دون تأكيد من مصادر النظام؛ أشا رت عدة تقارير إعلامية صادرة في الأسبوع ا لأول من شهر آب لعام 2019 إلى إجراء
النظام عدة تغييرات نوعية طالت أهم مراكز القوى الأمنية والتي كان من أبرزها لهذه التقارير
ً
وفقا تعيين رئيس مكتب
الأمن الوطني علي مملوك نائب
ً
ا
ً
له للشؤون الأمنية، فيما حل بديلا عنه في هذا المنصب اللواء محمد ديب زيتون الذي كان
يشغل مدير إدارة المخابرات العامة؛ و وشملت التغييرات
ً
أيضا، إحالة رئيس إدارة المخابرات الجوية اللواء جميل حسن
إلى التقاعد وتعييّ ن اللواء غسان جودت إسماعيل خلفًا له؛ كما عيّن اللواء حسام لوقا )الذي كان يشغل منصب رئيس
شعبة الأمن السياس ي( مدي ر
ً
ا لإدارة المخابرات العامة عنه
ً
؛ وعيّن عوضا اللواء ناصر العلي، كما شملت التعيينات وضع
اللواء ناصر ديب مدي ر
ً
ا لإدارة الأمن الجنائي خلفًا للواء صفوان عيس ى.
وفي الوقت الذي لا يعلن النظام عن هذه التغييرات عبر قنواته الرسمية؛ تصدرت هذه التغييرات العديد من مواقع
التواصل الاجتماعي والصفحات الاعلامية السورية وأخذت مساحة واسعة من الاهتمام والتداول بحكم الترابط الزمني
ما بين هذه التغييرات وما يشهده المسرح السوري من عقم سياس ي وتأزمات معززة لتنامي الاستعصاء؛ وانحصرت تفاسير
ود وافع النظام لتلك التغييرات بين اتجاهات ثلاثة مكملة لبعضها البعض:
الاتجاه الأول: "إجراء روتني"؛ فأوامر النقل والترفيع والتسريح والندب والتمديد ) المعروفة باسم النشرة( تصدر مرتين
ً
سنويا )بأول السنة وبمنتصفها(؛ ويستطيع من خلالها النظام -إذا ما استثنينا عامل العمر والوضع الصحي والتقييم
الأمني- لمعاييره
ً
إعادة توزيع مراكز القوة وفقا وشروطه؛ ففي التغييرات الأخيرة هناك بعض الضباط قد تجاوز السبعين
ً
عاما من العمر وقد تم تمديد خدمتهم لأسباب عديدة أولها منطق "إدارة الأزمة" )كجميل حسن ومحمد ديب زيتون تم
تمديد خدمة كل منهما عشرة سنوات ولابد من احالتهما الى التقاعد( ؛ أما بالنس
ً
بة لتعيين غسان إسماعيل مديرا لإدارة
المخابرات الجوية فيمكن اعتباره "تدرج
ً
ا وظيفي
ً
ا" حيث لجميل حسن
ً
كان نائبا ؛ وكذلك بخصوص تعيين حسام لوقا مدير
إدارة المخابرات العامة حيث كان معاون مدير هذه ا لإ لشعبة ا لأ
ً
دارة قبل تعيينه رئيسا من السياس ي.
الاتجاه الثاني: "رسائل شكلية": على الرغم من استمرار النظام بانتهاج ذات السياسة الناظمة لمعايير "النشرة" كمعيار
الولاء والإطاعة؛ وسلوكه المهني؛ والخبرة في حماية أمن النظام؛ حرص النظام في هذه التغييرات على تصدير عدة رسائل
أهمها الآتي:
1 . الإيحاء "بإعادة التوازن الطائفي" بين مراكز القوة؛ فعين في إدارة المخابرات العامة حسام لوقا )شركس ي من السفيرة
بحلب( وفي ا لأمن السياس ي ناصر العلي )سني من ريف حلب(؛ بينما أبقى المخابرات العسكرية والجوية بيد ضباط
علويين.
2 . التقاعد كوسيلة "مشرفة" لمن أوغل بالإجرام من قبل الثورة وبعدها؛ إذ تعد تلك الوسيلة طريقة بيروقراطية
للالتفاف على مطالبات وإدانات المجتمع الدولي لهؤلاء "القادة" بحكم ما ارتكبوه من جرائم مثبتة بحق الشعب
السوري.
3 . تعزيز "مخيال قدرة النظام" على التحكم بقطاع الأمن والدفاع أمام العديد من الفواعل؛ إذ يط من وراء تل
ً
مح أيضا ك
التغييرات إبراز مساحة تحكمه أمام "افتراضات الانقسام الافقي والعمودي" لهذا القطاع لصالح الشبكات الروسية
وا لإيرانية.
