ربما كان الحدث التركي مفاجئاً للإعلام الإيراني الذي هلل - بمجمله - بقوة في الساعات الأولى لهذا الانقلاب للمحاولة الانقلابية ، حيث كان يتمنى نهاية أكثر ايجابية من خلال الرهان على الإطاحة باردوغان وحكومته التي تعتبرها طهران تمثل تحدياً كبيراً لها .
ذهبت الكثير من وسائل الإعلام الإيراني في أولى ساعات هذا الحدث إلى التأكيد بأن هذه هي النهاية الطبيعية لحكومة حزب العدالة والتنمية ، وشخص أردوغان ؛ وهذا ما برز من خلال العناوين التي أطلقها : “نهاية اردوغان”" سقوط الوالي أردوغان " نهاية حزب العدالة والتنمية " " تركيا تتمزق " " نهاية السلطان أردوغان " .... ، وفعلا كانت سيطرة الانقلابيين في الساعات القليلة على بعض مرافق سلطة الدولة الاساسية ، لحظة حاسمة ومغرية كي تتضح صورة إيران الحقيقية ، وموقفها من حكومة العدالة والتنمية ونخبها ، وموقفها الفعلي مما يجري من أحداث جسيمة على الساحة التركية ، وقد أسهمت التطورات المتسارعة المعاكسة التي أعادت أردوغان إلى المشهد الإعلامي بعد إطلالته عبر سكايبي وليس عبر شاشة الفضائيات الرسمية التركية لتزيد من قناعة الإيرانيين هذه بأن أردوغان وحكمه قد باتا بحكم المنتهي .
لا شك بأن تحليلات ومواقف الإعلام الإيراني على اختلاف أطيافه كثيرة ومتناقضة فما بين الترويج لفكرة انتهاء حكم أردوغان ، والانتقال إلى التحليل بأن هناك مسرحية أردوغانية هزيلة سوف يستغلها حزب العدالة والتنمية لكنس خصومه ، وما بين التحول والقناعة بأن هناك “انقلاب فعلي ضخم” يجري على الأرض ، نتيجة الانقسام الداخلي الحاصل ، والذي سيكون نتيجته الحتمية تفتت تركيا وتمزقها.
بدأت الماكينة الإعلامية الإيرانية غير مصدقة لما يجري ، بعد هذا الانقلاب الذي عتبت عليه بأنه كان غير احترافي ؛ حيث ترى طهران أن المحاولة الانقلابية التي جرت في تركيا لم يكتب لها النجاح ، وبدأت بتقديم وصفتها ، حيث كان يعوزها التخطيط السليم والإستراتيجية الناجعة للتنفيذ من قبل من قاموا بالانقلاب، إذ كان على الانقلابيين السيطرة بشكل سريع على مؤسسات الدولة الحساسة التي تشكل مفاصل الدولة ، هذا بالإضافة إلى أهمية التخطيط بصورة ناجعة للسيطرة على وسائل الإعلام، والأهم من ذلك كله فشل اعتقال اردوغان بشكل سريع ؛ مما أتاح لاردوغان التواصل مع بعض وسائل الإعلام ، والتي تمكن من خلالها إلى دعوة الشعب التركي إلى النفير العام للنزول إلى الشوارع ومقاومة الانقلاب العسكري، مما أسهم في إعاقة تحرك الآليات العسكرية في ميادين اسطنبول وأنقره . وعندما شعر الأتراك بأن الرئيس وقادة الدولة – حسب رؤية الاعلام الإيراني - ليسوا معتقلين من قبل جيش الانقلاب ارتفعت معنوياتهم وتوافدوا إلى الشوارع للتنديد بما جرى ، وهذا ما ساهم في إفشال المخطط الانقلابي .
كذلك كان من الملفت تصوير الإعلام الإيراني اختزال الخلاف بين الجيش وأردوغان على كرسي الحكم فقط .
