منذ نشوء التحالف الاستراتيجي الطائفي بين النظام الإيراني والسوري في عام 1979م، وضع نظام الملالي في طهران مع نظام حافظ الأسد الطائفي في دمشق هدف التغيير الديمغرافي لسكان بلاد الشام كهدف استراتيجي طائفي مشترك بينهما، وكانت فكرة تصدير الثورة الخمينية قائمة، والحرب على العراق جاري الاعداد لها والتنسيق بين النظامين بشأنها يتم من منطلق طائفي على أعلى المستويات للتخلص من العقبة الكأداء في العراق، ووضعوا لهدف التغيير الديمغرافي في سورية خطة مدروسة بعيدة المدى، وحددوا مساراتها ووسائل وأدوات متنوعة لتنفيذها، ومن أهم المسارات التي جرى العمل عليها لاحقا ما يلي:
1- زيادة عدد العلويين ورفع نسبتهم في سكان سورية، حيث كانت نسبة العلويين في ذلك الوقت حوالي 7% من مجموع السكان، وشكل ذلك هاجساً لدى نظام الأقلية العلوية الذي أعطى قيمة للرقم السكاني ونوعه المذهبي أكثر من قيمته كمواطن وكإنسان.
2- زيادة عدد الشيعة ورفع نسبتهم في سكان سورية، حيث كانت نسبتهم في ذلك الوقت لا تزيد عن 0،1% من مجموع السكان.
3- التقريب بين المذهبين: العلوي "النصيرية" في سورية، والجعفري "الاثنا عشرية" مذهب ولاية الفقيه في إيران، واعتراف الخميني بمذهب النصيرية الذي كان يؤمن بكفره وانحرافه عموم الشيعة قبل السنة.
4- الضغط على أبناء الأكثرية السنية والتضييق عليهم في مجالات الحياة كافة وتهميشهم، بهدف دفعهم نحو خيار الهجرة الخارجية وعدم العودة.
وعمل النظامان الإيراني والسوري على المسارات المذكورة بوسائل مختلفة وصولاً إلى تحقيق هدفهما الاستراتيجي المشترك في تغيير التركيبة السكانية لبلاد الشام، ورصدت إيران أموالاً طائلة لتحقيق هذا الهدف، فيما قدم النظام لها كافة التسهيلات القانونية واللوجستية المطلوبة، تحت غطاء التعاون في حلف الممانعة من أجل التصدي للمشروع الصهيوني – الأمريكي في المنطقة، فكان من أهم تلك الوسائل والأدوات خلال ما يمكن تسميتها بالمرحلة الخفية الهادئة، التي جرت عملية التغيير الديمغرافي فيها بشكل يومي طيلة أكثر من ثلاثين سنة من فترتي حكم الأب حافظ الأسد وابنه بشار الأسد من بعده، ما يلي:
1- تقديم الامتيازات والتسهيلات لعلوي تركيا ولبنان في مسألة القدوم إلى سورية والحصول على الجنسية السورية، فنشأت منهم أحياء سكنية في حمص وحماه ودمشق واللاذقية وطرطوس.
2- محاولة استرجاع الأصول النصيرية في الداخل السوري لعائلات كانت قد تحولت من النصيرية إلى مذهب أهل السنة والجماعة، وتم ذلك عن طريق جهود استخباراتية خفية، وبواسطة جمعية الامام المرتضى التي شكلها جميل الأسد في الثمانينات من القرن الماضي، وحاول نشر مذهب النصيرية بين العشائر العربية السورية من خلالها أيضاً.
3- تشكيل مليشيات عسكرية خاصة، كسرايا الدفاع، وسرايا الصراع، والحرس الجمهوري من أبناء الطائفة العلوية حصرا، وبناء وحدات سكنية خاصة بها في العاصمة دمشق، كأحياء السومرية، وعش الورور، وضاحية الأسد، والمزة 86، ومساكن الحرس الجمهوري.
