الانتخابات الإيرانية ولعبة اختيار المرشد .... د. نبيل العتوم

                                     

                                        د.نبيل العتوم                                            

               رئيس وحدة الدراسات الإيرانية                   

مركز أمية للبحوث و الدراسات الاستراتيجية

     وأخيراً تم استكمال لعبة انتخابات مجلس الشورى” (البرلمان) ولعبة انتخابات ـ “مجلس الخبراء” المعني بتحديد خليفة المرشد الأعلى في الدولة الإيرانية.

      لقد حاول علي خامنئي مسبقاً  ، وقبل الانتخابات تحقيق عدد من الأهداف،كي يخدم النظام ، ويضمن استقراره  من بعده ، ويستطيع بالتالي الحفاظ على مصالح عائلته،

     و أولها :رفع نسبة المشاركة  الانتخابية التي كانت تتسم بتدنيها قياساً على التجربة السياسية  الانتخابية السابقة بهدف  تبيض صورة النظام الملوثة أصلاً بخطايا الشعب الإيراني وشعوب المنطقة ، فكانت فكرة جمع انتخابات مجلسي الشورى و الخبراء معاً ، في وقت واحد  لرفع نسبة المشاركة ،  وجعلها أكثر شرعية  و ذلك من خلال الإعلان عن نسبة المشاركة في العملية الانتخابية لمجلسي الشورى والخبراء التي  وصلت لحوالي 60%  ، على الرغم من أن التجارب الانتخابية السابقة أثبتت  أن معدلات نسبة إقبال الناخب الإيراني  تاريخياً كانت متدنية بشكل  كبير بالنسبة للمشاركة  بانتخابات مجلس الخبراء  على وجه التحديد ، من هنا فإن خطورة وضع مجلس الخبراء ودوره القادم ستكون مصيرية لحد كبير ؛ لأنها هي المعنية بالأصل بتحديد مسار إيران ” الدولة والثورة ” بعد انتخابها المرشد القادم لإيران ، حيث ألح النظام بشكل كبير على ضرورة مشاركة مصوتي “مجلس الشورى” في انتخابات “مجلس الخبراء” أيضاً في الوقت نفسه ، على الرغم من أن  “مجلس الخبراء” هو المسئول  الفعلي والعملي بموجب الدستور عن تعيين مرشد أعلى جديد والإشراف على عمله وعزله إذا ما أخلّ بواجباته، إلا أن القدرة الفعلية لـ “مجلس الخبراء” على اختيار المرشد ومساءلته كانت شبه معدومة على أرض الواقع، وذلك قياسا على  التجارب السابقة .

        على هذا الأساس يمكن فهم الخطة التي رسمها الخامنئي والحرس الثوري وبعض المستشارين المقربين لتصفية النخب المعارضة  و فلترتها ، ومنعها من خوض انتخابات مجلس الخبراء ، وإحباط مخطط (خميني – رفسنجاني)  الذي كان يقوم على افتراض إجراء تعديلات جوهرية على منصب المرشد ، وإحداث موقع مجلس القيادة .

       ثانيهاممارسة سياسة  إعلامية غير مسبوقة لتعبئة الداخل الإيراني باتجاه الخطر والمؤامرة الخارجية ، ومحاولة إيهام الرأي العام أن تيار الفتنة سوف يعود لإيران انطلاقاً من مخطط خارجي مدعوم بقوى خفيه تعمل في الخفاء ، وتهدد وحدة إيران وأمنها  .

      ثالثها :التهديد بنصب المشانق “لقوى الفتنة”  في عموم إيران ، ودخول النخب الدينية القريبة من المرشد وبعض قيادات الحرس الثوري على خط  التبشير بتنفيذ تعهداتها للدفاع عن قيم الثورة ومبادئها ، ولم يسلم رفسنجاني وحسن الخميني وحتى الرئيس السابق محمد خاتمي من هذه التهديدات .

نتيجة الانتخابات

     لا شك بأن النظام الإيراني قد نجح في  توظيف موضوع   الإقبال الجيد  على توظيف  الانتخابات  لصالح النظام  ؛ مما  قد يعزز  من شرعية خامنئي وأعوانه أمام الرأي العام الداخلي والخارجي ،  من هنا يبرز  السؤال الرئيس حول ما إذا كان حلفاء الرئيس روحاني ورفسنجاني من خلال هذه المقاعد قادرين على الحسم و على تغيير مسار المشهد السياسي  ، أو حتى المساهمة في  التأثير على  صناعة القرار بشكل مؤثر من خلال كلتا المؤسستين ” الشورى والخبراء ” في آن واحد ؟ .

