القضية الفلسطينية والتطبيع وإمكانية المواجهة

 

د.ناجي خليفة الدهان – مركز أمية للبحوث و الدراسات الاستراتيجية

 

العلاقات الإسرائيلية الإماراتية قائمة منذ عقود وهي متشعبة في المجال الأمني والاستخباري والاقتصادي. وفي السنوات الأخيرة نمت هذه العلاقات بشكل ملحوظ لتشمل جوانب دينية وثقافية… وكان أغلب ذلك يجري في هدوء بعيدًا عن الإعلان الرسمي! ولكن الاتفاق الأخير أخرج كل ذلك إلى العلن ووعد بخطوات تطبيعية غير مسبوقة بين بلد عربي وإسرائيل لأول مرة (1).

يقول محمد حسنين هيكل: (لقد تأسّست الدول الخليجية ضدّ حقائق الجغرافيا وضد منطق التاريخ، نشأت على أساس وظيفي تؤدّيه لخدمة المشروع الاستعماري). ثم يضيف قائلا: (تبقى دول الخليج أسيرة للتناقضات التي تحكمها بسبب الفراغ البشري والجغرافي والدستوري).

لتمرير أي جريمة لا أخلاقية يلزم أن نلبسها قناعًا أخلاقيا!! فدويلة الإمارات تشبه ذلك الذي ارتكب جرما أخلاقيًا ثم يبرر ذلك لأجل إطعام أبنائه وهذا ما بررته هذه الدويلة بأن جرم الانبطاح للكيان الصهيوني هو لأجل الفلسطينيين وهذا تبرير خليع ومستفز وتافه ولا ينسجم مع قيم العروبة والدين الإسلامي.

 التطبيع الإماراتي والبحريني هل له من مبرر؟

وما الذي دعا الإمارات والبحرين لمثل هذه الخطوة؟

 وما حاجتها لتطبيع العلاقات مع إسرائيل؟

يمكن القول إن السؤال نفسه لا يجب أن يقتصر على الإمارات والبحرين فقط، لأنه يصلح أن يكون مع أي دولة خليجية طبعت أو ما زالت تفكر في الخطوة ذاتها. فما حاجة دول الخليج لتطبيع العلاقات مع دولة ليست لها حدود سياسية معها؟ ولم تدخل معها في حروب أو نزاعات؟ ولا توجد مصالح مشتركة بينهما؟ وليست الدولة التي لا يستطيع الخليج الاستمرار في عمليات التنمية والنهوض إلا بوجودها!!!

        ثم ليست هناك حاجة اقتصادية للأمارات وللبحرين لإقامة علاقات مع إسرائيل؛ أما الحاجة الأمنية فليست مبررة أيضًا، لأن الإمارات والبحرين تقع ضمن مظلة مجلس التعاون الخليجي أولاً، واتفاقية الدفاع المشترك لمجلس التعاون لدول الخليج العربية، التي تم التوقيع عليها في الدورة 21 للمجلس الأعلى التي عُقدت بالبحرين في ديسمبر/كانون الأول 2000.

أما إن احتج البعض بالقول: إن الخطر الإيراني على الجزيرة دافع كبير للبحرين للمضي نحو دولة تشترك معها التوجس والقلق مثل إسرائيل ومعهما الإمارات ولو ظاهريًّا؛ فإن الأمر لا يزال غير مبرر، باعتبار ما حدث في الجزيرة عام 2011، وهل هذا العدو يبرر التعاون مع مغتصب لأرض وشعب عربي ولمقدسات الإسلام؟! وهل الدفاع عن الأرض والعرض يتم عن طريق المحتل أم الشعوب هي التي تدافع عن أوطانهاِ؟!

إن دول مجلس التعاون الخليجي ليس لها حجة لعقد مثل هكذا اتفاقيات، ومن الصعب إقناع الشعب الخليجي بأي مسوغات شرعية أو قانونية لهذه الاتفاقيات ومن يقف وراء هذه الاتفاقيات وأخص بالذكر الولايات المتحدة، واللبيب يفهم!!!