الاتجاه الثالث: "المرونة أمام متطلبات الحلفاء": إذ باتت واضحة رغبة موسكو بإعادة تنظيم قطاع الأمن والدفاع
وتحسين أدائه، ولا تمتلك دوائر صنع القرار عند النظام إلا إبداء المرونة والتكيف مع هذا التوجه الروس ي؛ حيث قامت
موسكو بإيفاد عدد من ضباط النظام إلى موسكو لإجراء دورات أركان في اختصاصات الدفاع الجوّي والآليات والمشاة،
كما دفعت بإجراء سلسلة من التعيينات في وزارتي الدفاع والداخلية، طالت أكثر من 100 ضابط بمناصب حساسة منذ
مطلع عام 2019 ، كما تمت تنحية عدد من الضباط بذريعة بلوغهم السن القانوني للتقاعد، في حين تمّ تهميش المحسوبين
حيط
ُ
كنات الم
ُ
على إيران تحت ذريعة انتهاء أدوارهم العسكرية، وخاصة في الث ة بدمشق.
:
ً
عموما إن التوصيف الأكثر موضوعية لتلك التغييرات هي المحاولة لإعادة تشكيل حذرة لمراكز القوة في قطاع الأمن
والدفاع بما يخدم فلسفة النظام الحاكم بإبقاء هذا القطاع كأداة تأثير وقوة يتحكم بها ويضمن ضبطها وتوجيهها من
جهة؛ ويعطي إيحاء "بتعديل ما" لن
ً
يكون إلا شكليا من جهة ثانية، وهذا ا لأ لعقبات بالغة الععوةة
ً
مر لا يزال ااضعا .
وينبغي على المعارضة السورية )سواء الرسمية وغير الرسمية( وكافة القوى الوطنية المطالبة بالتغيير؛ أن تعتمد في
تعاطيها مع ملف التغييرات استراتيجية "التمسك بضرورة التغيير الشامل والجذري"؛ وذلك من الال ثلاثة أدوات
رئيسية:
1 . الأداة التفاوضية: عبر إصرارها بأن عملية التغيير هي عملية مرتبطة بالبنية والوظيفة والفلسفة المتحكمة في عمل
هذه ا لأ ويرافقها العديد من الإجراءات
ً
جهزة وينبغي أن تكون موجهات ومحددات هذا التغيير مضمونة دستوريا
المتعلقة بالترابط ما بين هذا الملف والتغييرات القانونية من جهة؛ وما بينه وبين مبدأ العدالة والمحاسبة من جهة
ثانية؛ وهذا يتطلب بطبيعة الحال تبني رؤية تنفيذية للتغيير؛
2 . الأداة الحقوقية: وهذا يتطلب تظافر العديد من الجهود الوطنية لمواجهة طموح النظام في الافلات من العقوبة؛
واستمرار العمل في توثيق جرائم وانتهاكات تلك الأجهزة )كبينة وكقادة(؛ وهذا الأمر يتطلب وجود مؤتمر س للعدي
ً
نويا د
من المنظمات الحقوقية الوطنية وأجندة سنوية متسقة مع هذا الهدف؛
3 . الأداة البحثية والاعلامية: في الملف السوري محصورة في الدفع
ً
لا تزال المهمة البحثية والاعلامية الأكثر إلحاحا
باتجاه إحداث القطيعة مع الإرث الماضوي لعمل وفلسفة عمل قطاع ا لأمن والدفاع، وبلورة سياسات تعيد تصميم
لمعايير احترافية ووطنية بعيدة عن الأدلجة السياس
ً
الهندسة الاجتماعية فيه وفقا ية والمقاربات السلطوية؛ وانتاج
خطط موضوعية بات وقوننة العلاقات المدنية الأمنية.
ً
جاه إعادة بناء هذا القطاع كلية
يغيب النظام كل أسئلة التغيير الوطنية
ً
قسرا الدافعة باتجاه استقرار مستدام، ويكتفي بإجراءات بيروقراطية
ورسائل لا وزن لها وغير مؤثرة في طبيعة الحركة المستقبلية لهذا القطاع والذي يمض ي بتسارع نح و مجمع ميليشياوي
بز ي عسكري "رسمي"؛ وأمام هذا التغييب لا بد من التنويه
ً
مجددا -
ً
استراتيجيا-على الضرورة الملحة لتبني المعا رضة
وقوى الثورة والتغيير لاستراتيجية صادة لمحاولات النظام الطامحة لإفلاته من العقاب وللإيهام بإجرائه تغييرات
تضلل المجتمع المحلي والدولي عبر بوابة "تغيير سلوكه". فج ل التغييرات التي حعلت والتي ستحعل ستبقى أسيرة
محددات تحكمه بالسلطة وإعادة ضبط قطاع ا لأمن والدفاع وفق ثنائية )المعلحة والمرونة( التي تهيئ له الشروط
لإعادة انتا شبكاته بتغييرات شكلية ولا تتعارض مع ضغوطات حلفائه الرامية لتطبيق منهجيتها في إعادة التشكل