ما لفت نظر طهران إلى أن أردوغان قد توجه إلى الشعب التركي من خلال قناة" سي ان ان تورك"، وهي محطة إعلامية عرف عنها معارضتها الشديدة لسياسات اردوغان الداخلية والخارجية وهذه القناة التي كثيرا ما انتقدت اردوغان وحزبه لكنها وقفت بجانبه أثناء ساعات الانقلاب العسكري ؛ مما يثير دهشة واستغراب الإعلام الإيراني . ومما لفت نظر الإعلام الإيراني أن جميع أطياف الشعب التركي قومية وعلمانية وإسلامية وقفت ضد الانقلاب ؛ لكنها اعتبرت ذلك حالة مؤقتة ، و أن ذلك لن يدوم ؛ طبعاً مع تقديم الأسباب ؛ حيث تعتقد طهران بأن تبعات ومحاولات الانقلاب العسكري ستستمر؛ لأنها نابعة من تهديد داخلي ودولي وأن عمليات الاعتقال الجارية في جميع أنحاء تركيا من العسكريين والمدنيين ممن تورطوا في الانقلاب العسكري ؛ لن تكون ذا فائدة على المستوى البعيد ، نظراً لانتمائهم لأجندات خارجية ، وأن أطياف الشعب التركي ستدرك زيف الشعارات التي تطرحها حكومة أردوغان التي ورطت تركيا في الأزمات والحروب الخارجية ، من هنا يستنتج الإعلام الإيراني أن تركيا باتت الآن تعيش في أزمة حكم ، حتى لو نجح أردوغان في إفشال الانقلاب .
ولمزيد من التفسير لما سبق تباكي الإعلام الإيراني على ما أحدثته “محاولة الانقلاب” ، ومحاولة وصف المشهد الداخلي التركي بشكل يتقاطع مع الرؤية الأميركية والغربية وحتى الإسرائيلية ؛ باتهام أردوغان بأنه بات ينتهج سياسة “تطهير” واسعة واعتقالات وإقالات كبيرة في هجوم ضخم على معارضي اردوغان ؛ واختزال ما يجري في تركيا وكأنه موضوع خلافات شخصية بين الرئيس ومعارضيه ، إضافة إلى محاولة تفسير الحدث التركي بأنه مسرحية مدبرة منه للقضاء على معارضيه ، والتمهيد لإجراء تعديلات في الدستور والقوانين تتيح لأردوغان تعزيز صلاحياته الرئاسية للامساك بمفاصل الدولة وتعزيز صلاحياته ؛ كل ذلك بحجة الحفاظ على الأمن القومي التركي ، وضمان عدم عودة الانقلابين .
خلص الإعلام الإيراني أن حملة الاعتقالات والإقالات تلك تدلل على شرخ كبير داخل الدولة التركية ومؤسساتها ، وتدلل على انقسام كبير جراء سياسات اردوغان وحكومته ، وأن المعارضة الداخلية لأردوغان وحكومته في تصاعد مستمر ؛ لهذا فإن خطر الانقلابات سوف تستمر وبوتيرة متصاعدة .
المضحك والمثير أن الإعلام الإيراني تنبأ بعودة تركيا إلى مرحلة القمع و لذلك فهو يطالب أردوغان بالتسامح ، والتحذير من عواقب الإجراءات التعسفية التي تقوم بها حكومة العدالة والتنمية ، ووقف الحملة غير المسبوقة على المعارضة ، وممارسة المزيد من ضبط النفس .
لا شك بأن إيران كانت تأمل بنجاح الانقلابيين في تركيا ، وهذا يتضح أيضاً من خلال إطلاق بعض المواقع الإخبارية الإيرانية استطلاعات لقياس الرأي العام الإيراني ة حول تأييد أو معارضة الشعب الإيراني بأن يحقق الانقلاب العسكري أهدافه ؛ فكانت النتيجة تأييد أكثر من 50% من المستطلعين للانقلاب .
.
ومن الأمور اللافتة تحذير الإعلام الإيراني جراء سياسات رد الفعل التي تولدت لدى الرئيس أردوغان كردة فعل على المحاولة الانقلابية ، حيث تنبأت بأن ذلك سيؤدي إلى تبعات وآثار خطيرة ، معتبرين الحدث التركي لم يعد شأناً داخلياً على ضوء هذه التطورات ، مع محاولة تعزيز الترويج لأزمة داخلية تركية سوف تخرج عن السيطرة وفي طريقها للانفجار ، ، إذ سيكون لها تبعات خطيرة على الأمن الإقليمي والدولي، وكأن طهران تريد تصوير أن تركيا باتت كبرميل بارود ، الأمر الذي يستدعي تدخلاً دولياً لحمل الرئيس أردوغان على التراجع عن استهداف معارضيه..
المشهد الداخلي التركي بحسب الإعلام الإيراني بات على صفيح ساخن ؛ مما يوحي بأن الانقسامات الداخلية ، وأن الانفجار هو سيد الموقف ، وأن على العالم أن يتنبه إلى استغلال أردوغان للتفويض الذي منحه الشعب التركي لتوسيع صلاحياته الداخلية ، إضافة إلى توقع قيامه باستدارة في سياسات تركيا الخارجية ، قد تؤدي إلى تهديد مصالح إيران وأمنها القومي .