4- تشجيع الانجاب وتعدد الزوجات داخل الطائفة العلوية عن طريق سياسة خفية خاصة، تبنى متابعتها رفعت الأسد، وخصص لها حوافز ومكافآت مالية مجزية.
5- اتباع سياسة التضييق الأمني والوظيفي والاقتصادي على أبناء الشعب السوري، خاصة من أبناء الأكثرية السنية، لدفعهم نحو الهجرة الخارجية والاستقرار خارج سورية.
6- تقديم التسهيلات في مسألة قدوم الشيعة من العراق ولبنان وإيران إلى سورية، وإعطاؤهم الجنسية السورية، حيث تم تجنيس أكثر من نصف مليون شيعي في سورية في فترة ما قبل اندلاع الثورة السورية بتاريخ 15/3/2011م.
7- قيام إيران بالاستثمار الواسع في سورية، وسيطرتها على مرافق الاقتصاد السوري، واستقدامها للعمالة الشيعية من جنسيات عدة، ثم تشجيعهم على الاستقرار حول الأماكن الشيعية المقدسة في سورية كحي السيدة زينب بدمشق وغيره.
8- عملية شراء العقارات وبناء الحسينيات والمراقد الشيعية المزعومة في مختلف المحافظات السورية، وتوظيف من يقوم على إدارتها وخدمتها من العائلات السورية السنية مقابل رواتب مغرية، وصولا إلى نشر المذهب الشيعي في مناطقها، وتشجيع السياحة والزيارات الشيعية إليها في المستقبل.
9- بناء الحوزات العلمية الشيعية، حيث وصل عددها إلى /69/ حوزة علمية شيعية، تعمل على جذب الطلبة الشيعة من كافة الجنسيات للدراسة المجانية فيها، وتشجيعهم على الاستقرار في سورية، والحصول على الجنسية السورية، وممارسة الدعوة للمذهب الشيعي، علما بأن سورية كانت خالية تماماً من أية حوزة علمية شيعية قبل عام 1979م.
10- فتح مكاتب لزواج المتعة في دمشق من شابات إيرانيات، وتشجيع شباب السنة على السفر إلى إيران والتحول إلى المذهب الجعفري.
11- فتح باب التعاون الثقافي والعلمي بين إيران وسورية على مصراعيه، وتقديم المنح المجانية للدراسة في إيران، وصولا إلى نشر المذهب الشيعي في صفوف الدارسين.
وعندما اندلعت الثورة السورية في 15/3/2011م، كانت محاولات نشر التشيع في سورية من أهم أسباب الاحتقان الشعبي العام والثورة على النظام، فأوقفت الثورة تلك المحاولات الناعمة الخفية المخططة لهدف التغيير الديمغرافي في سورية، لتبدأ المحاولات بنمط قبيح وأدوات اجرامية لاإنسانية، مما يشير إلى أن إيران قد حرقت كل مراكبها في سورية، وسخرت جل إمكاناتها لتحقيق هدفها الاستراتيجي في تغيير التركيبة السكانية لبلاد الشام، ولا تقبل بأقل من ذلك على المدى البعيد، حتى لو أجبرتها الظروف والمعادلات الدولية والإقليمية على التكتيك وتكييف خطتها مرحليا باتجاه ما أسماه بشار الأسد بسورية المفيدة، والعمل بالأوراق المتاحة من أجل تمرير الوقت والالتفاف على الظروف، انتظارا لفرصة سانحة أفضل، لأن تقسيم سورية لا يقع في مصلحة إيران، وهي لا تقبل بأقل من النفوذ الكامل على امتداد الأرض السورية وصولا إلى الآتي:
1- عملية الربط الأيديولوجي لما سمي بالهلال الشيعي الممتد من طهران إلى بيروت مروراً ببغداد ودمشق.
2- الوصول إلى سواحل البحر المتوسط برا.
3- فرض الطوق الجغرافي على العدو التاريخي والمنافس التركي السني، وعزله عن بعده الاستراتيجي جنوباً في العالم العربي.
