المركز السوري سيرز - مصطفى إبراهيم
يسمونها "الدبلوماسية الموازية"، ويقصد بها تلك القنوات الخلفية الموازية لقنوات الدبلوماسية التقليدية، التي توظفها الدول للضغط على صناع القرار والرأي في دول أخرى، لتسهيل مصالحها، وتحسين صورتها، وتشويه صورة خصومها. ويحصل هذا عن طريق أشخاص ليسوا محسوبين على السلك الدبلوماسي، عن طريق التواصل مع شركات العلاقات العامة، وجماعات الضغط التي تنفذ طلبات الزبون من خلال أساليبها الخاصة مقابل مبالغ مالية محددة. وفيما كان النظام السوري يدفع الكثير لتلك الجهات لتشويه صورة الثورة وتقديمه كمحارب للإرهاب. كانت بعض الفعاليات السورية تعمل باتجاه آخر، لتجعل الأموال التي بددها في هذا المجال تذهب هباء.
مؤخرا، استطاع بعض السوريين المغتربين، والذين ترفع لهم القبعة احتراما، وبعد جهود حثيثة وعمل دؤوب، أن يجعلوا من أهم عملية فدائية نفذها القيصر المسمى بقيصر، حدثا تاريخيا ربما هو الفيصل في تاريخ الثورة السورية رغم محاولات النظام السوري وطابوره الخامس تقزيمه، ومن يعتقد أن حدثا ما، كانشقاق شخصية كبيرة، أو مقتل ضباط ذوي أهمية، أو سقوط مدينة؛ آلم النظام وحلفاءه أكثر؛ فهو واهم.
يمكن تلمس آثار الألم تلك من خلال تصريح نائب وزير الخارجية الروسي عن استعداد موسكو للتفاوض مع واشنطن بشأن سوريا، فيما يبدو وكأنه محاولة لإنجاز صفقة، ومنذ أيام قليلة لاحظ الجميع في تصريحات وليد المعلم مقدمات لنوع من الرضوخ. ومؤخرا، وزير الخارجية الأمريكي "بومبيو" يقول: "عقوباتنا على النظام السوري أظهرت نتائج إيجابية". وربما يشي الهدوء النسبي في التصريحات الأمريكية بما يمكن أن يكون النظام السوري قد قدمه من وعود وتنازلات نتيجة ذلك الألم.
من جهة أخرى، لا شك أن بعض الأعراض الجانبية والآثار السلبية لذلك القانون سوف تطال المناطق المحررة لأن تلك المناطق لم تفك ارتباطها بالمناطق الواقعة تحت سيطرة النظام السوري، وهي ما زالت تتعامل بالعملة السورية، وهناك حركة تبادل تجاري بين المنطقتين مازالت موجودة. وهو أمر يستحق التوقف عنده وتسجيل بعض الملاحظات، فالضائقة الاقتصادية قد تدفع بالبعض للقيام بمظاهرات احتجاجية، وربما تتحول إلى أعمال تخريبية، أو ربما تصل إلى مستوى الجريمة. وهنا يجب التذكير بأن حرية التظاهر في المناطق المحررة متاحة لمن يرغب، بينما هي مغامرة في مناطق النظام. والأهم من ذلك، أنه بينما تعتبر الاحتجاجات في مناطق النظام عامل ضغط على النظام، تعتبر المظاهرات في المناطق المحررة عامل ضغط على القانون بحد ذاته. وبالتالي، هي لمصلحة النظام. لذلك، نلاحظ عناصر الطابور الخامس بدؤوا بممارسة نشاط حثيث في مجال التحريض على القانون. وهؤلاء، يعملون بشكل علني، وفي وضح النهار، فبالأمس أحد هؤلاء ينشر على وسائل التواصل الاجتماعي مقارنة بين أسعار بعض السلع التي اختارها بعناية، حيث تبدو الأسعار في المناطق المحررة أكثر ارتفاعا من الأسعار في مناطق النظام، متسائلا في النهاية: هل قانون قيصر يعاقبنا أم يعاقب النظام!
رغم ذلك، فالآثار الجانبية لقانون قيصر أثرت بشكل واضح على الشريحة الأشد فقرا في المناطق المحررة، وهذه قضية لا يمكن إهمالها أبدا، ومن أجل إمكانية التغلب على الآثار السلبية، عقدت الكثير من الندوات والمناقشات، وقدمت بعض المقترحات، والكل أدلى بدلوه في هذا المجال. لكنه، وللأسف، تبدو أغلب الطروحات غير مجدية، والمسألة معقدة أكثر مما يتوقع البعض، فعلى سبيل المثال، قد يتسبب المقترح الأكثر رواجا، وهو استبدال العملة بإمداد النظام بالعملة الصعبة عن طريق المبادلات التي مازالت تحصل كشراء الأدوية مثلا، كما أنها قد تحرم المنطقة من جزء من الموارد التي تأتيها من خلال الرواتب التي لا زال بعض الموظفين والمتقاعدين يتقاضونها. وبالتالي، حرمان هذه الشريحة من مصدر دخلها دونما تعويض.
بعيدا عن الخوض في التفاصيل، يعتقد أن الحل الأمثل ربما يكون بإنشاء صندوق للتكافل الاجتماعي، أو الرعاية الاجتماعية، يمول من خلال اقتطاع جزء من مرتبات أصحاب الوظائف الدائمة كل حسب دخله، بالإضافة إلى أصحاب المحال التجارية، كما يمكن فتح باب للمساهمة في هذا الصندوق لمن يرغب من المغتربين. وبكل تأكيد، قد يصطدم هذا المشروع ببعض العقبات، ويأتي على رأسها التشكيك بنزاهة القائمين على هذه المهمة، وهو حق مشروع؛ لأن هذ الداء الموروث ما زال مستشريا في المناطق المحررة. ومن أجل التغلب على هذه المشكلة يمكن اعتماد مبدأ الشفافية كتجربة تنفذ للمرة الأولى، والتي تعني أن يكون كل شيء مكشوفا وواضحا، فمن خلال المعرفات يتم عرض كافة الأنشطة والعمليات، بحيث تظهر أسماء المساهمين، وكمية المبالغ المجموعة، وعدد وأسماء العوائل المستفيدة... وهكذا.
كما تفوق بعض المغتربين على أنفسهم واقتحموا ردهات وأروقة دوائر صنع القرار في العواصم المهمة، منجزين قانون قيصر، فليحذو الجميع حذوهم، فنحن بحاجة للتصدي للطابور الخامس الذي يعمل بحرية مطلقة، كما أننا بحاجة للتكافل الاجتماعي الذي نحن أهل له، أو لإجراء آخر يمكن أن يخفف من معاناة الفقراء، فالنظام السوري في الجولات الأخيرة تلقى لكمتين قاسيتين جدا: الأولى منعه من اجتياح إدلب، والذي كان يهدف من خلاله مساومة العالم: إما رفع العقوبات، وإما استقبال ملايين المهجرين. والثانية، قانون قيصر، وهو الآن يترنح، فلنتعاون معا لدفعه إلى السقوط والاستسلام، إن قمة التفوق: معرفة من أين تؤكل الكتف.