إن القانون الدولي لحقوق الإنسان، والقانون الإنساني الدولي مجموعتان من القوانين المتطورة باستمرار والحرب ظاهرة متغيرة باستمرار، ولذلك يتعين على القانون الدولي لحقوق الإنسان، والقانون الإنساني الدولي أن يعدلا احكامهما باستمرار لمواكبة موجة التغير.
وإن التطبيق المتكامل للقانونين يوفر أيضا العناصر اللازمة لبدء عمل آليات المساءلة الوطنية، أو الدولية عن الانتهاكات المرتكبة في النزاع، كما يتيح كلا النظامين الآليات اللازمة لكفالة تمكين الضحايا من ممارسة حقهم في الانتصاف والجبر، وهناك جهود فعلية لكفالة الحماية لحقوق الأشخاص في حالات النزاع المسلح من قبل هيئات الأمم المتحدة، ومؤسساتها، وآليات خاصة معنية بحقوق الإنسان فضلا عن المحاكم الدولية، والإقليمية.
رغم أن هيئة الأمم المتحدة هي الهيئة الأقرب لأن تكون آلية تنفيذ، إلا أنها أكثر خضوعا لهياكل القوة أكثر منها لحكم القانون ، وإن كان للجنة الدولية للصليب الأحمر دورها الإيجابي إلا أنها تعتمد على الإقناع كوسيلة وحيدة لكفالة احترام القانون الدولي الإنساني، خاصة وأنه بعد التسعينات بدأ مجلس الأمن يتدخل في صلاحياتها من خلال منافستها في تقديم المساعدات الإنسانية، وهذا ما سوف يشكك في المبادئ التي تقوم عليها، وعلى الرغم من اعتبار مجلس الأمن هو المنظمة الأكثر فاعلية في تطبيق أحكام القانون الدولي الإنساني باعتباره الجهاز الأساسي ، والهيئة التنفيذية لمنظمة الأمم المتحدة التي اسندت إليه مهمة حفظ السلم والأمن الدوليين متمثلة في الإرادة الجماعية للدول الكبرى داخل المنظمة إلا أن أغلب قرارته أصبحت مسيسة من قبل القوى الكبرى .
يقتصر عملهم على معالجة النتائج كأبعد حد، ودون أن يعالجوا المسبب وعملهم أقرب ما يكون من عمل مراكز الدراسات، والمراكز الإحصائية كما أنهم يتصرفون بعد فوات الأوان، أو لا يتصرفون ويترددون عن أي إجراء حاسم.
لا يستطيعون إدخال سلة غذائية إلى مدينة محاصرة في سورية لأطفال تموت جوعاً دون موافقة النظام المجرم "بشار الأسد" ومن يقف وراءه من المجرمين الدوليين الذين يمتازون بحق الفيتو([1]) ، إلى جانب ذلك فالتوازنات في ميدان العلاقات الدولية ومصالح الدول تحول دون محاسبة الرئيس الروسي "فلاديمير بوتين" ورئيس النظام السوري "بشار الأسد" و"حسن نصر الله" و"قاسم سليماني" وباقي عصابتهم لينالوا جزاءهم العادل عما ارتكبوه من جرائم حرب ، وجرائم ضد الإنسانية بحق الشعب السوري طوال السنوات الماضية فمن سيحاكم هؤلاء ؛ والمجتمع الدولي ، والأمم المتحدة في أضعف حالاتهما ،وأصبحنا أقرب ما نكون إلى الغابة الدولية .
لكن المادة السابعة والعشرين من ميثاق الأمم المتحدة تقول إنَّ الدولة التي تعتبر طرفاً في النزاع لا يمكنها التصويت في المسألة عند مناقشتها من قبل المجلس، وهنا تبدو نقطة مهمة يمكن استغلالها لإحالة ملف هذه الجرائم إلى المحكمة الجنائية ، والتفويت على روسيا حق استخدام "الفيتو" لإحباط مثل هذا القرار خاصة وأن أغلب الدول اليوم شبه متفقة على أن القوات الروسية باتت طرفًا في النزاع السوري وتقف إلى جانب النظام، لكن الأمر يحتاج لإرادة دولية قوية ، وتوافق تام بين جميع الأعضاء في المجلس وعلى الأخص دائمي العضوية .
الحقيقة الصادمة للقانونيين على مستوى العالم أن القانون الدولي هو قانون الأقوياء وقانون المنتصرين وتطبق أحكامه ضد الضعفاء وخير دليل على ذلك محاكمة الولايات المتحدة للرئيس العراقي الراحل "صدام حسين" ومعاقبته على مزاعم استخدام الأسلحة الكيماوية ضد الأكراد في ثمانينيات القرن الماضي في حين لم يتم معاقبة أي من المسؤولين الأمريكيين الذين استخدموا أنواع أكثر فتكًا من هذه الأسلحة ضد الشعب العراقي كالنابالم ، والفوسفور الأبيض في معركة الفلوجة عام 2004 وغيرها من أسلحة اليورانيوم المنضب التي يدفع العراقيون ثمنها حتى هذه اللحظة، كما سبق أن استخدمت القنابل النووية ضد اليابان في الحرب العالمية الثانية ولم يعاقب أي مسؤول أمريكي في حين تمت محاكمة الضباط الألمان ، واليابانيين في محاكمات نورومبرغ وطوكيو. كما لم يعاقب أي مسؤول إسرائيلي عن استخدام الفوسفور الأبيض، واليورانيوم المنضب، وغيره من الأسلحة المحرمة دولياً ضد الفلسطينيين في قطاع غزة، وكذلك استخدام القوات الروسية لهذه الأسلحة خلال حربها في الشيشان في تسعينيات القرن المنصرم.