المركز السوري سيرز - عيسى حسين المحمد 17.06.2020
أغلب ثورات العالم الكبرى وخاصةً (الأمريكية، الفرنسية، الانكليزية) استندت على نصوص مرجعية، فيها ما هو ديني، وما هو غير ذلك وفيها ما هو مستوحاً من نصوص الدين، وفيها ما يعتبر من العام المنتشر في زمن تلك الثورات، تلك النصوص ساعدت في بلورة استراتيجية شاملة لتحرك الثورة على كافة الأصعدة السياسية والعسكرية والاقتصادية ... فمثلاً: الآباء المؤسسون للولايات المتحدة اعتمدوا على كتابات مفكري عصر النهضة كـ مونتسكيو وهوبز، والثورة الفرنسية، اعتمدت على كتابات ملهمها جان جاك روسو، وتم إقرار وثيقة الحقوق التي أصدرها البرلمان الإنكليزي سنة 1689 في انكلترا عقب انتهاء الثورة.
تلك النصوص على اختلافها، أدت الى انتهاج نهج خاص بكل ثورة، فكان السمتُ الراديكالي (التغيير الجذري) ظاهراً على الثورة الفرنسية، والطبعُ الإصلاحي بادياً على الثورة الإنجليزية، والسجيةُ المركبة التي جمعت بين التحرر من الأجنبي، والثورة على الاستبداد أُلبست للثورة الأمريكية. وفي النهاية كلهم وصلوا الى مبتغاهم رغم اختلاف الوسائل.
إنّ الثورة السورية التي تعتبر شبيهة بتلك الثورات خاصةً ما يتعلق بالثورة المضادة، كما أشار الى ذلك محمد مختار الشنقيطي في كتابه الازمة الدستورية في الحضارة الإسلامية، مازالت تفتقر الى مثل تلك النصوص كهادٍ لها يهديها الطريق نحو الخلاص.
وهذه النصوص موجودة في تراثنا الإسلامي الغني، إلا أنّه لم يتم صياغتها بما يتناسب مع الوضع الخاص للثورة السورية، ويمكن إجمالها بما يلي:
أولاً: الميتا أيديولوجية/ما وراء الأيديولوجية Meta ideology:
يقول د. جاسم سلطان في كتابه" من الصحوة الى اليقظة" ما نصه: ... مفهوم ما وراء الأيديولوجية يمكن أن نقول عنه أنه مجموع النصوص المرجعية، سواء كانت مقدسة أو غير مقدسة، وبصفتها نصوصاً مرجعية فعادة ما يحتكم إليها في الحديث.
إنها مادة خام للأيديولوجية، فكل أيديولوجية سمعنا بها تكون نتيجة لأفكار أو فلسفة سابقة لها، فالشيوعية نتيجة لفلسفة هيجل، والليبرالية نتيجة لفلسفة جون لوك، وهكذا.
وثقافتنا الإسلامية غنية جداً بهذه النصوص الما وراء أيديولوجية، وأهمها وعلى رأسها القرآن الكريم والسنة النبوية، ثم ما أجمع عليه فقهاء الإسلام، وكلها مجتمعة لم تترك أمراً إلا وتحدثت عنه أو أشارت اليه.
المعنى، هذه النصوص يجب أن تكون أساساً لأي أيديولوجية محتملة، فهي الموافقة لفطرة الانسان السوري ووجدانه. بشكل عام كل فصائل الثورة السياسية والعسكرية، لم تتفق حتى الآن على نص مرجعي يكون أساساً لأيديولوجية واضحة، والخطأ المشترك بينهم هو محاولة استجلاب منظومات فكرية جاهزة وتطبيقها على المجتمع السوري والذي من المعروف بأنه مجتمع محافظ، حتى أنّ الفصائل التي تصنف بأنها معتدلة -رغم اعتمادها على نصوص مرجعية إسلامية- الا انها لم تستطع صوغ أيديولوجية جامعة لكل أطياف الثورة، وهي بذلك سيان مع باقي الحركات الإسلامية.
فحتى تكون معادلة الثورة صحيحة يجب أن تكون هذه النصوص أساساً للتحرك، وأظن أنّ قادة إحدى الحركات الإسلامية المحسوبة على الثورة السورية انتبه لهذا الأمر عندما قال: الثورة على الأوراق تنتهي في المقاهي، والثورة بالسلاح تنتهي في الجبال، وثورة الأوراق والسلاح تبني الدول. وهذه الأوراق ليست بيضاء، وإنما نصوص مرجعية أساسية. والله اعلم.
ثانياً: الأيديولوجية ideology:
يمكن القول بأنّ الثورة السورية شهدت صراعاً بين ثلاث أيديولوجيات مختلفة كل منها عن الأخرى، وهي الأيديولوجيا الإسلامية، واليسارية، والقومية.