د. عبادة التامر 29.08.2021
المركز السوري سيرز
بالرغم من تواتر تصريحات المسؤولين الأميركيين منذ إدارة أوباما مروراً بترامب وصولاً للإدارة الحالية حول ضرورة وجود مقاربة تخفض تكاليف الوجود العسكري الأميركي في أفغانستان، إلا أن الادارات المختلفة كان لها تصورٌ مختلف حول أسلوب وتفاصيل هذه الخطوة التي وصفت بالخطوة الاستراتيجية.
ويرجع هذا الاختلاف في الاسلوب (أسلوب مقاربة التواجد العسكري الخارجي) إلى العقلية والذهنية الفكرية والسياسية للإدارة الحاكمة في واشنطن؛ وإلى الاعتبارات الدولية والاقتصادية وضرورات التخطيط للقضايا الاستراتيجية وقضايا الأمن القومي الأميركي.
فخطوة الانسحاب الأميركي من أفغانستان أو بصورة أدق إنهاء التواجد العسكري المباشر وتحديداً القوات البرية الأميركية ليست بالتأكيد خطوة اعتباطية أو قرارا ارتجالياً. وقد أسهم في وضع هذا القرار موضع التطبيق جملة عوامل أهمها حالة الاستنزاف التي شكلتها حركة طالبان للوجود العسكري الأجنبي في ذلك البلد، وتيقن دوائر صنع القرار الأميركي من عدم قدرة الحكومة الأفغانية السابقة من توفير حالة الاستقرار في أفغانستان. يضاف إلى ذلك جملة من العوامل الدولية وبروز التحدي الصيني والروسي والخشية الأميركية من استثمار عدم النجاح في وسط آسيا لصالح تعزيز النفوذ الصيني والروسي هناك.
تتقاطع المعلومات الاعلامية والرسمية وشبه الرسمية حول توفير فرصة لقادة حركة طالبان بغية فحص امكانيتهم وقدرتهم على إدارة الملف الداخلي الأفغاني، وإدارة علاقاتهم مع دول العالم. وما يشكله هذا الملف (الداخلي –الخارجي) من تداعيات وتداخلات. فالحالة الأفغانية الآن هي الحدث المفصلي الذي سيشبه في تأثيراته أحداثاً بحجم الانسحاب السوفيتي من أفغانستان عام 1989، وأحداث أيلول 2001 وما تلاها، وغيرها من الأحداث التي شكلت نقطة تحولٍ في السياسة الدولية.
وتتوقف معظم هذه التحولات على عنصرين أساسيين: أولهما قدرة الأفغان على تشكيل حكومة متماسكة وذات عمق مجتمعي متفق عليه ومن ثم عملية إدارة الحكم وما يترتب عليها من تأثيرات داخلية وخارجية؛ وثاني هذه العناصر هو تعاطي الولايات المتحدة مع أفغانستان بعد الانسحاب وكيفية إدارة هذه العملية التي قد تشبه في تعقيداتها تعقيدات التواجد العسكري المباشر وربما تتجاوزها. نظراً لتعقيد الحالة الأفغانية وخصوصاً بعد تبني تنظيم الدولة عمليات التفجير الأخيرة وتوعده بغيرها، هذا من جانب، ومن جانب آخر نتيجة تأثير الحدث على موازين القوى في آسيا وفي العالم.
تدرك الولايات المتحدة أهمية بقاءها كنموذج يثق به الحلفاء، وتدرك أيضاً أهمية التموضع الاستراتيجي وتقليل تكلفة هذه التموضعات المادية والبشرية، ووفق هذه المعادلة تعمل السياسة الخارجية الأميركية على ابقاء التواجد العسكري أو سحبه وتحويل التواجد إلى شكل آخر، أو تحميل الأطراف الأخرى المنافسة وحتى الصديقة لها تبعات خروجها.
وفق هذه المعادلة الدقيقة وشديدة الحساسية تدير الولايات المتحدة سياستها الخارجية وإن كان ذلك بأساليب مختلفة بين الحين والآخر أو بين إدارة وأخرى, ولكنها مقتنعة على الدوام بعدم إمكانية الانسحاب النهائي من شؤون العالم وإنما العمل على إدارة شؤون العالم وفق أوليات ومصالح تفرضها جملة عوامل داخلية وخارجية.
تنطبق المعادلة سابقة الذكر على معظم التواجد العسكري الأميركي في المناطق غير المستقرة حول العالم، ومن بينها "الشرق الأوسط" فهذا التواجد مرتبطٌ بعدد من العوامل تفرضها سياسات دولية ومصالح استراتيجية وقضايا الأمن القومي والتنافس الدولي. فبقاء القوات الأميركية في شرق الفرات أو منطقة الـ ، يرتبط بجملة من العناصر على رأسها قضايا التنافس الاقليمي والدولي وموازين القوى التي ستنشأ بعد معرفة تداعيات الحدث الأفغاني.
كما يتوقع أن يأخذ صانع القرار الأميركي بعين الاعتبار تعقيد الحالة السورية وحجم التنافس الدولي على المنطقة، وموقع سورية المطل على شرق المتوسط والمياه الدافئة.
وهنا قد يأخذ التواجد الأميركي عدة أشكال منها الابقاء على التواجد العسكري والوصول مع تركيا إلى قواسم مشتركة حول منطقة شرق الفرات والجهة المسيطرة والضامنة لاستقرار المنطقة هناك، أو الانسحاب التدريجي بعد أن يملئ الفراغ الناشئ قوة تفضلها الولايات المتحدة؛ أو الانسحاب الكامل وترك المنطقة للتنافس الحاد بين اللاعبين المحليين والاقليمين ومراقبة هذا التنافس والاستثمار لاحقاً في إضعاف الأطراف المتنافسة أو بعضها على الأقل.
هذا المقال يعبر عن رأي كاتبه ولا يعبر بالضرورة عن رأي مجموعة التفكير الاستراتيجي