إن تهافت الكيان الصهيوني على مثل هذه الاتفاقيات هو لتحقيق أهداف تخدمه الكيان وتعطيه الشرعية كدولة معترف بها ضمن المحيط الإقليمي، ولتثبيت كيانه في أرض فلسطين وثمة أهداف أخرى لسنا بصددها.

التطبيع السياسي والقضية الفلسطينية

أي الطريقين تسلك إسرائيل؟ مفاوضات سلام مع الفلسطينيين تؤدي لتهيئة المناخ لتطبيع عربي، أم تطبيع عربي يؤدي لسلام مع الفلسطينيين؟

فبعد فشل محاولات الكيان الصهيوني في مسار المفاوضات مع الشعب الفلسطيني والسلطة الفلسطينية، رغم ممارسة كل أنواع الضغوط الدولية والعربية لتنازل الشعب الفلسطيني عن حقوقه في إقامة دولة مستقلة عاصمتها القدس، حدث تحول كبير في رؤية إسرائيل لمسألة المفاوضات مع الفلسطينيين؛ فقد كانت سابقا تتعامل مع القضية الفلسطينية على أنها المدخل للتطبيع مع الشعوب العربية، فأصبح التطبيع بالنسبة لها أولوية مع الدول العربية فقد تؤدي إلى دفع المفاوضات مع الفلسطينيين – حسب الرؤية الإسرائيلية – وهذا ما عبر عنه نتنياهو صراحة في 2018 بقوله: “نحن في مسيرة تطبيع مع العالم العربي دون أن يكون هناك تقدّم مع الفلسطينيين، لقد كانت الرؤية دائما أن التقدم مع الفلسطينيين سيفتح أمامنا بابا للعالم العربي إلا أن هذا لم ينجح، ويجب علينا أن نحاول طريقا معاكسا فالعلاقات مع العالم العربي وحدها هي التي ستوفر الظروف اللازمة لتقدم العلاقات مع الفلسطينيين(2).

هذا يعني أن التطبيع الحالي بين دول عربية وإسرائيل لن يؤثر إلا سلبا على القضية الفلسطينية، وأن ما تريده إسرائيل من الأنظمة العربية أن تمكنها من الانتقال للمرحلة التالية والأخطر من العلاقات وهي التطبيع الشعبي. ومن المؤكد أن آخر ما تفكر فيه إسرائيل منذ عدة سنوات وتأكد بعد الاتفاق الإسرائيلي الإماراتي هو إحراز أي تقدم مع الفلسطينيين، وهو ما أكدته مراكز أبحاث إسرائيلية حين اعتبرت هذا الاتفاق ضربة قوية ضد الفلسطينيين (3).

حقيقة الأمر أن الموضوع لا يتصل بالرغبة في الوصول لاتفاق مع الفلسطينيين، بل إن هذا – التطبيع السياسي لإنهاء القضية الفلسطينية، ولإعطاء مشروعية لدولة الكيان الاسرائيلي ضمن الإطار الاقليمي للدول العربية للتعايش والتمدّد لتحقيق الحلم الصهيوني، ولتبرير الاعتراف في الكيان الصهيوني وإقامة علاقات معه!!

تثير هذه الدول المطبعة مبررات للأسف كلها أكاذيب ويحاولون تسويقها على شعوبهم ومنها ما يلي:

يقولون لن نبقى طول عمرنا نحارب إسرائيل، ونقول للأمارات والبحرين وكل دول الخليج هل حاربتم عام 1948 الكيان الغاصب؟ وهل كنتم دولا أم كنتم تتجولون في صحراء الجزيرة العربية، اسالوا مقابر الشهداء في جنين ونابلس هم يقولون لكم من حارب؟ وهل حاربتم في عام 1967 أو 1973؟ وأنتم تعلمون من حارب وقدم الشهداء (مصر، وسوريا، والعراق) فمن أين جئتم بهذا المبرر؟ ألا تستحون من الكذب على شعوبكم؟!