4- تحسين واقعها الجيوبلوتيكي في الخليج العربي ومضيق هرمز، بإيجاد منفذ احتياطي لها نحو العالم الخارجي عبر البحر المتوسط.
لذلك دعمت إيران حليفها النظام السوري بكل إمكاناتها المادية والسياسية والعسكرية، وجاءت إلى سورية برجلها وخيلها وخيلائها وبأذرعها الطائفية كافة، ولعبت مع الأطراف واللاعبين الدوليين فوق الطاولة وتحت الطاولة، وأخرجت مصالحها في سورية من دائرة المساومة أو المقايضة، ومضت مع النظام في مشروعهما للتغيير الديمغرافي في سورية، ضاربين عرض الحائط بالقيم والمبادئ والقوانين كافة، ومستخدمين أقسى الوسائل والأدوات الاجرامية، ومنها ما يلي:
1- استهداف المناطق المأهولة بالسكان بأنواع الأسلحة كافة بما فيها البراميل المتفجرة والأسلحة الكيماوية والصواريخ الفراغية، دفعاً بأهلها للنزوح الداخلي أو اللجوء إلى دول الجوار، حيث تشير التقديرات إلى أكثر من /6/ ملايين نازح في الداخل، وأكثر من /8/ ملايين لاجئ نحو الخارج.
2- احتلال الأرض وارتكاب المجازر الفظيعة بأهلها ودفعهم للهروب أو تهجيرهم منها قسرا كما حدث في كثير من المناطق، وأهمها بلدة القصير وما حولها في ريف حمص.
3- الحصار والتجويع تحت القصف والقتل والتدمير، ومنع دخول الغذاء والدواء حتى الموت أو الاستسلام أو القبول بصفقات الخروج الآمن، وإخلاء المناطق السكنية، كما حدث في اتفاق خروج السكان من أحياء حمص القديمة والزبداني والحجر الأسود وداريا مؤخرا، وغيرها من المناطق، وقد أفصحت إيران عن أهدافها الخبيثة بشكل فاضح في أثناء مفاوضاتها مع حركة أحرار الشام الإسلامية بشأن الزبداني، إذ طلبت صراحة إبدال وإحلال سكان الفوعة وكفريا بدلا من سكان الزبداني.
4- مصادرة بيوت اللاجئين وممتلكات الفارين من مناطق سيطرة النظام خوفاً الاعتقال والبطش وملاحقة الأجهزة الأمنية.
5- توطين عوائل المليشيات الشيعية العراقية والأفغانية التي تقاتل مع النظام في المساكن المصادرة أو التي هجرها أهلها قسرا أو خوفاً، على مبدأ أطلقه بشار الأسد "سورية لمن يدافع عنها وليس لمن يحمل جواز سفرها"، وخاصة كتائب أبو الفضل العباس التي يزيد عدد مقاتلوها على /8/ ثمانية آلاف مقاتل، وحركة النجباء العراقية التي يزيد عدد مقاتلوها على /5/ خمسة آلاف مقاتل.
6- منع اتباع النظام ومؤيديه الفارين مؤخراً من المناطق المحررة في ادلب من التوجه إلى مناطقه الحيوية في الساحل السورية، حرصا منه على الحفاظ على تركيبتها السكانية ذات الأغلبية العلوية.
كشفت إيران صاحبة الأطماع الجيبوليتيكية في المنطقة العربية حقيقة مشروعها المذهبي الطائفي التوسعي، واعتبرت سقوط النظام السوري خسارة جيوسياسية كبيرة لها، لذا أصبح لزاماً عليها الدفاع عنه حتى اللحظة الأخيرة.
ويعي صانع السياسية الإيرانية أنه لم يعد أمامه من خيارات سوى المضي خلف تحقيق المشروع الإيراني الخارجي حتى النهاية أو الهزيمة والانسحاب من المنطقة، والنتيجة الثانية هي من ينتظر إيران في سورية بإذن الله، فالشام باركها الله لأهلها المباركين وليس للمجوس الغازين.