د.ناجي خليفة الدهان                         

مركز أمية للبحوث و الدراسات الإستراتيجية

تداول نشطاء على مواقع التواصل الاجتماعي رسالة بعثها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب إلى نظيره الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، في اليوم الذي أعلنت فيه أنقرة عن بدء العمليات العسكرية في شمال سوريا، والتي أطلقت عليها اسم “نبع السلام”.  

الرسالة جاءت بتاريخ الـ 9 من أكتوبر/ تشرين الأول الشهر الجاري، قال فيها ترامب مخاطبا أردوغان: “لنعمل على صفقة جيدة، لا تكن أحمقا”، محذرا الرئيس التركي من الإقدام على هكذا خطوة، في لغة أثارت صدمة كبيرة للشارع التركي، قائلا: “لا تكن شخصا قويا”، لافتا إلى أن “التاريخ سينظر إليك إيجابيا إن حققت الأمر بصورة صحيحة وإنسانية”، ومحذرا إياه في الوقت نفسه من أنّ التاريخ سينظر إليه وإلى الأبد كشيطان مريد إن لم تجري الأمور بصورة جيدة”.     

إن هذا الأسلوب الغير لائق يتنافى مع الأعراف الدولية، فالخطاب بين رؤساء الدول يتّسم باللياقة والدبلوماسية السياسية، وهذه اللهجة غير معتادة أبدا بالنسبة للمراسلات بين رؤساء الدول!       

لقد استخدم ترامب نبرة غريبة في هذه الرسالة التي وجهها لأردوغان، حيث تضمنت عبارات وُصفت بغير اللائقة، كما تضمّنت تهديدًا بتدمير اقتصاد تركيا في حال قامت بعملية عسكرية واسعة في المناطق الخاضعة لسيطرة وحدات حماية الشعب الكردية.

ورغم ذلك كان ردّ الرئيس التركي رجب طيب أردوغان ردًا يليق بمكانته، ردًا يعبّر عن شخصية رئيس دولة كبرى يتمسك بالقيم الاسلامية ويحترم الأعراف الدولية، فقال في تصريح للصحافة بمدينة اسطنبول يُعد أول تعليق له على رسالة ترامب: «لن ننسى قلّة الاحترام هذه، ولكن الاحترام المتبادل سيمنع قائدة البلدين من إبقاء الخطاب حاضراً باستمرار على أجندة أعمالهما»، وفقاً لما ذكرته صحيفة The New York Times، الجمعة الموافق 18/10/ 2019م. اتهم أردوغان نظيره الأمريكي ترامب، بمخالفة «الكياسة السياسية، والدبلوماسية».

كان الردّ العملي على رسالة ترامب؛ هو إطلاق الجيش التركي، بمشاركة الجيش الوطني السوري في 9 أكتوبر/تشرين الأول الجاري، عملية «نبع السلام» في منطقة شرق نهر الفرات -شمالي سوريا- وقال: إنها موجّهة ضدّ “وحدات حماية الشعب الكردية” (YpG) وهو فصيل من (bkk)، أي هي امتداد ل، المُصنّف على لوائح الإرهاب في أمريكا، وأوروبا، وتركيا.       

لقد أحرج هذا الموقف الصلب والثابت للرئيس رجب طيب أردوغان “الرئيس الأمريكي ترامب” في موقفه هذا لمكافحة التنظيمات الإرهابية. وفي دفاعه عن حدود الجمهورية التركية، وأجبره على التراجع عن موقفه، محاولا التبرير، فأرسل وفدًا رفيع المستوى إلى تركيا برئاسة نائب رئيس الولايات المتحدة، للتباحث مع الرئيس التركي حول قرار الحرب ضدّ حزب العمال الديمقراطي الكردستاني في شمال سوريا.     

إن هذا التناقض في مواقف رئيس الولايات المتحدة الأمريكية، يدلّ على الارتجالية السياسية عند ترامب، فاستخدام هذا الأسلوب مع دولة حليفة، وثاني أكبر عضو في حلف الناتو، من أجل إرضاء مجموعة مرتزقة إرهابية، أمر غريب جدًا.

أي سياسية هذه؟!

فهذا الموقف يعتبر إهانة للولايات المتحدة قبل كل شيء!!!

 هل هذا يدل أن الولايات المتحدة اتجهت نحو الهاوية؟

 أم أن البلطجة السياسية تنفع مع الحلفاء؟!

     

فلننظر قليلًا إلى تصريحات الرئيس ترامب الداعمة للأكراد في سوريا، ومن ثم محاربة دولة حليفة مثل تركيا من أجل مجموعة إرهابية!!!

       

فمنذ بدء عملية “نبع السلام” والرئيس ترامب يخرج في كل يوم مرة أو مرتين أو أكثر ليعطينا دروسًا بعنوان كيف تتخلص من ورقة استخدمتها مدّة ثم ترميها في ثلاث ساعات!

         

مرّة يقول للمليشيات الكردية: اذهبوا إلى بشار ليحكمكم. ومرة أخرى يقول عنهم: أنّكم أسوأ من داعش، وأخرى يقول: إنه كان يستأجرهم كمرتزقة، ومرة أخرى يلومهم لعدم مساعدته في النورمندي خلال الحرب العالمية الثانية.       

