العدالة لديه هدف ورؤيا حول نشر الديمقراطية في العالم الإسلامي وتطويرها وهذا ما يدفعه تلقائيًا إلى التضامن مع كثير من الحركات الديمقراطية في العالم الإسلامي، وهذا التضامن يضم أحزابًا ديمقراطية أخرى عدا عن الإخوان المسلمين.