بعد اجتماع دام ثلاثة أيام انتهى المؤتمر الأمني “ميونخ”، حيث شارك في هذا المؤتمر ثلاثون زعيم دولة، والعشرات من وزراء الدفاع، ووزراء الخارجية، من دول العالم، وكان من بينهم “مايك بنس”، مساعد الرئيس الأمريكي، والمستشارة الألمانية “أنجيلا ميركل”، حيث تطرّق الحضور لمناقشة العديد من القضايا الأمنية العالمية، وفي هذا المؤتمر قال وزير الخارجية الإيرانية “محمد جواد ظريف”: إن إسرائيل توجه التهديدات لإيران، في الوقت الذي تطالب فيه إيران السلام والتعامل مع دول المنطقة، وأضاف “ظريف” قائلا: إن أمريكا تشكل اكبر عامل لعدم الاستقرار والأمن في المنطقة، في هذا المؤتمر، وقال: إن أمريكا سعت في مؤتمر “وارسو”، إلى ممارسة مزيد من الضغط على الدول الأوروبية لإرغامها على الانسحاب من الاتفاق النووي. واستعرض قائلاً: قبل عامين حاولت الولايات المتحدة الأمريكية إيصال عداوتها مع إيران إلى أعلى مستوى لها فهي قد عملت ومن خلال انسحابها من الاتفاق النووي على مخالفة الاتفاقية الصادرة عن مجلس الأمن الدولي التي تؤكد على قيام علاقات اقتصادية مع إيران، وفي معرض ردّه على سؤال يتعلق فيما إذا كانت أمريكا تسعى لتغيير النظام في إيران قال “ظريف”: إن الولايات المتحدة الأمريكية ليس لها هدف إلا هذا، لقد قالوا: إنهم لا يريدون شيئا سوى تغيير النظام في إيران، وهذا في الحقيقة الهدف الوحيد الذي تسعى الولايات المتحدة الأمريكية لتحقيقه. أما انسحابها من الاتفاق النووي فقد كان هدفا من الأهداف التي تسعى أمريكا لتحقيقها، على ما يبدو أن الولايات المتحدة الأمريكية تصغي إلى الأشخاص الخطأ، فمنذ أربعين عاما وهي تتخيل أن النظام في إيران سيتبخر، فقد تغيرت الأنظمة في سبعة دول بينما ما زال النظام في إيران باق.
أشار ظريف في خطابه إلى العديد من المواضيع، ولعل أبرزها موضوع البرنامج الصاروخي الإيراني وقال: إن إيران لا يمكن لها أن تخوض مرحلة من المحادثات تتعلق ببرنامجها الصاروخي، فدول الإتحاد الأوروبي ومن جملتها فرنسا لن تترك الشعب الإيراني أعزلا مقابل “صدام حسين” الجديد في المنطقة. كما تحدث “ظريف”، حول تلك الدول التي شرعت الآن بشراء الأسلحة، من جهة أخرى، اللافت للنظر إشارة “ظريف”، إلى ما تقوم به أمريكا من عمل لتدمير البرنامج الصاروخي الإيراني.
وفي الحقيقة هذه هي المرة الأولى التي نرى فيها “ظريف”، وقد انتابته العصبية وكان يسيطر عليه في أثناء حديثه الطابع الهجومي تارة، والطابع الدفاعي تارة أخرى، لذلك فإن هذا يدل على أن ظريف يعيش تحت وَطْأت الضغوطات لكون إيران لم تحصل من جرّاء هذا الاتفاق النووي على تلك المصالح والمنافع الاقتصادية والتجارية التي كانت متوقعة من هذا الاتفاق وبالتالي عودة الحركة التجارية مع إيران إلى سابق عهدها. هذا ومن الناحية العملية يعيش الجناح الإصلاحي تحت وَطْأت ضغوطات غير مسبوقة تؤشر إلى شيء ما.
السياسة العامة لإيران تتمثل الآن في البقاء ضمن الاتفاق النووي، والحرص على ذلك، فهي وإن انسحبت الآن من هذا الاتفاق فإن الإتحاد الأوروبي ستضطر إلى العودة نحو المعسكر الأمريكي في فرضه لهذه العقوبات النووية على إيران، وهذا بالمحصلة سيقود إيران إلى مرة أخرى إلى عرض ملفها على مجلس الأمن الدولي من جديد، مما سيشكل بالنسبة لإيران مأزق أمني خطير للغاية إذا ما انسحبت من الاتفاق النووي.
يحاول “ظريف” من خلال كلامه ممارسة المزيد من الضغوطات على الإتحاد الأوروبي، لكننا نرى بأن الإتحاد الأوروبي لا ينظر لإيران من زاوية المصالح الثنائية فقط ، ما يعني الإتحاد الأوروبي هو: (أمن الشرق الأوسط)، كما أن الاستنتاج الأوروبي يتمثل بعدم حدوث اضطراب أو تصعيد أمني جديد في الشرق الأوسط يمثل بالمحصلة خطر عليها، وعلى أمنها وقد استخدمت هذه الدول تعبيرا ناقداً ضد إيران ” كمن يطلق النار على قدمه” وهذا ما تقوم به إيران فعلاً ، وخاصة حول موضوع التجسس الإيراني الذي وقع في ألمانيا، ودعم العمليات الإرهابية من جانب جهاز المخابرات الإيراني في أوروبا ضد المعارضة. ومع ذلك تُظهر هذه الممارسة بأن إيران حتى في ظل هذه الظروف الحالية التي تعيشها باتت أمام سيناريو انهيار اقتصادي غير مسبوق، و طهران باتت على يقين أن الاتحاد الأوروبي لا يمكنه إنقاذها، وأن الطريق الوحيد أمامها هو فتح باب الحوار مع واشنطن بشكل عاجل، وخاصة أن الداخل الإيراني يغلي، وأن الضوء الأخضر الأميركي بتحريك الأقليات والمعارضة المسلحة ضد الحكومة المركزية بات مكشوفا، وما عملية جيش العدل التي جرت في بلوشستان إلا أكبر دليل على ذلك.