إن التصريح الأوضح للرئيس ترامب الذي يصف طبيعة العلاقة الأمريكية مع الأكراد حين قال: (إن الأكراد لم يقاتلوا بالمجان، نحن مددناهم بالسلاح وبالمال، ودعمناهم بالطيران والتكنلوجيا) أي أنهم مرتزقة.     

فمن يدري ربما عن قريب سيلومهم على عدم ضبط الحدود مع المكسيك! وما ندري ماذا سيكتب في تغريدته القادمة؟!! لا غرابة في ذلك، فأول من يمقت العملاء ويبغضهم هو من استعملهم.     

وهذا الأمر لم يقتصر على ترامب والأمريكان فقط، بل حتى على الاحتجاجات في الغرب ضدّ العملية التركية، حيث كانت منصبّة على حماية عناصر داعش والحيلولة دون هروبهم، أكثر من اهتمامهم بمصير الأكراد، أليس إذلالا لقادة المليشيات الكردية، إن كانوا يشعرون؟! فهؤلاء لا دور لهم اليوم غير حماية داعش لا أكثر ولا أقل.

       

فالأكراد الذين تنقلوا في الولاءات بين النظام السوري، والروسي، والأمريكي… عادوا الآن إلى حضن النظام السوري، لم يشفع لهم ادعائهم محاربة داعش!      

لقد حرّرت القوات التركية والجيش الوطني السوري؛ الرقة، والمنطقة الشرقية منهم. وبدأ الحلم الكردي الانفصالي يتلاشى في سوريا كما تلاشى الحلم الانفصالي في العراق.     

لقد ساهم الموقف الثابت للقيادة التركية إلى إجبار الولايات المتحدة على التراجع عن موقفها، والتخلي عن دعمها لقوات سوريا الديمقراطية، والقدوم صاغرين للتباحث والاستجابة الى متطلبان الجمهورية التركية في تحقيق المنطقة الآمنة، حيث توصّلت تركيا والولايات المتحدة الأمريكية، الخميس 17 أكتوبر/تشرين الأول 2019، لاتفاق يقضي بتعليق العمليات العسكرية التركية في منطقة شرق الفرات، مقابل انسحاب المسلحين الأكراد من المنطقة الآمنة التي ستتولى إدارتها. وكان هذا أول نصر سياسي للرئيس رجب طيب في عملية “نبع السلام” بعد النصر العسكري.     

أمّا الموقف الروسي فقد تمّ توقيع مذكّرة تفاهم بين تركيا، وروسيا في_سوتشي- 22 أكتور/تشرين الأول 2019م، يجدد الجانبان فيه التزامهما بالحفاظ على سلامة أراضي سوريا، وحماية الأمن القومي لتركيا، إن الاتفاق الذي انتهى بين بوتين وأردوغان، شرع الوجود العسكري التركي في سوريا، بما فيها عملية نبع السلام، بل أن الاتفاق وفق مراقبين طور اتفاق أضنة، وسمح لتركيا بالدخول إلى عمق 30 كيلو متر داخل الأراضي السورية، وبذلك تمكنت تركيا من تحقيق ما تصبوا إليه من عملية “نبع السلام” من نصر سياسي في حماية أمنها القومي، والقضاء على أحلام الانفصاليين، وهذه واحدة من نتائج نبع السلام ، كما تمكّنت من إفشال مخطط إقامة دولة كردية جنوب بلدهم، وإعادة تركيا الهُوية العربية إلى هذه المنطقة…

 فشكرًا لرئيسها وللشعب التركي على تضحياته في سبيل إعادة الشعب السوري إلى وطنه. حيث صرّح الرئيس رجب طيب أردوغان أن الاتفاق سيعزّز من إمكانية ضمان وحدة الأراضي السورية، ويسهل عودة اللاجئين إلى بلادهم.  مؤكدا على مواصل العمل في سبيل إيجاد حلّ سياسي للأزمة السوري.      

وأخيرا أعلنت ما تدعى بـ “قوات سوريا الديمقراطية” (قسد) موافقتها على تطبيق “اتفاق سوتشي” الموقع بين تركيا، وروسيا، في 22 من تشرين الأول الحالي. في بيان نشرته عبر موقعها الرسمي يوم الأحد 27 من تشرين الأول، إنها تعيد انتشارها في مواقع جديدة بعيدة عن الحدود السورية- التركية.

       وبذلك تنتهي عملية “نبع السلام” بعد أن حقّقت انتصارات عدّة؛

  1. الانتصار العسكري على الفصائل الإرهابية.

  2. تحرير الأراضي العربية السورية وإعادة عروبته.

  3. النصر السياسي بالإقرار بحق تركيا في تأمين أمنها القومي من قبل الدول الكبرى.

  4. أما الانتصار الأهم هو إنهاء حلم الانفصاليين في إحداث تغيير ديموغرافي في المنطقة.       

ويبقى السؤال مفتوحا هل ستتخلى أمريكيا وأوربا عن إقامة هذه الدولة نهائيا؟ أم أنها ستجري تغييرات في امتداداتها الجغرافية لتأخذ من العراق حصة أكبر؟

هذا المقال يعبر عن رأي كاتبه ولا يعبر بالضرورة عن رأي مجموعة التفكير الاستراتيجي

قيم الموضوع
(0 أصوات)
Go to top