ويقولون إن فلسطين ليست قضيتنا، ومعنى هذا أنكم ستكونون على الحياد، والاعتراف في الكيان الصهيوني والتطبيع هو نفيا لفلسطين وليس حيادا بل هو الانحياز للكيان الصهيوني، ولا ندري هل (اسرائيل) هي قضيتكم.

ويقولون إن الفلسطينيين اعترفوا في (إسرائيل) ونحن سنعترف في (إسرائيل) لمساعدة الفلسطينيين ونريد ما يردون، وهذا كذب أيضا لأسباب عدة منها:

أولا. الاعتراف الرسمي تمثله الجهات الرسمية الفلسطينية ولا يمثله أشخاص! والعلاقة بين السلطة الفلسطينية والكيان الصهيوني المحتل فرضتها طبيعة الاحتلال والقوة الغاشمة والحصار المطبق على الشعب الفلسطيني، والموقف العربي المتخاذل، ومتطلبات الشعب الفلسطيني المقاوم، وإن اعترف شخص ما أو عدة أشخاص لا يمثلون الشعب من أمثال محمد دحلان وغيره.

ثانيًا. إن الدول التي اعترفت ب (إسرائيل) مثل (مصر، والأردن) رغم تحفظنا عليهم، لم تحقق شيئًا على الإطلاق منذ توقيع أوسلو ووادي عربة حتى الآن، بل زادت من مآسيهم في كل الجوانب، وأحدثت خرقا أمنيا كبيرا، وأن السلطات في مصر والأردن مثلا لا زالت حتى الآن تعتبر من يتواصل مع إسرائيليين مصدر خطر على أمنها وقد يتهم بالتجسس، والأردن مثال قريب، حيث تم تسويق واستخدام الأردن مجانا لأغراض السياحة والاقتصاد الخاص بهم، وكانت ديون الأردن حوالي ٤ مليار دولار عند توقيع اتفاقية وادي عربه عام ١٩٩٤وصارت الآن ٤٢ مليارا.

 ثالثًا. كل الشعب الفلسطيني يطالب الحكام العرب الآن ألا تعترف بإسرائيل ولا تطبّع معها ولا تسمح لهم بإقامة هذه العلاقة مع الدول العربية.

 ألا يعلم قادة الإمارات والبحرين ومن يسير خلفهم من العرب، أن التطبيع خيانة كبرى للدين وللمقدسات وللشعب الفلسطيني وللأمة كلها؟! إن ترامب دفعهم للتطبيع ليس حبًا فيهم أو لإبقائهم على كراسيهم إذا ثارت شعوبهم عليهم، بل هو للوفاء بوعدٍ قطعه على نفسه في حملة الترشيح للرئاسة إلى التجمع (الصهيونية المسيحية) الذي ينتمي إليه، ولكسب أصوات اليهود في أمريكا في الانتخابات القادمة، ولتحقيق أحلام الكيان الصهيوني وتأمين سلامتها وتفوقه على العرب، والمستفيد الوحيد من التطبيع هو إسرائيل، وتحديدًا الساسة الإسرائيليين، باعتبار أن تلك الخطوات أشبه بأوراق انتخابية يتم استخدامها لمصالحهم الشخصية، وقد حقق لهم ترامب ما لم يحققه كل الرؤساء الأمريكيون السابقون، الاعتراف بالقدس عاصمة الكيان الصهيوني ونقل سفارته إليها ، وإعطاء الحق في الاحتفاظ في مرتفعات الجولان، ونفذ كلّ وعوده للصهيونية وأنتم تهرولون إلى التطبيع صاغرون فماذا تنتظرون؟

  لقد قال (هنري فورد) في كتاب “اليهودي العالمي” لمؤلفه صاحب شركة فورد عام 1921 حيث يقول إن “اليهود يفضلون أن يقودوا العالم من الخلف” الا تعلمون استخدموا انبطاحكم لقيادة العالم العربي. هؤلاء هم اليهود لا يحلون في أرض حتى يفسدوها.