كيف مارس النظام لعبة الانتخابات  

    لفد مارس النظام لعبة الانتخابات من خلال:

  • تصفية المعارضة الحقيقية والمحتملة للنظام ولمؤسساته الثورية ، والتي برزت من خلال منع الرموز البارزة التي كانت تتطلع إلى المشاركة في الانتخابات من الترشح حيث عارض خامنئي ترشحها، و تذرع مستشارو المرشد بضرورة  الاجتماع مع خامنئي ، والحصول  على موافقته الضمنية،لخوض غمار الانتخابات ،  لكن ذلك لم يكن كافياً ، حيث تركت هذه المهمة لغيره ؛ خصوصاً مع مجلس الخبراء ، وهو بالضبط ما جرى مع حفيد الخميني الذي بارك خامنئي ترشحه لانتخابات مجلس الشورى ، ثم أشار نفس المرشد بسبابته إلى  جنَّتي بضرورة منعه من جانب مجلس صيانة الدستور لخوض الانتخابات ؛ بحجة حماية النظام من نفوذ تيار الفتنة إلى مؤسسات النظام.
  • تبني موضوع عدم الأهلية بناءً على عدة معايير مقدسة ، لا سيما ما يتعلق بولاء المرشح  “العملي” الكامل للمرشد الأعلى  أولاً ، واعترافهم بالسلطة الدينية والدنيوية له ولسلفه من بعدهثانيا، وإلا سيكون مصير المخالف الإقصاء  ، و سيلقى نفس مصير السيدة (معصومةعلوي) التي حرمت من الترشح ، وأصبح حفيد الخميني يشاركها نفس السبب “بنقصان العقل والدين “؛ حيث شكك الخامنئي نفسه  في العملية الانتخابية من أساسها، قائلاً: “إن الحكومة تقرر من سيفوز فيها؛  وليس الشعب.
  • من خلال عمليات التزوير المحكمة و من خلال الدفع بأعضاء مؤسسات النظام ومنتسبيها للتصويت عدة مرات لإنجاح المرشحين المدعومين منها ومن خامنئي  في عدد من المناطق على وجه التحديد ، بهدف حسم  النتيجة النهائية، و هذه قد  ضمنت أولاً  ألا تخرج نتائج الانتخابات عن مخططات المؤسسات الصلبة ؛ وفي مقدمتها الحرس الثوري الإيراني ، وأن لا تخرج أيضاً عن آمال وطموحات المرشد الأعلى علي خامنئي . وفي نظرنا أن تهافت الإعلام العربي للتأكيد على الإقبال الكبير للمصوتين ،وأنه فاجأ النظام الإيراني ، خطأ فادح ، لأن أجهزة الدولة لديها الإلمام والخبرة على  تقدير القاعدة الشعبية لكل مرشح بشكل دقيق ، وهي تتقصد ذلك  لتروّج لنفسها أنها دولة ديمقراطية بامتياز.
  • من خلالتوظيف فكرة الهامش والأطراف للمحافظين والمراكزالأخرى للإصلاحيين لتنفيذ مخططات تزوير الانتخابات ، حيث استغل النظام الظروف الاقتصادية التي عنوانها الفقر والفاقة ، لغرض دفع الإيرانيين للتصويت بكثافة فيها ؛ خصوصاً  في المدن الصغيرة والهوامش والأطراف ، حيث استغل «الحرس الثوري والمؤسسات الثورية  هذا الواقع، لدفع  العشرات من رموزه الفاشلين من خلال حثهم على الترشح في هذه المناطق المهمشة، التي يسهل فيها التزوير .
  • من خلال تصفية الحسابات مع الخصوم:و قد ميز نتائج هذه الانتخابات عن سواها اخفاق عدد من مراجع التقليد ، وفي مقدمتهم آية الله محمد تقي  و آية الله مصباح يزدي ، الذي فشل في انتخابات مجلس الخبراء ، وهو أمر غير مستبعد ؛ خصوصاً أن تيار الرئيس السابق أحمدي نجاد قد دعم يزدي الذب كان يأمل أن يكون المرشد القادم لإيران ، وبهذا تجاوز الثوابت المقدسة للنظام الإيراني ومبادئه ،  ومن ثم كانت الرسالة واضحة ليزدي ومن والاه من الأجنحة السياسية التي دعمته ، والتي مفادها إننا نحن من يقرر من هو المرشد ، وليس أنتم .
  • و من خلال تجزئة الأجنحة إلى فصائل ، وكيفية توظيف هذا المتغير في إعادة التركيب والتفكيكالنهائي لرسم الصورة ، فمع اقتراب موعد الانتخابات، جرت عملية جراحية لتغيير خارطة الفاعلين في المشهد الانتخابي ، ولم تعد صورة  الصراع التقليدي بين  جناح المحافظين و الإصلاحيين ؛ بل جرت عملية تفكيك غير مسبوقة وصلت  إلى حد تقسيم  الجناح المحافظ والإصلاحي ؛ وهي لعبة سياسية  نجح النظام الإيراني في الدفع باتجاهها ، وذلك لغرض تلميع صورة النظام داخلياً وخارجياً ، ومحاوله إظهاره بمظهر النظام التعددي الديمقراطي ، ومن شأن ذلك رفع  نسبة المشاركة الشعبية ، من خلال التجزئة والتفتيت ومحاولة إظهار  المشهد وإنتاجه بصوره التعددية في الاختيارات والسياسات والبرامج وبنكهات وبوسترات مختلفة ، مما يعيد عملية التكيف للنظام ، وإطالة أمد بقائه ،  فتمت إعادة المشهد برمته وفق مصطلحات  وقوائم  مثل :

