يترنح التومان الإيراني عند مستويات متدنية غير مسبوقة في تاريخ إيران الحديث بعد أن فقد أكثر من 30% من قيمته خلال السبعة سنوات حتى الآن، حيث تم تصريفه بالأمس في شارع فردوسي ب4850 تومان مقابل الدولار الأمريكي، فيما لا يلوح في الأفق أي مؤشرات تدل على أنه سيتعافى في المنظور القريب، بل إن المعطيات تشير إلى أنه يتجه نحو مزيد من التدهور، وأننا قد نرى الدولار الأمريكي عند مستوى 5000 إلى 5500 تومان خلال فترة قصيرة من الآن، أو حتى رحلة انهياره فجأة في حال بقاء الدولة الإيرانية ملتزمة الصمت، وترك التومان تحت رحمة المضاربات، وهو ما سيُشكل بكل تأكيد كارثة اقتصادية واجتماعية وبشرية في إيران، وقد يُهدد ذلك أسس النظام الثوري الإيراني، ويُعيد اندلاع الاحتجاجات من جديد، هذا إذا ما افترضنا عدم تصعيد في البيئة الصراعية بين إيران والإدارة الأميركية، مما سيؤدي إلى مزيد من انهيار التومان، وهذا ما نستبعده تماماً .
التومان الإيراني حالياً في أدنى مستوياته على الإطلاق، أما البنك المركزي الإيراني، ومن ورائه حكومة روحاني مضطربة ومختلة التوازن؛ بعد أن باتت الخيارات أمامها محدودة للغاية؛ لأن الدولة أصبحت فعلياً على شفير الإفلاس، ولا تمتلك الدولة من احتياطيات العملة الأجنبية والذهب ما يكفي لتغطية الأوراق النقدية المتداولة في الأسواق، في الوقت الذي تتم فيه عملية هجوم شعبي محمومة وغير مسبوقة للتخلص من التومان، وتحويله إلى الدولار واليورو والدرهم الإماراتي.
لا يوجد أي بيانات اقتصادية إيجابية يمكن أن تدفع للاعتقاد بأن التومان الإيراني سيتعافى، أو يخرج من عنق الزجاجة، أو أن الأزمة السياسية الداخلية والخارجية التي تشهدها إيران ستنتهي أو حتى تتقلص؛ فحكومة (روحاني) في حالة إرباك غير مسبوقة، في ظل تقلص وشح احتياطي النقد الأجنبي لدى المركزي الإيراني الذي يضخ أموال الشعب الإيراني الصعبة في طاحونة الأزمات التي أكلت الأخضر واليابس؛ فكل المؤشرات الاقتصادية تشي بأن إيران مقبلة على أزمة اقتصادي غير مسبوقة؛ في الوقت الذي تتبخر العملة الصعبة من خزائن البنك المركزي، وبعد أن بات الفساد المالي في أعلى مستوياته، في ظل التقارير الغربية التي تشير إلى حملة نهب فريدة للسطو على المال العام الإيراني، حيث ناهزت ثروات مسئولي النظام الإيراني من عائلة خامنئي، ولاريجاني ورفسنجاني وخرمي، إلى جانب آيات الله، وقادة الأجهزة الأمنية للنظام الإيراني تزيد عن 250 مليار دولار، وهذا ما دعا المرشح الرئاسي الإيراني السابق د. أحمد توكلي يوجه صرخة عبر وسائل الإعلام الإيرانية، بأن الفساد المالي بات هو السبب المباشر الذي قد ينذر بانهيار الدولة الإيرانية، في الوقت الذي يُسيطر فيه الحرس الثوري الإيراني على إيرادات العملة الأجنبية من خلال أذرعه الاقتصادية الضخمة، التي تدير أكبر عمليات غسيل أموال في العالم، وهذا يتزامن مع ركود مستمر، وغير مسبوق للاقتصاد الإيراني الذي بات معطلاً وشبه مشلول، ما جعل الرئيس (روحاني) يبرق رسالة تهدئة للشعب الإيراني بأن الاقتصاد إلى تحسن ملحوظ، وهو ما لا يعتقد الشعب الإيراني به بتاتاً، بل إنَّ تصاعد وتيرة الأحداث الأمنية والتوترات السياسية، والاجتماعية ستفضي إلى مزيد من التدهور الداخلي سريعاً خلال الفترة المقبلة.
انهيار التومان الإيراني، واستمرار تدهور سعر صرفه، مع إدراك الكثيرين لهذه الحقيقة المرَّة هو الذي يُفسر كيف ولماذا تنتشر المخدرات والدعارة، والسياحة الجنسية ” الدينية “، في الوقت الذي ترتفع معه السلع الأساسية والمواد التموينية بين الحين والآخر بشكل فلكي، من البيض إلى اللحوم الحمراء، إلى الأسماك والدجاج، إلى حليب الأطفال إلى السكَّر والأرز والزيوت، هذا عدا عن الأدوية إلى الكثير من السلع الأخرى، إذ لا توجد فقط أزمة مواد ولا أزمة سلع أساسية، وإنما هي أعراض لأزمة واحدة، وهي أزمة اقتصادية شاملة بما فيها أزمة انهيار العُملة المحلية (التومان )، فمن يستورد اليوم أي سلعة هي المؤسسات التابعة للحرس الثوري، بالتأكيد هو نفسه يعلم أن تخزينها لعدة أسابيع فقط سيعني ارتفاع أسعارها أكثر فأكثر نتيجة انهيار العملة، ولذلك يمتنع عن توزيعها في الأسواق الإيرانية، وهذا بطبيعة الحال يُغري العديد من المسئولين الفاسدين لأن يستفيدوا فيتجهوا لاحتكار بعض السلع ولو لفترات زمنية معينة قبل أن يُفرجوا عنها بتحقيق أرباح كبيرة.. تحت علم وسمع المرشد خامنئي، وروحاني، ولاريجاني وآيات الله العظام، وغير العظام…. وهكذا.
خلاصة القول :
هو أنَّ إيران التي كانت تشكل أكبر اقتصاديات المنطقة زمن الشاه محمد رضا بهلوي، باتت تعاني الآن بفضل حُكم آيات الله أزمة في توافر السلع التموينية الأساسية، وانعدام أبسط الخدمات الأساسية، وانهيار اجتماعي شامل بعد أن أصبح أكثر من 35 مليون إيراني تحت خط الفق، إلى جانب أكثر من 12 مليون يعانون من فقر غذائي رهيب، وانهيار مستمر في العُملة، وارتفاع متواصل في نسب البطالة والفقر وأعداد العاطلين عن العمل، لا يمكن أن تعاني من كل هذه الأزمات ما لم يكن ثمة عصابة من الفاسدين واللصوص الذين ينهبون الأموال، ويعبثون بالاقتصاد، ولا يريدون خيراً للدولة والشعب الإيراني؛ وفي مقدمتهم المرشد خامنئي وأزلامه اللذين سطوا على البلاد والعباد، وهذا ما صدحت به حناجر المحتجين الإيرانيين بالأمس القريب، وكشفت عنه عمليات الإفراج عن بعض المعلومات حول حجم الفساد المستشري في إيران، النتيجة أن الدولة والثورة الإيرانية باتت في غرفة الإنعاش، وليس التومان وحده ….