هل هناك إمكانية للمواجهة؟

لا يزال العقل الجمعي العربي رافضًا للتطبيع برغم كل ما يحدث، خاصة أن الأطراف العربية التي تقف خلفه طالما كانت ضدّ تحرر الشعوب، وبالتالي فما يظهر أمامنا على أنه خطر، يجب أن ننظر إليه باعتباره فرصة إن أُحسنا استغلالها. ولعل ما حدث فرصة للتوافق بين كافة الرموز العربية بمختلف أطيافها على قضية لا يختلف عليها أي عربي وطني.

فمن الضروري وضع استراتيجيات من أجل مقاومة التطبيع وفضح المطبعين، ورغم عفوية الهيئة المصاحبة للاتفاق الأخير فإنها تدل على إمكانية النجاح إن وضعت استراتيجيات دائمة للمواجهة ولرفع وعي الشعب العربي للتمسك بحقوقه.

 سرعة تشكيل جبهة عربية وإسلامية موحدة تجمع كل التوجهات السياسية الرافضة للتطبيع لوضع استراتيجيات وتصورات وأعمال يتم تنفيذها، وتدعم المقاومة بكافة أشكالها بعيدا عن التجاذبات الفكرية، ودون أن تكتفي بالبيانات. والعمل على إبراز الأصوات الشعبية الرافضة للتطبيع والتعريف بها للمواطن العربي (4)، خاصة وأن القيادة الإسرائيلية تدرك أن المشكلة في التطبيع تكمن في رفض الشعوب، وليس في قادة الدول العربية، والتأكيد على أن كل تحرر تحرزه الشعوب العربية هو ضربة موجهة لإسرائيل وللتطبيع.

يحق للشعب الفلسطيني في عموم فلسطين وفي الشتات أن يفخر بصموده رغم كل عمليات الضغط السياسي والاستراتيجي، فلم يتنازل عن حقه، وقد قدّم الغالي والنفيس في سبيل العنوان الأكبر “مشروع التحرير” رغم كل المؤامرات والحروب والتحالفات والمخططات والمغريات والحصار فلم يغب مشروع التحرر عن الوجدان الفردي والجمعي العربي وعن القضية المركزية فلسطين والقدس، وسيفشل مشروع التطبيع والمطبعين رغم عنهم، وأن التاريخ لن يرحم الخونة والمتخاذلين، ولن يرحم كل من طبّل وزمر للتطبيع والتمييع

 

 عاشت فلسطين حرة أبية، عاشت فلسطين العربية       

 

المراجع

1 –יואל גוזנסקי: “נרמול היחסים עם איחוד האמירויות: תחילת הדרך ולא סופה تطبيع العلاقات مع الإمارات المتحدة: بداية طريق وليس نهايته“. גלובס 14 / 8 / 2020 (جلوبس هي جريدة متخصصة في الاقتصاد)

2 –אלי פודה: “תקרת הזכוכית” ביחסי ישראל ומדינות ערב سقف الزجاج في العلاقات الإسرائيلية العربية” هآرتس 28 / 2 / 2019

3 –יוני בן מנחם: הסכם הנורמליזציה: מכה כפולה לפלסטינים ולאיראן (اتفاق التطبيع: ضربة مضاعفة للفلسطينيين وإيران). המרכז הירושלמי לענייני

4– مجموعة من الباحثين العرب: تدعيم مسارات حركة (BDS) في مواجهة التطبيع العربي- الإسرائيلي. المركز الفلسطيني لأبحاث السياسات والدراسات الاستراتيجية. 11 يوليو 2019

_______________

د. ناجي خليه الدهان: دكتوراه علوم سياسية، علاقات دولية، باحث في الشؤن السياسية والاستراتيجية.

هذا المقال يعبر عن رأي كاتبه ولا يعبر بالضرورة عن رأي مجموعة التفكير الاستراتيجي

قيم الموضوع
(0 أصوات)
Go to top