الجناح المحافظ :الجبهة المتحدة : جمعية رجال الدين المناضلين ، جبهة الاستقامة ، تجمع يكتا ، جبهة الصمود ، فريق نهج الولاية ، وجبهة التطور والعدالة .

الجناح الإصلاحي :رابطة رجال الدين المناضلين ، رابطة مدرسي ومحققي الحوزه العلمية، حزب الثقة الوطنية ، حزب سيادة الشعب ، حزب نداي ايرانيان ، حزب اتحاد الشعب

المعتدلونحزب كوادر البناء ، حزب الاعتدال والتنمية .

المستقلون :وتضم شخصيات مختلفة التوجهات والمشارب …..

يبدو  من نتائج الانتخابات أن النظام كان يُدرك تماماً مدى التدني الكبير في شعبيته ، فحاول توزيع أنصاره بين أحزاب وتيارات ومستقلين ، وفي أثناء ذلك حاول طرح برامج  وشعارات يمكن أن تلقى  قبولاً  لدى الشارع الإيراني ، واللعب على وتر الإصلاحات الاقتصادية ومحاربة الفساد ، والانفتاح على الخارج ….لجذب المزيد من الأصوات ، وعند الجلوس على مقاعد البرلمان سوف تُعاد عملية  إعادة عملية الفك والتركيب وفق رغبة خامنئي وحرسه الثوري ؛ وسوف  يُشكلون في النهاية حركة متجانسة وموحدة لإدارة ملفات إيران الداخلية والخارجية بمزيد من التشدد .

إيران وتحديات المرحلة القادمة

اختيار المرشد

من المؤكد  أنه  سيصبح أعضاء “مجلس الخبراء ” الجدد لاعبين سياسيين مهمين في اختيار خليفة خامنئي المعتل صحياً ، على الرغم  من الدور البروتوكولي الذي اضطلع به “مجلس الخبراء” في اختيار المرشد بعد الخميني ، حيث انتخب “المجلس” خامنئي خلفا للخميني منذ حوالي ثلاثة عقود، ولكن الإجراءات الفعلية التي اتُبعت لاختياره ما زالت تثير الكثير من الشكوك والظنون .

لكن اللافت فيما جرى الآن ، أن نسبة الاصلاحيين  في قوائم الناجحين في الانتخابات الخاصة بمجلس الخبراء ؛ نلاحظ أنها لم تتعد 22% من نسبة إجمالي المقاعد ، وبالتالي لن يكون لهم دوراً ترجيحياً في اختيار المرشد القادم . و بذلك نكون أمام ثلاثملاحظات:

       الملاحظة الأولى:أن  قسماً لا بأس به من المرشحين  قد لعب المرشد والحرس الثوري دوراً محورياً في التوجيه لانتخابهم ، ما يعني أن  الباسدران” الحرس الثوري ” ، والمؤسسات  الثورية النافذة الأخرى سيكون لها اليد الطولى  والقرار النهائي في فرض  تعيين المرشد الأعلى المقبل ،ومنحه الشرعية الفعلية، بعد أن نجح النظام في مؤامرته على الشعب الإيراني من خلال اللعبة الانتخابية التي أدارها بنجاح ، فالشعب الإيراني قد بدأ أمام الرأي العام ،وكأنه قد انتخب مرشده القادم  .

