في الثامن عشر من شهر نيسان/أبريل 2016 أعلنت الهيئة العليا للتفاوض على لسان رئيسها رياض حجاب عن المشاركة في جولة جديدة من مفاوضات جنيف3 عقب انتهاء الجولة الثانية دون التوصل إلى أي اتفاق حول العملية السياسية، كما لم يتم تطبيق أدنى شروط التفاوض التي أقرها قرار مجلس الأمن الدولي 2254 فيما يتعلق بوقف الأعمال العدائية وفك الحصار عن المدن المحاصرة، وإدخال المساعدات الإنسانية لها، وإطلاق سراح المعتقلين.
والمتابع لجولات التفاوض التي تجري بين المعارضة والنظام حتى تاريخ إعلان هيئة التفاوض وقف المشاركة في جولة جديدة حتى يتم تطبيق القرارات الإنسانية، يرى الموقف الحازم الذي كانت تتخذه المعارضة السورية عموماً، وهيئة التفاوض على وجه الخصوص من عدم التنازل عن ثوابت الثورة السورية، وعدم التدخل في أعضاء الهيئة، خاصة مع إصرار روسيا على إدخال بعض الشخصيات المقربّة منها، كما تحاول جاهدةً اعتبار حزب الاتحاد الديمقراطي الكردستاني الذي يترأسه صالح مسلم أيضاً أحد مكونات المعارضة السورية، وضمهم جميعاً إلى الهيئة. كل ذلك كانت هيئة التفاوض ترفضه بالإطلاق حتى انتهاء الجولة الثانية من المفاوضات.
إلا أنّ الأمور بدأت تتغير تدريجياً ما بعد إعلان التوقف عن متابعة المفاوضات، وبدأ المتابع للتطورات والمتغيرات يدرك التغيّر الحاصل في أداء عمل هيئة التفاوض، إعلامياً على الأقل في هذه المرحلة، فقد بدأ الحديث جدّياً، وعلى لسان بعض أعضاء الهيئة عن ضرورة الانفتاح على جميع مكونات المعارضة، وفي مقدمتهم مجموعة موسكو، ومنصة القاهرة، وهو بالنسبة لما سبق يُعدّ تراجعاً ملحوظاً من قبل الهيئة أمام هذا المطلب الروسي تحديداً، وهو ما يمكن أن يحدث قبل انطلاق الجولة الثالثة من المفاوضات المقررة مبدئياً بعد نهاية شهر رمضان، حسب التصريح الأخير لديسمتورا. أما الأمر الثاني فهو خفوت الحديث عن تطبيق الشروط الإنسانية التي كانت تصر عليها الهيئة بشدّة، وهو ما كان يعدّه النظام وحلفاؤه أمراً معرقلاً لسير المفاوضات.
كذلك ما جرى أخيراً من تغيرات مفاجئة داخل الهيئة ذاتها، من خلال استقالة، أو على الأرجح إقالة كبير المفاوضين محمد علوش، ممثل جيش الإسلام، الذي تحاول روسيا تصنيفه على أنه فصيل إرهابي مع أحرار الشام، وأيضاً إزاحة العميد أسعد الزعبي من رئاسة وفد المفاوضات باعتباره شخصية عسكرية مرموقة في صفوف المعارضة السورية، وإذا ما دققنا في هذه التغيرات نراها تلائم المطالب الروسية التي كانت تطالب بها خلال الفترات السابقة.
إلا أنّ التغير الأخير والمهم الذي يبدو أنّه مرّ إعلامياً مرور الكرام هو زيارة رئيس الائتلاف السوري "أنس العبدة" إلى إقليم كردستان العراق، ولقائه مع رئيس الإقليم "مسعود البارزاني"، حيث طالب العبدة في هذا اللقاء من البارزاني إرسال قوات من البيشمركة الكردية إلى سورية لدعم قوات المعارضة السورية على الأرض، وهو مطلب لم يأتِ من فراغ بالتأكيد.
جميع هذه المتغيرات الجديدة التي شهدتها الهيئة العليا للمفاوضات بما يتناسب والطرح الروسي، ينم عن طبخة جديدة تعدّها المعارضة السورية السياسية، بدأت رائحتها تظهر بشكل تدريجي، إعلامياً على الأقل، في هذه المرحلة، وهو أمرٌ خطير إذا ما صحّ هذا الرأي، حيث أنّ المعارضة باتت في مرحلة التنازلات أمام التصلب الروسي، وحتى الأمريكي، وعدم قدرة الدول الحليفة للمعارضة، وفي مقدمتها تركيا والسعودية، على القيام بأي تحرك جدّي يدعم مواقف المعارضة السورية أما النظام وحلفائه.
ويبقى الأمل الحقيقي في كل ما يجري على التطورات الميدانية داخل الأرض السورية، وصمود الثوار السوريين وتقدّمهم يعني إعادة خلط الأوراق من جديد، وحرق أي طبخة تريد إنهاء الثورة السورية بمطالبها العادلة والمحقة، والتي لا يمكن التراجع عنها إطلاقاً بعد مضي خمس سنواتٍ عجاف من تاريخ الثورة.