       الملاحظة الثانيةأن أعضاء “مجلس الخبراء” الجدد الذين  جرى انتخابهم ، تتراوح أعمارهم بين 65 – 85 عاماً على وجه العموم ، وأن متوسط أعمار الجناح المحافظ  تتراوح أعمارهم بين 78- 85، مع ملاحظة أن هذا “المجلس”  سيبقى لمدة سبع سنوات  قادمة ، حيث سيبقى قائماً حتى العام 2023، وبالتالي سيقوم إما باختيار مرشده القادم من بين أعضائه الطاعنين في السن  ،والذي سيكون حكماً دميه بيد الحرس  الثوري نظرا  لسنه ولقدرته على ممارسة مهامه ،  و التحدي الآخر في حال إكمال هذا المجلس لولايته سيتمثل بوجود مجلس خبراء متوسط أعمارهم  يتراوح عمره بين 73-92 عاماً ، على افتراض أن مدت بقاء مجلس الخبراء سبع سنوات .

     الملاحظة الثالثة :حول المرجعية والمرتبة العلمية ، حيث نجد أن معظم  تركيبة “مجلس الخبراء” هم من درجة آية الله ، ومنهم من اكتسبها ليس بحكم الأهلية في الفتوى والمرجعية كالرئيس رفسنجاني ، الذي  اكتسب  هذا اللقب بحكم موقعه السياسي ، كما هو الحال في المرشد الحالي خامنئي ،لكن بدأت الأصوات تتعالى من داخل الحرس الثوري ، وبعض نخب مجلس الخبراء ومجلس صيانة الدستور لإعادة الاعتبار لهذا الموقع من الناحية الدينية والسياسية ، في إشارة واضحة على استبعاد رفسنجاني من هذا الموقع مستقبلاً . في الوقت الذي أعلن فيه رفسنجاني تشككه  في  المؤهلات الخاصة بمنصب المرشد ، خاصة ما يتعلق بعملية الاجتهاد ، ولفت إلى أهمية إعادة النظر في صلاحيات “مجلس  شوراى نكهبان أو ما أصطلح على تسميته بمجلس صيانة الدستور” الذي منعه  في أحد المرات من المشاركة في الانتخابات الرئاسية.

كذلك  يعكس  ما واكب هذه الانتخابات  ونتائجها  سياسة الحرس الثوري  الممنهجة في إقصاء ما أصطلح على تسميته على دور العائلة الثورية في السياسة الإيرانية، حيث شهدت السنوات الأخيرة  تهميش معظم العائلات التي ساهمت في انتصار الثورة الإيرانية، وفي مقدمتها عائلة الخميني ، رفسنجاني ، كروبي …  لصالح جنرالات الحرس الثوري ، ونظرة فاحصة إلى مجريات هذه الانتخابات ، وفرز عملية المرشحين ونتائجها تؤكد  ذلك.

الانفراج مع الخارج

ليس هناك شك بأن  الشعب الإيراني في نهاية المطاف هو الخاسر الأكبر جراء نتائج هذه الانتخابات ، فقد شعر بالإحباط  مجدداً  بعد إعادة تسلط الجناح المحافظ والحرس الثوري على مقاليد صناعة القرار الإيراني الداخلي والخارجي ، إضافة إلى أن  نتائج هذه الانتخابات  توجه رسالة واضحة إلى الخارج معناها استمرار طهران في سياسة التشدد وعدم الانفراج ، وأن هذه السياسة سوف تؤدي إلى مزيد من انخراط إيران الدامي في تصعيد الأزمات الإقليمية ، حيث سيعتبر خامنئي أن نسبة المشاركة العالية لقطاعات الشعب الإيراني في هذه الانتخابات ، ونتائج ما أفرزته من وصول التيار المحافظ إلى مقاعد مجلس الشورى والخبراء  مجدداً ،هو بمثابة استفتاء وتفويض  على سياساته الدموية  في الإقليم، وربما سنشهد في قادم الأيام صراعات بين أجنحة النظام نتيجة اختيار المرشد القادم ، التي لن تكون عملية سهلة  ؛على ضوء اختلال معادلة التوازن داخل مؤسسات النظام ، الأمر الذي سيهدد كيان النظام الإيراني برمته .

هذا المقال يعبر عن رأي كاتبه ولا يعبر بالضرورة عن رأي مجموعة التفكير الاستراتيجي

قيم الموضوع
(0 أصوات)
Go to top